الجيش الأوكراني يخوض معارك شرسة لاستعادة مدينة باخموت المدَمّرة حاليًا
الجيش الأوكراني يخوض معارك شرسة لاستعادة مدينة باخموت المدَمّرة حاليًا

يبلغ الجندي الأوكراني يوري كوربان 39 عامًا، لكنه يبدو أكبر بعشر سنوات. يظهر الإرهاق على ملامح وجهه المُسمر بعد أسبوع من القتال الدامي قرب مدينة باخموت في شرق أوكرانيا. 

استدعي كوربان وهو أب لثلاثة أطفال في أغسطس الماضي للانضمام إلى صفوف المقاتلين في شمال باخموت التي استولت عليها القوات الروسية في مايو بعد اشتباكات عنيفة جداً، بدأت في صيف 2022.

وروى لوكالة فرانس أنّ خلال يومه الأخير على الجبهة "بدأ القصف في الساعة الرابعة فجراً بقذائف الهاون والمدفعية. ثم هدأ قليلاً. وبعد ساعة باشر العدو تصعيد" الهجوم. 

وقال الرجل الذي كان يعمل في قطاع البناء قبل استدعائه للقتال "رددنا. رشاشات، قاذفات صواريخ آر بي جي، قاذفات قنابل يدوية، ثم قذائف هاون. باختصار، بدأت المعركة". 

منذ بداية هجومهم المضاد في يونيو يتقدّم الأوكرانيون ببطء على جوانب باخموت، في خضم قتال "شرس" بحسب وزارة الدفاع، في محاولة لتطويق العدو واستعادة المدينة المُدمّرة حالياً.

القوات الروسية استولت على باخموت في مايو الماضي

 "أدرينالين"

خلال المعركة، "ترتفع نسبة الأدرينالين في الدم، نحن في نوع من الإثارة (...) نقاتل من أجل حياتنا وحياة إخوتنا"، على قول كوربان. 

وأضاف "نحتاج لأن نكون هناك، في هذا المكان. نكون مشدودين كحبل وتراودنا فكرة واحدة: تدمير العدو الذي جاء إلى أرضنا". وكرر الجندي "في ساحة المعركة، عليك أن تقتل". 

ورداً على سؤال عما اذا كان يشعر بالخوف أجاب "بالطبع، نشعر بالخوف لكننا نتماسك. وعندما نقاتل، يختفي الخوف. خلال القتال يجب ألا تخاف، عليك إنجاز مهمتك بوضوح. الخوف أيضًا عدو". 

وأفاد كوربان بأنّ بعد القتال "تشعر بألم في الساقين والذراعين جراء جهد بدني كبير. ويستغرق التعافي بضعة أيام".  

وفي الجانب الجنوبي من باخموت، تتقدّم القوات الأوكرانية ببطء، خصوصاً في اتجاه قرية كليشيفكا.

في هذا المكان يقاتل فيتالي ستوليارتشوك (31 عامًا) وهو قائد فصيلة مشاة. 

الأوكرانيون يتقدمون ببطء في باخموت منذ بدء الهجوم المضاد في يونيو

وقال الجندي واضعاً نظارات داكنة على وجهه "بالطبع هذا مخيف، فقط المجنون لا يخاف". وأضاف "أؤمن بالله وأطلب منه باستمرار أن أخرج أنا وإخوتي من المعركة أحياء". وتابع "يجب أن يحافظ الجندي على الهدوء والتركيز ويراقب كل ما يدور حوله".

وأكد قائد الفصيلة أنّ "قتل شخص أمر صعب، وإنهاء حياة شخص ما أمر صعب. يبدي الروس مقاومة قوية"، لكن "فرصهم ضئيلة: بعد تحضير مدفعي، نخرج ونقضي على من بقوا". 

 ألغام 

وعندما سُئل عما إذا كان يحصي عدد الأعداء الذين قتلهم قال يوري كوربان "هذا مستحيل ولا معنى له". وأضاف "لم أحصِ القتلى الروس! فقط المبتدئون يفعلون ذلك".

ويواجه الأوكرانيون في هذه المنطقة ألغاماً روسية مضادة للأفراد. 

وقال فيتالي ستوليارتشوك "الألغام في كل مكان. هم (الروس) يفرون بسرعة كبيرة تاركين أسلحتهم وراءهم. ويزرعون الألغام في مواقعهم أثناء الانسحاب. ويقع الجنود (الأوكرانيون) من عديمي الخبرة في هذا الفخ".

وأكد الطبيب المتطوع، فولوديمير فيسيلوفسكي، العامل في نقطة مستقرة حيث يتلقى الجنود الجرحى الإسعافات الأولية أنّ الإصابات من هذا النوع تضاعفت. 

وقال لوكالة فرانس برس "منذ أسابيع عدة لدينا مزيد من الإصابات الناجمة عن الألغام. إصابات في القدمين والساقين. واستقبلنا في أحد الايام خمسة جرحى اضطررنا لإخضاعهم لعمليات بتر بعد ذلك".

