برودة قاسية تحل مع فصل الشتاء في أوكرانيا
برودة قاسية تحل مع فصل الشتاء في أوكرانيا

طلب مسؤولون أوكرانيون من حلفائهم في الدول الغربية تقديم مساعدات بمليارات الدولارات لقطاع الطاقة المتضرر في بلادهم، حيث أجبرت الضربات الجوية الروسية شركات الكهرباء على قطع التيار الكهربائي لساعات طوال يوميا على مستوى البلاد، وفقا لما ذكرت صحيفة "فاينانشال تايمز" البريطانية.

وكان الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، قد قال في مؤتمر في برلين، الثلاثاء، إن بلاد "فقدت نصف قدرتها" على توليد الكهرباء نتيجة الهجمات الروسية.

وأضاف أن ذروة الاستهلاك في الشتاء الماضي بلغت 18 غيغاوات، لافتا إلى هجمات قوات الكرملين دمرت 9 غيغاوات.

وشدد على أن مصادر توليد الطاقة لا تزال "واحدة من الأهداف الرئيسية للرئيس الروسي فلاديمير بوتين".

ويهدف المؤتمر الذي يستمر يومين، والذي قال مضيفوه الألمان إنه يجمع 2000 شخص من السياسة والشركات والمجتمع المدني، إلى حشد الدعم لمشاريع إعادة بناء المدن والبنية التحتية التي دمرها الغزو الروسي واسع النطاق لأوكرانيا.

وقال المستشار الألماني، أولاف شولتس، إن البنك الدولي قدّر أن إعادة بناء وتحديث أوكرانيا سيتطلب استثمارات تبلغ نحو 500 مليار دولار على مدى السنوات الـ10 المقبلة.

من جانبه، قال الرئيس التنفيذي لشركة النفط والغاز "أوكرنافتا"، سيرغي كوريتسكي، إن الشتاء المقبل "سيكون الأصعب" منذ بدء الغزو الروسي في أواخر فبراير 2022.

وأضاف: "سيواجه الجميع مشاكل في إمدادات الكهرباء، لذا علينا أن نستعد لذلك الآن".

وإحدى الشركات الأكثر تضرراً من القصف الروسي هي شركة ديتيك DTEK، التي تعد أكبر مزود خاص للطاقة في أوكرانيا، حيث تضررت أو دمرت 90 بالمئة من قدرتها على التوليد الحراري منذ مارس.

وقال مكسيم تيمشينكو، الرئيس التنفيذي للشركة، في مقابلة: "حتى اليوم لدينا 460 ميغاوات فقط من أصل 5000 ميغاوات في السابق".

واعتبر أن أسرع طريقة لحل أزمة الطاقة هي توسيع قدرة أوكرانيا على استيراد الكهرباء، من حوالي 1.7 غيغاوات إلى 2.2-2.5 غيغاوات.

وتجري السلطات بالفعل محادثات مع الشبكة الأوروبية لمشغلي أنظمة نقل الكهرباء "ENTSO-E"، بشأن زيادة الواردات.

بوتين وترامب
صورة تجمع بين ترامب والرئيس الروسي، فلاديمير بوتين (فرانس برس)

في أحدث تصريحاته، هدد الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بفرض رسوم جمركية وعقوبات صارمة على روسيا إذا لم تتحرك فورًا لإنهاء الحرب الطاحنة في أوكرانيا. 

تلك التصريحات أعادت تسليط الضوء بشكل أكبر على أخطر أزمة تعاني منها القارة الأوروبية منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، ورغم تحذير ترامب، فإن الكرملين وصف موقفه بأنه لا يحمل جديدًا، ما يطرح تساؤلات حول مدى فعالية هذا النهج.

وفي هذا الصدد يرى، تيمور دويدار، الخبير في الشؤون الدولية والمقيم في موسكو، أن ترامب يسعى لتحقيق مكاسب اقتصادية وسياسية داخلية وخارجية عبر إنهاء الحرب. 

ويضيف في حديثه لموقع "الحرة" أن "إنهاء الأزمة الأوكرانية ليس فقط مصلحة للولايات المتحدة بل للعالم بأسره. ترامب يدرك أن رفع العقوبات عن روسيا وإعادة تدفق الطاقة والحبوب سيؤدي إلى استقرار الأسواق العالمية، ويعزز هيمنة واشنطن على أوروبا اقتصاديًا وسياسيًا".

دويدار أضاف أن الأزمة الأوكرانية باتت تمثل عبئًا اقتصاديًا وسياسيًا على الولايات المتحدة وأوروبا، لافتا إلى أن إنهاء الحرب سيعيد فتح الباب أمام التعاون الاقتصادي بين الغرب وروسيا، خاصة في مجالات الطاقة والموارد الطبيعية. 

