بعد عملية القتل
بعد عملية القتل

"كان الانفجار قويا للغاية".. شهادات من قلب الحدث تلخص تصعيدا أوكرانيا لعملياتها ضد روسيا، هذه المرة ليس في أرض المعركة، لكن في قلب موسكو، حيث استهدفت قائدا عسكريا كبيرا يتولى مسؤولية حساسة، وهي قيادة قوات الدفاع الإشعاعي والكيماوي والبيولوجي الروسية.

هو إيغور كيريلوف الذي لطالما اتهمته أوكرانيا باستخدام الأسلحة الكيماوية داخل أراضيها، ويخضع لعقوبات أميركية وبريطانية لهذا السبب، ويعد حتى الآن أكبر مسؤول في الجيش الروسي يستهدف على الأراضي الروسية منذ شن الكرملين هجومه على أوكرانيا في فبراير 2022.

 وهو أيضا حدث نادر في العاصمة الروسية التي تُفرض فيها إجراءات أمنية مشددة.

ووثقت كاميرات المراقبة كيريلوف ومساعده أثناء خروجهما من بناية، في صباح يوم الثلاثاء، ثم يمكن مشاهدة وقع  انفجار كبير، تبين من التحقيقات لاحقا أنه "لقنبلة كانت موضوعة في دراجة سكوتر متوقفة قرب مدخل مبنى"، وفق لجنة التحقيق الروسية. 

وتعرّض مدخل المبنى لأضرار جسيمة، وتحطمت نوافذ العديد من الشقق، وفق ما أفاد صحفي في وكالة فرانس برس، كان في الموقع حيث أقامت الشرطة طوقا أمنيا.

وذكرت صحيفة "كوميرسانت" الموالية للكرملين أن الجنرال ومساعده قُتلا بعبوة ناسفة محلية الصنع تزن حوالي 300 غرام من مادة "تي أن تي".

وقال ميخائيل ماشكوف، وهو طالب يبلغ 19 عاما ويسكن في مبنى مجاور: "صوت الانفجار كان قويا جدا". 

بينما قالت أناستاسيا ماغوميدوفا، وهي ربة منزل تبلغ 39 عاما: "يوجد موقع بناء قريب، وغالبا ما تصدر منه ضجة، لكننا لم نكن نعتقد أن شيئا فظيعا مماثلا قد حدث".

وأكدت روسيا مقتله في الحادث، وأنها فتحت تحقيقا في عملية "إرهابية".

واللافت أن مقتله جاء بعد يوم واحد من توجيه محكمة أوكرانية اتهامات غيابية بحقه تتعلق بـ"الاستخدام الواسع النطاق للأسلحة الكيماوية المحظورة" في أوكرانيا.

وقالت أجهزة الأمن الأوكرانية إن القوات الروسية ألقت ذخيرة تحتوي على مركبات سامة على مواقع أوكرانية في محاولة لإجبار الجنود الأوكرانيين على الخروج من خنادقهم.

وأكد جهاز الأمن الأوكراني أنه منذ فبراير 2022، تم تسجيل أكثر من 4800 حالة استخدم فيها الجيش الروسي "ذخائر كيماوية"، وفق رويترز.

ونقلت واشنطن بوست عن مسؤول أوكراني، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته إن كيريلوف قتل صباح الثلاثاء في "عملية خاصة" نفذها جهاز الأمن الداخلي الأوكراني.

ونقلت صحيفة كييف إندبندنت عن مصدر في جهاز الأمن الأوكراني: "كان كيريلوف مجرم حرب وهدفا مشروعا تماما، إذ أصدر أوامر باستخدام أسلحة كيماوية محظورة ضد الجنود الأوكرانيين... الانتقام لجرائم الحرب أمر لا مفر منه".

وأظهر تحقيق أجرته "كييف إندبندنت" في أغسطس أن القوات الروسية تستخدم الغاز ضد القوات الأوكرانية، مشيرة إلى شهادات ضباط وجنود أوكرانيون قالوا إن هذا التكتيك يسمح لموسكو بالاستيلاء على مواقع من حين لآخر دون تدميرها.

وفي مايو، فرضت وزارة الخارجية الأميركية عقوبات على وحدة تابعة لكيريلوف بعد أن خلصت إلى أن روسيا استخدمت الكلوروبكرين، وهو مركب كيماوي، ضد القوات الأوكرانية، في انتهاك لالتزامات موسكو بموجب اتفاقية الأسلحة الكيماوية لعام 1993.

وفي أكتوبر، فرضت المملكة المتحدة عقوبات على كيريلوف ووحدته بسبب "نشر أسلحة كيميائية وحشية في أوكرانيا".

من هو؟

شغل كيريلوف مناصب رفيعة في قوات الدفاع الإشعاعي والكيميائي والبيولوجي منذ عام 2012، وفقًا لتقارير مؤسسة ميدوزا الروسية المستقلة.