يواجه الأوكرانيون خطر الألغام الروسية خلال المعارك في باخموت

لكنه أفاد بأنّ الغالبية العظمى من الإصابات مرتبطة بقصف مدفعي، وخصوصاً القصف الناجم عن راجمات الصواريخ "غراد". 

ويقود "ياري" وهو اسمه الحربي كتيبة تضم نحو عشرة صواريخ من طراز "إل أر أم غراد" LRM Grad، يمكنها إطلاق ما يصل إلى 40 صاروخًا في 20 ثانية تغطي "مربعًا مساحته 400 متر مربع".

كل شيء يحترق وينفجر 

قال "إنه مربع صلب حيث يحترق كل شيء وينفجر. ولهذا تأثير نفسي كبير جداً (على الروس). بعد هجمات عدة مماثلة، يلقون أحيانًا أسلحتهم ويركضون في اتجاه غير معروف". 

على بعد أقل من كيلومترين من المواقع الروسية، يختبئ ماسيك (27 عامًا)، وهو قائد مسيّرات، في ظل أشجار في خندق صغير. فوقه يُسمع صوت قذائف تتقاطع بانتظام، وتطلق من مسافة بعيدة من مواقع المدفعية لدى الطرفين. 

قال إنه "متفائل" بشأن الهجوم الأوكراني. وأكد أنّ "باخموت ستكون لنا"، و"يجب أن نطرد العدو من أرضنا" و"نحرر الوطن كله". 

ويأمل فيتالي ستوليارتشوك الذي كان يعمل نادلاً في أوديسا المدينة الساحلية الجنوبية قبل الغزو الروسي، في العودة "إلى ديارنا، إلى البحر، في أقرب وقت ممكن". 

من جانبه يحلم يوري كوربان الذي يتحدث إلى عائلته "عبر الهاتف، وعبر الرسائل" متى تمكن، بأخذ عطلة، ربما بعد الصيف.

وقال "آمل أن نطرد هذا الشر من أرضنا إلى جبال الأورال. ويعود الأزواج إلى زوجاتهم والأطفال إلى والديهم. وسنعيد بناء بلدنا".

أوكرانيا تمتلك موارد نادرة تقدر بـ 26 تريليون دولار . أرشيفية - تعبيرية
أوكرانيا تمتلك موارد نادرة تقدر بـ 26 تريليون دولار . أرشيفية - تعبيرية

تشتهر أوكرانيا بأنها سلة "خبز" أوروبا، بسبب محاصيلها المهمة من الحبوب، ولكنها تتمتع بموارد نادرة ذات أهمية كبيرة.

تحدث الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، عن مخزون هائل من الموارد الأرضية النادرة وغيرها من المعادن المهمة، ضمن مساعيه لجذب الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى التوصل لاتفاق.

وأكد خلال مقابلة مع رويترز الجمعة أن أقل من 20 في المئة من الموارد المعدنية في أوكرانيا، ومنها نحو نصف مخزونها من العناصر النادرة، موجود في الأراضي التي تحتلها روسيا.

وكان الرئيس ترامب، قد قال مطلع فبراير إنه يريد من كييف تزويد الولايات المتحدة بالمعادن النادرة مقابل دعمها في جهودها الحربية ضد روسيا.

المعادن النادرة

مخزون كبير من الموارد النادرة في أوكرانيا. أرشيفية

فكرة الموارد النادرة كان قد عرضها زيلنسكي في "خطة النصر" التي قدمها لحلفائه الغربيين بما في ذلك ترامب في خريف 2024.

ومن بين الموارد الموجودة على الكرة الأرضية، يصنف 17 معدنا ضمن مجموعة المعادن النادرة، والتي تستخدم في تصنيع المغناطيس عالي الأداء والمحركات الكهربائية والأجهزة الإلكترونية، وأنظمة الصواريخ.

وتصنف هيئة المسح الجيولوجي الأميركية 50 معدنا بالغة الأهمية، بينها المعادن النادرة، والنيكل والليثيوم، بينما تضم قائمة الاتحاد الأوروبي 34 معدنا.

وهي تعتبر نادرة لقلتها وعدم وجود بدائل لها تؤدي نفس الوظيفة.

وتعد الصين، أكبر منتج للمعادن النادرة والحيوية في العالم.

فكم تمتلك أوكرانيا من مخزون للموارد الأرضية النادرة؟

أوكرانيا لديها موارد هامة لصناعات الإلكترونيات والفضاء. أرشيفية - تعبيرية

بحسب بيانات وزارة الاقتصاد في كييف، تمتلك أوكرانيا موارد من 22 معدنا من بين 34 معدنا التي تعتبر ذات أهمية عالية في قائمة الاتحاد الأوروبي.

