سفن حربية تابعة لأسطول روسيا في البحر الأسود في 30 يوليو 2023
سفن حربية تابعة لأسطول روسيا في البحر الأسود في 30 يوليو 2023

سحبت روسيا الجزء الأكبر من أسطولها في البحر الأسود من قاعدتها الرئيسية في شبه جزيرة القرم المحتلة، وهو اعتراف قوي بكيفية تحدي الهجمات الصاروخية والطائرات بدون طيار الأوكرانية لسيطرة موسكو على شبه الجزيرة، وفق تقرير لصحيفة "وول ستريت جورنال".

ونقلت روسيا سفنا، بما في ذلك ثلاث غواصات هجومية وفرقاطتين من سيفاستوبول إلى موانئ أخرى في روسيا وشبه جزيرة القرم لـ"توفير حماية أفضل"، وفقا لمسؤولين غربيين وصور الأقمار الصناعية التي تم التحقق منها من قبل خبراء بحريين. 

ولم ترد وزارة الدفاع الروسية على طلب الصحيفة للتعليق.

انتكاسة لبوتين؟

تمثل هذه الخطوة انتكاسة ملحوظة للرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، الذي كان استيلاءه العسكري على شبه جزيرة القرم في عام 2014 بمثابة الطلقات الأولى في محاولته السيطرة على أوكرانيا. 

لكن غزوه واسع النطاق في العام الماضي ارتد الآن، مما اضطر إلى إزالة السفن من ميناء كانت روسيا قد طالبت به لأول مرة في عام 1783 في عهد كاثرين العظيمة.

ويأتي الانسحاب من سيفاستوبول في أعقاب سلسلة من الضربات التي شنتها أوكرانيا في الأسابيع الأخيرة والتي ألحقت أضرارا جسيمة بالسفن الروسية ومقر الأسطول الروسي.

وقال خبراء بحريون لـ"وول ستريت جورنال"، إن الآثار العسكرية المباشرة لهذه الخطوة محدودة، حيث ستظل السفن قادرة على إطلاق صواريخ كروز على البنية التحتية المدنية مثل الموانئ وشبكات الطاقة. 

وقال ميخائيل بارابانوف، وهو أحد كبار المحللين في مركز تحليل الاستراتيجيات والتقنيات، إن صور الأقمار الصناعية المؤرخة في الأول من أكتوبر والتي قدمتها شركة Planet Labs، أظهرت أن الجزء الأكبر من السفن البحرية تم نقله إلى نوفوروسيسك، وهو ميناء روسي على البحر الأسود.

وتضمنت الصور ثلاث غواصات هجومية، وفرقاطتين للصواريخ الموجهة وسفينة دورية واحدة. 

وقال بارابانوف إنه تم نقل سفن أخرى، بما في ذلك سفينة إنزال كبيرة وعدد من سفن الصواريخ الصغيرة وكاسحات ألغام جديدة، إلى ميناء فيودوسيا، شرقا على طول شبه جزيرة القرم.

وفي حين أن هذه الخطوة قد لا تمثل سوى إجراء مؤقت للحماية من المزيد من الضربات الأوكرانية، فإن الصداع اللوجستي المتمثل في نقل بعض أثقل السفن الروسية يسلط الضوء على التهديد الذي تمثله قدرات كييف الهجومية.

ما الأسباب؟

كثفت أوكرانيا من استخدام الطائرات المسيرة لمهاجمة أهداف روسية مذ بدأت كييف مطلع يونيو، هجومها المضاد لاستعادة مناطق تسيطر عليها قوات موسكو في شرق البلاد وجنوبها.

وتطال هذه الهجمات كذلك شبه جزيرة القرم التي ضمتها روسيا اعتبارا من العام 2014، وتعد ذات أهمية كبيرة عسكريا لجهة تموين القوات داخل أوكرانيا وموقعها على البحر الأسود، حسبما ذكرت وكالة "فرانس برس".

وكانت الضربات الأوكرانية قد كسرت بالفعل حصار الأسطول على الموانئ الأوكرانية، ومنعت روسيا من الوصول إلى أجزاء من البحر الأسود وفتحت ممرا جديدا لأوكرانيا لإرسال شحنات الحبوب الحيوية اقتصاديا.

واستهدفت أوكرانيا شبه جزيرة القرم في الأسابيع الأخيرة بصواريخ كروز ألحقت أضرارا جسيمة بغواصة روسية وسفينة إنزال كبيرة، فضلا عن مقر أسطول البحر الأسود. 

