في السابع من أكتوبر، وبعد ساعات من هجوم حركة حماس على إسرائيل، أصدر سيناتور أوهايو الجمهوري جي دي فانس بيانا، أكد فيه على " حق إسرائيل في الدفاع عن النفس، وهذا يشمل الرد بقوة ساحقة على أعدائها".
كان بيان فانس واحدا من مئات البيانات التي أصدرها مشرعون أميركيون في ذلك اليوم، تحمل الموقف التقليدي المؤيد لإسرائيل.
لكن بعد 283 يوما اختلف الأمر، وتحديدا في الـ15 من يوليو حين سمى دونالد ترامب ذلك السيناتور الشاب ليكون مرشحه لمنصب نائب الرئيس الأميركي في انتخابات 2024.
فانس معروف بمواقفه التي تعارض انخراط أميركا في الصراعات الدولية. فهو يعارض بقوة دعم أوكرانيا في حربها ضد روسيا.
لكن الرجل لا يشمل بموقفه هذا إسرائيل. فهو دائم الدعوة إلى وقوف الولايات المتحدة إلى جانب حليفتها التقليدية، ومساندتها بالمال والسلاح، وفي المحافل السياسية الدولية أيضا.
فكيف يرى فانس دور أميركا في القضايا العالمية الشائكة؟
بشكل عام لا يوجد اختلاف واضح في مواقف فانس مقارنة بمواقف ترامب بشأن القضايا الدولية، فكلاهما لا يؤيد الدور الأميركي المنخرط في الحروب والصراعات الدولية.
وكلاهما يعتقد أنه يمكن التفاهم مع روسيا والصين من دون التورط في مواجهات مكلفة.
الشرق الأوسط
في البيان ذاته، اعتبر فانس هجوم حماس على إسرائيل "وحشيا، وعملا من أعمال الحرب". ولم يفته الإشارة إلى إيران، حين قال إنه "يجب علينا أن ندين بشكل لا لبس فيه أعمال العنف الشنيعة هذه ضد المدنيين الأبرياء (في إسرائيل)، والنظام الإيراني الذي يمول الإرهابيين الذين نفذوها".
ومن مضمون البيان يمكن فهم رؤية فانس لملفات الشرق الأوسط المعقدة. إذ يرى أن المنطقة تشهد صراعا بين حلفاء يريدون سلاما مع إسرائيل، في إشارة إلى دول الخليج ودول عربية، وآخرين يريدون إزالة إسرائيل، في إشارة إلى إيران.
وأكد في البيان أنه "بينما يسعى حلفاؤنا في إسرائيل إلى تحقيق السلام في الشرق الأوسط، يأمل الإيرانيون أن تؤدي هذه الهجمات إلى تقويض التقدم الذي أحرزه حلفاؤنا نحو الاستقرار في المنطقة".
وشدد فانس بكل وضوح على أن "لإسرائيل الحق في الدفاع عن النفس، وهذا يشمل الرد بقوة ساحقة على أعدائها. والآن، كما في أي وقت مضى، يجب علينا أن ندعم حلفاءنا في كفاحهم من أجل الحرية والأمن".
وعندما نظر أعضاء مجلس الشيوخ في مشروع قانون ينص على توفير مساعدات عسكرية لكل من إسرائيل وأوكرانيا، قاد فانس مجموعة من أعضاء مجلس الشيوخ تقترح تشريعا يقضي بإرسال الأموال إلى إسرائيل فقط.
وردد فانس كلمات رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، الذي قال إن البلاد بحاجة إلى القضاء على حماس بعد الهجوم القاتل الذي نفذته الجماعة الإرهابية في السابع من أكتوبر على إسرائيل.
وكتب فانس في مذكرة وزعها على الجمهوريين في مجلس الشيوخ قبل تقديم مشروع القانون: "لدى إسرائيل هدف يمكن تحقيقه. إما أوكرانيا فلا" يمكن ذلك.
وهاجم فانس الرئيس بايدن لتأخيره في شحن الأسلحة إلى إسرائيل مع تصاعد التوترات بين البيت الأبيض وحكومة نتانياهو.
واعترف فانس أن هناك ضحايا مدنيين في الحرب على غزة، وقال: "إن قلوبنا بالتأكيد تتعاطف معهم"، لكنه أكد على أن اللوم في ذلك "لا يقع على عاتق إسرائيل، بل على عاتق حماس".
واتهم فانس الرئيس الأميركي "بجعل الأمر أكثر صعوبة" بالنسبة لإسرائيل لهزيمة حماس، مدعيا أن سياساته "تطيل أمد الحرب دون داع" وتمنع إسرائيل من هزيمة حماس، كما تعرقل التقارب السعودي الإسرائيلي.
