الخلافات بين القادة العسكريين تقوض الجهود الحربية لموسكو
الخلافات بين القادة العسكريين تقوض الجهود الحربية لموسكو

رسمت وثائق استخباراتية منسوبة لوزارة الدفاع الأميركية صورة قاتمة عن واقع التنسيق العسكري بين المؤسسات الأمنية والعسكرية الروسية، مع تصاعد الخلافات والصدامات بين مسؤوليها خلال الأشهر الأخيرة.

وتسلط الوثائق الاستخباراتية المزعومة الضوء على الخلافات الحادة بين المسؤولين الروس فيما يتعلق بحرب أوكرانيا، حيث تكشف "تشتت" المجهود الحربي الروسي بسبب الصراعات بين القيادة العسكرية الروسية، خاصة بعد دخول مجموعة "فاغنر" على خط الصراع، بحسبما نقلته صحيفة "وول ستريت جورنال".

وسربت عشرات الوثائق والصور على منصات تويتر وتلغرام وديسكورد وغيرها من المواقع في الأيام الأخيرة، يرجح أنها لوثائق أميركية سرية، عدد كبير منها على صلة بالحرب في أوكرانيا.

وقال مسؤولو وزارة الدفاع الأميركية إنهم يعتقدون أن بعض الوثائق يمكن أن تكون أصلية، على الرغم من أن بعضها قد تم تغييره، مشيرة إلى أنها تعمل على تقييم الضرر الناجم عن هذا الخرق الاستخباراتي، والذي قد يكون أحد أهم التسريبات في التاريخ الحديث، بحسب الصحيفة.

واعتبر البنتاغون أن التسريب الذي فتحت وزارة العدل تحقيقا بشأنه، يبدو أنه يتضمن عمليات تقييم وتقارير استخبارية سرية لا تقتصر على أوكرانيا فحسب، بل تشمل أيضا روسيا، وتحليلات على قدر كبير من الحساسية لحلفاء للولايات المتحدة.

ّ"أسباب الفشل الروسي"

وأوضحت "وول ستريت جورنال" أن الوثائق المسربة حول القوات الروسية، تكشف أهم الأسباب التي يعتقد العديد من المحللين العسكريين، أنها وراء فشل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في تحقيق نصر عسكري في أوكرانيا بعد أكثر من 13 شهرا من الحرب.

ويتمثل السبب الأبرز بحسب "وول ستريت جورنال" في الخلافات الداخلية المتصاعدة بين القادة والمسؤولين العسكريين وتبادل الاتهامات بين الوكالات الروسية المسؤولة عن جوانب مختلفة من الحرب، بما في ذلك جهاز الأمن الفيدرالي ووزارة الدفاع، خاصة فيما يتعلق بعدد ضحايا الحرب وبالخلافات مع مؤسس مجموعة فاغنر.

وتشير الوثائق إلى أن مؤسس مجموعة فاغنر، يفغيني بريغوزين، استغل وجود قواته على ساحة المعركة لكسب نفوذ مع الكرملين، حيث نسب الفضل إلى قواته في انتصارات مثل السيطرة على بلدة سوليدار شمال باخموت والاستيلاء على سيفيرودونتسك، الصيف الماضي.

غير أنه مع حلول أواخر فبراير الماضي، خرج بريغوزين بانتقادات علنية لمهاجمة رئيس الأركان ووزير الدفاع الروسي، سيرجي شويغو، بعد قرارهما وقف إمداد مقاتليه من الحصول على الذخيرة التي يحتاجونها.

وورد في إحدى الوثائق المسربة أن فاليري جيراسيموف، رئيس الأركان العامة الروسية، أمر بوقف إمدادات الذخيرة لمجموعة فاغنر في 12 فبراير الماضي، في الوقت الذي تكبدت فيه وحداتها خسائر كبيرة خلال قتالها للسيطرة على مدينة باخموت شرق أوكرانيا بعد أشهر من المعارك العنيفة.

وقال بريغوزين: "هناك ببساطة معارضة مباشرة مستمرة، وهي ليست أكثر من محاولة لتدمير فاغنر"، قائلا إن الذخيرة كانت موجودة في المستودعات لكن المسؤولين منعوها من الوصول إلى رجاله.

وتكشف وثيقة مسربة يرجع تاريخها إلى أواخر فبراير، مساعي وزارة الدفاع الروسية لمواجهة بريغوزين، مع "قلق مسؤولي الوزارة من أن الكرملين لم يكن يتخذ الخطوات المناسبة لكبح جماحه، بعد اتهاماته العلنية على وسائل التواصل الاجتماعي".

