الجيش الأوكراني بدأ في تغزيز وجوده في كورسك / أرشيف
الجيش الأوكراني بدأ في تغزيز وجوده في كورسك / أرشيف

يعد تحرك أوكرانيا وتوغلها نحو كورسك مثالا واحدا على كيفية اتخاذها للمبادرة في الحرب، وكشفها عن ضعف روسيا وإحراج رئيسها، فلاديمير بوتين، بحسب تقرير لصحيفة "نيويورك تايمز".

وقال مسؤولون أميركيون لم تكشف صحيفة "نيويورك تايمز" عن هويتهم، إن الهجوم قد يساعد في إعادة بناء الروح المعنوية المتراجعة لدى القوات الأوكرانية والسكان المنهكين بفعل الحرب.

ويكشف التوغل الأوكراني في روسيا عن "تحول دراماتيكي"، بحسب الصحيفة التي أشارت إلى أن الهجوم تم التخطيط إليه في سرية تامة، بهدف تحويل القوات الروسية بعيدا عن خطوط المواجهة في أوكرانيا والاستيلاء على الأراضي لاستخدامها كورقة مساومة خلال أي مفاوضات مستقبلية.

ولفتت الصحيفة إلى أن هذا التوغل يتناقض مع فشل القوات الأوكرانية في الهجوم المضاد الذي شنته جنوبي البلاد خلال العام الماضي بهدف استعادة جزء من الأراضي التي احتلتها روسيا.

وشنت القوات الأوكرانية في السادس من أغسطس هجوما على منطقة كورسك الحدودية وسيطرت على عشرات البلدات في أكبر عملية عسكرية أجنبية داخل الأراضي الروسية منذ الحرب العالمية الثانية.

ونقلت وكالة الإعلام الروسية، الجمعة، عن مصادر أمنية لم تحددها القول إن القوات الروسية دمرت وحدة أوكرانية لعمليات الاستطلاع والتخريب بحوزتها أسلحة من دول حلف شمال الأطلسي بمنطقة كورسك بغرب البلاد.

ولم يتسن لرويترز التحقق من الروايات عن ميدان المعركة من أي من الطرفين.

الخميس، أعلن الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، أن قواته سيطرت بالكامل على مدينة سودجا بمنطقة كورسك.

وكتب زيلينسكي على "تلغرام" أن قائد الجيش أولكسندر سيرسكي، "أفاد باستكمال تحرير مدينة سودجا من أيدي العسكريين الروس"، في أكبر انتصار للقوات الأوكرانية منذ بدء التوغل.

القوات الأوكرانية سيطرت على منطقة كورسك الروسية مطلع أغسطس الماضي
روسيا تعلن "الطوارئ" وتعيد قوات لصد التوغل الأوكراني
بدأت روسيا سحب بعض قواتها من مناطق أوكرانية محتلة بهدف مواجهة الهجوم الأوكراني على أراضيها، فيما استمرت موسكو بإجلاء آلاف السكان الآخرين من مناطق حدودية، الخميس، في وقت قالت فيه أوكرانيا إنها تواصل التقدم بعد توغل مباغت داخل الأراضي الروسية يهدف إلى إجبار موسكو على إبطاء تقدمها على طول الجبهة.

وأعلن قائد الجيش الأوكراني سيرسكي، الخميس خلال اجتماع مع الرئيس زيلينسكي: "تقدمت قواتنا بالإجمال بعمق 35 كيلومترا منذ بدء العمليات في منطقة كورسك"، مؤكدا أن الجيش يسيطر الآن في منطقة كورسك على 1150 كيلومترا مربعا و85 بلدة، بزيادة ثماني بلدات عن الثلاثاء.

من الفشل إلى النجاح

بدأت أوكرانيا التحضير للهجوم المضاد قبل أشهر طويلة من تنفيذه علنا، حيث سعى الأوكرانيون لاستعادة أراضيهم لكنهم فشلوا في اختراق الدفاعات الروسية الحصينة، التي عززتها روسيا خلال أشهر الاستعدادات الأوكرانية للهجوم الفاشل.

