الجنسية الأميركية بالولادة تثير جدلا قانونيا
الجنسية الأميركية بالولادة تثير جدلا قانونيا | Source: Unsplash

أثارت تصريحات الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، بشأن عزمه إلغاء الحق الدستوري في الجنسية الأميركية بالولادة، تساؤلات عما إذا كان قادرا على تنفيذ هذا الوعد الانتخابي.

وكان المرشح الجمهوري للرئاسة الأميركية قد أصدر أمرا تنفيذيا في عام 2017 خلال ولايته الرئاسية، يحظر السفر من بلدان ذات أغلبية مسلمة، وانتهى الأمر في المحكمة العليا، التي أيدت نسخة مخففة من الحظر.

وإذا عاد ترامب إلى البيت الأبيض بعد انتخابات نوفمبر، فقد يتبع مسارا مماثلا بشأن اقتراح طرحه خلال حملته الانتخابية وهو إنهاء حق المواطنة بالولادة.

وفي مايو من العام الماضي، نشر ترامب مقطع فيديو يجدد دعوته لإنهاء الحق الدستوري في الحصول على الجنسية بالولادة على الأراضي الأميركية، قائلا إنه سيوقع على أمر تنفيذي في اليوم الأول من رئاسته من شأنه أن يضمن عدم اعتبار الأطفال المولودين لآباء ليس لديهم وضع قانوني في الولايات المتحدة مواطنين أميركيين.

وقال ترامب في الفيديو: "الولايات المتحدة من بين الدول الوحيدة في العالم التي تقول إنه حتى لو لم يكن أي من الوالدين مواطنا أو حتى موجودا بشكل قانوني في البلاد، فإن أطفالهم في المستقبل هم مواطنون تلقائيا".

وكان من المتعارف عليه منذ فترة طويلة أن الحصول على الجنسية بالولادة متاح بموجب التعديل الرابع عشر للدستور، والذي ينص على "جميع الأشخاص المولودين في الولايات المتحدة أو المتجنسين بجنسيتها والخاضعين لسلطانها يعتبرون من مواطني الولايات المتحدة ومواطني الولاية التي يقيمون فيها. ولا يجوز لأية ولاية أن تضع أو تطبق أي قانون ينتقص من امتيازات أو حصانات مواطني الولايات المتحدة. كما لا يجوز لأية ولاية أن تحرم أي شخص من الحياة أو الحرية أو الممتلكات دون مراعاة الإجراءات القانونية الأصولية. ولا أن تحرم أي شخص خاضع لسلطانها من المساواة في حماية القوانين".

وتقول وزارة الخارجية الأميركية إنه بالإضافة إلى التجنس، تعترف الولايات المتحدة بالمواطنة للأفراد وفقا لمبدأين أساسيين: حق الأرض (حق مكان الميلاد) وحق الدم.

ويضمن التعديل الـ14 لدستور الولايات المتحدة الجنسية عند الولادة لجميع الأفراد المولودين في الولايات المتحدة أو في الولايات القضائية الأميركية استنادا إلى حق الأرض.

وهناك فئة من الأفراد المولودين خارج الولايات المتحدة يتم اعتبارهم مواطنين أميركيين استنادا إلى حق الدم، وهو يعني أن جنسية الطفل هي نفس جنسية والديه.

والكونغرس مسؤول عن سن القوانين التي تحدد كيفية نقل الجنسية من الوالدين الأميركيين أو أحدهما، وفقا لمبدأ حق الدم. وهذه القواعد منصوص عليها في قانون الهجرة والجنسية.

وتقول "أن بي سي"، في تقرير عن مقترح ترامب، إن علماء القانون من جميع المشارب الإيديولوجية فهموا العبارة الواردة في التعديل الـ14 بشكل عام على أنها واضحة بذاتها، وهي الحصول على الجنسية لكن من يولد على أرض أميركية.