ويقول المحللون إن تلك الضربات استخدمت على الأرجح صواريخ كروز التي قدمتها المملكة المتحدة وفرنسا، والتي وضعت قيودا على استخدامها، مما يعني أنها لا تستطيع ضرب نوفوروسيسك.

وقال بارابانوف: "العامل الرئيسي في القرار هو أن الغرب منع حتى الآن أوكرانيا من استخدام الأسلحة الغربية لشن ضربات داخل حدود الاتحاد الروسي".

ونجحت أوكرانيا في ضرب نوفوروسيسك باستخدام طائراتها البحرية بدون طيار المنتجة محليا في وقت سابق من هذا العام.

وقال يوروك إيسيك، الخبير البحري ورئيس شركة بوسفورس أوبزرفر الاستشارية، إن صور الأقمار الصناعية أظهرت شبكات وصنادل موضوعة عند مدخل حوض بناء السفن في فيودوسيا، مما يوضح قلق روسيا بشأن المزيد من الهجمات الأوكرانية على المنشأة، وفق "وول ستريت جورنال".

وأكد إيسيك، أن الصور أظهرت أن السفن الحربية الروسية انتقلت من سيفاستوبول إلى الموانئ الأخرى، مشيرا إلى مخاوف أمنية لدى الروس من أن تتمكن أوكرانيا من إجراء عملية بحرية ناجحة هناك.

نجاحات أوكرانية في البحر الأسود

منذ إحباط آمال روسيا في الاستيلاء على أوديسا في بداية الحرب في ربيع عام 2022، قاتلت أوكرانيا في البحر الأسود على الرغم من افتقارها إلى القوة البحرية.

وفي العام الماضي، أغرقت أوكرانيا السفينة الرائدة في أسطول البحر الأسود، الطراد الصاروخي موسكفا، بصاروخ مضاد للسفن منتج محلياً، واستعادت السيطرة على جزيرة الأفعى الاستراتيجية في البحر الأسود.

وكثفت أوكرانيا ضرباتها على الأسطول الروسي في الأشهر الأخيرة مع تصعيد روسيا هجماتها على الموانئ الأوكرانية والسفن المدنية في البحر الأسود. 
وانسحبت روسيا في يوليو من اتفاق توسطت فيه تركيا والأمم المتحدة وأدى إلى رفع الحظر عن صادرات الحبوب الأوكرانية من أوديسا. 

وقد ضمنت الاتفاقية، الموقعة في يوليو 2022، سلامة السفن عبر ممر بحري محدد، مما ساهم في خفض التصعيد العسكري في البحر الأسود وتوفير شريان حياة اقتصادي لأوكرانيا.

وبعد الانسحاب من اتفاقية الحبوب، هددت روسيا باعتراض السفن المدنية المتجهة إلى أوكرانيا وشنت سلسلة من الهجمات الصاروخية والطائرات بدون طيار على الموانئ الأوكرانية الرئيسية والبنية التحتية لتصدير الحبوب.

وقد أدى الرد العسكري الأوكراني إلى الحد من قدرة البحرية الروسية على المناورة في البحر الأسود. 

وصدمت طائرات بدون طيار أوكرانية سفينة إنزال روسية في ميناء نوفوروسيسك وهاجمت سفينة أخرى في المياه المفتوحة. 

واستخدمت أوكرانيا أيضًا طائراتها البحرية بدون طيار لمهاجمة ناقلة نفط تحمل وقود الطائرات للقوات الجوية الروسية وجسرًا يربط البر الرئيسي الروسي بشبه جزيرة القرم.

والأربعاء، أكدت متحدثة باسم الجيش الأوكراني، أن أوكرانيا دفعت خط المواجهة في البحر الأسود إلى مسافة 100 ميل بحري على الأقل من الشواطئ الأوكرانية. 

وقالت ناتاليا هومينيوك، المتحدثة باسم قوات الدفاع الجنوبية الأوكرانية، إن السفن الروسية لم تعد تتجاوز كيب تارخانكوت، في الطرف الغربي من شبه جزيرة القرم.

وأضافت: "في الوقت الحالي، لا تبحر السفن والقوارب التابعة لأسطول البحر الأسود التابع للاتحاد الروسي فعليًا في اتجاه البحر الإقليمي لأوكرانيا".