وقال فانس إن إسرائيل "يجب أن تنتصر وتنهي الحرب في غزة في أسرع وقت ممكن".
ويرى فانس أن هذا "النصر" في غزة سيمكن الإسرائيليين والدول العربية السنية من تشكيل جبهة موحدة ضد إيران.
ويرى ترامب أنه إذا عاد إلى البيت الأبيض فإنه سيساهم في إحلال السلام في الشرق الأوسط ورعاية مزيد من اتفاقيات التطبيع بين دول عربية، خاصة السعودية، مع إسرائيل.
ووجدت إدارة بايدن نفسها في عين العاصفة يوم السابع من أكتوبر حين شنت حركة حماس الفلسطينية، المصنفة إرهابية على القوائم الأميركية، هجوما غير مسبوق على إسرائيل، لترد الأخيرة بحرب مدمرة على قطاع غزة فجرت غضبا دوليا أحرج إدارة الرئيس جو بايدن.
بايدن وجد نفسه أمام واقع معقد يتطلب منه الموازنة بين الاستجابة للغضب العالمي الشعبي على سقوط عشرات آلاف الضحايا الفلسطينيين، وبين الالتزام التاريخي لواشنطن بدعم إسرائيل وتزويدها بالسلاح للدفاع عن نفسها.
وملف حرب غزة منح ترامب فرصة لمهاجمة سياسات الرئيس الأميركي، واتهامه بالتخلي عن دعم إسرائيل وضمان أمنها، في وقت يتهم أميركيون يشكلون نسبة لا يستهان بها من الناخبين إدارة بايدن بغض الطرف عن تجاوزات إسرائيل وانتهاكات حقوق الإنسان في قطاع غزة.
أوكرانيا
فانس يعتبر أحد أبرز المعارضين لدعم الولايات المتحدة لأوكرانيا في الحرب مع روسيا.
وقال في مقابلة إذاعية مع، ستيف بانون، مستشار ترامب السابق وحليفه القديم: "أعتقد أنه من السخافة أن نركز على هذه الحدود في أوكرانيا".
وأضاف "يجب أن أكون صادقا معك، لا يهمني حقا ما يحدث لأوكرانيا بطريقة أو بأخرى".
قاد فانس المعركة في مجلس الشيوخ، من دون جدوى، لمنع حزمة مساعدات عسكرية بقيمة 60 مليار دولار لأوكرانيا.
وكتب فانس مقال رأي في صحيفة نيويورك تايمز، في وقت سابق من هذا العام، يتحدى فيه موقف الرئيس بايدن بشأن الحرب، وقال: "لقد صوتت ضد هذه الحزمة في مجلس الشيوخ، وما زلت معارضا لأي اقتراح للولايات المتحدة لمواصلة تمويل هذه الحرب".
وأوضح أن "بايدن فشل في توضيح حتى الحقائق الأساسية حول ما تحتاجه أوكرانيا وكيف ستغير هذه المساعدة الواقع على الأرض".
والسيناتور الجمهوري يحمل شعار "أميركا أولا" الذي يعني معارضة أي تورط أميركي في الشؤون العالمية مثل الحرب في أوكرانيا.
هذا الأمر دفع فانس إلى الاعتراض على الصفقات التي تمت بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي بشأن التمويل الحكومي.
ويعتقد فانس أن الولايات المتحدة يجب أن تشجع التوصل إلى اتفاق تتنازل بموجبه أوكرانيا عن الأراضي لروسيا من أجل إنهاء الحرب.
وقال فانس لشبكة "إن بي سي نيوز" في أبريل، بعد أن وافق مجلس الشيوخ على 95 مليار دولار من المساعدات لأوكرانيا: "لا يزال هناك عجز أساسي في التعامل مع حدود القوة الأميركية في القرن الحادي والعشرين".
وعملت إدارة بايدن على مدار الساعة مع الشركاء والحلفاء في أوروبا لدعم أوكرانيا، وفرض تكاليف اقتصادية غير مسبوقة على روسيا، وتأمين دعم قوي من الحزبين في الداخل لتقديم الأسلحة الحيوية والمساعدات الاقتصادية والإنسانية لأوكرانيا.
وطمأن بايدن الحلفاء بأن قدم الدعم لهم، وخاصة على الجانب الشرقي، وحصل على دعم الكونغرس لانضمام دولتين جديدتين، السويد وفنلندا، إلى تحالف الناتو.
