أوكرانيا تتبع استراتيجية خاصة في القرم
أوكرانيا تتبع استراتيجية خاصة في القرم

تعمل أوكرانيا على تقليص القوة النارية الروسية في شبه جزيرة القرم "ببطء ومنهجية"، وهو ما يساعدها في تعزيز قوة هجومها المضاد، وفق مجلة "إيكونوميست".

ومنذ بداية الصيف، كثفت أوكرانيا ضرباتها بشكل كبير على القرم باستخدام الطائرات من دون طيار محلية الصنع، وصواريخ كروز، لاستهداف قواعد عسكرية ومنشآت جوية وطائرات من دون طيار ومراكز القيادة والتحكم.

و"تضاربت الأنباء" بشأن مقتل  قائد الأسطول الروسي في البحر، في حين أكدت القوات الخاصة الأوكرانية، الإثنين، مقتله إلى جانب 33 عسكريا آخرين في هجوم صاروخي، الأسبوع الماضي، على مقر الأسطول في ميناء سيفاستوبول في شبه جزيرة القرم.

وتقول مصادر عسكرية أوكرانية للمجلة إن العمليات ليست بالضرورة غايات في حد ذاتها، بل تساعد في تعزيز الهجوم البري المضاد المستمر الذي تشنه في شمال شرقي شبه جزيرة القرم.

وتشير المصادر ذاتها إلى أن أي نجاح أوكراني في إضعاف القوة الجوية والسكك الحديدية والخدمات اللوجستية في القرم من شأنه أن يقوض القوات الروسية في الشمال الشرقي، التي يتم إمدادها مباشرة من شبه الجزيرة.

وتساعد العمليات أيضا على تعزيز قوة الجيش الأوكراني في البحر الأسود. حيث تحاول أوكرانيا حرمان روسيا من احتكار المنطقة وتسعى إلى استعادة السيطرة على طرق الشحن الحيوية.

وتشن كييف هجمات في البحر الأسود لتدمير السفن الحربية الروسية أينما استطاعت، وتدفع الباقي إلى مسافة تجعل ضرب الموانئ والمدن والممر البحري الجديد لأوكرانيا في أوديسا أمرا صعبا.

ويعتمد اقتصاد أوكرانيا على نجاح الممر البحري الجديد داخل وخارج أوديسا، الذي تم الإعلان عنه في أغسطس في أعقاب رفض روسيا تمديد صفقة الحبوب.

واختبرت أوكرانيا، الأسبوع الماضي، الممر البحري. وبحسب تقرير لصحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، فإن السفن الأوكرانية تبحر بمحاذاة سواحل رومانيا حتى تصل إلى تركيا، وأرجعت ذلك إلى أن "الدولة عضو بحلف شمال الأطلسي (الناتو)، مما يجعل السفن أقل عرضة للهجوم داخل المياه الإقليمية لرومانيا".

وفي بداية الحرب، تمركزت السفن الحربية الروسية بالقرب من أوديسا، واليوم، نادرا ما تدخل هذه السفن شمال غرب البحر الأسود، وهو إنجاز كبير بالنسبة للبحرية الأوكرانية.

ولم يحقق الهجوم المضاد حتى الآن الاختراق الذي كان يأمله الكثيرون، وعلى وجه التحديد، لم يضع شبه جزيرة القرم في مرمى المدفعية من الشمال، لكن الضغط مستمر، وفق التقرير.

وتشير المجلة إلى القدرات العسكرية الجديدة التي أصبحت في أيدي الأوكرانيين، وخطوط التمويل المقدمة لمصنعي الطائرات من دون طيار.

وتمتلك أوكرانيا أيضا صواريخ جديدة تحت تصرفها. ويقول مصدر في هيئة الأركان العامة الأوكرانية للمجلة: "التغيير الكبير هو أننا تلقينا صواريخ جديدة ومعلومات استخباراتية جديدة".

