يفغيني بريغوجين قاد في يونيو تمردا قصير الأمد ضد القيادة العسكرية الروسية
يفغيني بريغوجين قاد في يونيو تمردا قصير الأمد ضد القيادة العسكرية الروسية

بالإعلان عن مقتل زعيم ميليشيا فاغنر، يفغيني بريغوجين، في سقوط غامض لطائرة كان يستقلها مع آخرين، يواجه الكرملين مسألة خلافته على رأس الميليشيا التي تنتشر في سوريا وليبيا وأوكرانيا وأجزاء واسعة من القارة الأفريقية.

فرصة أم مشكلة؟

لم تمثل وفاة بريغوجين مفاجأة لكثير من المهتمين، ومن بينهم إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن.

ونقلت شبكة CNN عن المتحدثة باسم مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض، أدريان واتسن"لا ينبغي أن يفاجئ أحد" إذا وردت أنباء عن وجود بريغوجين على متن الطائرة التي تحطمت الأربعاء خلال رحلة بين موسكو وبطرسبورغ.

ويعني هذا، وفقا لمحللين تحدث معهم موقع "الحرة" أن موسكو تمتلك على الأرجح "خطة" لاستبدال بريغوجين بشخص أقل إثارة للمشاكل وأكثر ولاء للكرملين.

ويقول زميل معهد هدسون الأميركي، المحلل ريتشارد وايتز، إن موسكو ستعين على الأغلب شخصا من الدائرة الداخلية لبوتين لقيادة الميليشيا.

ويضيف وايتز لموقع "الحرة" أن السرية التي تحيط بالمجموعة ستجعل من الصعب التكهن بخليفة بريغوجين، لكنه سيكون بشكل "مؤكد" تابعا لموسكو.

ووفقا لصحيفة الغارديان، فإن بريغوجين، لم يكن الوحيد من قيادات فاغنر الذي لقي حتفه في الحادث بل كان معه على متن الطائرة ديمتري أوتكين، أحد أقرب حلفائه، وهو شخصية رئيسية أخرى في فاغنر.

وكان أوتكين ضابطا سابقا في الأمن الروسي ومرتزقا نشطا في سوريا لحراسة حقول النفط، وقد تورط في تنظيم قافلة فاغنر التي حاولت الذهاب إلى موسكو.

وتشير تقارير من قنوات التواصل الاجتماعي الروسية المرتبطة بفاغنر إلى أن أعضاء آخرين في قيادة الميليشيا ربما كانوا أيضا على متن الطائرة.

ويشير وايتز إلى أن للمجموعة نظاما داخليا يشير إلى أن على قادتها الاجتماع واختيار رئيس، في حال شغر المنصب أو أصبح شاغله فاقدا للأهلية.

مع هذا، لن تجري العملية بسلاسة، كما يعتقد وايتز، حيث أن من المتوقع أن تثير الرغبة بتسنم هذا الموقع "القوي" صراعات بين قادة الميليشيا، قد تكون "دموية".

لكن وايتز لم يرجح احتمال أن تقوم الميليشيا بأي تحرك ضد موسكو قائلا "مرة واحدة تكفي، نجت فاغنر بالكاد من تمرد بريغوجين ولن يعيدوا الكرة".

وفي أعقاب "مسيرة يفغيني بريغوجين إلى موسكو" قبل شهرين، توقع رئيس وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية وليام بيرنز أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتن سوف "يأخذ وقته في الانتقام".

لكن عكس توقعات كثيرين، لم تمتد يد الانتقام – حتى الآن – إلى عناصر المجموعة.

روسيا عززت نفوذها في أفريقيا بواسطة مجموعة "فاغنر"

ومع تقليص الدور البارز الذي لعبته فاغنر في العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا بالفعل في أعقاب العصيان الذي أحرج بوتين والكرملين، بدا الأمر – لفترة قصيرة - كأن بريغوجين يحاول استعادة بعض النفوذ الذي اكتسبه من خلال التحاقه بعملية في أفريقيا بناء على طلب الكرملين.

