مرة أخرى، تعيد أوكرانيا الزخم حول منطقة كورسك الروسية على حدودها، وبينما تشن هجوما جديدا عليها، تتقدم القوات الروسية ببطء شرق أوكرانيا، فماذا يحدث؟ وماذا تريد كييف؟ وهل للأمر علاقة بعودة ترامب بعد نحو أسبوعين للبيت الأبيض؟
في أغسطس الماضي، توغلت القوات الروسية في منطقة كورسك الواقعة في جنوب غرب روسيا، وكان الأمر حينها بمثابة صدمة كبيرة للروس، الذين بات عليهم مواجهة أرتال الدبابات الأوكرانية وهي تتوغل لعدة أميال في عمق روسيا.
وخلال اليومين الماضيين، شنت كييف هجوما مضادا كبد قوات موسكو "خسائر" بحسب قائد القوات البرية الأوكرانية، ميخايلو دراباتي، بينما قال أندريه يرماك، مدير مكتب الرئيس الأوكراني، عبر تطبيق تليغرام: "منطقة كورسك، أخبار جيدة: روسيا تنال ما تستحقه".
ومع ذلك، اعتبر محللان تحدثا مع موقع الحرة أن الهجوم الأخير يحمل دلالات سياسية، رغم طبيعة الهجوم العسكرية.
وأقرت موسكو، الأحد، بأن كييف بدأت "هجوما مضادا" في منطقة كورسك، لكنها ذكرت أن "المجموعة المهاجمة من الجيش الأوكراني هُزمت بالمدفعية والطيران".
وقالت وزارة الخارجية الروسية إن الوحدات الروسية، بدعم من الطيران والمدفعية، أطلقت ردا "حاسما" ودمرت القوات الأوكرانية التي تجمعت بالقرب من قرية بيردين، على بعد حوالي 15 كيلومترا من الحدود في منطقة كورسك، و"منعت القوات المسلحة الأوكرانية من الاختراق".
وتسيطر القوات الأوكرانية بالفعل على مئات الكيلومترات المربعة منذ الهجوم الذي شنته في أغسطس الماضي، لكنها تتعرض لانتكاسات منذ أشهر في الجبهة الشرقية من البلاد، وتوقف تقدمها بعدما دفعت موسكو بإرسال تعزيزات إلى المنطقة، بما في ذلك آلاف الجنود الكوريين الشماليين.
ويشير "معهد دراسات الحرب" الأميركي في أحدث تقاريره إلى أن الهدف الرئيسي للهجوم هو الطريق المؤدي إلى مدينة كورسك، شمال شرقي بلدة سودجا الصغيرة، التي تمكنت القوات الأوكرانية من السيطرة عليها خلال هجومها المفاجئ في الصيف الماضي.
والعملية الأوكرانية الجديدة استهدفت 3 مناطق على الأقل في المنطقة، الأولى في اتجاه بيردين-نوفوسوتنيتسكي (شمال شرق سودجا) باستخدام كتيبة من المدرعات.
وشنت القوات هجوما ثانيا نحو قرية بوشكارنوي، شرقي سودجا، بينما يدور الهجوم الثالث حول جانبي المنطقة التي تسيطر عليها أوكرانيا، في محيط كورينيفو على الجهة الغربية.
وأحرزت أوكرانيا تقدما في الضواحي الجنوبية لبيردين، وفق المعهد.
This morning, Ukrainian forces launched a series of assaults in Russia's Kursk Oblast.
Russian channels report that Ukrainian columns have pushed roughly 5-8 km into Russian lines, primarily around the village of Berdin. pic.twitter.com/rqHGFXJdpP— OSINTtechnical (@Osinttechnical) January 5, 2025
وفي خطابه المسائي المصور، السبت، قال الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلنسكي: "في المعارك التي دارت أمس واليوم بالقرب من قرية واحدة فقط وهي ماخنوفكا في منطقة كورسك، خسر الجيش الروسي ما يصل إلى كتيبة من جنود المشاة الكوريين الشماليين وقوات المظلات الروسية".
وأشار مدونون عسكريون روس إلى أن أوكرانيا تسعى لوقف التقدم الكبير الذي تحرزه القوات الروسية في منطقة دونيتسك.
وأعلنت وزارة الدفاع الروسية، الاثنين، سيطرتها على بلدة كوراخوف، أكبر تجمع سكان في جنوب غرب دونباس، في منطقة دونيتسك، بعد أشهر من القتال العنيف. معتبرة أن هذا التقدم سيتيح لقواتها الاستيلاء على باقي دونيتسك "بوتيرة متسارعة".
وتبعد المدينة الصناعية نحو 30 كيلومترا عن مدينة بوكروفسك المهمة لتأمين الحاجات اللوجستية للجيش الأوكراني، التي بات الجيش الروسي على مسافة تقل عن ستة كيلومترات منها.
keep their plans secret, reports on Telegram suggest the offensive is progressing successfully. Ukrainian forces are actively using electronic warfare systems. Regarding the Donetsk region, Russia continues its advance, though the pace has noticeably slowed, which does not
2/18 pic.twitter.com/uZIjfoyzTM— Artur Rehi (@ArturRehi) January 6, 2025
محلل الشأن الروسي في مجموعة الأزمات الدولية، أوليغ إغناتوف، قال لموقع "الحرة" إن هدف الهجوم الأخير، مثلما كان الحال في هجوم الصيف على منطقة كورسك، سياسي وليس عسكريا".
