كشف تقرير لوكالة رويترز تفاصيل من عمليات تجنيد روسيا لرجال من كوبا، لدعم جيشها في الحرب على أوكرانيا، على الرغم من معارضة هافانا لذلك.
ومن خلال تتبعها لعدة حالات، تمكنت الوكالة من كشف خيوط مساعي موسكو لاستغلال أوضاعهم المزرية، لخدمة أجندتها الحربية.
تتبعت رويترز قصص أربعة رجال، إلى جانب أكثر من عشرة كوبيين آخرين تم تجنيدهم للذهاب إلى روسيا من مناطق داخل العاصمة هافانا وما حولها.
كان من بين المرشحين للسفر، بناء وصاحب متجر وعامل في مصفاة وموظف في شركة الهاتف.
تقول الوكالة "انتهى الأمر بأحد عشر رجلا بالسفر إلى روسيا بينما شعر السبعة الآخرون بالخوف في اللحظة الأخيرة".
اعتمدت الوكالة على مقابلات مع المعنيين، وأصدقاء وأقارب بعضهم، بالإضافة إلى مجموعة من رسائل الواتساب ووثائق السفر والصور وأرقام الهواتف التي قدموها لتأكيد رواياتهم.
من خلال المعلومات التي جمعتها، حاولت رويترز رسم الصورة كاملة لكيفية تدفق الكوبيين لدعم آلة الحرب في موسكو.
وتصدرت أخبار الكوبيين الذين انتهى بهم الأمر في الجيش الروسي عناوين الأخبار هذا الشهر عندما قالت حكومة هافانا، الحليف القديم لروسيا، أنها اعتقلت 17 شخصا على صلة بشبكة لتهريب البشر.
لكن رويترز لم تتمكن من التعرف على هويات المتورطين في شبكة الاتجار تلك ومتى أو ما إذا تم القبض على أعضائها.
بداية القصة..
تبدأ الحكاية باتصالات أولية على وسائل التواصل الاجتماعي من إحدى المجندات التي عرفت نفسها لهم باسم "ديانا".
في منطقة تدعى لا فيدرال، قام تسعة من هؤلاء الرجال بالتسجيل للقتال في الحرب، عن طريق الاتصال بهذه السيدة.
وفي ألامار، إحدى ضواحي شرق هافانا، قام خمسة آخرون بالتسجيل في أدوار غير قتالية مثل البناء وتعبئة المؤن والخدمات اللوجستية.
وتحدثت رويترز مع مجند كوبي، وصل إلى نهاية مسار التجنيد، ووصل إلى روسيا.. وأكد أنه "استفاد" من عملية التجنيد.
الرجل يدعى غونزاليس، وتحدث للوكالة عبر مكالمة فيديو من قاعدة عسكرية روسية خارج مدينة تولا جنوب موسكو.
رويترز قالت إنه واحد من 119 كوبيا آخر يتدربون هناك.
غونزاليس كشف أنه عندما وصل إلى روسيا، وقّع عقدا للعمل في الجيش، مترجما إلى الإسبانية.
وقال مبتسما وهو يرتدي زيا عسكريا أثناء قيامه بجولة، موجها كاميرا هاتفه للمعسكر الذي يتواجد به "الجميع هنا يعرف سبب مجيئهم.. لقد جاؤوا من أجل الحرب".
الطريق إلى أوكرانيا
غونزاليس قال إن الكوبيين البالغ عددهم 119 يتدربون الآن على القتال في الحرب، على الرغم من أنه لا يزال من غير الواضح إلى أين سيتم إرسالهم.
لكنه أوضح قائلا "لدي العديد من الأصدقاء في أوكرانيا، وهم في أماكن تسقط فيها القنابل، لكنهم لم يدخلوا فعليا في مواجهات مع الأوكرانيين".
ثم تابع "كل شيء جيد هنا، ولكن عندما نذهب إلى هناك، سنكون في منطقة حرب".
ولم تتمكن رويترز من الاتصال بأي من الرجال الآخرين الذين انضموا إلى الجيش، على الرغم من معلومات عبر رسائل واتساب وصور أكدت أنهم سافروا جوا إلى روسيا وأن اثنين منهم على الأقل الآن في شبه جزيرة القرم التي احتلتها روسيا في 2014.
في الصدد، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأوكرانية أوليغ نيكولينكو، عند الاتصال به للتعليق على تجنيد الكوبيين في الجيش الروسي "أستطيع أن أؤكد أن السفارة الأوكرانية في هافانا تواصلت مع السلطات الكوبية بشأن هذا الأمر".
من جانبه، قال متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية إن الولايات المتحدة تراقب الوضع عن كثب، مضيفا "نشعر بقلق بالغ إزاء التقارير التي تقول إن شبابا كوبيين تم خداعهم وتجنيدهم للقتال من أجل روسيا".
ولم يرد الكرملين ولا وزارة الدفاع الروسية على استفسارات رويترز المتعلقة بتجنيد كوبيين، كما لم ترد الحكومة الكوبية أيضًا على الاستفسارات الخاصة بهذا الملف.