وكان بريغوجين قد أصدر بيانا يدعم الانقلاب في النيجر، اعتبره بعض المحللين تذكيرا بالكيفية التي خدمت بها فاغنر ذات مرة غايات الكرملين.

وهذا الأسبوع نشر بريغوجين شريط فيديو من مكان ما في أفريقيا فسره بعض المحللين بأن زعيم الميليشيا قد وجد دورا جديدا، وأن أفعاله قد غفرت.

ونقلت الغارديان عن بعض محلليها قولهم إنه بدون بريغوجين، فإن فاغنر "لا شيء".

لكن زميلة معهد واشنطن، والخبيرة بالشأن الروسي، آنا بيروفيسكايا، تقول إن "موسكو استثمرت كثيرا في هذه المجموعة ولن تدمرها".

وتضيف بيروفيسكايا لموقع "الحرة" إن "مقتل بريغوجين عزز قوة بوتين، لكنه وضعه أمام مشكلة اختيار قائد".

وتعتقد أن المجموعة، التي تضرر نفوذها بشدة بعد محاولة العصيان، تعرضت لضربة أخرى بوفاة زعيمها، الذي منحها الكثير من القوة وجعلها مساوية في النفوذ للقوات المسلحة، إن لم تكن أكثر نفوذا.

وأدى هذا، كما تقول الباحثة، إلى أن "المجموعة أصبحت أضعف بكثير من ذي قبل، ومن المتوقع أن تشهد انقسامات بين أعضائها"، ورجحت أن تحتاج الميليشيا إلى فترة طويلة "قبل أن تعود إلى سابق عهدها".

ووفقا للتقارير الأخيرة، بدأ مئات من مقاتلي فاغنر، الذين تم نفيهم إلى قواعد في بيلاروسيا، في مغادرة البلاد، بعضهم لأنه غير راض عن انخفاض مستويات الأجور وفقا للغارديان، والبعض الآخر انتقل للعمل في غرب أفريقيا.

وانخفضت أعداد القوة هناك بنحو الربع.

وفي روسيا ذاتها، كانت عمليات فاغنر في حالة توقف خلال الشهرين الماضيين.

بوتين وترامب
صورة تجمع بين ترامب والرئيس الروسي، فلاديمير بوتين (فرانس برس)

في أحدث تصريحاته، هدد الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بفرض رسوم جمركية وعقوبات صارمة على روسيا إذا لم تتحرك فورًا لإنهاء الحرب الطاحنة في أوكرانيا. 

تلك التصريحات أعادت تسليط الضوء بشكل أكبر على أخطر أزمة تعاني منها القارة الأوروبية منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، ورغم تحذير ترامب، فإن الكرملين وصف موقفه بأنه لا يحمل جديدًا، ما يطرح تساؤلات حول مدى فعالية هذا النهج.

وفي هذا الصدد يرى، تيمور دويدار، الخبير في الشؤون الدولية والمقيم في موسكو، أن ترامب يسعى لتحقيق مكاسب اقتصادية وسياسية داخلية وخارجية عبر إنهاء الحرب. 

ويضيف في حديثه لموقع "الحرة" أن "إنهاء الأزمة الأوكرانية ليس فقط مصلحة للولايات المتحدة بل للعالم بأسره. ترامب يدرك أن رفع العقوبات عن روسيا وإعادة تدفق الطاقة والحبوب سيؤدي إلى استقرار الأسواق العالمية، ويعزز هيمنة واشنطن على أوروبا اقتصاديًا وسياسيًا".

دويدار أضاف أن الأزمة الأوكرانية باتت تمثل عبئًا اقتصاديًا وسياسيًا على الولايات المتحدة وأوروبا، لافتا إلى أن إنهاء الحرب سيعيد فتح الباب أمام التعاون الاقتصادي بين الغرب وروسيا، خاصة في مجالات الطاقة والموارد الطبيعية. 

وشدد على أن الولايات المتحدة قد تستفيد من عودة العلاقات الطبيعية مع موسكو لتركز جهودها على مواجهة التحديات الأكبر مع الصين.

في المقابل، يؤكد الدبلوماسي الأوكراني، إيفان سيهيدا، أن أي هدنة أو وقف مؤقت لإطلاق النار لن يحقق أمن أوكرانيا.