لكن هذا لم يمنع بعض دعاة مناهضة الهجرة من الضغط من أجل تفسير بديل. وتركز الحجة القانونية التي قدمها هؤلاء على اللغة الواردة في التعديل الذي ينص على أن الجنسية بالولادة تُمنح لأولئك الخاضعين للولاية القضائية للولايات المتحدة.

ديفيد غولوف، أستاذ القانون الدستوري في جامعة نيويورك يوضح لموقع "الحرة" أن من المعروف منذ فترة طويلة أن التعديل الـ14 يشمل الأطفال المولودين لآباء غير أميركيين في أراضي الولايات المتحدة.

ومع ذلك، يقول إنه رغم ذلك، لم تقرر المحكمة العليا بشكل قاطع أن نفس القاعدة تنطبق سواء كان الوالد غير المواطن موجودا في أراضي الولايات المتحدة عند ولادة الطفل بشكل قانوني أو غير قانوني.

ويبدو أن القرارات السابقة تفترض أن وجود الوالد في الولايات المتحدة بشكل قانوني أو غير قانوني ليس ذي صلة، وسيظل الطفل مواطنا أميركيا بالولادة.

ويقول أستاذ الإدارة والسياسة في جامعة بوسطن، ديفيد روزنبلوم، لموقع "الحرة" إن التعديل الـ14 واضح في أن "جميع الأشخاص المولودين في الولايات المتحدة هم مواطنون أميركيون. اللغة واضحة، وقد صُممت للتأكد من أنه عندما تنتهي العبودية، فإن كل الأشخاص الذين كانوا عبيدا سابقا سيكونون مواطنين أميركيين".

ويشرح روزنبلوم أن بإمكان ترامب تحدي هذا النص بإيجاد تفسير آخر له من خلال المحكمة العليا، وغالبيتها من المحافظين (6 مقابل 3).

وبإمكانه أيضا، وفق الخبير، إصدار أمر تنفيذي لكنه سيتم الطعن على الفور أمام أعلى محكمة في البلاد. 

ويعتقد أن المحاكم الأميركية لو نظرت في الأمر التنفيذي، ستقرر على الفور بأنه غير دستوري، ومع ذلك لا يستبعد أنه مع وجود قضاة محافظين، عين ترامب ثلاثة منهم، فقد يفسرون، أو يحاولون تفسير لغة النص بشكل مختلف.

ويشير  روزنبلوم إلى أن بإمكان ترامب محاولة تغيير الدستور لكنها ستكون عملية صعبة وتتطلب موافقة ثلثي أعضاء الكونغرس وغالبية الهيئات التشريعية في الولايات.

أستاذ السياسية والقانون في الجامعة الأميركية، وليام لورانس، يشرح لموقع "الحرة" ثلاثة مسارات يمكن أن يتبعها ترامب.

المسار الأول هو الطريق الرسمي، ومن خلاله، سيقدم ترامب على محاولة تمرير تعديل دستوري وليس نصا دستوريا لأن النص الحالي ليس موجودا في الدستور نفسه، بل في تعديل، وهو التعديل الـ14 الذي يحتوي على لغة تستهدف التأكد من حصول ذوي الأصول الأفريقية على جنسيتهم الكاملة بعد الحرب الأهلية. 

ويعتقد لورانس أن بإمكان ترامب استخدام هذا التعديل لمحاولة تفسير مسألة حق المواطنة بالولادة لصالحه.

ويتفق لورانس مع روزنبلوم أيضا على صعوبة تعديل الدستور بالنظر إلى الشروط الصعبة المنصوص عليها لتحقيق ذلك "والتي تتطلب الكثير من العمل الشاق".

وينص الدستور على أنه "يجوز اقتراح تعديل إما من قبل الكونغرس بأغلبية ثلثي الأصوات في كل من مجلس النواب ومجلس الشيوخ أو من خلال مؤتمر دستوري تدعو إليه الهيئات التشريعية لثلثي مختلف الولايات".