وشدد على أن الولايات المتحدة قد تستفيد من عودة العلاقات الطبيعية مع موسكو لتركز جهودها على مواجهة التحديات الأكبر مع الصين.

في المقابل، يؤكد الدبلوماسي الأوكراني، إيفان سيهيدا، أن أي هدنة أو وقف مؤقت لإطلاق النار لن يحقق أمن أوكرانيا.

ويضيف: "بوتين لا يفهم إلا لغة القوة. أي اتفاق دون ضمانات قوية سيكون مجرد فرصة له لإعادة تنظيم قواته استعدادًا لهجوم جديد".

 سيهيدا أكد أيضًا على ضرورة وجود دعم عسكري قوي لبلاده يرافق العقوبات لضمان تحقيق ردع فعال.

وأوضح الدبلوماسي الأوكراني أن كييف لن تعترف أبدًا بـ"الاحتلال الروسي للقرم أو أي أراضٍ أوكرانية أخرى"، مشيرًا إلى أن "جرائم الحرب الروسية والانتهاكات المستمرة لحقوق الإنسان تجعل أي تسوية مع موسكو مشروطة بمحاسبة المسؤولين وضمان سلام دائم".

 تباين في المواقف

في منشور على منصته "تروث سوشال"، أوضح ترامب أنه يسعى لإنهاء الحرب بسرعة، مشيرًا إلى أن الاقتصاد الروسي يعاني وأن أي اتفاق سيكون في مصلحة الجميع. 

ومع ذلك، لم يقدم ترامب تفاصيل حول طبيعة العقوبات الجديدة. وأضاف: "أنا أحب الشعب الروسي، ودائمًا كانت لدي علاقة جيدة مع الرئيس بوتين"، في محاولة للتأكيد على أن تهديداته تهدف لتحقيق سلام دائم وليس تصعيدًا.

من جانبها، قالت موسكو إنها "منفتحة على الحوار"، لكن ديمتري بيسكوف، الناطق باسم الكرملين، أكد أن أي مفاوضات يجب أن تقوم على احترام متبادل. بينما رأى نائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي ريابكوف، أن فرص التوصل لاتفاق مع إدارة ترامب "محدودة"، لكنه أشار إلى وجود أمل مقارنة بسياسات الإدارة السابقة بقيادة بايدن.

ترامب، الذي تولى منصبه حديثًا، أشار إلى أنه يستطيع إنهاء الحرب في أوكرانيا بسرعة. وأكد أن سياسته تهدف إلى تحقيق التوازن بين الضغط على روسيا وتحقيق الاستقرار الاقتصادي العالمي. لكن تبقى الأسئلة مفتوحة حول كيفية تحقيق هذا الهدف، خاصة في ظل استمرار التوترات بين الأطراف المختلفة.

تداعيات اقتصادية وسياسية 

الحرب المستمرة في أوكرانيا أثرت بشدة على الأسواق العالمية، خاصة في أوروبا، وهنا يقول دويدار: "إن إنهاء الحرب سيعيد التوازن للاقتصاد العالمي، ويخفف من التضخم في الولايات المتحدة وأوروبا. فالغاز الروسي الرخيص كان ضروريًا للصناعات الأوروبية، وعودته ستساهم في إنعاش الاقتصاد الأوروبي".

ويضيف أن أوروبا تعاني من شتاء قارس وارتفاع في تكاليف التدفئة، مما يزيد من الضغط على الحكومات الأوروبية لإيجاد حل سريع للصراع. 

ويشير إلى أن عودة العلاقات التجارية مع روسيا قد تكون إحدى الطرق لتخفيف هذا الضغط، لكن ذلك يعتمد على التوصل إلى اتفاق سياسي شامل.

أما سيهيدا فيرى أن السماح لروسيا بالاستفادة من عدوانها سيكون خطأ كبيرًا، مردفا: "أي تخفيف للعقوبات دون تحقيق سلام عادل سيشكل مكافأة للكرملين. يجب أن يكون هناك موقف صارم يمنع تكرار هذا السيناريو مستقبلًا".

الحرب أيضًا ألقت بظلالها على الأمن الغذائي العالمي، حيث تعطلت بعض عمليات تصدير الحبوب والأسمدة من أوكرانيا وروسيا، مما أثر على العديد من الدول النامية التي تعتمد بشكل كبير على هذه الموارد، وبالتالي، فإن التوصل إلى اتفاق سلام، كما يرى دويدار،  قد يعيد تدفق هذه الموارد بشكل طبيعي.