لكن، وفق "نيويورك تايمز"، أظهر التوغل داخل الأراضي الروسية كيف نجح الجيش الأوكراني في تحسين مهاراته في تقنيات فشل بإتقانها قبل عام.

وأوضح مسؤولون أميركيون للصحيفة أن العملية نفسها لن تدفع روسيا إلى طاولة المفاوضات، حيث قال الرئيس بوتين، إنه لن يدخل أي مفاوضات بينما تحتل أوكرانيا أراض روسية.

وقال مسؤولون أميركيون إنه يجب التعامل مع حديثه على محمل الجد.

ويرى المسؤولون الأميركيون أن تحديد الأهمية الاستراتيجية لهذه العملية الأوكرانية قد يحتاج إلى وقت لرؤية كيف تسير الأمور لاستخلاص استنتاجات "قاطعة".

وفي مؤشر على نية أوكرانيا ترسيخ وجودها، أعلن قائد الجيش الأوكراني تشكيل إدارة عسكرية في كورسك تتولى شؤون المنطقة وضمان الأمن فيها، وتشرف على المسائل اللوجستية للقوات الأوكرانية.

وفي العلن، أشار مدير وكالة الاستخبارات الأميركية، وليام بيرنز، إلى "الحاجة لكسر غطرسة بوتين" المفرطة وأن تظهر أوكرانيا قوتها في ساحة المعركة.

وكان مسؤولون أميركيون قالوا هذا الأسبوع لصحيفة "وول ستريت جورنال" إن روسيا تسحب بعض قواتها العسكرية من أوكرانيا ردا على هجوم أوكراني على الأراضي الروسية، في أول إشارة إلى أن توغل كييف يجبر موسكو على إعادة ترتيب قواتها الغازية.

وأضافت الصحيفة أن تقييم المسؤولين يعزز المزاعم التي أعلنها مسؤولون أوكرانيون بأن الهجوم المفاجئ داخل إقليم كورسك الروسي الأسبوع الماضي تسبب في إبعاد قوات روسية من مناطق أوكرانية.

وفي الوقت ذاته، أرسلت أوكرانيا دبابات ومركبات مدرعة أخرى لتعزيز قواتها بالداخل الروسي، وهو أمر أذهل الكرملين بعد الاستيلاء على جزء من الأراضي الروسية.

القوات الأوكرانية سيطرت على منطقة كورسك الروسية مطلع أغسطس الماضي
"الأرض مقابل الأرض".. هل تنتهي حرب أوكرانيا بعد "التحول الجذري"؟
شهدت الحرب في أوكرانيا "تحولا جذريا" خلال أيام قليلة عندما اجتاحت القوات الأوكرانية منطقة كورسك الروسية ورفعت العلم الأوكراني في بلدة سودزا الحدودية، وهي المرة الأولى التي تغزو فيها قوات أجنبية أراضي موسكو منذ الحرب العالمية الثانية.

لكن لم يسحب بوتين أي قوات إلى الآن من مناطق القتال الساخنة في شرقي أوكرانيا، وفق "وول ستريت جورنال".

خطوات أخرى

وبالعودة إلى تقرير "نيويورك تايمز"، فإن مسؤولين أميركيين أكدوا أن أوكرانيا مضطرة للبناء على هذه العملية بعمليات أخرى جريئة يمكنها أن تدفع روسيا إلى الشعور بأن انتصار كييف لا مفر منه، مضيفا أن ذلك يمكن أن يكون المزيد من التوغلات عبر الحدود أو مهام تخريب سرية أو غير ذلك.

وفي حديثه أمام مجلس العلاقات الخارجية في نيويورك، قال القائد العسكري البارز لحلف شمال الأطلسي، الجنرال كريستوفر جي كافولي، الخميس، إن التوغل الأوكراني نجح حتى الآن.