لكن الجمهوريين وعلى رأسهم ترامب يهاجمون سياسات بايدن وحجم الإنفاق الذي خصصه لمواجهة روسيا في أوكرانيا.
ولوحظ في الآونة الأخيرة تعثر بعض المشاريع في الكونغرس بسبب الخلاف على أسلوب الدعم الأميركي لأوكرانيا.
وأعرب عن شكوكه في أن الحرب في أوكرانيا تشكل مصدر قلق كبير للأمن القومي للولايات المتحدة. ويتعين على البلاد بدلا من ذلك أن تركز على احتواء الصين في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.
أمن أوروبا
يشعر حلفاء أميركا الأوروبيون بقلق واسع النطاق بشأن اختيار فانس مرشحا لمنصب نائب ترامب، لأن فانس يعتقد أن على الولايات المتحدة أن تدعم قضايا أخرى، مثل تحصين الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك، بدلا من إرسال الأموال والسلاح لأوكرانيا.
ويعتقد فانس أن أوروبا بحاجة إلى تحمل مزيد من المسؤولية عن أمنها، بدلا من الاعتماد على الولايات المتحدة باعتبارها العضو الرائد في حلف الناتو الدفاعي.
وقال فانس في مؤتمر ميونيخ الأمني في فبراير: "نحن بحاجة إلى أن تقدم أوروبا دورا أكبر من الدور الأمني، وهذا ليس لأننا لا نهتم بأوروبا، بل لأنه يتعين علينا أن ندرك أننا نعيش في عالم يعاني من الندرة".
وتطرق فانس إلى اعتماد أوروبا على "فكرة القوة العظمى الأميركية القادرة على فعل كل شيء في وقت واحد".
ولا يعتقد فانس بالمخاوف التي يثيرها الأوروبيون وتؤيدها إدارة بايدن من أن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، قد يواصل مسيرته الإقليمية عبر أوروبا إذا استولى على أوكرانيا.
المناخ
قال فانس إن تغير المناخ لا يشكل تهديدا، وقال إنه يشكك في الإجماع العلمي على أن ارتفاع درجة حرارة الغلاف الجوي للأرض ناجم عن النشاط البشري.
وقال أمام منتدى القيادة الأميركية: "لقد تغير الأمر، كما أشار آخرون، لقد تغير منذ آلاف السنين".
ويعد فانس مؤيدا قويا لصناعة النفط والغاز، التي تهيمن على ولايته الأصلية، وقد أعرب عن معارضته لطاقة الرياح والطاقة الشمسية والمركبات الكهربائية.
على الجانب الآخر، يقول البيت الأبيض إن الولايات المتحدة باتت في وضع يمكنها من تحقيق الأهداف المناخية الطموحة المتمثلة في خفض الانبعاثات إلى النصف بحلول عام 2030، وصافي الانبعاثات إلى الصفر بحلول عام 2050.
ولترامب وجهة نظر تعارض سياسات بايدن هذه، ويعتبر أن الديمقراطيين يضعون الولايات المتحدة أمام التزامات تضعف قوتها الاقتصادية وتجعلها الخاسر الأكبر، خاصة في مجال التنافس على إنتاج الطاقة.
التعرفات الجمركية
يعتبر فانس من المؤيدين الدائمين للحواجز التجارية، خاصة في ما يتعلق بالصين. ويقول إن التعريفات ضرورية لحماية الصناعة المحلية من المنافسة غير العادلة في الخارج.
فانس دعا إلى فرض "تعرفات جمركية واسعة النطاق، خاصة على البضائع القادمة من الصين"، لأنها تشكل "تهديدا غير عادل للوظائف والتجارة الأميركية".
وقال في برنامج "واجه الأمة" على شبكة سي بي أس: "نحن بحاجة إلى حماية الصناعات الأميركية من كل المنافسة".
وتخشى الولايات المتحدة من أن يؤدي الدعم الحكومي الصيني للشركات، بفائض في الإنتاج يتجاوز إمكانيات استيعاب الأسواق العالمية.
ويمكن لتدفق صادرات زهيدة الثمن في قطاعات رئيسية، مثل المركبات الكهربائية وتلك العاملة بالطاقة الشمسية، أن يؤثر على نمو هذه الصناعات في بلدان أخرى.
ويتفق موقف فانس إلى حد كبير مع موقف ترامب، الذي طرح تعرفة عالمية بنسبة 10 بالمئة. ويعارض العديد من الجمهوريين من الحرس القديم إقامة حواجز تجارية جديدة، على الرغم من أن الموقف التجاري التقييدي الذي يتبناه فانس وترامب يحظى الآن بشعبية واسعة النطاق داخل الحزب الجمهوري.