في تطور من شأنه أن يغير قواعد اللعبة في الحرب الأوكرانية الروسية، تتزايد المؤشرات على أن الولايات المتحدة وبريطانيا قد ترفعان قريبا القيود المفروضة على استخدام أوكرانيا لصواريخ "ستورم شادو" بعيدة المدى ضد أهداف داخل الأراضي الروسية، وفقا لهيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي".
ورغم عدم صدور تأكيد رسمي من المحادثات التي جمعت بين الرئيس الأميركي جو بايدن، ورئيس الوزراء البريطاني، كير ستارمر، إلا أن التوقعات تشير إلى احتمال حدوث هذا التغيير مستقبلا، بحسب المصدر ذاته.
وتمتلك أوكرانيا بالفعل هذه الصواريخ المتطورة، لكنها ظلت مقيدة باستخدامها داخل حدودها فقط. وتكثف كييف ضغوطها خلال الأسابيع الأخيرة لتوسيع نطاق استخدامها لتشمل أهدافا بالداخل الروسي.
ويثير هذا التطور المحتمل أسئلة بشأن مميزات هذا السلاح، وأسباب تردد الغرب حتى الآن في رفع القيود عنه، والفرق الذي يمكن أن يحدثه في مسار الحرب.
خصائص صاروخ ستورم شادو
ستورم شادو هو صاروخ كروز بريطاني ـ فرنسي، بمدى أقصى يبلغ حوالي 250 كم. ويطلق عليه الفرنسيون اسم "سكالب".
وقدمت باريس ولندن هذه الصواريخ بالفعل إلى أوكرانيا، لكنهما اشترطتا استعماله فقط على أهداف داخل حدودها.
ويتم إطلاق "ستورم شادو" من الطائرات ثم يطير قبل أن يهبط ويفجر رأسه الحربي شديد الانفجار. وتقارب سرعة هذه الصواريخ سرعة الصوت، إذ يمكنها أن تغطي مسافة 100 كم في ست دقائق فقط، مما يجعلها أسرع بكثير من الطائرات بدون طيار الأوكرانية، وفقا لـ"فاينانشال تايمز".
ويعتبر ستورم شادو سلاحا مثاليا لاختراق المخابئ المحصنة ومخازن الذخيرة، مثل تلك التي تستخدمها روسيا في حربها ضد أوكرانيا.
لكن كل صاروخ يكلف ما يقرب من مليون دولار أميركي، لذا يتم إطلاقه كجزء من موجة مخططة بعناية من الطائرات بدون طيار الأرخص سعرا بكثير، والتي يتم إرسالها مسبقا لإرباك وإنهاك دفاعات العدو الجوية.
واستخدمت هذه الصواريخ بفعالية كبيرة في الحرب الحالية، حيث استهدفت مقر البحرية الروسية في البحر الأسود في سيفاستوبول، وجعلت شبه جزيرة القرم بأكملها غير آمنة للبحرية الروسية، وفقا لـ"بي بي سي".
يقول جاستن كرامب، المحلل العسكري والضابط السابق في الجيش البريطاني والرئيس التنفيذي لشركة استشارات "سيبيلين"، إن ستورم شادو كان سلاحا فعالا للغاية لأوكرانيا.
وبالتالي "ليس من المستغرب أن كييف ضغطت من أجل استخدامه داخل روسيا، خاصة لاستهداف المطارات المستخدمة لشن هجمات القنابل الانزلاقية التي أعاقت مؤخرًا جهود أوكرانيا على الخطوط الأمامية".
لماذا تريده أوكرانيا الآن؟
تقول هيئة الإذاعة البريطانية، إن مدن أوكرانيا وخطوطها الأمامية تتعرض لقصف يومي من روسيا.
ويتم إطلاق العديد من الصواريخ والقنابل الانزلاقية التي تسبب الدمار في المواقع العسكرية والمباني السكنية والمستشفيات من قبل طائرات روسية بعيدا من داخل روسيا.
وتشكو كييف من أن عدم السماح لها بضرب القواعد التي يتم عبرها إطلاق هذه الهجمات يشبه إجبارها على خوض هذه الحرب بيد واحدة مقيدة خلف ظهرها.
وتجادل كييف بأنها تحتاج إلى صواريخ بعيدة المدى، بما في ذلك ستورم شادو وأنظمة مماثلة بما في ذلك "أتامكز" الأميركية والتي يصل مداها 300 كم، من أجل صد الضربات الجوية الروسية.
ما الفرق الذي يمكن أن يحدثه ستورم شادو؟
تتباين التقديرات والتحليلات العسكرية بشأن الفعالية المحتملة لرفع قيود استخدام هذه الصواريخ لأوكرانيا، بين من يرى أن الخطوة قد تشكل نقطة تحول استراتيجية في الحرب، ومن يقول إنها متأخرة ومحدودة التأثير.
