الناخبون يظهرون دعما لحقوق الإجهاض في الولايات المتحدة
تظاهرة في العاصمة واشنطن داعمة لحق النساء في الإجهاض

في المناظرة الرئاسية الأولى لعام 2024، برزت قضية الإجهاض كموضوع ساخن. المرشح الجمهوري، دونالد ترامب، دافع بشدة عن قيود الإجهاض، واتهم الديمقراطيين بـ "دعم قتل الأطفال". فيما وصف الرئيس، جو بايدن، إنهاء الحماية الفيدرالية للإجهاض بـ"الفظيع".

انسحب بايدن بعد أقل من شهر من المناظرة، واتفق الديمقراطيون على دعم نائبته، كمالا هاريس، لمواجهة ترامب، وهي من أشد الداعمين لحق المرأة في الإجهاض ومنع القيود الفيدرالية أو المحلية على هذا الحق. 

وستكون هذه القضية حاسمة في تحديد اتجاهات الناخبين الأميركيين الذين انقسموا أساسا منذ عام 2022، حين اتخذت المحكمة العليا قرارا تاريخيا ألغى الحكم في قضية "رو ضد وايد"، ما يعني إنهاء الحماية الفيدرالية للإجهاض التي كانت سارية منذ عام 1973. 

معارضون للإجهاض يتظاهرون أمام عيادة في إيلينوي مع لافتة كتب عليها "الإجهاض يسلب حياة إنسان"

وهذا القرار يعيد سلطة تنظيم الإجهاض إلى الولايات، وهو ما يؤدي إلى انقسامات كبيرة عبر البلاد حول هذا الحق، ويمهد الطريق لحظر أو وضع قيود شديدة في العديد من الولايات.

وأثار القرار ردود فعل متباينة على نطاق واسع. فقد احتفل النشطاء المناهضون للإجهاض بهذا القرار باعتباره نصرا كبيرا لحق الجنين في الحياة.

وعلى الجانب الآخر، أعرب المدافعون عن حقوق المرأة عن غضبهم وخوفهم من التداعيات الصحية والاجتماعية للقرار. 

وشهدت المدن الأميركية الكبرى مظاهرات ضخمة عقب قرار المحكمة العليا، حيث تجمع آلاف من المؤيدين والمعارضين للقرار.

ويعيد هذا القرار تشكيل المشهد القانوني للإجهاض في الولايات المتحدة. والعديد من الولايات، خاصة في الجنوب والغرب الأوسط، لديها قوانين جاهزة لحظر الإجهاض، بينما خططت ولايات أخرى لتوسيع الحماية وضمان الوصول إلى خدمات الإجهاض. 

هذا التباين سيؤدي إلى تفاوت كبير في حقوق الإجهاض بناء على المكان الجغرافي للنساء في الولايات المتحدة. 

ووفق استطلاع أجراه معهد بيو للأبحاث، بعد قرار المحكمة العليا في يونيو 2022 بإلغاء الحق الدستوري للإجهاض، أعرب 62  بالمئة من الأميركيين عن دعمهم لشرعية الإجهاض في جميع أو معظم الحالات، بينما عارضه 36 بالمئة.

موقف هاريس

بعد إعلان الرئيس بايدن قراره بعدم الترشح لإعادة انتخابه، برزت نائبته، كامالا هاريس، كصوت قوي ومدافع عن حقوق الإجهاض في الولايات المتحدة.

وموقفها الجريء حول هذا الموضوع قد يكون له تأثير كبير على انتخابات الرئاسة الأميركية لعام 2024.

واتخذت هاريس موقفا واضحا وقويا لدعم حقوق الإجهاض، مما جعلها بطلة في أعين كثيرين من المدافعين عن الحقوق الإنجابية.

هاريس تسعى لجذب النساء والشباب الداعمين للحق في الإجهاض

وفي الوقت الذي تشهد فيه البلاد انقسامات عميقة حول هذه القضية، تسعى هاريس لتعزيز حقوق المرأة في الحصول على الرعاية الصحية الإنجابية من دون قيود.

ومن المتوقع أن يكون موقف هاريس بشأن الإجهاض محورا رئيسيا في حملتها الانتخابية. 

ودعمها القوي لحقوق المرأة قد يساعد في حشد قاعدة الناخبين الديمقراطيين، لكنه قد يثير أيضا ردود فعل قوية من الناخبين المحافظين. 

موقف ترامب

دعا ترامب إلى تجريم الإجهاض بشكل كامل، بما في ذلك حظر استخدام عقار ميفيبريستون، الذي يستخدم عادة في الإجهاض الدوائي. 

هذه الدعوة تأتي كجزء من استراتيجيته لجذب الناخبين المحافظين والقاعدة الدينية، وهو ما يراه ضروريا لتعزيز فرصه في الانتخابات.

