مودي مع بوتين خلال زيارته إلى روسيا
مودي مع بوتين خلال زيارته إلى روسيا

قال رئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الثلاثاء، غداة هجوم دموي على مستشفى للأطفال في العاصمة الأوكرانية كييف، إن مقتل أطفال أبرياء أمر مؤلم ومروع.

والتصريح الذي أدلى به رئيس الوزراء الهندي، الذي يزور روسيا حاليا، كان نوعا من التوبيخ الضمني لبوتين الذي استقبله قبل لحظات في الكرملين ببيان ودود بشأن أهمية العلاقات الاستراتيجية بين البلدين.

وتقول أوكرانيا إنها عثرت على شظايا صاروخ كروز روسي من طراز كيه.إتش-101 في مستشفى الأطفال الذي تعرض للقصف، الاثنين، في سلسلة هجمات روسية أسفرت عن مقتل 41 مدنيا على الأقل في أنحاء أوكرانيا.

وقالت روسيا، دون تقديم أدلة، إن نظاما مضادا للصواريخ أطلقته أوكرانيا هو الذي أصاب المستشفى.

وقال مودي "سواء كان الدافع حربا أو صراعا أو هجوما إرهابيا، فإن أي شخص يؤمن بقيم الإنسانية سيتألم عند سماعه عن وقوع خسائر بشرية".

وأضاف "القلب ينفطر ويتألم المرء كثيرا لمقتل أطفال أبرياء".

وهذه ليست المرة الأولى التي يبدو فيها مودي وكأنه ينتقد روسيا بسبب أعمالها في أوكرانيا. ففي سبتمبر 2022، قال مودي لبوتين "هذا الزمن ليس زمن الحروب"، ورد بوتين حينها بأنه يتفهم مخاوف مودي.

ومع ذلك، لم تشجب الهند الغزو الروسي لأوكرانيا واغتنمت الفرصة لشراء كميات غير مسبوقة من النفط الروسي بأسعار مخفضة نظرا لأن العقوبات أدت إلى تدمير العلاقات التجارية بين موسكو والغرب.

وباتت الهند بالنسبة لروسيا شريكا مهما بشكل متزايد، سواء على الصعيد الاقتصادي أو الدبلوماسي، بهدف إظهار أن المحاولات الغربية الرامية إلى عزل روسيا على الساحة الدولية تبوء بالفشل.

وقال بوتين في كلمة أمام مودي إن بلديهما يتمتعان "بشراكة استراتيجية ممتازة"، وشكره على جهوده للتوصل إلى حل سلمي للحرب.

وأضاف "أشكرك على الاهتمام الذي تبديه بالأزمات المستعصية، بما في ذلك محاولة إيجاد سبل لحل الأزمة في أوكرانيا، بطرق سلمية بالطبع قبل أي خيارات أخرى".

ورد مودي "بصفتي صديق، أقول دائما إن إحلال السلام ضروري من أجل مستقبل الأجيال القادمة. لا يمكن التوصل إلى حلول على ساحة المعركة. فلا يمكن أن تنجح محادثات السلام وسط البنادق والرصاص والقنابل. يجب علينا إيجاد سبيل السلام من خلال المفاوضات فحسب".

وكان توقيت واقعة مستشفى الأطفال الأوكراني محرجا لمودي لتزامنه مع بدء زيارته الاثنين لروسيا، التي تستغرق يومين.

وعندما شارك مودي صورة له وهو يعانق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على منصة إكس للتواصل الاجتماعي، قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلنسكي "إنها لخيبة أمل كبيرة وضربة قاضية لجهود السلام أن نرى رئيس أكبر دولة ديمقراطية في العالم يعانق أشد المجرمين دموية في العالم".

وقالت وزارة الخارجية الأميركية، الاثنين، إنها عبَرت عن مخاوفها للحكومة الهندية بشأن علاقتها مع روسيا. وبشكل منفصل، وصف الرئيس الأميركي جو بايدن أحدث الهجمات على أوكرانيا بأنها "تذكير مروع بوحشية روسيا".

والثلاثاء، قالت المندوبة الأميركية لدى الأمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد إن دولة تترأس مجلس الأمن الدولي هاجمت مستشفى في أوكرانيا، وقتلت أطفالا، في إشارة واضحة إلى روسيا.

وقالت روسيا إنها ضربت أهدافا عسكرية، وكرر الكرملين إصراره على أن روسيا لا تستهدف المدنيين.

بوتين وترامب
صورة تجمع بين ترامب والرئيس الروسي، فلاديمير بوتين (فرانس برس)

في أحدث تصريحاته، هدد الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بفرض رسوم جمركية وعقوبات صارمة على روسيا إذا لم تتحرك فورًا لإنهاء الحرب الطاحنة في أوكرانيا. 

تلك التصريحات أعادت تسليط الضوء بشكل أكبر على أخطر أزمة تعاني منها القارة الأوروبية منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، ورغم تحذير ترامب، فإن الكرملين وصف موقفه بأنه لا يحمل جديدًا، ما يطرح تساؤلات حول مدى فعالية هذا النهج.

وفي هذا الصدد يرى، تيمور دويدار، الخبير في الشؤون الدولية والمقيم في موسكو، أن ترامب يسعى لتحقيق مكاسب اقتصادية وسياسية داخلية وخارجية عبر إنهاء الحرب. 

