جنود أوكرانيون من كتيبة شكفال الخاصة - صورة تعبيرية.
جنود أوكرانيون من كتيبة شكفال الخاصة - صورة تعبيرية.

تشتد المعارك في شرق أوكرانيا مع تصاعد القلق بشأن مصير مدينة بوكروفسك الاستراتيجية، بعد أن كشفت تقارير ميدانية حديثة عن تحركات روسية مكثفة تهدف إلى محاصرتها.

وفي مقابلة مع هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي"، وصف ضابط عسكري أوكراني  فضّل عدم الكشف عن هويته، الوضع بأنه "حرج"، مشيرا إلى أن القيادة العسكرية الأوكرانية تصر على الاحتفاظ بالمواقع بأي ثمن.

واعترف الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، الجمعة، بأن  الوضع حول مدينة بوكروفسك في الشرق لا يزال صعبا، حيث تحقق القوات الروسية مكاسب مستمرة في المنطقة.

ويأتي هذا التطور في وقت تتزايد فيه المخاوف من تكرار سيناريو مدينة باخموت، التي صمدت لقرابة عام قبل أن تسقط في أيدي القوات الروسية. ومع تقدم  هذه الأخيرة نحو مدينة كوراخوفي القريبة، يبدو أن المعركة على بوكروفسك قد دخلت مرحلة حاسمة، بحسب "بي بي سي".

وتتبنى روسيا استراتيجية عسكرية جديدة تهدف إلى محاصرة مدينة بوكروفسك، وهي مركز نقل حيوي في منطقة دونباس وفقا للهيئة البريطانية.

واعتبر الضابط الأوكراني، أن إصرار القيادة العسكرية الأوكرانية على الاحتفاظ بمواقعها يتسبب في خسائر فادحة في الأرواح والموارد، موضحا أن هذا النهج أدى إلى نشوء ما يسمى بـ"المراجل"، والتي تعني في المفهوم العسكري الحصار واسع النطاق والذي يهدف إلى عزل وإضعاف القوات المحاصرة بشكل كامل.

وانتقد الضابط استراتيجية التمسك بالمواقع، قائلا "نحن لا نخطط للتقدم نحو دونيتسك قريبا، فلماذا نحتفظ بمواقع قرب نيفيلسكي بينما نخسر هيرنيك؟"، مقترحا الانسحاب إلى هيرنيك لتقليل الخسائر.

ووصف الاستراتيجية الحالية بـ"المتهورة" في ظل تفوق الروس عدديا وعلى مستوى الموارد، مشبها منطقة دونيتسك بالأخطبوط الذي يتطلب الدفاع عن أذرعه موارد هائلة.

وأوضح أن الإصرار على الاحتفاظ بالمواقع يؤدي إلى تدمير الألوية العسكرية بدلا من الانسحاب الاستراتيجي وتقصير خط الدفاع، مشيرا إلى أن هذا النهج ينبع من اعتبار الجنرالات الاحتفاظ بالمواقع المعيار الرئيسي للنجاح، على حد تعبيره.

من جهته، يقول رومان بوهوريلي، المحلل والمؤسس المشارك لخريطة "Deep State" التي ترصد أحدث التطورات على الخطوط الأمامية في أوكرانيا، إن القوات الأوكرانية انسحبت الآن من قرية قريبة لتجنب الحصار.

وهذا يعني أن تهديد الوقوع في الفخ أصبح أقل حدة، لكن الضابط العسكري في الجبهة يقول إن الانسحاب كان يجب أن يتم قبل ذلك بوقت طويل، مجادلا بأن الأرواح والموارد قد أُهدرت على شيء لم يتمكنوا من الاحتفاظ به على أي حال.

وتتقدم القوات الروسية الآن نحو كوراخوفي، وهي مدينة تبعد 35 كم جنوب بوكروفسك. تؤكد القوات الأوكرانية في تلك المنطقة أن القتال قد اشتد في الآونة الأخيرة.

في هذا الجانب، يقول الرائد، سيرهي تسيخوتسكي، من اللواء 59: "إنهم يحاولون تعزيز أجنحتهم حتى يتمكنوا من الاقتراب من بوكروفسك، ومحاصرتها جزئيا ثم البدء في محو المدينة من على وجه الأرض".