بدأت عمليات تجنيد الكوبيين بعد أسابيع من مرسوم أصدره الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في مايو يسمح للأجانب الذين جندوا في الجيش بعقود مدتها عام بالحصول على الجنسية الروسية من خلال عملية سريعة، إلى جانب أزواجهم وأطفالهم وأولياء أمورهم.
وفي لا فيدرال، بدأت أخبار التجنيد تنتشر في يونيو، وفقا للسكان الذين تمت مقابلتهم.
وأصبحت عروض الانضمام، التي تمت مشاركتها عبر فيسبوك وإنستغرام وواتساب، حديث المدينة، وتم تسمية "ديانا" كجهة اتصال.
وتحدث أكثر من عشرين شابا أجرت رويترز مقابلات معهم في هافانا وما حولها عن حجم عمليات التجنيد.
وانفجر كريستيان هيرنانديز (24 عاما) بالضحك عندما سئل عن عدد الأشخاص الذين غادروا المنطقة المحيطة بشارع لا فيدرال قائلا "طن من الناس.. لقد ذهب جميع أصدقائنا تقريبًا إلى هناك".
وقال يوان فيوندي، 23 عاما، إنه يعرف أن حوالي 100 رجل في فيلا ماريا، المنطقة التي تضم لا فيدرال، قد تم تجنيدهم للمجهود الحربي الروسي منذ يونيو.
وقال إن أحد الأصدقاء أعطاه جهة اتصال عبر تطبيق واتساب وهي ديانا، التي قال عنها إنها امرأة كوبية، سبق وأن اشترت تذاكر طائرة للمجندين.
وتم ذكر ديانا أيضا كجهة اتصال رئيسية من قبل معظم المجندين والأقارب الذين تحدثت معهم رويترز.
لم يضيع فيوندي الوقت، وسارع بالاتصال..
وقال في رسالته لديانا بتاريخ 21 يوليو، اطلعت عليها رويترز "مرحبا، مساء الخير". "من فضلك أحتاج إلى معلومات".
استجابت ديانا، التي تظهر في أيقونة الدردشة الخاصة بها كامرأة ذات شعر داكن ترتدي قبعة مموهة، بعرض شروط العقد بشكل فوري تقريبا، وفقا للطوابع الزمنية.
يقول السطر الأول من الرسالة "هذا عقد مع الجيش الروسي تحصل بموجبه على الجنسية".
كان العقد لمدة عام واحد وعرض عليه مكافأة توقيع قدرها 195000 روبل (نحو 2000 دولار) يتبعها راتب شهري يقارب قيمة المكافأة، بالإضافة إلى 15 يوما إجازة بعد الأشهر الستة الأولى من العمل.
وتتوافق هذه الشروط مع تلك التي نقلها لرويترز مجندون آخرون وعائلاتهم.
وجاء في رسالة دايانا: "إذا كنتم موافقين، فما عليك سوى إرسال نسخة من جواز سفرك".
وفي غضون دقيقتين، أرسل فيوندي نسخة رقمية من جواز سفره.
بعد ساعة ردت ديانا في رسالة صوتية سمعتها رويترز قائلة "حسنا، غدا سأقول لك في أي يوم ستسافر".
ولم تتمكن رويترز من الاتصال بدايانا للتعليق على الرقم الذي استخدمه فيوندي وآخرون أو تأكيد اسمها الكامل.
لن أموت من الجوع
في النهاية، على الرغم من حماسه الأول، أصبح فيوندي قلقا بشأن الذهاب إلى روسيا وقطع الاتصال مع ديانا.
وشدد على أن الأشخاص الذين سجلوا للتجنيد كانوا يعلمون أنهم سيقاتلون.
وقال "العيش هنا صعب، لكن الجميع يقول إذا اخترت البقاء، فلن أموت من الجوع في كوبا".
وقال لرويترز "لا ديانا ولا أي شخص آخر طلب منه إبقاء اتصالاتهما سرية".
وأضاف أنه ظل على اتصال بأربعة أصدقاء على الأقل وقعوا عقودا مع الجيش في روسيا، وأنهم، على حد علمه، "بخير".
وأضاف أن معظمهم موجود الآن في أوكرانيا.
وكوبا غارقة في أسوأ أزمة اقتصادية منذ عقود، مع طوابير طويلة حتى للحصول على الأساسيات مثل الغذاء والوقود والرعاية الصحية، مما أدى إلى نزوح جماعي للكوبيين إلى الولايات المتحدة وأميركا اللاتينية وأوروبا العام الماضي.
وتتذكر ألينا غونزاليس، رئيسة لجنة الأحياء في لا فيدرال المكلفة بحشد الدعم للحكومة التي يديرها الشيوعيون، الحماسة التي أثارها التجنيد للعمل العسكري في روسيا.
وقالت إن العديد من الرجال انتهزوا الفرصة في حيّها، بما في ذلك ابن أخيها دانيلو.
حزن وتذمر لدى عائلات المجندين
قال روبرتو سابوري، أب لشاب ذهب إلى روسيا، إن العديد من الرجال الذين غادروا، ومن بينهم ابنه ياسماني البالغ من العمر 30 عاما، فعلوا ذلك على عجل وأبقوا خططهم سرية حتى عن عائلاتهم.
