مقاتلو فاغنر متواجدون في عدد من الدول خارج روسيا.. صورة أرشيفية
مقاتلو فاغنر متواجدون في عدد من الدول خارج روسيا.. صورة أرشيفية

يبدو أن مجموعة فاغنر بدأت في استئناف نشاطها لدعم القوات الروسية في غزو أوكرانيا، فبعدما أشارت تقارير إلى عودة المئات من مقاتلي المجموعة إلى شرقي أوكرانيا، طلب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من مساعد سابق لقائد المجموعة الراحل يفغيني بريغوجين، "تدريب متطوعين للقتال".

واجتمع بوتين، الجمعة، مع أندريه تروشيف، المعروف باسم "سيدوي" أو "الشعر الرمادي" أي "الأشيب"، وهو قائد بارز في مجموعة فاغنر. وأوضح الكرملين أن الرئيس طرح عليه تدريب وحدات من المتطوعين الجدد على القتال في مناطق المعارك بأوكرانيا.

تأتي الخطوة بعد مصرع بريغوجين في تحطم طائرة نهاية أغسطس، بعدما تمرد قاده لفترة وجيزة على القيادة العسكرية الروسية، حيث تقدم قواته في مسيرة نحو العاصمة موسكو.

وقال بوتين خلال اللقاء، إن تروشيف "يتمتّع بالخبرة اللازمة لتنفيذ مثل هذه المهمة".

من هو سيدوي؟

تؤكد مصادر روسية أن تروشيف ولد في الخامس من أبريل عام 1962 في مدينة سان بطرسبرغ شمال غربي روسيا، بينما تشير وثائق عقوبات غربية إلى أن تاريخ ميلاده في الخامس من أبريل عام 1953. 

حصل تروشيف على وسام النجمة الحمراء (كان يمنح في زمن الاتحاد السوفياتي السابق) مرتين لخدمته في أفغانستان. 

وحصل كذلك على أرفع وسام روسي (بطل روسيا) في عام 2016 لاقتحامه مدينة تدمر السورية ضد مقاتلي تنظيم داعش.

في عام 2017 نشرت وسائل إعلام روسية صورة تظهر بوتين وهو يقف إلى جانب تروشيف وقادة عسكريين آخرين، يُعتقد أنها تعود لعام 2016، وفقا لرويترز

وُصف بأنه أحد مؤسسي فاغنر، ويخضع لعقوبات أوروبية "لمشاركته بشكل مباشر في عمليات المجموعة العسكرية (...) في سوريا"، وفقا لوثيقة للاتحاد الأوروبي صادرة في نهاية عام 2021.

وأشاد الرئيس الروسي بكون تروشيف "يحافظ على علاقات (جيدة) مع رفاق السلاح".

زعامة "فاغنر"

في يوليو الماضي، كشف بوتين أنه عرض على "فاغنر" فرصة لمواصلة القتال بعد تمردهم الفاشل، لكن مع تنحية قائد المجموعة بريغوجين.

ونقلت الصحيفة عن بوتين القول: "كان بإمكانهم جميعا التجمع في مكان واحد ومواصلة خدمتهم... ولن يتغير شيء. كان سيقودهم نفس الشخص الذي كان قائدهم الفعلي طوال ذلك الوقت".

ثم سرد بوتين تفاصيل مرتبطة باجتماع جرى يوم 29 يونيو، أي بعد خمسة أيام من انتهاء التمرد، مع 35 من قادة فاغنر، اقترح عليهم خلاله عدة خيارات لمواصلة القتال، منها تولي "الأشيب" قيادة المجموعة.

ونقلت كوميرسانت عن بوتين قوله، إن "الكثير منهم أومأ برأسه بعد سماع اقتراحه، لكن بريغوجين الذي كان يجلس في المقدمة لم يوافق".

عودة للقتال

وكشف متحدث باسم الجيش الأوكراني، الأربعاء، أن عدة مئات من مقاتلي مجموعة فاغنر عادوا إلى شرق أوكرانيا للقتال، بعدما كانت المجموعة قد سحبت قواتها من هناك.

وكانت فاغنر قد لعبت دورا رئيسيا في سيطرة روسيا على مدينة باخموت الشرقية في مايو الماضي، إثر واحدة من أطول وأشرس المعارك في الغزو المستمر منذ 19 شهرا.

وغادرت فاغنر بعد المعركة، قبل أن يشب خلاف كبير بين المجموعة وقادة الجيش الروسي، حيث اتهم بريغوجين القوات الروسية بقصف قواته، وهو ما نفته وزارة الدفاع الروسية آنذاك.

وقرر بعدها بريغوجين التوجه بقواته نحو موسكو، وسيطر على مقر عسكري روسي غربي البلاد، قبل أن ينتهي الأمر باتفاق يقضي بوقف التمرد وتوجه بعض من مقاتليه إلى بيلاروس.