ولم يتم اقتراح أي من التعديلات من قبل من خلال مؤتمر دستوري، لكن تم ذلك من خلال الكونغرس في شكل قرار مشترك.

ونظرا لأن الرئيس ليس له دور دستوري في عملية التعديل، فإن القرار المشترك لا يذهب إلى البيت الأبيض للتوقيع عليه.

والمسار الثاني لترامب، وفق لورانس، هو تقديم طعون قضائية، وهي طريقة أسهل من تعديل الدستور.

ويشرح أنه يمكن تقديم الحجج أمام المحكمة العليا لتفسير هذا التعديل لصالح ترامب مثل القول إنه تمت إساءة تفسير الدستور وإن الأميركيين من أصل أفريقي حصلوا على جنسيتهم الكاملة بعد الحرب الأهلية.

والطريقة الثالثة هي محاولة تمرير تشريع في الكونغرس يلغي حق المواطنة بالولادة، لكن قد يخضع التشريع للطعن أمام المحاكم العادية وصولا إلى المحكمة العليا لأنه يمس الدستور.

والطريقة الثانية أو الثالثة "قد تنجح وقد لا تنجح، لكنها ستكون أسهل من الأولى".

لكن ترامب لن يستطيع إحالة القضية إلى المحاكم بنفسه، بل سيكون المواطنون المتضررون. 

والنظام القانوني الأميركي يختلف عن أوروبا، على سبيل المثال، حيث من السهل أن يطلب قائد الدولة من المحكمة الدستورية تفسير الدستور.

أما في الولايات المتحدة، يتوجب أن يكون هناك أشخاص متضررون من سوء تفسير الدستور، وهؤلاء يتقدمون بالطعن، وتأخذ الطعون مسارها الطبيعي في المحاكم المحلية ثم الاستئناف قبل الانتقال إلى المحكمة العليا لو أمكن.

وهذا أمر صعب تحقيقه لأنه "لا يوجد الكثير من الناس ممن هم متضررون من حصول شخص آخر على الجنسية".

ويقول إنه من الصعب تغيير الدستور وكذلك تغيير تفسير الدستور، لكن مع تشكيلة المحكمة العليا الحالية (أغلبهم محاظفون) "ليس مستبعدا حدوث مفاجآت مثلما حكمت المحكمة من قبل في قضايا مثل حق التصويت، وحق الإجهاض، وقضية "شيفرون" دون الرجوع إلى سوابق تاريخية".

ويوافق غولوف على أن "من الصعب للغاية تعديل دستور الولايات المتحدة، ومن المرجح جدا أن تفشل أي محاولة للقيام بذلك".

ويضيف غولوف: "من المحتمل أن يأتي أي تغيير من الكونغرس في شكل قانون، وحتى ذلك سيكون عرضة للطعن بموجب التعديل الرابع عشر في المحاكم".

ويقول لورانس: "قبل 10 سنوات، لم يكن من المرجح أن تفعل المحكمة أي شيء من شأنه أن يغير القرارات السابقة لكن هذا لم يعد مستبعدا الآن".

ويشير إلى قرار المحكمة الشهر الماضي إلغاء "مبدأ شيفرون" الذي ظل لمدة حوالي 40 عاما مبدأ قانونيًا أساسيا يوجه القضاة إلى الإذعان لتفسيرات الوكالات الفيدرالية للقوانين عندما لا تكون القوانين واضحة تماما.

والقرار الصادر عام 1984 ظل فترة طويلة هدفا للمحافظين الذين يرون أنه يمنح السلطة التي ينبغي أن يمارسها القضاة للخبراء الذين يعملون في الحكومة.

ويقول لورانس إنه "كان من المعتاد أن تكون الحكومة الفيدرالية قادرة على وضع لوائح دون الرجوع إلى الكونغرس أو المحكمة، أما الآن فالحكومة الفيدرالية، عندما لا يكون هناك قانون، لا يمكنها استخدام خبرائها واتخاذ القرارات".