وقال الرجل البالغ من العمر 53 عاما، والذي يعيش بالقرب من غونزاليس، الرجل الأول الذي تحدثت إليه رويترز عبر واتساب من معسكره في روسيا "سمعت أنه سيغادر في نفس اليوم الذي غادر فيه"، مضيفا أن ابنه اتصل به بينما كان يستعد لركوب رحلة من منتجع فاراديرو إلى موسكو.
وقال متحسرا "لم يخبرن بأي شيء قبل ذلك".
من جانبها، تتذكر ياميدلي سرفانتس زوجة غونزاليس البالغ من العمر 49 عاماً (نفسه الذي تحدث لرويترز من موسكو)، اليأس الذي كان يشعر به زوجها، عندما قرر السفر إلى روسيا.
قالت هذه الخياطة واصفة حياته "كان حياته العمل، العمل، ثم العمل.. وفي أحد الأيام، قال لي أنا لا أستطيع التحمل بعد الآن.. أنا ذاهب إلى روسيا، وأظهر لي نسخة من جواز سفره، وكانت معه التذكرة وكل شيء. كان ذلك في 17 يوليو وغادر في 19".
وبينما اختارت سرفانتس البقاء في كوبا، أكدت رويترز من خلال الصور ومقاطع الفيديو عبر تطبيق واتساب أن ثلاث زوجات على الأقل اخترن السفر رفقة أزواجهن في روسيا، بالإضافة إلى طفل واحد على الأقل.
وقالت سرفانتس إن ابن عمها، لويس هيرليس أوسوريو، التحق بالجيش الروسي بعد أسابيع من رحيل زوجها، وأن زوجته، نيلدا، موجودة الآن أيضًا في روسيا.
"لقد ذهبت، وكذلك فعلت العديد من النساء في الحي".
موقف هافانا
أرسلت كوبا رسائل متضاربة هذا الشهر بشأن مواطنيها الذين يقاتلون من أجل روسيا، ففي 8 سبتمبر الماضي، عندما أعلنت عن اعتقالات عصابات الاتجار بالبشر، قالت أيضًا إنه من غير القانوني لمواطنيها القتال في جيش أجنبي، وهو أمر يعاقب عليه بالسجن مدى الحياة.
لكن بعد أيام، قال سفير كوبا في موسكو إن هافانا لا تعارض الكوبيين "الذين يريدون فقط توقيع عقد والمشاركة بشكل قانوني مع الجيش الروسي في هذه العملية".
وفي غضون ساعات، ناقضت كوبا مبعوثها، وأكدت من جديد أن الكوبيين ممنوعون من القتال كمرتزقة حرب.
ويعترض غونزاليس على وصفه بالمرتزق، ويشبه عمله هذا بعمله السابق كبناء، ويشبه قراره القتال مع روسيا الآن بقرار الكوبيين الذين قاتلوا في الحرب المدعومة من السوفييت في أنغولا في السبعينيات.
وفي تلك الحرب في جنوب أفريقيا، والتي ينظر إليها على نطاق واسع على أنها صراع بالوكالة في الحرب الباردة، نشرت كوبا عشرات الآلاف من القوات للقتال إلى جانب جماعة شيوعية تدعمها موسكو ضد حركة منافسة مناهضة للشيوعية تدعمها الولايات المتحدة.
وقال غونزاليس عن هؤلاء المقاتلين الكوبيين في أنغولا "إنني أتبع مثالهم" مضيفا أن موسكو كانت حليفا ثابتا لكوبا على مدى عقود وأن الاتحاد السوفيتي قدم مساعدات اقتصادية للجزيرة قائلا "لقد ساعدت روسيا في إعالة أسرتي".
المقابل؟
بعد سفر زوجها، اشترت سرفانتس (42 عاما) ماكينة خياطة جديدة لأول مرة منذ سنوات، بالإضافة إلى ثلاجة وهاتف محمول.
وقالت إن زوجها غونزاليس حوّل لها جزءا من مكافأة تسجيل الدخول البالغة نحو 200 ألف روبل (2040 دولارا) التي تلقتها بالبيزو الكوبي.
ويمثل ذلك مكاسب كبيرة في كوبا، الجزيرة المنكوبة اقتصاديا.
ذاك المبلغ أكثر من 100 ضعف من متوسط الراتب الشهري في كوبا البالغ 4209 بيزو (17 دولارًا)، وفقًا لمكتب الإحصاء الوطني.
وتظهر البيانات الحكومية لعام 2022 أن هناك أماكن قليلة تشعر بوطأة الوضع أكثر من لا فيدرال، حيث ينحدر غونزاليس، وهي منطقة تضم حوالي 800 شخص تقع على مشارف هافانا حيث يعاني واحد من كل أربعة أشخاص هناك من البطالة.
وأضافت أنه في الحيّ حيث تعيش هي وزوجها، غادر ثلاثة رجال على الأقل إلى روسيا منذ يونيو، وباع آخر منزله استعدادا للذهاب.