حظر الإجهاض وتجريم استخدام ميفيبريستون سيكون لهما تداعيات قانونية واجتماعية كبيرة. 

والولايات التي تقودها حكومات جمهورية قد تشهد تشريعات صارمة تعيق وصول النساء إلى خدمات الإجهاض، مما يثير قلق منظمات حقوق المرأة والجماعات الليبرالية. هذه الخطوة قد تؤدي إلى معارك قانونية مطولة وتزيد من تعقيد المشهد السياسي والاجتماعي في البلاد.

يجاول ترامب الحصول على دم المحافظين والمتدينين عبر الدفع باتجاه تقييد الإجهاض

وموقف ترامب الجريء قد يجذب الناخبين المحافظين والذين يعارضون الإجهاض، لكنه في الوقت نفسه قد ينفر الناخبين المستقلين والنساء والشباب الذين يدعمون حق المرأة في الاجهاض. 

وإذا نجح ترامب في فرض حظر على الإجهاض وتجريم استخدام ميفيبريستون، فإن ذلك قد يفتح الباب أمام تغييرات جذرية في التشريعات والسياسات المتعلقة بحقوق المرأة والصحة الإنجابية في الولايات المتحدة.

ماذا تقول الأرقام؟

في عام 2023، أي بعد نحو عام واحد من قرار  المحكمة العيا الأميركية إلغاء الحماية الفيدرالية على حق الإجهاض، سجل نظام الرعاية الصحية الأميركي نحو مليون حالة إجهاض في مختلف أنحاء الولايات المتحدة، وفق بيانات إحصائية لمعهد غوتماكر، وهو منظمة بحثية تدعم الحق في الإجهاض.

ويمثل هذا ما معدله 15.9 حالة إجهاض لكل 1000 امرأة في سن الإنجاب في الولايات المتحدة.

كما يمثل زيادة بنسبة 11 بالمئة منذ عام 2020، وهو العام الأخير الذي تتوفر عنه تقديرات شاملة عن الإجهاض وفق المعهد الذي أجرى الدراسة. والمليون حالة إجهاض يعتبر أعلى رقم ومعدل يتم قياسه في الولايات المتحدة منذ أكثر من عقد.

وفي عام 2021، سجلت مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها(CDC)  نحو 625 ألف حالة إجهاض في 46 ولاية والعاصمة واشنطن، مقارنة بنحو 597 ألف حالة في عام 2020، بينما أظهرت بيانات معهد غوتماكر 930,160 حالة إجهاض في 2020.

وتكشف هذه النتائج، وفق معهد غوتماكر، أن الناس في الولايات المتحدة يواصلون البحث عن قوانين تحمي الإجهاض على الرغم من الانخفاض الكبير في إمكانية الوصول إلى الإجهاض في العديد من الولايات.

لكن خبراء آخرين يرون أن نسبة كبيرة من الأميركيين لا يزالون يعارضون حماية الحق في الإجهاض لدوافع إما دينية أو اجتماعية محافظة. ما يعني أنها قضية انتخابية ساحنة.

ومنذ قرار المحكمة العليا، حظرت 14 ولاية الإجهاض مع استثناءات محدودة. 
كما نفذت سبع ولايات أميركية، هي أريزونا وفلوريدا وجورجيا ونبراسكا ونورث كارولينا وساوث وكارولينا ويوتا، قوانين تقيد إمكانية الإجهاض على أساس مدة الحمل. 

وفي حين انخفض الوصول إلى خدمات الإجهاض بشكل كبير في الولايات التي فرضت الحظر، فقد شهدت جميع الولايات الأخرى تقريبا زيادات كبيرة في عدد حالات الإجهاض.

ونتيجة لذلك، لا تزال الولايات المتحدة تواجه مشهدا منقسما للإجهاض، حيث يتباين الوصول إليه على نطاق واسع بناء على المكان الذي يعيش فيه الناس والموارد المتوفرة لديهم.

ويقول خبراء إن التقديرات السنوية التي تقدمها الدراسات المتخصة هي بالتأكيد أقل من العدد الحقيقي لحالات الإجهاض في الولايات المتحدة، لأنها تشمل فقط عمليات الإجهاض التي يتم إجراؤها داخل نظام الرعاية الصحية الرسمي في البلاد.

وبعد ارتفاع حالات الإجهاض في الثمانينيات والتسعينيات، بدأت الأعداد في الانخفاض تدريجيا. في عام 2020، كانت حالات الإجهاض أقل بنسبة 40 بالمئة عن عام 1991.

وفي 2020، كان هناك 14.4 حالة إجهاض لكل 1000 امرأة تتراوح أعمارهن بين 15 و44 عاما، بينما سجلت مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها(CDC)  11.6 حالة لكل 1000 امرأة في 2021.