ويضيف في حديثه لموقع "الحرة" أن "إنهاء الأزمة الأوكرانية ليس فقط مصلحة للولايات المتحدة بل للعالم بأسره. ترامب يدرك أن رفع العقوبات عن روسيا وإعادة تدفق الطاقة والحبوب سيؤدي إلى استقرار الأسواق العالمية، ويعزز هيمنة واشنطن على أوروبا اقتصاديًا وسياسيًا".

دويدار أضاف أن الأزمة الأوكرانية باتت تمثل عبئًا اقتصاديًا وسياسيًا على الولايات المتحدة وأوروبا، لافتا إلى أن إنهاء الحرب سيعيد فتح الباب أمام التعاون الاقتصادي بين الغرب وروسيا، خاصة في مجالات الطاقة والموارد الطبيعية. 

وشدد على أن الولايات المتحدة قد تستفيد من عودة العلاقات الطبيعية مع موسكو لتركز جهودها على مواجهة التحديات الأكبر مع الصين.

في المقابل، يؤكد الدبلوماسي الأوكراني، إيفان سيهيدا، أن أي هدنة أو وقف مؤقت لإطلاق النار لن يحقق أمن أوكرانيا.

ويضيف: "بوتين لا يفهم إلا لغة القوة. أي اتفاق دون ضمانات قوية سيكون مجرد فرصة له لإعادة تنظيم قواته استعدادًا لهجوم جديد".

 سيهيدا أكد أيضًا على ضرورة وجود دعم عسكري قوي لبلاده يرافق العقوبات لضمان تحقيق ردع فعال.

وأوضح الدبلوماسي الأوكراني أن كييف لن تعترف أبدًا بـ"الاحتلال الروسي للقرم أو أي أراضٍ أوكرانية أخرى"، مشيرًا إلى أن "جرائم الحرب الروسية والانتهاكات المستمرة لحقوق الإنسان تجعل أي تسوية مع موسكو مشروطة بمحاسبة المسؤولين وضمان سلام دائم".

 تباين في المواقف

في منشور على منصته "تروث سوشال"، أوضح ترامب أنه يسعى لإنهاء الحرب بسرعة، مشيرًا إلى أن الاقتصاد الروسي يعاني وأن أي اتفاق سيكون في مصلحة الجميع. 

ومع ذلك، لم يقدم ترامب تفاصيل حول طبيعة العقوبات الجديدة. وأضاف: "أنا أحب الشعب الروسي، ودائمًا كانت لدي علاقة جيدة مع الرئيس بوتين"، في محاولة للتأكيد على أن تهديداته تهدف لتحقيق سلام دائم وليس تصعيدًا.

من جانبها، قالت موسكو إنها "منفتحة على الحوار"، لكن ديمتري بيسكوف، الناطق باسم الكرملين، أكد أن أي مفاوضات يجب أن تقوم على احترام متبادل. بينما رأى نائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي ريابكوف، أن فرص التوصل لاتفاق مع إدارة ترامب "محدودة"، لكنه أشار إلى وجود أمل مقارنة بسياسات الإدارة السابقة بقيادة بايدن.

ترامب، الذي تولى منصبه حديثًا، أشار إلى أنه يستطيع إنهاء الحرب في أوكرانيا بسرعة. وأكد أن سياسته تهدف إلى تحقيق التوازن بين الضغط على روسيا وتحقيق الاستقرار الاقتصادي العالمي. لكن تبقى الأسئلة مفتوحة حول كيفية تحقيق هذا الهدف، خاصة في ظل استمرار التوترات بين الأطراف المختلفة.

تداعيات اقتصادية وسياسية 

الحرب المستمرة في أوكرانيا أثرت بشدة على الأسواق العالمية، خاصة في أوروبا، وهنا يقول دويدار: "إن إنهاء الحرب سيعيد التوازن للاقتصاد العالمي، ويخفف من التضخم في الولايات المتحدة وأوروبا. فالغاز الروسي الرخيص كان ضروريًا للصناعات الأوروبية، وعودته ستساهم في إنعاش الاقتصاد الأوروبي".

ويضيف أن أوروبا تعاني من شتاء قارس وارتفاع في تكاليف التدفئة، مما يزيد من الضغط على الحكومات الأوروبية لإيجاد حل سريع للصراع. 

ويشير إلى أن عودة العلاقات التجارية مع روسيا قد تكون إحدى الطرق لتخفيف هذا الضغط، لكن ذلك يعتمد على التوصل إلى اتفاق سياسي شامل.

أما سيهيدا فيرى أن السماح لروسيا بالاستفادة من عدوانها سيكون خطأ كبيرًا، مردفا: "أي تخفيف للعقوبات دون تحقيق سلام عادل سيشكل مكافأة للكرملين. يجب أن يكون هناك موقف صارم يمنع تكرار هذا السيناريو مستقبلًا".

الحرب أيضًا ألقت بظلالها على الأمن الغذائي العالمي، حيث تعطلت بعض عمليات تصدير الحبوب والأسمدة من أوكرانيا وروسيا، مما أثر على العديد من الدول النامية التي تعتمد بشكل كبير على هذه الموارد، وبالتالي، فإن التوصل إلى اتفاق سلام، كما يرى دويدار،  قد يعيد تدفق هذه الموارد بشكل طبيعي.