أزمة الشرق الأوسط حولت الانتباه الدولي عن أوكرانيا
أزمة الشرق الأوسط حولت الانتباه الدولي عن أوكرانيا

قوّضت الحرب في غزة آمال أوكرانيا في عقد قمة للسلام تجمع زعماء العالم في الأشهر المقبلة، وفق ما ذكره دبلوماسيون غربيون لصحيفة "وول ستريت جورنال"، مشيرين إلى أن المساعي الأوكرانية لذلك بدأت تفقد زخمها، نتيجة التوترات المتزايدة في الشرق الأوسط.

وكانت عشرات الدول، بينها الهند وجنوب أفريقيا والبرازيل وغيرها من القوى الكبرى التي كانت محايدة بشأن الحرب بين أوكرانيا وروسيا، سعت لعدة أشهر إلى التركيز على بعض المبادئ الأساسية، مثل سيادة الدول لأراضيها، والتي كان من شأنها أن  أن تشكل أساسا لمحادثات السلام.

لكن الصراع بين إسرائيل وحماس في غزة تسبب في حدوث انقسامات جديدة بين الولايات المتحدة ودول غربية أخرى وبعض القوى العربية ودول العالم النامي التي كانت أوكرانيا تأمل في ضمها إلى جانبها.

وأمل المسؤولون الأوكرانيون والأوروبيون، بعد اجتماعات في الدنمارك والسعودية ومالطا، هذا العام، في عقد قمة للزعماء قبل نهاية العام. لكن يبدو أن ذلك لم يعد مرجحا الآن، وفق ما ذكره الدبلوماسيون للصحيفة الأميركية.

وحولت أزمة الشرق الأوسط الانتباه الدولي عن أوكرانيا، والتي استحوذت على انتباه صانعي السياسات الذين يركزون الآن على العديد من التحديات الأخرى، مثل إطلاق سراح الرهائن الذين تحتجزهم "حماس"، وإيصال المساعدات إلى المدنيين في غزة، ومنع تصعيد الصراع واتساع رقعته في المنطقة.

وكانت أوكرانيا ومؤيدوها يأملون في تجنيد القوى المحايدة بما في ذلك السعودية وإندونيسيا وربما الصين في تأييد مبادئ السيادة والاستقلال السياسي للدول وتجنب استخدام القوة لحل النزاعات.

وقد تم استبعاد روسيا من هذه العملية. وقالت موسكو إنها منفتحة على مفاوضات السلام إذا كانت مبنية على تنازل أوكرانيا أولا عن مساحات من الأراضي التي يدعّي الكرملين أنه ضمها، في حين تصر كييف على ضرورة انسحاب روسيا من أراضيها.

يذكر أن زخم المحادثات الأوكرانية بدأ في الصيف، وقد ضمّ الاجتماع في جدة السعودية، في أغسطس، أكثر من 40 دولة ومنظمة لإجراء محادثات على مستوى رسمي رفيع، بما في ذلك الصين، التي أرسلت مبعوثها للسلام، والولايات المتحدة، التي حضر مستشارها للأمن القومي، جيك سوليفان.

وأنشأت أوكرانيا والسعودية سلسلة من مجموعات العمل حول التأثير الدولي للحرب، وبدأ كبار المسؤولين الأوكرانيين، بقيادة رئيس المكتب الرئاسي الأوكراني، أندريه يرماك، اجتماعات منتظمة حول مسار السلام مع السفراء لدى كييف.

وقال المستشار الألماني، أولاف شولتس، بعد اجتماع جدة في مقابلة مع وسائل إعلام ألمانية إن المحادثات "تزيد الضغط على روسيا لتدرك أنها سلكت الطريق الخطأ وأنه يتعين عليها سحب قواتها وجعل السلام ممكنا".

وحتى قبل اندلاع الحرب بين إسرائيل وحماس، كان الزخم يتراجع. وبعد وصوله إلى جدة، توقف سفير الصين لدى كييف عن حضور الاجتماعات الأسبوعية التي يرأسها يرماك، وفق ما ذكره ثلاثة دبلوماسيين مقيمين في كييف للصحيفة الأميركية.

وكافحت أوكرانيا للعثور على دولة كبيرة محايدة لاستضافة المحادثات، حيث ضغط زيلينسكي على رئيس جنوب أفريقيا، سيريل رامافوزا، في الجمعية العامة للأمم المتحدة، في سبتمبر، لاستضافة الحدث.

وقال مسؤولون من جنوب أفريقيا في وقت لاحق إن ذلك "مستحيل من الناحية اللوجستية"، مع العلم أنه قبل أسابيع، استضافت جنوب أفريقيا قمة البريكس بحضور الرئيس الصيني، شي جين بينغ، ورئيس الوزراء الهندي. ناريندرا مودي، والرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي.

بوتين زار السعودية والإمارات الأربعاء
بوتين زار السعودية والإمارات الأربعاء

أجرى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، زيارة خارجية نادرة خلال الأشهر الأخيرة، حيث توجه إلى السعودية والإمارات، في ظل إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرة اعتقال بحقه بسبب "جرائم حرب" في أوكرانيا.

