تشهد العلاقات العسكرية بين روسيا وكوريا الشمالية تطورا ملحوظا في الفترة الأخيرة، بعد تأكيد واشنطن إرسال بيونغ يانغ قوات لدعم قوات الكرملين في الحرب على أوكرانيا في خطوة تنذر بتصعيد هو الأخطر في القارة الأوروبية، وقد يزيد أيضا من حالة التوتر في منطقة المحيطين الهندي والهادي.
الولايات المتحدة قالت لأول مرة إنها رأت أدلة على وجود قوات كورية شمالية في روسيا، وأعلن البيت الأبيض أن القوات الكورية الشمالية التي تتدرب حاليا في روسيا ستصبح أهدافا عسكرية مشروعة إذا شاركت في القتال في أوكرانيا بينما قال حلف الأطلسي إنه يجري مشاورات حول نشر قوات كورية شمالية في روسيا.
على صعيد آخر صوّت النواب الروس، الخميس، بالإجماع لصالح المصادقة على معاهدة دفاعية مع كوريا الشمالية تنص على "المساعدة المتبادلة" إذا واجه أي من الطرفين عدوان.
وتأتي هذه الخطوة وسط تحذيرات متزايدة من احتمالات تصعيد النزاع، وإمكانية انخراط كوريا الشمالية بشكل أكبر في الصراع، مما يثير القلق لدى العديد من الأطراف الدولية.
ديفيد سيدني، نائب مساعد وزير الدفاع الأميركي السابق لشؤون آسيا والمحيط الهادئ، وهو باحث في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن، قال في مقابلة خاصة مع قناة "الحرة"، إن الاتفاق بين موسكو وبيونغ يانغ ستكون له "تبعات خطيرة" ليس فقط على أوكرانيا، بل وحتى على دول المنطقة في آسيا وأوروبا.
وأوضح أن إرسال قوات كورية شمالية "هو تطور جديد يتطلب من كل هذه الدول سيما اليابان وكوريا الجنوبية ان تتخذ خطوات لحماية مصالحها"، مضيفا " لا نعرف لحد الان موقف الصين من هذه الخطوة لكننا نعرف انها لم تكن سعيدة بحسب تصريح للرئيس الصيني على هامش أعمال قمة بركس التي انعقدت في موسكو مؤخرا، حيث حذر الزعيم الصيني من دخول أطراف ثالثة في الحرب في أوكرانيا" على حد تعبيره.
المسؤول الأميركي أشار إلى أن حتى بقية أعضاء دول بركس طالبوا بإحلال السلام في المنطقة وإنهاء الحرب، وبالتالي فأن روسيا "لم تحقق الكثير من الدعم من قبل حلفاءها بل حصلت على تحذير من الصين" موضحا أن تطورات متلاحقة ستشهدها المنطقة في المستقبل، متوقعا أن ترسل واشنطن المزيد من المساعدات العسكرية لكييف للرد على التدخل الكوري الشمالي، على حد قوله.
وتعد كوريا الشمالية من أبرز الدول الداعمة لروسيا منذ بداية الحرب في أوكرانيا، حيث أعلن زعيمها كيم جونغ أون عن "دعم كامل" لحرب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، على أوكرانيا.
وفي مارس 2022، كانت كوريا الشمالية واحدة من 4 دول فقط صوتت ضد قرار الأمم المتحدة الذي يدين العدوان الروسي.
ومنذ ذلك الحين، قدمت بيونغ يانغ دعماً مادياً لموسكو، شمل إرسال ذخائر لتلبية احتياجات روسيا الملحة في ساحة المعركة، وفقاً لمسؤولين أمريكيين وأوكرانيين وكوريين جنوبيين. ويعتقد أن كوريا الشمالية تحصل في المقابل على مساعدات روسية لدعم برنامجها العسكري، وفق الصحيفة الأميركية.
أوضح مسؤولون أميركيون في وقت سابق، أنه منذ اجتماع الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون، والرئيس الروسي فلاديمير بوتن، عام 2023، أرسلت كوريا الشمالية إلى روسيا حوالي 260 ألف طن متري من الذخائر أو المواد ذات الصلة بالذخائر، حسب موقع "أكسيوس" الأميركي.
وسمحت قذائف المدافع والصواريخ القادمة من كوريا الشمالية لروسيا بالحفاظ على معدل إطلاقها العالي طوال الغزو، الذي قُدِّر بما لا يقل عن 10 آلاف قذيفة يوميًا.
وبعد أشهر من زيارة كيم، قال مسؤولون أميركيون إن روسيا بدأت في استخدام الصواريخ الباليستية الكورية الشمالية ضد أوكرانيا، وإنه بحلول ديسمبر 2023، أطلقت موسكو أكثر من 40 صاروخًا.
وإلى جانب الدعم المالي والمادي الذي تحصل عليه بيونغ يانغ، فمن المحتمل أن تكون كوريا الشمالية تستفيد من هذا التدخل لتحسين قدراتها العسكرية والتقنية.
وأحد أبرز الأهداف لكوريا الشمالية هو استخدام الصراع كفرصة لاختبار أنظمة أسلحتها في ساحة المعركة الأوكرانية، حيث تتيح هذه التجارب الحية لها تحسين أنظمتها الصاروخية والعسكرية، مما يعزز قدراتها الدفاعية والهجومية على حد سواء.
كما أن روسيا قد تقدم لكوريا الشمالية تقنيات عسكرية متقدمة، بما في ذلك التكنولوجيا الخاصة بالفضاء والصواريخ، التي يمكن أن تساعد في تطوير برامجها النووية، حسب موقع "المعهد الأميركي للسلام".
وعلاوة على ذلك، يشير التعاون إلى تحالف استراتيجي طويل الأمد بين البلدين. وخلال زيارة بوتين إلى كوريا الشمالية في يونيو 2023، وقّع البلدان اتفاقية دفاع مشترك.
هذه الاتفاقية تشير إلى دعم عسكري متبادل في حال تعرض أي منهما لهجوم، مما يعزز تحالفهما في مواجهة الولايات المتحدة وحلفائها، كما يرى موقع "نورث 38" المتخصص في الشؤون الكوية الشمالية.
وهذا التحالف يمنح كوريا الشمالية مزيدًا من النفوذ، خاصة في ظل العقوبات الدولية المفروضة عليها. كما أن روسيا قد تستخدم نفوذها في الأمم المتحدة للتخفيف من العقوبات ضد كوريا الشمالية، مما يسمح لها بمواصلة تطوير برامجها العسكرية والتقنية دون قيود كبيرة، كما يرى تقرير نشره موقع "المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية" (IISS)، الذي يقع مقره الرئيسي في لندن.