وتشمل هذه الموارد ما يستخدم في المواد الصناعية، ومواد البناء، وسبائك الحديد، وعناصر أرضية نادرة، واحتياطيات ضخمة من الفحم.

وبحسب معهد الجيولوجيا الأوكراني، تمتلك كييف عناصر أرضية نادرة مثل: اللانثانوم والسيريوم، المستخدمة في أجهزة التلفاز والإضاءة؛ والنيوديميوم، المستخدم في توربينات الرياح وبطاريات السيارات الكهربائية؛ والإربيوم والإتريوم، والتي تتراوح تطبيقاتها من الطاقة النووية إلى الليزر.

وبحسب بيانات للمعهد والتي مولها الاتحاد الأوروبي تمتلك أوكرانيا احتياطيات من سكانديوم المستخدم في صناعات الطيران.

ويقول زيلينسكي أيضا إن أوكرانيا تمتلك أكبر احتياطيات من التيتانيوم واليورانيوم في أوروبا.

وبحسب تقرير نشره موقع المنتدى الاقتصادي العالمي، تعد أوكرانيا موردا رئيسيا لليثيوم والبيريليوم والمنجنيز والغاليوم والزركونيوم والغرافيت والأباتيت والفلوريت والنيكل.

وتؤكد تقديرات هيئة الجيولوجيا الحكومية تمتلك أوكرانيا واحدة من أكبر احتياطيات أوروبا المؤكدة من الليثيوم، والتي تقدر بنحو 500 ألف طن متري.

ويستخدم الليثيوم في صناعة البطاريات والسيراميك والزجاج، بينما تتمركز احتياطيات التيتانيوم في الغالب في شمال غرب ووسط أوكرانيا، بينما يقع الليثيوم في الوسط والشرق والجنوب الشرقي.

وتمثل احتياطيات أوكرانيا من الغرافيت، وهو مكون رئيسي في بطاريات السيارات الكهربائية والمفاعلات النووية، 20 في المئة من الموارد العالمية، والتي تتركز في وسط البلاد وغربها.

 كميات الموارد التي تمتلكها أوكرانيا 

روسيا تسيطر على حوالي نصف الموارد النادرة لأوكرانيا. أرشيفية

التيتانيوم

تتصدر أوكرانيا أوروبا من حيث احتياطيات التيتانيوم وتحتل المرتبة العاشرة على مستوى العالم، وتنتج 7 في المئة من الإنتاج العالمي، ولديها 28 حقلا يتم استخراجه منه، فيما يتم إنتاج معادن إضافية خلال عملية الإنتاج مثل الزركونيوم.

الليثيوم

تمتلك أوكرانيا ثلث احتياطيات الليثيوم في أوروبا، وهو ما يمثل ما يقرب من 3 في المئة من الإنتاج العالمي.

الغرافيت

تمتلك أوكرانيا 20 في المئة من موارد الغرافيت في العالم، حيث تبلغ احتياطها حوالي 19 مليون طن من الخام، وهي واحدة من أكبر خمس دول في العالم من حيث الاحتياطيات.

النيكل والكوبالت

تضم أوكرانيا 12 منطقة لاستخراج سيليكات النيكل، والتي تحتوي أيضًا على الكوبالت كمنتج ثانوي، حيث تقدر احتياطيات الكوبالت بـ 9000 طن.

وقال أوليكسي سوبوليف، النائب الأول لوزير الاقتصاد الأوكراني في يناير الماضي إن الحكومة تعمل على إبرام صفقات مع حلفاء غربيين بما في ذلك الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا بشأن مشاريع تتعلق باستغلال المواد الحيوية.

وتقدر الحكومة إجمالي إمكانات الاستثمار في القطاع بنحو 12 إلى 15 مليار دولار بحلول عام 2033.

وذكرت هيئة الجيولوجيا في كييف أن الحكومة تستعد لمنح تراخيص مشتركة لنحو 100 موقع وتطويرها، من دون تقديم المزيد من التفاصيل.

وبحساب قيمة هذه المعادن الهامة، تمتلك أوكرانيا مجموعة واسعة تقدر بأكثر من 26 تريليون دولار أميركي.
زيلينسكي أكد أن كييف لا تقترح "التخلي" عن مواردها، بل تعرض شراكة مفيدة للطرفين لتطويرها بشكل مشترك.

وقال "قدم الأميركيون المساعدة أكثر من غيرهم، وبالتالي يجب أن يكسب الأميركيون أكثر من غيرهم. ويجب أن تكون هذه الأولوية لهم، وستكون لهم. أود أيضا التحدث عن هذا مع الرئيس ترامب".

وقال إن روسيا تعرف بالتفصيل مواقع الموارد الحيوية لأوكرانيا من المسوحات الجيولوجية التي تعود إلى الحقبة السوفيتية والتي أعيدت إلى موسكو عندما حصلت كييف على استقلالها في عام 1991.