وتعتبر الإجهاضات الدوائية هي الأكثر شيوعا في الولايات المتحدة، حيث شكلت 56 بالمئة من إجمالي الحالات في 2021 وفق إحصاءات وبيانات مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها(CDC).

وفي 2020، كان هناك نحو 1600 مرفق في انحاء الولايات المتحدة تقدم خدمات الإجهاض، معظمها كانت عيادات، حيث تمت 96 بالمئة من حالات الإجهاض المسجلة فيها.

ومن المثير للاهتمام أنه في عام 2021، كانت نحو 11 بالمئة من حالات الإجهاض لنساء يقمن في ولايات مختلفة عن تلك التي حصلن فيها على الخدمة، وهو ما يعكس حالة التمزق والانقسام في الولايات المتحدة بشأن هذه القضية الحساسة.

المحكمة العليا سبق أن ألغت حكما تاريخيا يسمح بالإجهاض

وعادة تضطر بعض النساء إلى الانتقال من أماكن سكنهن إن كانت تتبع لأنظمة وقوانين تمنع الإجهاض والذهاب إلى مناطق توفر قوانينها حماية لهذا الحق من أجل إجراء العمليات الطبية اللازمة والحصول على الرعاية الممكنة والمطلوبة.

وتقول البيانات إن النساء في العشرينات من العمر شكلن نحو 57 بالمئة من حالات الإجهاض في 2021، بينما كانت 87 بالمئة من النساء غير متزوجات.

كما تحدث معظم حالات الإجهاض في الثلث الأول من الحمل، حيث بلغت نسبتها 93 بالمئة في 2021.

وتشير البيانات إلى أن حوالي 2 بالمئة من حالات الإجهاض تتضمن مضاعفات طبية، بينما سجلت  مراكز CDC معدل وفيات منخفض قدره 0.45 لكل 100,000 حالة إجهاض قانونية بين الأعوام 2013 و2020.

رغم أن قضية الإجهاض ستكون شرارة كبيرة في انتخابات الرئاسة الأميركية 2024، إلا أن الجدل لن ينتهي عند صناديق الاقتراع. وبغض النظر عمن سيتولى الرئاسة، سيظل الانقسام الأميركي عميقا ومستعصيا على أي حل بسيط. فلا القرارات القضائية ولا الأوامر التنفيذية الرئاسية، ولا حتى التعديلات الدستورية، ستتمكن من إنهاء هذا الصراع المعقد في الولايات المتحدة.

حملة هاريس لم تواجه صعوبة بجمع التبرعات
حملة هاريس لم تواجه صعوبة بجمع التبرعات

توجّه مرشحة الحزب الديمقراطي، كامالا هاريس، تركيزها نحو المناطق التي طالما اعتبرت معاقل تقليدية للحزب الجمهوري في حملتها الانتخابية الحالية، في نهج يختلف عن استراتيجية الرئيس، جو بايدن، السابقة، وفقا لموقع "بوليتيكو".

وذكر الموقع أن نائبة الرئيس لا تركز فقط على المناطق الديمقراطية الكبرى مثل ميلووكي وأتلانتا وفيلادلفيا، بل تسافر أيضا إلى مدن أصغر مثل أو كلير في ويسكونسن وسافانا في جورجيا، بأهداف توسيع قاعدة الناخبين الديمقراطيين وتقليص الفجوة في المناطق التي كانت تقليديا تصوت للجمهوريين.

استراتيجية ديمقراطية

ووضع الديمقراطيون هذه الاستراتيجية الجديدة بعد الخسارة أمام الرئيس السابق، دونالد ترامب، في انتخابات عام 2016، لمحاولة الحد من هزائمهم في المناطق التي تميل إلى الجمهوريين، لكن الرئيس جو بايدن "حاد عن هذا النهج"، في وقت سابق من هذا العام، مركزا بشكل أساسي على المدن الكبرى في محاولة لإصلاح مشاكله مع القاعدة الديمقراطية.

ويكشف تحليل حديث أجرته "بوليتيكو"، عن أن هاريس توجّه اهتمامها نحو "المناطق الجمهورية"، سواء في جولاتها الميدانية أو حملاتها الإعلانية، في تحول استراتيجي يسلط الضوء على نقاط قوتها الفريدة، ويبرز التحديات التي تواجهها مقارنة ببايدن، وفق المصدر ذاته.

ويظهر أن حملة هاريس أصبحت أقل تركيزا على تعزيز قاعدتها الديمقراطية التقليدية، متجاوزة الحاجة للانشغال بشكل مكثف بالمراكز الليبرالية الكبرى، مثل فيلادلفيا، التي طالما شكلت محور الحملات الديمقراطية السابقة.