ونقلت الوثيقة عن فلاديسلاف أندرييفسكي، أحد أعضاء فاجنر، قوله إنه بعد تفجر هذه الخلافات استدعى بوتين بريغوجين ووزير الدفاع إلى اجتماع، بهدف تهدئة التوترات بين الرجلين.

ولم ترد وزارة الدفاع الروسية على طلبات "وول ستريت جورنال"، للتعليق على موضوع الخلافات بين بريغوزين وشويغو أو على تعليقات زعيم فاغنر حول رفض إمداد قواته بالذخيرة وتأثيرات ذلك على المجهود الحربي لروسيا.

عدد الضحايا الحقيقي 

ووفقا لوثيقة أميركية أخرى من التسريبات المزعومة، اتهم جهاز الأمن الفيدرالي الروسي وزارة الدفاع بعدم الإبلاغ عن حجم الخسائر الحقيقي في أوكرانيا من خلال عدم إحصاء الوفيات بين الوحدات التي لا تشكل جزءا من القوات المسلحة، مثل فاجنر والحرس الوطني أو المقاتلين الذين أرسلهم رمضان قديروف، زعيم الشيشان بجنوب روسيا.

وقدر مسؤولو الأمن الفيدرالي أن العدد الفعلي للروس الذين أصيبوا أو قتلوا في القتال في أوكرانيا بلغ حوالي 110.000، وهو ما يزيد كثيرا عن التقديرات الرسمية.

وذكر في إحدى الوثائق المسربة أن الحرس الوطني الذي كلف منذ بدء الغزو بالتصدي للاحتجاجات على الأراضي الأوكرانية المحتلة وحراسة أهداف استراتيجية، عانى أيضًا من خسائر في صفوف الأفراد المشاركين في الدفاع عن مواقع في الخطوط الأمامية. 

وقالت إن خسائر الأفراد في وحدات الحرس الوطني تقوض قدرة روسيا على السيطرة على الأجزاء التي احتلتها في أوكرانيا.

وأبرزت صحيفة "نيويورك تايمز"، أن الوثائق المسربة تظهر أن الصراعات داخل الحكومة الروسية وبين المسؤولين العسكريين أوسع وأعمق من المتوقع.

وعلاقة بموضوع "التعتيم على الضحايا الروس في أوكرانيا"، أشارت الصحيفة إلى أن الخلافات حول حجم الخسائر البشرية تعكس "استمرار إحجام المسؤولين العسكريين عن نقل الأخبار السيئة إلى أعلى التسلسل القيادي".

وتكشف الوثائق بحسب الصحيفة، أن القوات المقاتلة المتنوعة التي نشرها الكرملين في أوكرانيا، تتصرف أحيانا بأهداف توجيهات متعارضة، مما زاد من تعقيد الجهود العسكرية الروسية.

وأوضحت وزارة الدفاع الأميركية أن من بين الوثائق المسربة واحدة تمّ تداولها على الإنترنت ويبدو أنها عُدلت لكي تُظهر أنّ أوكرانيا تكبّدت خسائر بشرية أكثر مما تكبّدته روسيا، في حين أن الوثيقة الأصلية تشير إلى أن العكس صحيح.

سلاح تركيا

وتشير وثائق مسربة إلى أن "فاغنر" تواصلت مع شخصيات تركية للمساعدة في شراء أسلحة ومعدات "لدعم جهودها في مالي وأوكرانيا".

وأبرزت الوثائق أن فاغنر التي كانت في حاجة إلى الأسلحة والذخيرة سعت في أوائل فبراير للحصول على أسلحة من تركيا، العضو في منظمة حلف شمال الأطلسي، وعقدت المجموعة اجتماعات مع جهات اتصال تركية في محاولة للتوسط في هذه الصفقة. 

وقال دبلوماسيون غربيون في أنقرة إنه من غير المرجح أن توافق الحكومة التركية على بيع أسلحة لفاغنر، لكن ذلك لا يستبعد احتمال أن يحاول عملاء فاغنر البحث عن أسلحة في السوق السوداء.

وقال متحدث باسم وكالة الصناعة الدفاعية التركية التي تشرف على صناعة السلاح في البلاد إنه ليس لديهم معلومات عن المزاعم الواردة في الوثائق المسربة.

الهجمات والمعارك مستمرة في أوكرانيا منذ فبراير 2022 - رويترز
الهجمات والمعارك مستمرة في أوكرانيا منذ فبراير 2022 - رويترز

قال وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، إن بلاده أرادت بإطلاقها صاروخ فرط صوتي على أوكرانيا أن يدرك الغرب أنها مستعدة لاستخدام أي وسيلة لإحباط أي محاولة تهدف لإلحاق "هزيمة استراتيجية" بها.