وحدد معهد دراسة الحرب (ISW) حوالي 200 قاعدة روسية ستكون في مدى صواريخ ستورم شادو التي يتم إطلاقها من أوكرانيا.
ويرى جاستن كرامب أنه في حين تطور الدفاع الجوي الروسي لمواجهة تهديد ستورم شادو داخل أوكرانيا، فإن هذه المهمة ستكون أصعب بكثير لمواجهة ضربات مباشرة داخل أراضي روسيا.
وتابع "سيجعل هذا الأمر اللوجستيات العسكرية والقيادة والسيطرة والدعم الجوي أصعب في التنفيذ، وحتى إذا تراجعت الطائرات الروسية أكثر من حدود أوكرانيا لتجنب التهديد الصاروخي، فستظل تعاني من زيادة في الوقت والتكاليف لكل طلعة إلى الخطوط الأمامية".
بدوره، يعتقد ماثيو سافيل، مدير العلوم العسكرية في معهد روسي للدراسات، أن رفع القيود سيأتي بميزتين رئيسيتين لأوكرانيا. أولا، قد "يفتح الطريق" أمام استخدام نظام "أتاكمز" الأميركي مستقبلا.
وثانيا، سيضع روسيا في معضلة بشأن مكان وضع تلك الدفاعات الجوية الثمينة، وهو أمر يقول إنه قد يجعل من الأسهل على الطائرات بدون طيار الأوكرانية اختراقها، وفقا للمتحدث ذاته.
غير أنه يضيف في حديثه للهيئة البريطانية، أن من غير المرجح أن يغير ستورم شادو مجرى الأحداث. إذ لا تمتلك أوكرانيا الكثير من الصواريخ، ولم يتبق للمملكة المتحدة سوى القليل لتقدمه.
بدورها، أشارت فاينانشال تايمز إلى أن مخزونات صواريخ ستورم شادو منخفضة، مما يحد من إمكانية استخدامها بكثافة، إذ لن تتمكن كييف من نشرها بكميات كبيرة ضد أهداف روسية متعددة.
ويشير متابعون عسكريون إلى عائق آخر قد يحد من نجاعة السماح باستخدام هذه الصواريخ، لافتين إلى تحرك روسيا الاستباقي بنقل أصولها الجوية إلى أعماق أراضيها قبل حوالي ثلاثة أشهر.
ومن بين المشاكل المطروحة أيضا، وفقا لـ "فاينانشال تايمز"، أنه موافقة بايدن على استخدام الصواريخ البريطانية والفرنسية التي تحتوي على مكونات أميركية، تعني أن من غير المرجح أن يعطي الضوء الأخضر لاستخدام صواريخ أتاكمز، خشية تصعيد روسي.
وذكرت صحيفة نيويورك تايمز، الخميس، أنه إذا أذن الرئيس الأميركي باستخدام ستورم شادو، فقد يفعل ذلك فقط بشرط عدم استخدام أي صواريخ أميركية.
وإذا امتنعت واشنطن عن تقديم صواريخ أتاكمس الخاصة بها، فمن غير المرجح أيضا أن تغير ألمانيا التي تتبع حتى الآن القيادة الأميركية عندما يتعلق الأمر بتوفير الأسلحة لأوكرانيا، موقفها بشأن تزويد كييف بصواريخ توروس الكروز الخاصة بها.
لماذا يتردد الغرب؟
يجيب تقرير هيئة الإذاعة البريطانية بكلمة واحدة على هذا السؤال: "التصعيد".
وتخشى واشنطن أنه على الرغم من أن جميع الخطوط الحمراء التي سبق أن هدد بها الرئيس فلاديمير بوتين حتى الآن اتضح أنها مجرد تهديدات فارغة، فإن السماح لأوكرانيا بضرب أهداف عميقة داخل روسيا بصواريخ غربية قد يدفعه إلى الرد.
واعتبرت الهيئة أن البيت الأبيض يخشى أن يعمد الكرملين على أن يأخذ هذا الرد شكل مهاجمة نقاط عبور الصواريخ في طريقها إلى أوكرانيا، مثل قاعدة جوية في بولندا.
وإذا حدث ذلك، فقد يتم تفعيل المادة الخامسة من معاهدة الناتو، مما يعني أن الحلف سيكون في حالة حرب مع روسيا.
ومنذ الغزو الروسي الشامل لأوكرانيا في 24 فبراير 2022، كان هدف البيت الأبيض هو إعطاء كييف أكبر قدر ممكن من الدعم دون الانجرار إلى صراع مباشر مع موسكو، وهو أمر قد يكون مقدمة لتبادل نووي كارثي.