في مثل هذا اليوم من شهر فبراير 2022، استيقظ العالم على حدث شكل لحظة فارقة في صيرورة القرن الـ 21 وأعلن انهيار النظام الذي سار عليه منذ نهاية الحرب العالمية الثانية: غزو عسكري روسي لأوكرانيا.
هذا الحدث كانت له تداعيات على كل مناطق العالم، ولم تكن روسيا ذاتها بمعزل عن هذه التداعيات، وإن بدرجات متفاوتة.
وحسب تقرير لإذاعة "أوروبا الحرة/راديو ليبرتي"، إذا كان عدد من المواطنين الروس استفادوا من هذه الحرب، أو على الأقل لم يتأثروا بها، فكثيرون هم من تضرروا منها وفقدوا حقوقهم، وحتى أرواحهم.
وقد ظلت منطقة العاصمة موسكو وقاطنوها، باستثناء بعض الأقليات، بمعزل عن التأثيرات السلبية للحرب ولم تشهد عمليات تجنيد واسعة النطاق، حسب معطيات تضمنها التقرير ذاته.
في المقابل، شكلت المناطق خارجها خزانا لإمداد الخطوط الأمامية للقنال بالجنود، وكانت عملية التجنيد بها أشبه باقتناء تذكرة يانصيب جائزتها الكبرى العودة على قيد الحياة لصرف تعويضات مالية تفوق الخيال بالمعايير المحلية.
وعرفت مناطق بيلغورود، على الحدود الأوكرانية، وبورياتيا، وهي من أفقر مناطق سيبيريا، على سبيل المثال، طفرة غير مسبوقة في التوظيف وارتفاعا في الرواتب، صاحبهما ارتفاع مهول في عدد القتلى ومعطوبي الحرب.
فرواتب الجنود فاقت بأضعاف الرواتب المحلية ومنحت من عادوا أحياء فرصة اقتناء أول شقة في حياتهم، أو سيارة أحسن أو السفر لأول مرة خارج روسيا للاستجمام، وهو ما كان حافزا قويا بالنسبة للكثير منهم للتطوع في صفوف الجيش.

فقد أدت الحرب فعليا إلى تحويل جزء هام من ثروة المركز نحو الهوامش الفقيرة، سواء لدفع رواتب الأفراد، أو تعويضات الجرحى والقتلى، أو اقتناء العتاد والمعدات. وحسب البيانات المنشورة في التقرير، فقد رفعت روسيا ميزانيتتها الدفاعية إلى ما لا يقل عن 150 مليار دولار خلال العام الحالي، علما أن جل مصانع العتاد العسكري الروسية توجد خارج موسكو.
"نفقات الحرب خلقت طفرة استهلاكية في كل أنحاء البلاد، وليس فقط في العاصمة موسكو، لكنها لن تدوم طويلا، فمجرد التوصل لاتفاق سلام ستنحصر هذه الطفرة وتعود الرواتب إلى الانخفاض بشكل كبير"، يقول كريس ويفر، مؤسس مركز مايكرو أدفايزوري البحثي، في تصريح لإذاعة "أوروبا الحرة/راديو ليبرتي".
وبموازاة مع ذلك، جلبت الحرب أيضا الكثير من الألم والمعاناة لروسيا، رغم أن القjال يتركز أساسا على الأراضي الأوكرانية. ورغم تكتم موسكو على عدد الضحايا، فقد قدر وزير الدفاع الأميركي السابق لويد أوستين في شهر يناير الماضي هذا العدد بـ700 ألف قتيل.
وحسب تقرير الإذاعة، شكل وصول أول الأكياس السوداء التي تحوي جثث القتلى صدمة كبرى لسكان المدن الصغيرة في بداية الحرب، لكن أعداد القتلى اليوم، بعد ثلاث سنوات من الحرب، باتت تحصى بعشرات الآلاف ولم يعد سماع خبر وفاة أحد الجيران يؤثر في هؤلاء.
"في البداية كنا نناقش كل وفاة ونحضر الجنائز، أما اليوم فلا أعرف من هو آخر المتوفين أو عددهم"، يقول أحد المدرسين بمدينة أولا أودي للإذاعة ذاتها.

ولم تنج بعض المدن الروسية من الدمار، بعد أن باتت هدفا للقصف المستمر، مثل بيلغورود، بينما احتلت القوات الأوكرانية أجزاء من جارتها كورسك، وبذلك تكون الحرب قد انتقلت لعقر دار جزء من التراب الروسي.
على المستوى الاقتصادي، ضربت هذه الحرب علاقات روسيا التجارية مع الغرب في العمق، وانسحبت الشركات الأميركية والأوروبية من السوق الروسية.
"وأنت تتجول في الشوارع، تلاحظ أن العلامات والمحلات الغربية التي تعودنا عليها قد اختفت، وحلت محلها متاجر وعلامات روسية تبيع منتجات مشابهة أو آسيوية"، يقول كريس ويفر، مضيفا "كما ترى عددا أكبر بكثير من السيارات الصينية".
أما شوارع موسكو وساينت بيترسبورغ التي كانت تجذب السياح الأروبيين خلال ذروة الصيف، فقد ملأها السياح العرب وبعض أفواج الزوار الصينيين، بعد حظر الطيران الروسي من المطارات الغربية وتحويل رحلاته نحو الشرق الأوسط وآسيا.