القوات الروسية تعرضت لهجمات أوكرانية في شبه جزيرة القرم - صورة أرشيفية.
القوات الروسية تعرضت لهجمات أوكرانية في شبه جزيرة القرم - صورة أرشيفية.

في ظل استمرار الحرب الروسية على أوكرانيا، نشرت هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" تقريرا مطولا عن مجموعة "أتيش" الأوكرانية للتجسس على القوات الروسية في شبه جزيرة القرم التي استولت عليها موسكو عام 2014.

وتضمن تقرير الهيئة مقابلات مع أعضاء في المجموعة تحدثوا خلالها عن آلية عملهم والمخاطر التي تواجههم كـ"جواسيس في أرض العدو"، وعن الأماكن التي يراقبوها ويعملوا فيها.

وبدأ التقرير برواية من رجل تمت تسميته "العميل الأول" حفاظا على السرية، وقال "كان لدي حدس أن هناك من يراقبني. كان قلبي ينبض بشدة".

وأوضح التقرير أن العميل الأول كان "يلتقط الصور وهو ينحني جنب بعض الشجيرات".

وأخبر الهيئة أنه جزء من مجموعة تدعى أتيش - وهي كلمة تعني النار لدى تتار القرم.

وعبر أحد تطبيقات المراسلة، يصف عمله السري لبي بي سي، وهو: "التجسس على القوات الروسية في شبه جزيرة القرم المحتلة".

ويقول متحدثا عن التحضير لتنفيذ عملية تجسس: "لمدة أسبوعين تقريبا، خططت في ذهني كيف وماذا سأفعل. لقد خططت للطريق (إلى التنفيذ)، وللانسحاب بعد إكمال المهمة، وما يجب أن أقوله في حالة القبض علي أو ملاحظتي".

وأشار التقرير إلى أن "العميل الأول دقيق. فهو يلتقط لقطات متعددة من زوايا مختلفة".

وأكد أن العمل التجسسي خطير، وربما مميت. وذكر أنه في إحدى المرات، بعد لحظات من المراقبة في أحد المواقع، لاحظ وجود مجموعة من الجنود الروس في مكان قريب.

وتابع: "تلك كانت لحظة فظيعة. لقد تمكنت من الانحناء بجانب السيارة وتظاهرت بأن لدي مشكلة في العجلة". وأضاف "بأعجوبة، لم يتحدثوا معي (الجنود الروس)".

وتقول أتيش إنها تجمع معلومات عن التحركات العسكرية الروسية، معظمها في شبه جزيرة القرم، ولكن أيضا في المناطق المحتلة الأخرى وحتى داخل روسيا نفسها.

ويقول العملاء إن معلوماتهم ساعدت في تنفيذ ضربات أوكرانية مهمة على شبه جزيرة القرم، مثل الضربات على سفينة الإنزال الروسية مينسك، والغواصة روستوف أون دون، والهجوم على مقر أسطول البحر الأسود الروسي في سبتمبر 2023.

وفي الآونة الأخيرة، قالت أتيش إنها قامت بأعمال استطلاعية بعد ضربة أوكرانية على محطة رادار في يفباتوريا (مدينة ساحلية في شبه جزيرة القرم).

ومن خلال تطبيقات المراسلة ومسؤول المجموعة، تحدثت بي بي سي مع خمسة رجال يقولون إنهم عملاء نشطون لأتيش، بما في ذلك شخص يقول إنه يعمل حاليا لصالح الجيش الروسي.

وبينما لا يمكن التحقق من رواياتهم بشكل مستقل، قال مصدر كبير في أجهزة الدفاع والمخابرات الأوكرانية لبي بي سي إن الشهادات ذات مصداقية.

ويقول العملاء إنهم كانوا على استعداد للتحدث إلى الهيئة لأنهم يريدون إظهار أن هناك حركة مقاومة نشطة.

وعرفت الهيئة الجندي الروسي الذي تحدثت إليه بأنه "العميل الخامس"، وقال إن أدواره المزدوجة خطيرة.

وأضاف "المخاطر عالية جدا، لا أحد يريد الذهاب إلى السجن". ويواجه المعتقلون تهم الخيانة وأحكام السجن الطويلة.

وتابع "يجب التعامل مع كل شيء بعناية وبعقل. والأخطاء في مثل هذه الأنشطة غير مقبولة بكل بساطة".