وأضاف أن العملية منحت دفعة مهمة للمعنويات الأوكرانية بعد أشهر من التقدم البطيء الذي يحرزه الجيش الروسي في شرق وجنوب أوكرانيا، موضحا: "كان لها تأثير تحفيزي جيد على السكان وعلى الجيش نفسه".

ونقلت الصحيفة عن مسؤولين أميركيين قولهم إن واشنطن سوف تتعامل بمبدأ "لننتظر ونرى". فيما قال مسؤول آخر للصحيفة إن هذه العملية "مقامرة".

المصادر قالت إن الصينيين الذين يقاتلون مع روسيا ربما ليس لهم علاقة ببكين
المصادر قالت إن الصينيين الذين يقاتلون مع روسيا ربما ليس لهم علاقة ببكين (Reuters)

قال مسؤولان أميركيان مطلعان ومسؤول مخابرات غربي سابق إن أكثر من 100 مواطن صيني يقاتلون في صفوف الجيش الروسي في مواجهة أوكرانيا هم مرتزقة لا صلة مباشرة لهم على ما يبدو بالحكومة الصينية.

ومع ذلك، قال المسؤول السابق لرويترز إن ضباطا صينيين كانوا في مسرح العمليات خلف الخطوط الروسية بموافقة بكين لاستخلاص الدروس التكتيكية من الحرب.

وأكد قائد القوات الأميركية في منطقة المحيطين الهندي والهادي، الأميرال صامويل بابارو، يوم الأربعاء أن القوات الأوكرانية أسرت رجلين من أصل صيني في شرق أوكرانيا بعد أن قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إن بلاده لديها معلومات عن 155 مواطنا صينيا يقاتلون هناك إلى جانب روسيا.

ووصفت الصين تصريحات زيلينسكي بأنها "غير مسؤولة"، وقالت إن الصين ليست طرفا في الحرب. وكانت بكين قد أعلنت عن شراكة "بلا حدود" مع موسكو وامتنعت عن انتقاد الغزو الروسي الشامل لأوكرانيا عام 2022.

وقال المسؤولون الأميركيون، الذين تحدثوا شريطة عدم الكشف عن هويتهم، إن المقاتلين الصينيين لم يتلقوا فيما يبدو سوى الحد الأدنى من التدريب وليس لهم أي تأثير ملحوظ على العمليات العسكرية الروسية.

ولم ترد وكالة المخابرات المركزية الأميركية (سي.آي.إيه)، ومكتب مدير المخابرات الوطنية الأميركية، ومجلس الأمن القومي، وكذلك السفارة الصينية في واشنطن بعد على طلبات  رويترز للتعليق.

وقال مسؤول مخابرات غربي سابق مطلع على الأمر لرويترز إن هناك نحو 200 من المرتزقة الصينيين يقاتلون لصالح روسيا لا علاقة للحكومة الصينية بهم.

لكن الضباط العسكريين الصينيين يقومون، بموافقة بكين، بجولات بالقرب من الخطوط الأمامية الروسية لاستخلاص الدروس وفهم التكتيكات في الحرب.

وقدمت الصين لموسكو على مدى سنوات دعما ماديا لمساعدتها في حربها على أوكرانيا، وتمثل ذلك في المقام الأول في شحن المنتجات ذات الاستخدام المزدوج وهي مكونات لازمة لصيانة الأسلحة مثل الطائرات المسيرة والدبابات.

كما زودت بكين روسيا بطائرات مسيرة مدمرة لاستخدامها في ساحة المعركة. وفي أكتوبر، فرضت إدارة الرئيس الأميركي السابق جو بايدن للمرة الأولى عقوبات على شركتين صينيتين بسبب تزويد موسكو بأنظمة الأسلحة.

ويقاتل متطوعون من دول غربية، بما في ذلك الولايات المتحدة، في صفوف أوكرانيا منذ الأيام الأولى للحرب، ونشرت كوريا الشمالية أكثر من 12 ألف جندي لدعم القوات الروسية، وقتل وأصيب الآلاف منهم في المعارك.