ومن الممكن أن يؤدي كسر أوكرانيا للهيمنة العسكرية الروسية في البحر الأسود إلى تعزيز الاقتصاد الأوكراني، حسبما تشير "وول ستريت جورنال".

تحذير بريطاني

الأربعاء، نقلت الحكومة البريطانية عن معلومات استخباراتية أن روسيا قد تستخدم ألغاما بحرية لاستهداف سفن مدنية في البحر الأسود، بما في ذلك من خلال زرعها قبالة الموانئ الأوكرانية.

وقالت بريطانيا إن تقييمها الاستخباراتي يشير إلى أن روسيا ستسعى إلى استهداف السفن المدنية التي تمر عبر الممر الإنساني من أجل عرقلة تصدير الحبوب الأوكرانية.

وقالت وزارة الخارجية البريطانية في بيان "يكاد يكون من المؤكد أن روسيا تريد تجنب إغراق سفن مدنية على العلن، وبدلا من ذلك ستحمل أوكرانيا كذبا المسؤولية عن أي هجمات ضد سفن مدنية بالبحر الأسود".

وتابعت الوزارة "من خلال نشر تقييمنا لهذه المعلومات الاستخباراتية، تسعى المملكة المتحدة إلى فضح تكتيكات روسيا لمنع وقوع أي حادث من هذا القبيل".

وقالت بريطانيا إنها تعمل مع أوكرانيا وشركاء آخرين لوضع ترتيبات لتحسين سلامة الشحن، وإنها تستخدم قدراتها في مجال الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع لرصد النشاط الروسي في البحر الأسود.

ومنذ بداية الحرب في أوكرانيا، نشرت بريطانيا قدرات استخباراتية لمراقبة الأنشطة الروسية في البحر الأسود.

ووفقا لبريطانيا فإن روسيا دمرت منذ انسحابها من اتفاقية صادرات الحبوب الأوكرانية عبر البحر الأسود في يوليو ما يصل إلى 130 منشأة مرفئية في أوكرانيا و300 ألف طن من الحبوب.

وقامت أوكرانيا بتدشين "ممر إنساني" مؤقت لسفن الشحن، وغادرت عدة سفن من موانئ أوكرانيا على البحر الأسود منذ ذلك الحين، وفق وكالة "رويترز".

وفتحت أوكرانيا ممرا بحريا جديدا للسفن المدنية العابرة من وإلى أوديسا كبديل للاتفاقية المدعومة من تركيا والأمم المتحدة. 

ويعانق الممر الملاحي الجديد الساحل الأوكراني الذي يحميه الجيش الأوكراني، قبل أن يدخل المياه الساحلية لرومانيا وبلغاريا، العضوتين في حلف شمال الأطلسي.

وفي أغسطس، أبحرت أول سفينة تغادر عبر الممر، مع دخول سلسلة من السفن إلى الممر الملاحي وخروجه بوتيرة متزايدة في الأيام الأخيرة. 

وقالت البحرية الأوكرانية إن 12 سفينة أخرى كانت تنتظر دخول الممر حتى يوم الأربعاء.

بوتين زار السعودية والإمارات الأربعاء
بوتين زار السعودية والإمارات الأربعاء

أجرى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، زيارة خارجية نادرة خلال الأشهر الأخيرة، حيث توجه إلى السعودية والإمارات، في ظل إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرة اعتقال بحقه بسبب "جرائم حرب" في أوكرانيا.

وتسببت تلك المذكرة في حذر الرئيس الروسي خلال رحلاته الخارجية، وحدت بشكل كبير من جولاته ولقاءاته مع قادة الدول الأخرى، وبالتحديد المنضمة إلى المحكمة الجنائية الدولية.

وقال المتحدث باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، الأربعاء، إن بوتين وولي عهد السعودية، الأمير محمد بن سلمان، بحثا في الرياض "التعاون في إطار منظمة أوبك+".

ونقلت وكالة إنترفاكس الروسية عن بيسكوف قوله: "تحدثنا مرة أخرى عن التعاون في أوبك+. الطرفان متفقان على أن بلدينا يتحملان مسؤولية كبيرة في التفاعل من أجل الحفاظ على سوق الطاقة الدولية عند المستوى المناسب، وفي حالة مستقرة يمكن التنبؤ بها".

