المعارك تتواصل قرب مدينة باخموت شرقي أوكرانيا
المعارك تتواصل قرب مدينة باخموت شرقي أوكرانيا

بعد الانتصارات التي حققتها القوات الأوكرانية في محيط مدينة باخموت، بات الرئيس فلوديمير زيلنيسكي يعتبر استعادة المدينة التي تحتلها روسيا منذ مايو، هدفا رئيسيًا هذا العام لكييف.

ومع التقدم البطيء للهجوم المضاد، الذي تشنه أوكرانيا في الجنوب الشرقي للبلاد، فإن انتصارا في باخموت سوف يعزز الروح المعنوية في الداخل الأوكراني، ويجعل الحلفاء يعتقدون أن كييف قادرة استعادة أراضيها التي احتلها روسيا.

ورصد تقرير لصحيفة وول ستريت جورنال يوما من القتال الدائر لاستعادة باخموت، في وقت أشار إلى أن بعض المسؤولين والمحللين العسكريين في الولايات المتحدة يشككون في أهمية بذل الأرواح والأموال على مدينة ممزقة. ولفتوا إلى أنه كان من الأفضل أن تركز كييف على تحركاتها في الجنوب الشرقي، حيث يسعى جيشها إلى تحقيق تقدم بارز.

لكن أوكرانيا تواصل تقدمها في باخموت بهدف الدفاع عن نهجها، وتشير إلى أنها تلحق خسائر بالدفاعات الروسية القوية، لكن يبقى التساؤل دائرا حول حجم الكلفة التي ستتحملها كييف في ظل مجابهة دولة تفوقها في عدد السكان بنحو ثلاثة أضعاف، ما يعني أن الخسائر الأوكرانية في القوات تكون أكثر ضررا.

جثث في كل مكان

وقال جندي من اللواء الثالث الأوكراني، لوول ستريت جورنال، عمره 24 عاما: "الخنادق كانت مليئة بالجثث، والأرض مغطاة بالقتلى أيضا". وتابع أنه حول المعارك الدائرة حول باخموت وبالتحديد قرب بلدة أندريفكا: "كانت معظم الجثث من الروس، لكن هناك قتلى لدينا أيضا".

كان قوات المشاة الأوكرانيون تقدموا، نهاية هذا الصيف، نحو أندرييفكا التي لا تبعد أكثر من 9 كيلومترات، جنوبي باخموت ويسكنها أقل من مئة ألف شخص قبل الحرب، وكانت القرية مدمرة تماما، لكن تكمن أهميتها في موقعها المطل على باخموت حيث يمر طريق عبرها نحو المدينة بجانب خط سكك حديدية.

وقال جندي آخر بالقوات الأوكرانية: "الهدف كان قطع الإمدادات والحركة من وإلى المدينة".

في 13 سبتمبر وبعد معارك طويلة، تقدم مجموعة من الجنود الأوكرانيين تحت غطاء أدخنة قذائف منعت الرؤية عن المسيّرات الروسية، وعبروا الخنادق واندفعوا إلى المنازل في القرية مشتبكين مع الجنود الروسيين.

ساعات الفوضى والحسم

كانت باخموت تضم 70 ألف نسمة قبل الغزو الروسي، في فبراير 2022، واحتلتها القوات الروسية، في مايو الماضي، بعد إحدى أطول المعارك وأعنفها في هذه الحرب.

وتشن أوكرانيا هجوما مضادا منذ يونيو لاستعادة الأراضي التي احتلتها روسيا بعدما تسلّمت أسلحة غربية وعملت على تدريب مقاتلين جدد.

وبدأت القوات الأوكرانية على الفور في استعادة مناطق في الجانبين الشمالي والجنوبي لهذه المدينة.

وصف الجنود الأوكرانيون لوول ستريت جورنال الساعات التي تلت تلك الخطوة، بأنها كانت "فوضوية"، وكان الرصاص في كل مكان والمدرعات الروسية تتحرك ذهابا وإيابا في القرية.

وقال أحد الجنود، إن الشعور بالقلق بدأ ينتابهم، وبدأ يسمع في الراديو عن سقوط العديد من الضحايا وسمع كثيرا "لدينا جرحى، ولدينا جرحي أكثر"، وقال: "لم نكن نعرف حجم الأعداد".

وصلت تعزيزات للقوات الأوكرانية هناك، ومع زيادة العدد بدأت تحدث اختراقات في صفوف القوات الروسية، وتقدمت قوات كييف إلى داخل القرية.

ومن جهة القرية في الشرق، حاول الروس إرسال تعزيزات، لكن القوات الأوكرانية استهدفتها بالمدفعية. ومع حلول الليل، كانت أوكرانيا حاصرت القوات الروسية التي بقت في القرية.

ونقلت وول ستريت جورنال إن عدد القتلى الروس هذا اليوم وصل إلى مئتي شخص على الأقل، في حين أشار الجنود الأوكرانيون إلى أن أعداد القتلى بين صفوفهم كانت أقل بكثير.

وفي صباح يوم 14 سبتمبر، كان هناك مجموعة من الجنود الروس بأحد المنازل تم كشفهم بطائرة مسيّرة، ولكن لم يتم استهدافهم نظرا لإمكانية استخدامهم في عملية تبادل أسرى.

وكانوا ثلاثة خرجوا مستسلمين من المنزل، ولكن بينما كانوا يسيرون، سقطت قذيفة هاون بجوارهم، وقتلت أحدهم، وقالت كييف إن القذيفة كانت محاولة روسية لمنع استهدافهم.