يفغيني بريغوجين قاد في يونيو تمردا قصير الأمد ضد القيادة العسكرية الروسية
بعد إعلان مقتل بريغوجين.. ما مصير مرتزقة فاغنر؟
بالإعلان عن مقتل زعيم ميليشيا فاغنر، يفغيني بريغوجين، في سقوط غامض لطائرة كان يستقلها مع أشخاص آخرين خلال رحلة داخلية بين سان بطرسبرغ وموسكو، يواجه الكرملين مسألة خلافته على رأس الميليشيا التي تنتشر في روسيا وبيلاروسيا وأوكرانيا وأجزاء واسعة من القارة الأفريقية.

وعمل بوتين منذ مقتل بريغوجين في 23 أغسطس الماضي، على إخضاع قوات فاغنر بشكل أكثر صرامة للدولة الروسية.

وبحسب رويترز، فإن خطوة بوتين الأخيرة مع تروشيف، الذي تم بحضور نائب وزير الدفاع، يونس بك إيفكوروف، يعبر عن الاتجاه المتنامي لدمج قدامى محاربي فاغنر في الجيش الروسي.

وأكد المتحدث باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، لوكالة أنباء "ريا نوفوستي" الروسية، أن تروشيف "يعمل في وزارة الدفاع".

"تأثير محدود"

وكان الكرملين قد ترك 3 خيارات أمام مقاتلي فاغنر في أعقاب القضاء على التمرد المسلح ومصرع بريغوجين، تمثلت في: إما الانضمام إلى صفوف الجيش الروسي، أو العودة إلى الحياة المدنية، أو الذهاب إلى المنفى في بيلاروس.

من جانبه، قال المتحدث باسم القيادة العسكرية الشرقية الأوكرانية، سيرهي تشيريفاتي، الأربعاء: "لقد رصدنا وجود عدة مئات من مقاتلي فاغنر على أقصى تقدير".

وأضاف أن مقاتلي المجموعة "منتشرون في أماكن مختلفة، ولم يكونوا جزءا من وحدة واحدة، ولم يكن لهم أي تأثير يذكر"، بحسب وكالة رويترز.

فيما قال مستشار الرئيس الأوكراني، ميخايلو بودولياك، إن مجموعة فاغنر "لم تعد موجودة".

وأضاف أن بعضهم "ذهبوا إلى أفريقيا، وبعضهم مشتتون عبر روسيا، وبعضهم لديهم عقود مع وزارة الدفاع الروسية ويقاتلون في قطاع باخموت".

يذكر أن مجموعة فاغنر تمتلك على أقصى تقدير عشرات الآلاف من المقاتلين، من بينهم نحو 50 ألف سجين سابق حصلوا على وعود بالإفراج عنهم لو شاركوا في الحرب ضد أوكرانيا.

ونقلت رويترز عن مصادر روسية وأوكرانية وغربية، أن قوات فاغنر "عادت بالفعل إلى الجبهة الأوكرانية"، فيما قالت الاستخبارات البريطانية إن "مئات المقاتلين بدأوا الانتشار ضمن الوحدات المختلفة".

وقالت: "لا يتضح الموقف الدقيق لانتشارهم مجددا، لكن من المحتمل أن يكون بعضهم قد تم نقله إلى العمل في قطاعات من قوات وزارة الدفاع الروسية بشكل رسمي، أو غيرها من الشركات العسكرية الخاصة".

فيما ذكرت مدونة " Rybar" الروسية الشهيرة التي تضم نحو أكثر من 1.2 مليون مشترك، إن قوات فاغنر "ستعود إلى باخموت مجددا".

ولفتت إلى أن هناك "وحدات بدأت العودة بالفعل إلى المدينة، بهدف شن هجوم مضاد لاستعادة المناطق التي خسروها من قبل".

بوتين زار السعودية والإمارات الأربعاء
بوتين زار السعودية والإمارات الأربعاء

أجرى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، زيارة خارجية نادرة خلال الأشهر الأخيرة، حيث توجه إلى السعودية والإمارات، في ظل إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرة اعتقال بحقه بسبب "جرائم حرب" في أوكرانيا.

وتسببت تلك المذكرة في حذر الرئيس الروسي خلال رحلاته الخارجية، وحدت بشكل كبير من جولاته ولقاءاته مع قادة الدول الأخرى، وبالتحديد المنضمة إلى المحكمة الجنائية الدولية.

وقال المتحدث باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، الأربعاء، إن بوتين وولي عهد السعودية، الأمير محمد بن سلمان، بحثا في الرياض "التعاون في إطار منظمة أوبك+".