وقال بوتين في تصريحات تلفزيونية، الأربعاء، إن العلاقات مع السعودية وصلت إلى "مستوى غير مسبوق"، وهو نفس ما وصف به العلاقات مع الإمارات خلال اجتماع في اليوم نفسه مع رئيس الإمارات، الشيخ محمد بن زايد آل نهيان.

وهذه الزيارة الخاطفة لكل من الرياض وأبوظبي، سلطت الضوء على رحلات بوتين الخارجية، التي تأثرت بشدة بمذكرة الاعتقال.

ما هي الجرائم المتهم بها بوتين؟

أصدرت المحكمة الجنائية الدولية في 17 مارس الماضي، مذكرة اعتقال بحق الرئيس الروسي لاتهامه بـ"الترحيل غير القانوني لأطفال من أوكرانيا، ونقل غير قانوني لمدنيين من أراضي أوكرانيا إلى روسيا".

ويعد القرار هو الأول من نوعه من طرف الهيئة الدولية، التي تحقق في الصراع في أوكرانيا.

وأصدرت المحكمة أمر توقيف منفصل بحق مفوضة روسيا لحقوق الأطفال، ماريا أليكسييفنا لفوفا بيلوفا، بنفس الاتهامات.

ووصفت الخارجية الروسية قرارات المحكمة الجنائية الدولية بأنها "عديمة الأهمية" و"باطلة قانونيا".

وكان فريق تحقيق أممي قد اعتبر أن نقل أطفال أوكرانيين إلى المناطق الخاضعة لسيطرة موسكو في أوكرانيا، وإلى روسيا، يشكل "جريمة حرب".

وكتب فريق التحقيق التابع للأمم المتحدة في تقريره: "تمت معاينة حالات نقل وترحيل أطفال داخل أوكرانيا وفي اتجاه روسيا الاتحادية، تنتهك القانون الإنساني الدولي وتشكل جريمة حرب".

ونقلت وكالة بلومبرغ الأميركية، أن خبراء حقوقيين أشاروا إلى أن "عدد الأطفال الذين تم ترحيلهم يتجاوز 19 ألفا"، فيما تقول السلطات الروسية إنها نقلت الأطفال "لأهداف إنسانية" في ظل الحرب.

كيف أثرت مذكرة الاعتقال على رحلات بوتين؟

منذ إصدار أمر الاعتقال، لم يغادر بوتين إلا لدول ليست أطرافا في المحكمة الجنائية الدولية، مثل الصين وبيلاروسيا وكازاخستان وقيرغيزستان، بجانب الإمارات والسعودية.

وغاب بوتين عن قمة "بريكس" التي عقدت في منتصف أغسطس الماضي بجنوب أفريقيا، بعدما أعلنت الأخيرة أن بصفتها عضوة في الجنائية الدولية، ستكون مجبرة على تنفيذ مذكرة الاعتقال.

وأعلنت الرئاسة في جنوب أفريقيا، يوليو الماضي، أن بوتين قرر عدم الحضور باتفاق متبادل مع الرئيس سيريل رامافوزا، على أن يمثل روسيا في القمة وزير الخارجية سيرغي لافروف.

وجاء ذلك بعدما أعلن حزب التحالف الديمقراطي المعارض البارز في جنوب أفريقيا، حينها، أنه اتخذ إجراءات قانونية لإجبار الحكومة على اعتقال بوتين إذا قام بزيارة البلاد، بحسب مجلة "بوليتيكو" الأميركية.

ما هي احتمالات محاكمة بوتين؟

أشار تقرير وكالة "بلومبرغ" إلى أن احتمالات محاكمة بوتين وكبار مساعديه لاتهامهم بجرائم حرب "ليست كبيرة، إلا لو تم تغيير النظام في موسكو".

ولا تسمح المحكمة الجنائية الدولية بإجراء محاكمات غيابية، ومن غير المرجح أن تتمكن من اعتقال بوتين أو مساعديه، وهي تعتمد بالأساس على الدول الأعضاء في تنفيذ الاعتقالات، وبالتالي حال تجنب السفر إلى تلك الدول فسيكون من الصعب القبض على المطلوبين لدى الجنائية الدولية.

ويبدو ذلك واضحا في أن الأشخاص الذين اتهمتهم الجنائية الدولية بارتكاب جرائم حرب، لا يزال ثلثهم طلقاء. وكان أغلبهم أعضاء جماعات مسلحة وليسوا قادة سياسيين أو مسؤولين عسكريين رسميين.