ويضيف: "بوتين لا يفهم إلا لغة القوة. أي اتفاق دون ضمانات قوية سيكون مجرد فرصة له لإعادة تنظيم قواته استعدادًا لهجوم جديد".

 سيهيدا أكد أيضًا على ضرورة وجود دعم عسكري قوي لبلاده يرافق العقوبات لضمان تحقيق ردع فعال.

وأوضح الدبلوماسي الأوكراني أن كييف لن تعترف أبدًا بـ"الاحتلال الروسي للقرم أو أي أراضٍ أوكرانية أخرى"، مشيرًا إلى أن "جرائم الحرب الروسية والانتهاكات المستمرة لحقوق الإنسان تجعل أي تسوية مع موسكو مشروطة بمحاسبة المسؤولين وضمان سلام دائم".

 تباين في المواقف

في منشور على منصته "تروث سوشال"، أوضح ترامب أنه يسعى لإنهاء الحرب بسرعة، مشيرًا إلى أن الاقتصاد الروسي يعاني وأن أي اتفاق سيكون في مصلحة الجميع. 

ومع ذلك، لم يقدم ترامب تفاصيل حول طبيعة العقوبات الجديدة. وأضاف: "أنا أحب الشعب الروسي، ودائمًا كانت لدي علاقة جيدة مع الرئيس بوتين"، في محاولة للتأكيد على أن تهديداته تهدف لتحقيق سلام دائم وليس تصعيدًا.

من جانبها، قالت موسكو إنها "منفتحة على الحوار"، لكن ديمتري بيسكوف، الناطق باسم الكرملين، أكد أن أي مفاوضات يجب أن تقوم على احترام متبادل. بينما رأى نائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي ريابكوف، أن فرص التوصل لاتفاق مع إدارة ترامب "محدودة"، لكنه أشار إلى وجود أمل مقارنة بسياسات الإدارة السابقة بقيادة بايدن.

ترامب، الذي تولى منصبه حديثًا، أشار إلى أنه يستطيع إنهاء الحرب في أوكرانيا بسرعة. وأكد أن سياسته تهدف إلى تحقيق التوازن بين الضغط على روسيا وتحقيق الاستقرار الاقتصادي العالمي. لكن تبقى الأسئلة مفتوحة حول كيفية تحقيق هذا الهدف، خاصة في ظل استمرار التوترات بين الأطراف المختلفة.

تداعيات اقتصادية وسياسية 

الحرب المستمرة في أوكرانيا أثرت بشدة على الأسواق العالمية، خاصة في أوروبا، وهنا يقول دويدار: "إن إنهاء الحرب سيعيد التوازن للاقتصاد العالمي، ويخفف من التضخم في الولايات المتحدة وأوروبا. فالغاز الروسي الرخيص كان ضروريًا للصناعات الأوروبية، وعودته ستساهم في إنعاش الاقتصاد الأوروبي".

ويضيف أن أوروبا تعاني من شتاء قارس وارتفاع في تكاليف التدفئة، مما يزيد من الضغط على الحكومات الأوروبية لإيجاد حل سريع للصراع. 

ويشير إلى أن عودة العلاقات التجارية مع روسيا قد تكون إحدى الطرق لتخفيف هذا الضغط، لكن ذلك يعتمد على التوصل إلى اتفاق سياسي شامل.

أما سيهيدا فيرى أن السماح لروسيا بالاستفادة من عدوانها سيكون خطأ كبيرًا، مردفا: "أي تخفيف للعقوبات دون تحقيق سلام عادل سيشكل مكافأة للكرملين. يجب أن يكون هناك موقف صارم يمنع تكرار هذا السيناريو مستقبلًا".

الحرب أيضًا ألقت بظلالها على الأمن الغذائي العالمي، حيث تعطلت بعض عمليات تصدير الحبوب والأسمدة من أوكرانيا وروسيا، مما أثر على العديد من الدول النامية التي تعتمد بشكل كبير على هذه الموارد، وبالتالي، فإن التوصل إلى اتفاق سلام، كما يرى دويدار،  قد يعيد تدفق هذه الموارد بشكل طبيعي.