ونقلت وكالة إنترفاكس الروسية عن بيسكوف قوله: "تحدثنا مرة أخرى عن التعاون في أوبك+. الطرفان متفقان على أن بلدينا يتحملان مسؤولية كبيرة في التفاعل من أجل الحفاظ على سوق الطاقة الدولية عند المستوى المناسب، وفي حالة مستقرة يمكن التنبؤ بها".

وقال بوتين في تصريحات تلفزيونية، الأربعاء، إن العلاقات مع السعودية وصلت إلى "مستوى غير مسبوق"، وهو نفس ما وصف به العلاقات مع الإمارات خلال اجتماع في اليوم نفسه مع رئيس الإمارات، الشيخ محمد بن زايد آل نهيان.

وهذه الزيارة الخاطفة لكل من الرياض وأبوظبي، سلطت الضوء على رحلات بوتين الخارجية، التي تأثرت بشدة بمذكرة الاعتقال.

ما هي الجرائم المتهم بها بوتين؟

أصدرت المحكمة الجنائية الدولية في 17 مارس الماضي، مذكرة اعتقال بحق الرئيس الروسي لاتهامه بـ"الترحيل غير القانوني لأطفال من أوكرانيا، ونقل غير قانوني لمدنيين من أراضي أوكرانيا إلى روسيا".

ويعد القرار هو الأول من نوعه من طرف الهيئة الدولية، التي تحقق في الصراع في أوكرانيا.

وأصدرت المحكمة أمر توقيف منفصل بحق مفوضة روسيا لحقوق الأطفال، ماريا أليكسييفنا لفوفا بيلوفا، بنفس الاتهامات.

ووصفت الخارجية الروسية قرارات المحكمة الجنائية الدولية بأنها "عديمة الأهمية" و"باطلة قانونيا".

وكان فريق تحقيق أممي قد اعتبر أن نقل أطفال أوكرانيين إلى المناطق الخاضعة لسيطرة موسكو في أوكرانيا، وإلى روسيا، يشكل "جريمة حرب".

وكتب فريق التحقيق التابع للأمم المتحدة في تقريره: "تمت معاينة حالات نقل وترحيل أطفال داخل أوكرانيا وفي اتجاه روسيا الاتحادية، تنتهك القانون الإنساني الدولي وتشكل جريمة حرب".

ونقلت وكالة بلومبرغ الأميركية، أن خبراء حقوقيين أشاروا إلى أن "عدد الأطفال الذين تم ترحيلهم يتجاوز 19 ألفا"، فيما تقول السلطات الروسية إنها نقلت الأطفال "لأهداف إنسانية" في ظل الحرب.

كيف أثرت مذكرة الاعتقال على رحلات بوتين؟

منذ إصدار أمر الاعتقال، لم يغادر بوتين إلا لدول ليست أطرافا في المحكمة الجنائية الدولية، مثل الصين وبيلاروسيا وكازاخستان وقيرغيزستان، بجانب الإمارات والسعودية.

وغاب بوتين عن قمة "بريكس" التي عقدت في منتصف أغسطس الماضي بجنوب أفريقيا، بعدما أعلنت الأخيرة أن بصفتها عضوة في الجنائية الدولية، ستكون مجبرة على تنفيذ مذكرة الاعتقال.

وأعلنت الرئاسة في جنوب أفريقيا، يوليو الماضي، أن بوتين قرر عدم الحضور باتفاق متبادل مع الرئيس سيريل رامافوزا، على أن يمثل روسيا في القمة وزير الخارجية سيرغي لافروف.

وجاء ذلك بعدما أعلن حزب التحالف الديمقراطي المعارض البارز في جنوب أفريقيا، حينها، أنه اتخذ إجراءات قانونية لإجبار الحكومة على اعتقال بوتين إذا قام بزيارة البلاد، بحسب مجلة "بوليتيكو" الأميركية.

ما هي احتمالات محاكمة بوتين؟

أشار تقرير وكالة "بلومبرغ" إلى أن احتمالات محاكمة بوتين وكبار مساعديه لاتهامهم بجرائم حرب "ليست كبيرة، إلا لو تم تغيير النظام في موسكو".

ولا تسمح المحكمة الجنائية الدولية بإجراء محاكمات غيابية، ومن غير المرجح أن تتمكن من اعتقال بوتين أو مساعديه، وهي تعتمد بالأساس على الدول الأعضاء في تنفيذ الاعتقالات، وبالتالي حال تجنب السفر إلى تلك الدول فسيكون من الصعب القبض على المطلوبين لدى الجنائية الدولية.

ويبدو ذلك واضحا في أن الأشخاص الذين اتهمتهم الجنائية الدولية بارتكاب جرائم حرب، لا يزال ثلثهم طلقاء. وكان أغلبهم أعضاء جماعات مسلحة وليسوا قادة سياسيين أو مسؤولين عسكريين رسميين.