وقال لافروف، في مقابلة مع الصحفي تاكر كارلسون الخميس، إن "على الولايات المتحدة وحلفاءها الذين يقدمون أيضا هذه الأسلحة طويلة المدى لنظام أوكرانيا -- أن يدركوا أننا على استعداد لاستخدام أي وسيلة تحول دون نجاحهم فيما يصفوه (بإلحاق) هزيمة استراتيجية بروسيا".

وأضاف لافروف أنه "لخطأ كبير للغاية" أن يفترض أي شخص في الغرب أن روسيا ليس لديها خطوط حمراء.

وتأتي هذه التصريحات قبل أقل من شهرين من تنصيب ترامب، في حين تقول إدارة الرئيس، جو بايدن، إنها تريد "ضمان أن تكون لدى أوكرانيا القدرات التي تحتاجها للدفاع عن نفسها ضد العدوان الروسي". 

وتابع لافروف "نود أن تكون لدينا علاقات طبيعية مع جميع جيراننا في شكل عام، مع كل البلدان، وبخاصة مع دولة كبيرة مثل الولايات المتحدة"، مضيفا "لا نرى سببا يمنع روسيا والولايات المتحدة من التعاون من أجل مصلحة العالم". 

وكان لافروف قد حذر في كلمته خلال الاجتماع من أن ما وصفها بالحرب الباردة الجديدة يمكن أن تدخل "مرحلة ساخنة".

وأثار استخدام روسيا نهاية شهر نوفمبر صاروخ أوريشنيك الفرط صوتي متوسط المدى ضد مدينة دنيبرو الأوكرانية، في تصعيد كبير للحرب المستمرّة منذ حوالى ثلاث سنوات، في خطوة وصفتها الأمم المتحدة بأنها "تطور جديد يثير القلق. 

ويمكن لصاروخ "أوريشنيك" البالستي المتوسط المدى (يصل إلى 5500 كيلومتر)، حمل رؤوس نووية، والتحليق بسرعة 10 ماخ أي ثلاثة كيلومترات في الثانية، وفق موسكو. 

وقالت روسيا إنها نفذت هذه الضربة ردا على ضربتين شنتهما أوكرانيا على الأراضي الروسية بصواريخ ATACMS الأميركية وصواريخ ستورم شادو البريطانية، وهي أسلحة يبلغ مداها نحو 300 كيلومتر.

وقلّل مسؤول أميركي في إحاطة غير مصورة، من احتمال أن يغير الصاروخ مسار الحرب، "خصوصا أن روسيا تمتلك على الأرجح عددًا محدودًا جدًا من هذه الصواريخ التجريبية، وأن أوكرانيا تمكنت من الصمود في وجه هجمات روسية متعددة، بما في ذلك هجمات بصواريخ ذات رؤوس حربية أكبر بكثير من هذا الصاروخ".

روسيا تجري تدريبات على صواريخ "أسرع من الصوت".. رويترز
مناورات في المتوسط.. روسيا تتدرب على صواريخ "أسرع من الصوت"
مئات الأفراد وعشرات الطائرات والسفن وصواريخ أسرع من الصوت. عناوين ضخمة احتلت وكالات الأبناء الروسية للإعلان عن تدريبات مشتركة للبحرية والقوات الجوية الفضائية في شرق البحر المتوسط بالتزامن مع العمليات العسكرية الجارية في أوكرانيا.

أمين عام حلف الناتو، مارك روته، قال من جهته إن الرئيس الروسي "بوتين يصعّد من خطابه وأفعاله المتهورة، ويستخدم أوكرانيا أرضَ اختبارٍ للصواريخ التجريبية، كما ينشر جنودًا من كوريا الشمالية في هذه الحرب غير القانونية".

وأعلن روته أن الحلف "بصدد إنشاء مقر قيادة جديد للناتو في لشبونة لتنسيق المساعدات الأمنية والتدريب لأوكرانيا.

وتخشى أوكرانيا وحلفاؤها الأوروبيون أن يضعف الدعم الأميركي لها فيما تواجه قواتها صعوبات على الجبهة، أو أن يفرض عليها اتفاق يتضمن تنازلها عن مناطق لروسيا.

سخونة الحرب التي تحدث عنها لافروف هي الإرث الذي ستحمله إدارة الرئيس المنتخب دونالد ترامب بدءا من العشرين من شهر يناير المقبل.

وانتقد ترامب مرارا حجم الدعم الأميركي لأوكرانيا وتعهد بإنهاء الحرب بسرعة دون أن يذكر كيف.

وتم تفسير ذلك على أنه يزيد من احتمال بدء محادثات سلام، التي لم تُعقد منذ الأشهر الأولى بعد الغزو الروسي الشامل في أوكرانيا في فبراير 2022.