ويقول العملاء إنهم يقدمون معلومات استخباراتية عن الدفاعات الجوية والمستودعات والقواعد العسكرية وتحركات الجنود الروس، وأحيانا يقومون بمراقبة المواقع لأسابيع.

ويقول عميل ثالث إن "تصوير جيش دولة في حالة حرب هو انتحار"، لكن الخطر مبرر بسبب "الحرب الإجرامية" التي تشنها روسيا.

ويقول العميل الرابع: "كثيرا ما نرى ثمار عملنا. عندما... يتم قصف (المواقع) العسكرية الروسية، فلا يبقى سوى الرماد".

ولفت التقرير إلى أن أتيش ظهرت بعد الغزو الروسي لأوكرانيا في 24 فبراير عام 2022، وهي ليست "منظمة المقاومة الوحيدة في المناطق المحتلة".

وتنشر المجموعة بانتظام بيانات عن عملها على تيليغرام، حتى أنها تقوم بتحميل الصور.

وبينما يبدو أنها تقدم في الأساس معلومات لوجستية، يزعم نشطاء موالون للمجموعة أنهم نفذوا هجمات عنيفة، مثل قتل 30 جنديا روسيا في مستشفى عسكري، وهجوم بسيارة مفخخة في خيرسون التي تحتلها روسيا.

سفن حربية تابعة لأسطول روسيا في البحر الأسود في 30 يوليو 2023
تقرير: بوتين يضطر لنقل السفن الروسية من شبه جزيرة القرم
اعتاد  الأسطول الروسي أن يتواجد في شبه جزيرة القرم بالبحر الأسود منذ نحو 240 عاما، ولكن موسكو تواجه في الوقت الحالي خطر  ذلك فقدان المركز البحري الرئيسي مع تصعيد أوكرانيا لهجماتها في شبه الجزيرة المحتلة، بحسب موقع وكالة "بلومبيرغ" الأميركية.

وبعد نحو عقد من احتلالها شبه جزيرة القرم الأوكرانية، تواجه موسكو خطر فقدان ذلك المركز البحري الرئيسي، في ظل تصعيد أوكرانيا لهجماتها على المنطقة، بحسب تقرير لوكالة "بلومبرغ" نشر في ديسمبر الماضي.

وذكر التقرير أن الكرملين أمر بنقل السفن الروسية بعيدا عن مناطق الاستهدافات في القرم. وفي هذا الصدد قال مدير مركز تحليل الاستراتيجيات والتقنيات في موسكو، رسلان بوخوف: "لم يعد أي ميناء في القرم آمنا للسفن الحربية الروسية". 

وتابع: "قامت أوكرانيا بطرد الأسطول من شبه جزيرة القرم".

وإجمالا، فقدت روسيا ما لا يقل عن 20 سفينة، بما في ذلك سفن حربية وغواصة وزوارق إنزال، منذ أمر بوتين بغزو واسع النطاق لأوكرانيا في فبراير 2022، وذلك وفقا للقوات المسلحة الأوكرانية وتقييمات مستقلة من منفذ الاستخبارات مفتوح المصدر "أوريكس" (Oryx).

ووفقا لخبراء، فإن الهجمات على أسطول الكرملين في البحر الأسود، زادت الضغط على الدفاعات الروسية في شبه الجزيرة، وكذلك على خطوط الإمداد لقواتها في جنوب أوكرانيا المحتلة، لافتين في الوقت نفسه إلى أنه من المرجح أن يكون لها تأثير "محدود" على التطورات في ساحة المعركة، مع وصول القتال على الأرض إلى طريق مسدود إلى حد كبير، وفق بلومبرغ.

وتسبب الغزو الروسي لأوكرانيا بمقتل وإصابة عشرات الآلاف ونزوح وتهجير الملايين داخل البلاد وخارجها، فيما تسيطر القوات الروسية على أجزاء واسعة من إقليم دونباس، الذي يضم دونيتسك ولوغانسك، جنوب شرق أوكرانيا، في وقت تشن فيه كييف هجمات منتظمة على مواقع وأهداف روسية.

سوريون يرسمون جدارية تضامنية مع أوكرانيا تعبيرا عن القصف الروسي للبلدين
سوريون يرسمون جدارية تضامنية مع أوكرانيا في 2023 تعبيرا عن القصف الروسي للبلدين

بفرحة كبيرة، تتابع الناشطة الأوكرانية ليوبوف فيلينكو، أخبار تحرير سوريا من نظام بشار الأسد المدعوم من روسيا التي تشن حربا على بلادها منذ فبراير 2022.