ومع ذلك، فإنه على الرغم من أن أوكرانيا تواصل تحقيق النجاحات ضد عدوها الأقوى منها، فمن غير الواضح ما إذا كانت نقطة التحول ستأتي على الإطلاق.

ويقول أندري ريجينكو، وهو كابتن متقاعد في البحرية الأوكرانية، إن الحملة الرامية إلى عزل شبه جزيرة القرم ستستمر حتى فصل الشتاء، ومع وصول الصواريخ الأميركية التي وعدت بها واشنطن، الأسبوع الماضي، سيساعد ذلك على زيادة القوة الصاروخية لأوكرانيا.

ويضيف ريجينكو "سنستمر في البحث عن نقاط الضعف، وسنستمر في إضعاف الدفاعات الروسية والخدمات اللوجستية".

وتغير روسيا تكتيكاتها ردا على التهديد الجديد. وقد نقلت بعض سفنها إلى موانئ أكثر أمانا، لكن الأهمية المعنوية لشبه جزيرة القرم بالنسبة لبوتين تعني أنه سيسعى إلى الاحتفاظ بها.

القوات الأوكرانية سيطرت على منطقة كورسك الروسية مطلع أغسطس الماضي
القوات الأوكرانية سيطرت على منطقة كورسك الروسية مطلع أغسطس الماضي

كشفت وثائق استولى عليها الجيش الأوكراني من مواقع روسية مهجورة في منطقة كورسك، أن القيادة العسكرية الروسية كانت تتوقع التوغل الأوكراني عبر الحدود، وتخطط لصده منذ أشهر.

كما توضح الوثائق، التي اطلعت عليها صحيفة الغارديان البريطانية ونشرت محتواها، عن قلق متزايد لدى القيادة الروسية بشأن انخفاض الروح المعنوية بين جنودها في منطقة كورسك.

وتفاقم هذا القلق إثر إقدام أحد الجنود على الانتحار في الجبهة، حيث تبين أنه كان يعاني من "حالة اكتئاب مزمنة نتيجة خدمته في الجيش الروسي"، بحسب المصدر ذاته.

وتكشف الوثائق أيضا عن تعليمات لقادة الوحدات بضمان تعرّض الجنود الروس يوميا لوسائل الإعلام الروسية الحكومية، وذلك بهدف الحفاظ على "توازنهم النفسي".

وقالت الغارديان، إنها لم تتمكن من التحقق بشكل مستقل من صحة الوثائق، غير أنها أشارت إلى أنها غير أنها تحمل في طياتها سمات المراسلات العسكرية الروسية الرسمية.

وذكرت الصحيفة أن فريقا أوكرانيا للعمليات الخاصة الأوكراني استولى على الوثائق التي تعود إلى وزارة الداخلية الروسية وجهاز الأمن الفيدرالي والجيش من مبانٍ في منطقة كورسك، وقدموا لها لاحقا مجموعة منتقاة للاطلاع عليها وتصويرها.

وبعض الوثائق عبارة عن أوامر مطبوعة موزعة على وحدات مختلفة، بينما البعض الآخر عبارة عن سجلات مكتوبة بخط اليد تسجل الأحداث والمخاوف في مواقع محددة.

تحذيرات من الهجوم

وكشفت الصحيفة، أنه بينما فاجأ توغل أوكرانيا في كورسك حلفاء كييف الغربيين والعديد من النخبة الأوكرانية، ضمت الوثائق العسكرية الروسية، على مدى أشهر،   تحذيرات بشأن احتمال التوغل في المنطقة ومحاولة احتلال سودجا، وهي بلدة يبلغ عدد سكانها 5 آلاف نسمة وتخضع لسيطرة الأوكران منذ أكثر من شهر.

وتحدثت وثيقة تعود إلى 4 يناير الماضي عن "إمكانية اختراق الحدود الحكومية" من قبل المجموعات المسلحة الأوكرانية، وأمرت بزيادة التدريب للاستعداد لصد أي هجوم.