تخرج من مدرسة كوستروما العسكرية لقوات الحماية النووية والكيماوية، وتولى منذ عام 2012 مناصب قيادية في القوات. وفي مايو 2017، تم تعيين كيريلوف رئيسا لها.

وبعد غزو أوكرانيا في فبراير 2022، خرج في إحاطات إعلامية بشكل منتظم ليتهم الولايات المتحدة وأوكرانيا باستخدام أسلحة بيولوجية، زعم أنه تم إنشاؤها في بعض المختبرات البيولوجية في كييف.

وفي أول إحاطة في يونيو 2022، قال كيريلوف إن المختبرات البيولوجية التي تشرف عليها الولايات المتحدة في أوكرانيا تصنع الفيروسات لنقلها عن طريق البعوض الذي يحمل حمى الضنك وحمى زيكا والحمى الصفراء. وقال كيريلوف إن الولايات المتحدة خططت لاستخدام طائرة من دون طيار لتوصيل البعوض لإصابة العسكريين الروس.

إضافة إلى ذلك، اتهم كيريلوف أوكرانيا بالتخطيط لإنشاء "قنبلة قذرة" وزعم أن الوقود النووي المستنفد، الذي يقول إنه يتم استيراده إلى البلاد للتخلص منه من أوروبا، يمكن استخدامه لهذا الغرض.

رد فعل من موسكو

وتقول رويترز إنه نظرا لأنه أرفع ضابط عسكري يتم اغتياله داخل روسيا، من المرجح أن يدفع مقتله السلطات الروسية إلى مراجعة بروتوكولات الأمن الخاصة بكبار قادة الجيش وإيجاد طريقة للانتقام لمقتله.

ونقلت وكالة أنباء ريا الرسمية عن الرئيس الروسي السابق، دميتري ميدفيديف، الذي يشغل حاليا منصب نائب رئيس الأمن القومي، قوله إن القيادة العسكرية والسياسية الأوكرانية ستواجه انتقاما وشيكا.

وتتهم موسكو كييف بالوقوف وراء سلسلة من الاغتيالات على أراضيها، تقول إن الهدف منها إضعاف الروح المعنوية ومعاقبة من تتهمهم بارتكاب جرائم حرب.

ويأتي الانفجار بعد أسبوع من وفاة أحد كبار مهندسي صواريخ كروز الروسية، والذي ساعد في تطوير الصواريخ المستخدمة في الحرب في أوكرانيا، وذلك في موسكو أيا.

وفي أبريل 2023، أدى انفجار في مقهى في سانت بطرسبرغ إلى مقتل "المراسل الحربي" ماكسيم فومين، المعروف باسم فلادلين تاتارسكي، وقد وجهت أصابع الاتهام حينها لجهاز الأمن الأوكراني.

وفي يوليو 2024، انفجرت سيارة في موسكو، ما أدى إلى إصابة ضابط هيئة الأركان العامة الروسية أندريه تورغاشوف.

وفي نوفمبر، قتل سيرغي يفسيوكوف، رئيس سجن أولينيفكا، حيث توفي العشرات من أسرى الحرب الأوكرانيين في ضربة صاروخية في يوليو 2022. ولقي يفسيوكوف حتفه في انفجار سيارة في دونيتسك.

جنود كوريون شماليون في تدريب عسكري - أرشيف
جنود كوريون شماليون في تدريب عسكري - أرشيف

قُتل نحو 300 جندي كوري شمالي من بين آلاف الجنود الذين أرسلتهم بيونغ يانغ لمساعدة روسيا في حربها على أوكرانيا، حسبما أفاد به نائب كوري جنوبي الاثنين نقلا عن معلومات من جهاز الاستخبارات في سيول.

واتهمت أوكرانيا والولايات المتحدة وكوريا الجنوبية بيونغ يانغ بإرسال أكثر من عشرة آلاف جندي للقتال إلى جانب القوات الروسية.

وقال النائب لي سيونغ-كوين للصحافيين بعد إحاطة من وكالة الاستخبارات إن "التقديرات تشير إلى أن عدد الضحايا في صفوف القوات الكورية الشمالية تجاوز 3 آلاف، بينهم نحو 300 قتيل و2700 جريح".

وفي ديسمبر، أعلن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أن نحو 3000 جندي كوري شمالي "قُتلوا أو جُرحوا" حتى الآن مع انضمامهم للقتال إلى جانب القوات الروسية، في حين قدر جهاز الاستخبارات الكوري الجنوبي عددهم بحوالي الألف.