ورغم الوضع الصعب الذي تعيشه فيلينكو وغيرها من الأوكرانيين، حيث معظم المناطق بلا كهرباء في الشتاء القارس بسبب القصف الروسي المكثف، فإن نبأ تحرير سوريا أشعل شرارة الأمل.

"تحرر سوريا، كان بمثابة ضوء كبير، ودليل على أن روسيا أضعف كثيرا مما تبدو عليه"، قالت فيلينكو خلال مقابلة مع موقع "الحرة".

عندما تراجعت قوات الأسد على جبهات كثيرة، بدأت روسيا تدخلها العسكري لصالحه في 30 سبتمبر 2015، بعدما كانت داعما رئيسيا لدمشق في مجلس الأمن الدولي منذ اندلاع الاحتجاجات الشعبية في 2011.

كان تدخل روسيا نقطة تحوّل في الأحداث السورية، وبفضله، تمكن النظام من استعادة زمام المبادرة وتحقيق انتصارات استراتيجية، بينما كانت موسكو تنفذ الكثير من "المجازر" وتقصف بالطائرات، وأنشأت قاعدتين عسكريتين في سوريا.

يرى رئيس الجالية السورية في العاصمة الأوكرانية كييف، محمد زيدية أن التدخل الروسي المباشر في 2015 أنقذ  الأسد وأطال عمر ألم ومعاناة السوريين.

جانب من احتفال الجالية السورية في كييف بسقوط نظام بشار الأسد

منذ 33 عاما غادر زيدية مدينته درعا مهد الاحتجاجات السورية  التي اندلعت في عام 2011، للدراسة في الاتحاد السوفيتي آنذاك، وبقي هناك بعد استقلال أوكرانيا.

 "رأيت أن الوضع هنا أفضل من سوريا" قال زيدية الذي تزوج من أوكرانية وأسس عائلة هناك.

لم يترك أوكرانيا، وأصبح واحدا من ألف سوري لم يغادروها بعد شن روسيا حربها الشاملة، حيث كان عدد الجالية ستة آلاف شخص.

يشغل زيدية الحاصل على الدكتوراه في التربية البدنية، منصب مستشار في اتحاد كرة القدم في كييف.

قال خلال مقابلة مع موقع "الحرة"  إن "الأوكرانيين تعاطفوا مع السوريين. كانوا يتابعون آلامهم، خاصة بعد أن تدخلت روسيا التي احتلت في 2014 شبه جزيرة القرم الأوكرانية".

"الشعب الأوكراني يشعر مع سقوط نظام الأسد، بأمل في أن تنتهي الحرب وينتصر"، قال زيدية.

وبعد أن أعلنت سوريا إقرارها بحق روسيا في ضم شبه جزيرة القرم في 2014، اعتبرت أوكرانيا أن الأمر اعتداء على أرضها وسيادتها من قبل دمشق، فجمدت العلاقات الدبلوماسية إلى أن قطعتها.

يعمل عضو مجلس القوميات في الإدارة الحكومية الأوكرانية، عماد أبو الرب ضمن فريق حكومي رسمي على "تعزيز" التعاون والتواصل مع سوريا الجديدة بعد سقوط الأسد، بما فيها إعادة التمثيل الدبلوماسي.

قال خلال مقابلة مع موقع "الحرة" إن "الحكومة الأوكرانية، تدرس شمول سوريا في مبادرة الحبوب والطحين التي تقدمها كييف لدول تعاني من أوضاع إنسانية، تشمل لبنان وغزة ودول أفريقية".

وكما خرج الأسد من سوريا، يتمنى الأوكرانيون أن تخرج القوات الروسية من بلدهم، وأن تعود الحياة في البلدين آمنة.

ووسط هذا الأمل، لا تزال فيلينكو تتابع الأخبار في سوريا بفرح، وتسخر من تغيير الدعاية الروسية لمسارها بسرعة، منتقلة من وصف الثوار السوريين بالإرهابيين إلى وصفهم بـ"المعارضة".

هذه المناورة الإعلامية الروسية، في نظرها، دليل واضح على ضعفها الحقيقي. 

قالت فيلينكو: "لن يتوقف الأوكرانيون عن القتال حتى تحقيق النصر. نستند إلى قناعة راسخة، بأن روسيا أضعف بكثير مما تبدو عليه".