وتسببت تلك المذكرة في حذر الرئيس الروسي خلال رحلاته الخارجية، وحدت بشكل كبير من جولاته ولقاءاته مع قادة الدول الأخرى، وبالتحديد المنضمة إلى المحكمة الجنائية الدولية.

وقال المتحدث باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، الأربعاء، إن بوتين وولي عهد السعودية، الأمير محمد بن سلمان، بحثا في الرياض "التعاون في إطار منظمة أوبك+".

ونقلت وكالة إنترفاكس الروسية عن بيسكوف قوله: "تحدثنا مرة أخرى عن التعاون في أوبك+. الطرفان متفقان على أن بلدينا يتحملان مسؤولية كبيرة في التفاعل من أجل الحفاظ على سوق الطاقة الدولية عند المستوى المناسب، وفي حالة مستقرة يمكن التنبؤ بها".

وقال بوتين في تصريحات تلفزيونية، الأربعاء، إن العلاقات مع السعودية وصلت إلى "مستوى غير مسبوق"، وهو نفس ما وصف به العلاقات مع الإمارات خلال اجتماع في اليوم نفسه مع رئيس الإمارات، الشيخ محمد بن زايد آل نهيان.

وهذه الزيارة الخاطفة لكل من الرياض وأبوظبي، سلطت الضوء على رحلات بوتين الخارجية، التي تأثرت بشدة بمذكرة الاعتقال.

ما هي الجرائم المتهم بها بوتين؟

أصدرت المحكمة الجنائية الدولية في 17 مارس الماضي، مذكرة اعتقال بحق الرئيس الروسي لاتهامه بـ"الترحيل غير القانوني لأطفال من أوكرانيا، ونقل غير قانوني لمدنيين من أراضي أوكرانيا إلى روسيا".

ويعد القرار هو الأول من نوعه من طرف الهيئة الدولية، التي تحقق في الصراع في أوكرانيا.

وأصدرت المحكمة أمر توقيف منفصل بحق مفوضة روسيا لحقوق الأطفال، ماريا أليكسييفنا لفوفا بيلوفا، بنفس الاتهامات.

ووصفت الخارجية الروسية قرارات المحكمة الجنائية الدولية بأنها "عديمة الأهمية" و"باطلة قانونيا".

وكان فريق تحقيق أممي قد اعتبر أن نقل أطفال أوكرانيين إلى المناطق الخاضعة لسيطرة موسكو في أوكرانيا، وإلى روسيا، يشكل "جريمة حرب".

وكتب فريق التحقيق التابع للأمم المتحدة في تقريره: "تمت معاينة حالات نقل وترحيل أطفال داخل أوكرانيا وفي اتجاه روسيا الاتحادية، تنتهك القانون الإنساني الدولي وتشكل جريمة حرب".

ونقلت وكالة بلومبرغ الأميركية، أن خبراء حقوقيين أشاروا إلى أن "عدد الأطفال الذين تم ترحيلهم يتجاوز 19 ألفا"، فيما تقول السلطات الروسية إنها نقلت الأطفال "لأهداف إنسانية" في ظل الحرب.

كيف أثرت مذكرة الاعتقال على رحلات بوتين؟

منذ إصدار أمر الاعتقال، لم يغادر بوتين إلا لدول ليست أطرافا في المحكمة الجنائية الدولية، مثل الصين وبيلاروسيا وكازاخستان وقيرغيزستان، بجانب الإمارات والسعودية.

وغاب بوتين عن قمة "بريكس" التي عقدت في منتصف أغسطس الماضي بجنوب أفريقيا، بعدما أعلنت الأخيرة أن بصفتها عضوة في الجنائية الدولية، ستكون مجبرة على تنفيذ مذكرة الاعتقال.

وأعلنت الرئاسة في جنوب أفريقيا، يوليو الماضي، أن بوتين قرر عدم الحضور باتفاق متبادل مع الرئيس سيريل رامافوزا، على أن يمثل روسيا في القمة وزير الخارجية سيرغي لافروف.

وجاء ذلك بعدما أعلن حزب التحالف الديمقراطي المعارض البارز في جنوب أفريقيا، حينها، أنه اتخذ إجراءات قانونية لإجبار الحكومة على اعتقال بوتين إذا قام بزيارة البلاد، بحسب مجلة "بوليتيكو" الأميركية.

ما هي احتمالات محاكمة بوتين؟

أشار تقرير وكالة "بلومبرغ" إلى أن احتمالات محاكمة بوتين وكبار مساعديه لاتهامهم بجرائم حرب "ليست كبيرة، إلا لو تم تغيير النظام في موسكو".

ولا تسمح المحكمة الجنائية الدولية بإجراء محاكمات غيابية، ومن غير المرجح أن تتمكن من اعتقال بوتين أو مساعديه، وهي تعتمد بالأساس على الدول الأعضاء في تنفيذ الاعتقالات، وبالتالي حال تجنب السفر إلى تلك الدول فسيكون من الصعب القبض على المطلوبين لدى الجنائية الدولية.

ويبدو ذلك واضحا في أن الأشخاص الذين اتهمتهم الجنائية الدولية بارتكاب جرائم حرب، لا يزال ثلثهم طلقاء. وكان أغلبهم أعضاء جماعات مسلحة وليسوا قادة سياسيين أو مسؤولين عسكريين رسميين.