وفي الصيف الماضي، يقول إغناتوف، إن أوكرانيا أرادت تغيير سلوك الكرملين، لكنها لم تنجح.
والآن تريد أوكرانيا أن "تثبت أولا وقبل كل شيء لإدارة ترامب القادمة أن الجيش الأوكراني لا يزال قادرا على إجراء عمليات هجومية، والتسبب في مشاكل خطيرة للروس، وأن أوكرانيا يمكن أن يكون لها موقف قوي في المفاوضات المحتملة" للسلام بين البلدين.
لكن في الوقت الحالي، فإن أيا من الجانبين ليس بوضع يسمح له بإملاء شروطه، لذلك "لا يهتم أي منهما حقا بوقف إطلاق النار"، وفق المحلل.
ويتفق المحلل الجزائري المقيم في أوكرانيا، مدير مركز الأوراس للدراسات الاستراتيجية، رمضان أوراغ، على أن الهجوم يحمل طابعا سياسا واعلاميا ولا يعد مناورة عسكرية استراتيجية.
ويرى أوراغ في تصريحات لموقع الحرة أنها "محاولة للتأكيد للداعمين الغربين أن أوكرانيا قادرة على الصمود وتحقيق الانتصار في العمق الروسي.. وأن أوكرانيا لم تخسر الحرب وتقاوم وتناور للسيطرة على كورسك وأقاليم أخرى".
وتلوح في الأفق احتمالات إطلاق مفاوضات سلام بين الجانبين، مع تسلم الرئيس الأميركي المنتخب مهام الرئاسة، بعدما تعهد بوضع حد سريع للنزاع.
وصرح الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، الاثنين، بأن "على الولايات المتحدة الأميركية مساعدتنا لتغيير طبيعة الوضع وإقناع روسيا بالجلوس إلى طاولة المفاوضات"، وعلى الأوكرانيين خوض محادثات "واقعية" عن مسألة الأراضي.
ويأتي تنصيب ترامب بينما تسيطر روسيا على نحو خمس أوكرانيا بعد ما يقرب من ثلاث سنوات من الحرب.
وقد يعزز نجاح أوكرانيا في الاستيلاء على جزء من الأراضي الروسية في كورسك موقفها التفاوضي، وهو أمر ألمح إليه وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، الذي قال "إن مواقع القوات المسلحة الأوكرانية في منطقة كورسك مهمة للغاية، لأن هذا بالطبع هو ما سيهم في أي مفاوضات قد تجري في العام المقبل".
وعلى موقع "إكس"، كتب ضابط احتياط أستوني يدعى أرتر ريهي، أن الهجوم يعزز موقف أوكرانيا في المفاوضات، ويقول إنه بينما تسعى روسيا إلى تجميد الصراع وإعادة بناء قوتها العسكرية لشن هجوم جديد، تعمل أوكرانيا على منع حدوث ذلك".
offensive in the Kursk region shifts the initiative into Ukraine’s hands. The offensive in the Kursk region strengthens Ukraine’s position in potential negotiations if they take place after Trump’s return to the White House. Russia aims to freeze the conflict and rebuild its
6/18 pic.twitter.com/VlJZDNPcqS— Artur Rehi (@ArturRehi) January 6, 2025
بينما قال أوراغ لموقع الحرة إن كييف تسعى قبل تنصيب ترامب، إلى "تحقيق إنجازات عسكرية في الداخل، وكذلك في العمق الروس، ومن جانبهم، سيسعى الروس للرد على الهجوم وتطويق القوات الأوكرانية، وحفظ ماء وجه بوتين، من خلال شن هجمات على البنية التحتية الأوكرانية".
ويضيف: "الأوكرانيون يريدون تقديم أوراق اعتمادهم لترامب من خلال إثبات أنهم قادرون على الصمود وذلك للمطالبة بمواصلة الدعم الأميركي".
وهم يريدون من ترامب الضغط على بوتين عندما يتفاوض معه، "وعندما يحققون نتائج جيدة على الأرض، قد يثيرون الرأي العام الداخلي ضده"
وفي هذه الحالة، ربما يضغط على بوتين، فيطلب منه حل المسألة دبلوماسيا أو التهديد بأنه (ترامب) سيواصل دعم أوكرانيا، وحينها تأخذ المسألة منحى آخر.
وربما يقدم بوتين تنازلات بطريقته، مثل التنازل في سوريا أو التنسيق مع واشنطن بشأن إطاحة أنظمة "محور الشر"، وفي مناطق خارج الإطار الأوكراني.
ويوضح أوراغ أن "المسألة لا تتعلق فقط بأوكرانيا. المسألة مثل قطع الشطرنج. كل طرف يستخدم أوراقه الثقيلة للفوز".