كما يقول المقدم، أوليه ديميانينكو، قائد كتيبة دبابات في اللواء 110، إن القوات الروسية تضغط الآن على الجوانب خاصة في كوراخوفي، بالإضافة إلى الهجوم المباشر على بوكروفسك.

ويقول بوهوريلي إنه إذا استولى الروس على تلك المدينة، فيمكنهم التوجه شمالاً لمهاجمة بوكروفسك من اتجاه جديد.

ويضيف أن هناك احتمال آخر، وهو أنهم قد يهاجمون القوات الأوكرانية في فوهليدار من الخلف، وهي مدينة في الجزء الجنوبي من جبهة دونباس التي يحاول الروس السيطرة عليها منذ بداية غزوهم الواسع النطاق.

وفي سياق متصل، كشف الرئيس الأوكراني، أن هجوم كييف على منطقة كورسك الحدودية الروسية "أبطأ" تقدم موسكو في شرق أوكرانيا.

وأكد "لقد أعطى النتائج التي توقعناها، صراحة. في منطقة خاركيف، تم إيقاف العدو، وتباطأ التقدم في منطقة دونيتسك، على الرغم من أن الوضع صعب للغاية هناك"، مضيفا أن روسيا نشرت 40 ألف جندي في منطقة كورسك.

وفي السادس من أغسطس هاجم الجيش الأوكراني منطقة كورسك، وأعلن لاحقا أنه سيطر على أكثر من ألف كلم مربع ونحو مئة قرية.

وجاءت تصريحات زيلينسكي بعد يوم من إعلان روسيا استعادة جيشها 10 قرى من القوات الأوكرانية في منطقة كورسك.

وبينما كان الجيش الروسي يحرز تقدما بطيئا على الجبهة منذ حوالى عام، شنّت القوات الأوكرانية  في منطقة كورسك الروسية أكبر هجوم لجيش أجنبي على الأراضي الروسية منذ الحرب العالمية الثانية.

ويكيبيديا
النسخة الروسية من ويكيبيديا أصبحت محل بجدل بسبب نشرها لدعاية الكرملين

منذ نشأتها في عام 2001، عايشت موسوعة "ويكيبيديا" سلسلة من القضايا الجدلية حول تفاصيل ثقافية وتاريخية متنوعة، قبل أن تتجه نحو مواضيع أكثر حساسية وخطورة، مثل الانتخابات، الاحتجاجات، والحروب.      

ومن أبرز الأمثلة الحديثة، الغزو الروسي لأوكرانيا، حيث تحولت ويكيبيديا إلى ساحة معركة للروايات المتنافسة والمتغيرة باستمرار، وفق تقرير جديد لمجلة "فورين بوليسي" بعنوان "كيف غزت روسيا ويكيبيديا". 

تُعتبر النسخة الروسية من ويكيبيديا واحدة من أكبر ستة مواقع ويكيبيديا في العالم، وكانت حتى وقت قريب مصدرا رئيسيا للمعلومات في روسيا.

ولكن، خلال العقدين الماضيين، أصبحت تلك النسخة محاطة بالجدل بسبب تورطها في نشر الدعاية الموجهة من قبل الكرملين الذي استغل المنصة للترويج لرواياته السياسية.

تعتمد العديد من المقالات في النسخة الروسية من ويكيبيديا على المصادر الحكومية ويتم تحريرها بواسطة محررين روس يتبنون الروايات الرسمية للكرملين، وفق المجلة. 

وتشير "فورين بوليسي" إلى أن هذا التحيز برز بشكل واضح في تغطية النسخة الروسية للحرب على أوكرانيا.

على سبيل المثال، بينما تؤكد النسخة الإنكليزية من ويكيبيديا على الطبيعة غير القانونية لضم روسيا لشبه جزيرة القرم في عام 2014، تشير المقالات الروسية إلى هذا الحدث بشكلٍ يبرّر التدخل الروسي.

كما تقلل النسخة الروسية من دور الجيش الروسي في الصراع وتصور منطقة دونيتسك كجمهورية منفصلة عن أوكرانيا.