وبدلا من ذلك، يرى فريقها أن الفرصة سانحة للتوسع بين شرائح متنوعة من الناخبين في البلدات الصغيرة والضواحي والمناطق الريفية التي تزورها حاليا، وخاصة بين الناخبين البيض الأكبر سنا، الذين يفتقر معظمهم للتعليم الجامعي.

ويوضح دان كانينين، مدير الولايات المتأرجحة في حملة هاريس، قائلا: "هناك شريحة من الناخبين تحتاج لمعرفة المزيد عن نائبة الرئيس، فهم لا يعرفونها كما عرفوا جو بايدن. مهمتنا هي سد هذه الفجوة المعرفية، وضمان فهمهم لشخصيتها، ومبادئها، وإدراكهم أنها تناضل من أجل جميع الأميركيين".

رهان هاريس

وتبرز استراتيجية هاريس الجديدة بوضوح في بنسلفانيا، حيث كثفت جهودها بشكل ملحوظ. في جولة حافلة قبل المؤتمر الوطني الديمقراطي، زارت مناطق محافظة وريفية، بينما جال زميلها في الترشيح، تيم والز، في مقاطعات تقليدية جمهورية ومتأرجحة، وفقا للموقع.

وسعت هاريس نطاق نشاطاتها متجاوزة المناطق المفضلة لبايدن في فيلادلفيا، موجهة قدرا كبيرا من مواردها نحو مناطق أخرى في الولاية. إذ مثلا، فاق عدد زياراتها لغرب بنسلفانيا، خلال الأسابيع الستة الأولى، من حملتها ما قام به بايدن، طوال الأشهر الستة السابقة.

غير أن "بوليتيكو" تلفت إلى أنه كان لهاريس الأصغر من بايدن بأكثر من عقدين، الطاقة للحفاظ على جدول أعمال أكثر نشاطا يجوب الولايات المتأرجحة.

وجادل مساعدو المرشحة وبايدن بأن الاختلاف الحاصل في تحركاتهما خلال الحملة، يمكن تفسيره من خلال التقويم الانتخابي، إذ أنه في وقت مبكر من الحملة يجب على المرشحين الرئاسيين توحيد قاعدتهم، قبل أن يتحولوا لاحقًا إلى كسب أصوات الناخبين المتأرجحين، وكان بايدن سيذهب في النهاية إلى هذه الأماكن أيضا.

ويراهن فريق هاريس على كسب أصوات في المناطق المتأرجحة والريفية من خلال التركيز على قضايا مثل مكافحة التلاعب بالأسعار وخفض تكاليف الأدوية وقضايا الحقوق الإنجابية.

ويرى خبير استطلاعات الرأي، بيروود يوست، أن هاريس عززت دعمها في المراكز الحضرية، لكنها تواجه تحديات في الضواحي، خاصة في المناطق التي يقطنها ناخبون بيض أكبر سنا.

وتقلل حملة ترامب من أهمية استراتيجية هاريس، مركزة على تعزيز دعمها في المناطق الريفين، مؤكدين على سياسات المرشح الجمهوري الداعمة للمزارعين وموقفه من الصين والتجارة كعوامل جذب للناخبين الريفيين والعمال.

المتحدثة باسم اللجنة الوطنية الجمهورية، آنا كيلي، تعتبر أن محاولات هاريس "متأخرة"، مشيرة إلى أن الناخبين الريفيين "تعبوا من خذلان الديمقراطيين لهم، وهم يصطفون لدعم الرئيس ترامب."

مايك كيلي، النائب الجمهوري وحليف لترامب يمثل جزءا من غرب بنسلفانيا، يرى أن جهود هاريس "تنم عن ضعف"، مؤكدا أن ترامب "أقرب لروح بيتسبرغ مما أعتقد أن نائبة الرئيس ستكون. أعتقد أنها تبدو كشخص من كاليفورنيا".

ورغم ذلك، توضح الصحيفة أن الاستراتيجية التي تعتمدها هاريس أظهرت نجاعتها مشيرة إلى تجربة فوز ديمقراطيين آخرين باستخدام نهج مماثل في انتخابات سابقة، إذ أن حاكم بنسلفانيا، جوش شابيرو، والسيناتور جون فيترمان، اعتمدا نفس المقاربة في انتخابات 2022، مع شعار "كل مقاطعة، كل صوت".

ويوضح نائب شابيرو، أوستن ديفيس، أن هاريس تتبع نفس الاستراتيجية الناجحة، مضيفا "عليك أن تجوب الولاية بأكملها وتشرك الجميع، وخاصة في الأماكن التي لا يسهل فيها أن تكون ديمقراطيا"، مضيفا "يمكنك أن تخسر هناك، لكن لا يمكنك أن تخسر بهامش كبير."