بوتين زار السعودية والإمارات الأربعاء
بوتين زار السعودية والإمارات الأربعاء

أجرى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، زيارة خارجية نادرة خلال الأشهر الأخيرة، حيث توجه إلى السعودية والإمارات، في ظل إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرة اعتقال بحقه بسبب "جرائم حرب" في أوكرانيا.

وتسببت تلك المذكرة في حذر الرئيس الروسي خلال رحلاته الخارجية، وحدت بشكل كبير من جولاته ولقاءاته مع قادة الدول الأخرى، وبالتحديد المنضمة إلى المحكمة الجنائية الدولية.

وقال المتحدث باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، الأربعاء، إن بوتين وولي عهد السعودية، الأمير محمد بن سلمان، بحثا في الرياض "التعاون في إطار منظمة أوبك+".

ونقلت وكالة إنترفاكس الروسية عن بيسكوف قوله: "تحدثنا مرة أخرى عن التعاون في أوبك+. الطرفان متفقان على أن بلدينا يتحملان مسؤولية كبيرة في التفاعل من أجل الحفاظ على سوق الطاقة الدولية عند المستوى المناسب، وفي حالة مستقرة يمكن التنبؤ بها".

وقال بوتين في تصريحات تلفزيونية، الأربعاء، إن العلاقات مع السعودية وصلت إلى "مستوى غير مسبوق"، وهو نفس ما وصف به العلاقات مع الإمارات خلال اجتماع في اليوم نفسه مع رئيس الإمارات، الشيخ محمد بن زايد آل نهيان.

وهذه الزيارة الخاطفة لكل من الرياض وأبوظبي، سلطت الضوء على رحلات بوتين الخارجية، التي تأثرت بشدة بمذكرة الاعتقال.

ما هي الجرائم المتهم بها بوتين؟

أصدرت المحكمة الجنائية الدولية في 17 مارس الماضي، مذكرة اعتقال بحق الرئيس الروسي لاتهامه بـ"الترحيل غير القانوني لأطفال من أوكرانيا، ونقل غير قانوني لمدنيين من أراضي أوكرانيا إلى روسيا".

ويعد القرار هو الأول من نوعه من طرف الهيئة الدولية، التي تحقق في الصراع في أوكرانيا.

وأصدرت المحكمة أمر توقيف منفصل بحق مفوضة روسيا لحقوق الأطفال، ماريا أليكسييفنا لفوفا بيلوفا، بنفس الاتهامات.

ووصفت الخارجية الروسية قرارات المحكمة الجنائية الدولية بأنها "عديمة الأهمية" و"باطلة قانونيا".

وكان فريق تحقيق أممي قد اعتبر أن نقل أطفال أوكرانيين إلى المناطق الخاضعة لسيطرة موسكو في أوكرانيا، وإلى روسيا، يشكل "جريمة حرب".

وكتب فريق التحقيق التابع للأمم المتحدة في تقريره: "تمت معاينة حالات نقل وترحيل أطفال داخل أوكرانيا وفي اتجاه روسيا الاتحادية، تنتهك القانون الإنساني الدولي وتشكل جريمة حرب".

ونقلت وكالة بلومبرغ الأميركية، أن خبراء حقوقيين أشاروا إلى أن "عدد الأطفال الذين تم ترحيلهم يتجاوز 19 ألفا"، فيما تقول السلطات الروسية إنها نقلت الأطفال "لأهداف إنسانية" في ظل الحرب.

كيف أثرت مذكرة الاعتقال على رحلات بوتين؟

منذ إصدار أمر الاعتقال، لم يغادر بوتين إلا لدول ليست أطرافا في المحكمة الجنائية الدولية، مثل الصين وبيلاروسيا وكازاخستان وقيرغيزستان، بجانب الإمارات والسعودية.

وغاب بوتين عن قمة "بريكس" التي عقدت في منتصف أغسطس الماضي بجنوب أفريقيا، بعدما أعلنت الأخيرة أن بصفتها عضوة في الجنائية الدولية، ستكون مجبرة على تنفيذ مذكرة الاعتقال.

وأعلنت الرئاسة في جنوب أفريقيا، يوليو الماضي، أن بوتين قرر عدم الحضور باتفاق متبادل مع الرئيس سيريل رامافوزا، على أن يمثل روسيا في القمة وزير الخارجية سيرغي لافروف.

وجاء ذلك بعدما أعلن حزب التحالف الديمقراطي المعارض البارز في جنوب أفريقيا، حينها، أنه اتخذ إجراءات قانونية لإجبار الحكومة على اعتقال بوتين إذا قام بزيارة البلاد، بحسب مجلة "بوليتيكو" الأميركية.

ما هي احتمالات محاكمة بوتين؟

أشار تقرير وكالة "بلومبرغ" إلى أن احتمالات محاكمة بوتين وكبار مساعديه لاتهامهم بجرائم حرب "ليست كبيرة، إلا لو تم تغيير النظام في موسكو".

ولا تسمح المحكمة الجنائية الدولية بإجراء محاكمات غيابية، ومن غير المرجح أن تتمكن من اعتقال بوتين أو مساعديه، وهي تعتمد بالأساس على الدول الأعضاء في تنفيذ الاعتقالات، وبالتالي حال تجنب السفر إلى تلك الدول فسيكون من الصعب القبض على المطلوبين لدى الجنائية الدولية.

ويبدو ذلك واضحا في أن الأشخاص الذين اتهمتهم الجنائية الدولية بارتكاب جرائم حرب، لا يزال ثلثهم طلقاء. وكان أغلبهم أعضاء جماعات مسلحة وليسوا قادة سياسيين أو مسؤولين عسكريين رسميين.