في قضية أخرى مثيرة للجدل، تتباين النسختان الإنكليزية والروسية حول حادثة إسقاط طائرة الخطوط الجوية الماليزية MH17 عام 2014، فبينما تُقر النسخة الإنكليزية بأن الطائرة أُسقطت بواسطة صاروخ أطلقه الجيش الروسي، تُشير النسخة الروسية إلى الحادثة بأنها "كارثة" دون الإشارة إلى المسؤولية الروسية، مما يعكس التأثير الكبير للروايات الحكومية الروسية على المحتوى، وفق تعبير المجلة.

وكانت رحلة الخطوط الجوية الماليزية "إم إتش17" في طريقها من أمستردام إلى كوالالمبور عندما كانت تحلق يوم 17 يوليو 2014 فوق المناطق التي يسيطر عليها الانفصاليون شرق أوكرانيا، حيث تعرضت لصاروخ أرض جو روسي الصنع انطلق من قاعدة عسكرية روسية يديرها المتمردون المدعومون من موسكو، وفق فريق تحقيق دولي.

تحديات قانونية

واجهت مؤسسة "ويكيميديا"، التي تدير ويكيبيديا، تحديات قانونية في روسيا، حيث تم تغريمها عدة مرات بسبب المحتوى المتعلق بالحرب على أوكرانيا.

وتشير تقارير إلى أن مجموعات من الحسابات المنسقة، تُعرف بـ"حسابات دمى الجوارب" (Sock puppet) قامت بتنسيق جهود لتحرير الصفحات المتعلقة بالعلاقات الروسية الأوكرانية لصالح الرواية الرسمية الروسية.

هذه المجموعات تعمل على تقويض المصادر الأوكرانية والغربية، وتدعم بدلاً من ذلك الروايات المدعومة من وسائل الإعلام الحكومية الروسية.

وفي خطوة أخرى لتعزيز السيطرة على الفضاء الرقمي، أطلقت روسيا في وقت سابق هذا العام منصة بديلة لويكيبيديا تُسمى "روويكي" (Ruwiki)، بقيادة فلاديمير ميدييكو، المدير السابق لمؤسسة ويكيميديا الروسية.

بدأت هذه المنصة كنسخة طبق الأصل من النسخة الروسية من ويكيبيديا، مستفيدة من طبيعة اتفاقية المصادر المفتوحة لويكيبيديا.

تحتوي "روويكي" الآن على ما يصل إلى مليوني مقال باللغة الروسية، بالإضافة إلى 12 لغة إقليمية أخرى تُستخدم في روسيا، وهي تعمل خارج نطاق سيطرة مؤسسة ويكيميديا.

منصة بديلة

تختلف "روويكي" عن نموذج ويكيبيديا الأصلي الذي يسمح لأي مستخدم بإنشاء وتحرير المقالات، حيث يخضع  المحتوى المضاف لمراجعة مجموعة ضيقة من الخبراء المعتمدين من قبل الحكومة.

هذه الآلية تسمح للحكومة الروسية بفرض رقابة صارمة على المحتوى المقدم وضمان توافقه مع الروايات الرسمية، خصوصا في القضايا المعقدة مثل الغزو الروسي لأوكرانيا.

أدى إنشاء "روويكي" إلى خلق نسخة رقمية منعزلة تعكس رؤية الكرملين للأحداث. ففي هذه النسخة، يتم إنكار أحداث تاريخية كبرى مثل مجاعة "هولودومور" التي أودت بحياة ملايين الأوكرانيين في عهد الرئيس السوفييتي جوزيف ستالين، ويتم الترويج لفكرة أن حلف "الناتو" هو المسؤول عن استفزاز روسيا لشن غزوها لأوكرانيا.

وهذه المحاولات لعزل الفضاء الرقمي الروسي عن بقية العالم تندرج ضمن مفهوم "تجزئة الإنترنت" أو "السبلينترنت"، وفق "فورين بوليسي" وهي ظاهرة تتجسد في قيام الدول بتقييد وصول مواطنيها إلى الإنترنت العالمي وتوجيههم نحو منصات رقمية محلية تخضع لرقابة الدولة، مما يحد من حريتهم في الوصول إلى معلومات غير محكومة بالروايات الرسمية.