في منتصف مارس، أُمرت الوحدات على الحدود بتعزيز خطوط الدفاع و"تنظيم تدريبات إضافية لقيادة الوحدات والنقاط القوية فيما يتعلق بالتنظيم السليم للدفاعات" استعدادًا لهجوم أوكراني عبر الحدود.

وفي منتصف يونيو، صدر تحذير أكثر تحديدا من الخطط الأوكرانية: "هجوم في اتجاه يوناكيفكا-سودجا، بهدف السيطرة على سودجا"، وهو ما حدث بالفعل في أغسطس.

كما توقعت القيادة الروسية بالمنطقة  بأن أوكرانيا ستحاول تدمير جسر فوق نهر سيم لتعطيل خطوط الإمداد الروسية في المنطقة، وهو ما حدث لاحقا أيضا.

واشتكى عسكريون روس في وثيقة يونيو،  من أن الوحدات الروسية المتمركزة في الجبهة "ممتلئة بنسبة 60-70 بالمئة فقط في المتوسط، وتتكون بشكل أساسي من احتياطيين ذوي تدريب ضعيف".

وذكرت الصحيفة أنه في أعقاب الهجوم الأوكراني، مطلع  أغسطس، تخلى العديد من الجنود الروس عن مواقعهم، وفي غضون أسبوع سيطرت أوكرانيا بالكامل على سودجا.

وقال أحد أعضاء فريق العمليات الخاصة الذي استولى على الملفات: "لقد هربوا، دون حتى إخلاء أو تدمير وثائقهم".

وخلال الانسحاب الروسي الفوضوي، أسرت القوات الأوكرانية مئات الجنود الروس، كان العديد منهم من المجندين عديمي الخبرة.

تكتيكات تضليل وحالة نفسية صعبة

كما تقدم الوثائق، بحسب الصحيفة "نظرة ثاقبة" على التكتيكات الروسية خلال العام الماضي، حيث تتحدث في إحدى الحالات عن الحاجة إلى إنشاء خنادق ومواقع وهمية لتضليل طائرات الاستطلاع الأوكرانية بدون طيار.

بالإضافة إلى إنشاء نماذج للدبابات والمركبات المدرعة وقاذفات المدفعية وكذلك دمى للجنود، وتحريكها بشكل دوري لتمويه القوات الروسية.

ووسط لغتها الرسمية الجافة والمتشعبة، تكشف الوثائق، عن مؤشرات مقلقة تتعلق بتدهور الروح المعنوية على الجبهة، وفقا للصحيفة.

وورد في إحدى التقارير العسكرية الروسية: "يُظهر تحليل الوضع الراهن أن ظاهرة انتحار العسكريين لا تزال تشكل تحديًا خطيرا".

وتذكر الوثيقة حادثة مأساوية يُزعم وقوعها في 20 يناير من العام الجاري، حيث أقدم جندي مجند على إطلاق النار على نفسه في البطن بإحدى نقاط الحراسة.

ويوضح التقرير المكتوب يدويا: "خلص التحقيق إلى أن الانتحار نجم عن انهيار نفسي وعصبي، سببه حالة اكتئاب مزمنة مرتبطة بخدمة الجندي في الجيش الروسي".

وللحد من تكرار مثل هذه الحوادث، صدرت توجيهات لقادة الوحدات بتحديد الجنود "غير المؤهلين نفسيا لأداء مهامهم أو المعرضين لسلوكيات منحرفة، وترتيب نقلهم إلى المنشآت الطبية العسكرية المختصة".

كما تضمنت وثيقة مطبوعة - غير مؤرخة - تعليمات إضافية للحفاظ على معنويات الجنود، تقضي بتخصيص 5-10 دقائق يوميا، إضافة إلى ساعة أسبوعيا، للتثقيف السياسي، بهدف "صون وتعزيز الحالة السياسية والمعنوية والنفسية للأفراد".