رسائل انتحار

لكن اللافت في المعلومات التي كشفها النائب الكوري الجنوبي هو أن "ملاحظات عثر عليها بحوزة جنود قتلى تشير إلى أن السلطات الكورية الشمالية مارست ضغوطا عليهم للانتحار"، عبر أمرهم بـ"تفجير أنفسهم قبل وقوعهم في الأسر".

والاثنين أيضا، أعلنت القوات الخاصة الأوكرانية عبر تلغرام أنها "أردت 17 جنديا كوريا شماليا" وأن جنديا آخرا "فجر نفسه بقنبلة يدوية" خلال "هجوم".

كوريا الشمالية أرسلت قوات إلى روسيا
"بيان دولي" ضد تدخل كوريا الشمالية في أوكرانيا
وأشار البيان الموقّع من وزراء خارجية أستراليا وكندا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا واليابان وكوريا الجنوبية ونيوزيلندا وبريطانيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي إلى "القلق العميق" من "أيّ دعم سياسي أو عسكري أو اقتصادي قد تقدّمه روسيا إلى برنامج التسلّح غير القانوني لكوريا الشمالية، بما في ذلك أسلحة دمار شامل".

وأشار النائب لي سيونغ-كوين إلى أن الملاحظات التي تم العثور عليها بحوزة الجنود القتلى تكشف أن كوريا الشمالية كانت تستغل "آمال الجنود في الانضمام إلى حزب العمال (الحاكم) أو الاستفادة من عفو" لإرسالهم إلى ساحة القتال، مرجحا أن بعضهم كانوا سجناء.

اعترافات الأسرى

وكان زيلينسكي أعلن السبت أسر جنديين كوريين شماليين في منطقة كورسك الروسية واستجوابهما في كييف.

وأعلنت كييف أن الأسيرين أصيبا في منطقة كورسك الروسية حيث تحتلّ القوات الأوكرانية منذ آب/أغسطس 2024 مئات الكيلومترات المربعة.

وقال الرئيس الأوكراني عبر منصة إكس "أوكرانيا مستعدة لتسليم الجنديين إلى كيم جونغ أون إذا تمكن من تنظيم تبادلهما مع محاربينا الأسرى في روسيا".

وتابع زيلينسكي "بالنسبة للجنود الكوريين الشماليين الذين لا يرغبون في العودة (إلى بلدهم)، قد تكون هناك خيارات أخرى متاحة".

وقال إن الجنود الكوريين الشماليين الذين يريدون "تحقيق السلام من خلال نشر الحقيقة حول هذه الحرب في كوريا سيمنحون هذه الفرصة".

ورفض الكرملين الإثنين التعليق على هذا التصريح.

وقال المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف للصحافيين "نحن لا يمكننا التعليق على ذلك البتة".

ونشرت أجهزة الاستخبارات الأوكرانية مقطع فيديو لاستجواب الأسيرَين المفترضين من كوريا الشمالية، أحدهما ممدد على سرير بطابقين والآخر جالس في سرير مع ضمادة حول فكه.

وقالت الاستخبارات الكورية الجنوبية إن أحد الجنديين الأسيرين كشف أثناء الاستجواب أنه تلقى تدريبا عسكريا على يد القوات الروسية بعد وصوله في نوفمبر.

وأضافت "ظن في البداية أنه أرسِل للتدريب، ثم أدرك عند وصوله إلى روسيا أنه أرسِل" إلى الجبهة.

عززت كوريا الشمالية وروسيا علاقاتهما العسكرية منذ الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير 2022.

ويربط الدولتين اتفاق دفاعي أبرم في يونيو 2024 ودخل حيّز التنفيذ في ديسمبر.

بحث عن مخرج

تشكّل المشاركة المفترضة لجيش أجنبي تصعيدا كبيرا في الغزو الروسي لأوكرانيا الذي أمر الرئيس فلاديمير بوتين بشنّه قبل حوالي ثلاث سنوات ويدخل مرحلة حرجة مع عودة ترامب إلى البيت الأبيض في 20 يناير.

وتعهد ترامب خلال حملته الانتخابية بإنهاء النزاع في أوكرانيا "خلال 24 ساعة" دون أن يكشف تفاصيل عن خطته.

وقال ترامب الخميس إنه يحضر للقاء مع بوتين لـ"إنهاء" النزاع.

وقال النائب الكوري الجنوبي إن ترامب "يمكن أن يدفع من أجل الحوار (...) مرة أخرى" مع كوريا الشمالية، بعد أن التقى بالزعيم كيم جونغ أون في عام 2018 خلال ولايته الأولى.

ولم تؤكّد موسكو ولا بيونغ يانغ مشاركة جنود كوريين شماليين في القتال إلى جانب الجنود الروس.

ورجحت كوريا الجنوبية أن روسيا تقدم مقابل نشر الجنود الكوريين الشماليين تكنولوجيا متطورة لبيونغ يانغ التي تسعى إلى تعزيز ترسانتها.