ويرى أن المحكمة ألغت هذه السوابق المهمة، التي ساعدت الحكومة في القيام بالإجراءت الضرورية لمدة 40 عاما.

ولا يستبعد أن تتخذ المحكمة قرارا مماثلا في التعديل الـ14.
 

أميركا

الصين تتحدى أميركا في بنما.. حقائق مفاجئة تشرح تهديد ترامب

ضياء عُطي
07 يناير 2025

ربما كان خبرا عابرا، لم ينتبه إليه أحد.

لكن عبور تلك السفن الصينية من أقصى شمال الأرض، الخريف الماضي، ولأول مرة، لم يكن عرضيا.

فالصين تريد السيطرة على ممرات البحر، يقول خبراء تحدث إليهم "موقع الحرة".

خذ بنما مثالا. هنا قناة ضيقة وقصيرة تربط المحيطين الهادي والأطلسي.

هل يفاجئك أن تعرف أن شركات صينية، أو مقرها الصين، تدير مدخلي القناة على المحيطين الأطلسي شرقا والهادئ غربا؟

قناة بنما تحديدا لها تاريخ فريد، وفيها مصالح وصلاحيات أميركية مقرة باتفاقيات دولية تمنح واشنطن حق التدخل العسكري لحماية القناة. 

لذلك، قد لا يبدو غريبا أن يطالب الرئيس المنتخب دونالد ترامب بـ"إعادة السيطرة على قناة بنما"، فهو يعتبرها "من الأصول الوطنية الحيوية للولايات المتحدة".

هذه هي قصة القناة، وحقائق ستفاجئك عن الحقوق الأميركية ومخططات الصين.

بين قطب ومحيطين

عدة شركات صينية تدير الموانئ والمنشآت اللوجستية لقناة بنما. (AFP)

قرب جزيرة نوفايا زمليا الروسية، على طريق القطب المتجمد الشمالي، عبرت، الخريف الماضي، سفينتان تجاريتان تديرهما شركات صينية لأول مرة.

السفينة الأولى (نيونيو ستار)، كانت قادمة من ميناء نانشا الصيني، متجهة نحو سان بطرسبرغ الروسية.

سفينة أخرى هي (فلايينغ فيش)، أو السمكة الطائرة، كانت تبحر في الاتجاه المعاكس.

تقاطعتا في الطريق. أصبحت "السمكة الطائرة" أكبر سفينة تعبر طريق القطب الشمالي عبر المياه الروسية، حتى ذلك الوقت.

حملت "السمكة الطائرة" أكثر من 5 آلاف حاوية. 

هذه فئة خاصة من السفن تسمى "بانماكس". وهي وحدة معيارية عالمية تعني أن السفينة تملك أكبر حجم يمكن أن تستوعبه منشآت قناة بنما.

القطب الشمالي وقناة بنما يجمع بينهما الأهمية الاستراتيجية، والمطامع الصينية. 

وعين الصين على "المنشآت ذات الاستخدام المزدوج" في قناة بنما ومنطقة القطب الشمالي، يقول الصحفي الأميركي المتخصص جون غرايدي.

 يرصد غرايدي الاهتمام الصيني بقناة بنما والممرات البحرية في مقالات ينشرها معهد البحرية الأميركية.

ويكشف لـ"موقع الحرة" عن مشاريع صينية في منشآت تابعة لقناة بنما، والدول المجاورة في أميركا اللاتينية والبحر الكاريبي، ما جعل بكين تملك "نفوذا" غير مسبوق هناك، ضمن مبادرة "الحزام والطريق".

تنين على البابين

قناة بنما ممر مائي اصطناعي يربط المحيطين الأطلسي والهادئ عبر برزخ بنما في أميركا الوسطى.

وهي واحدة من أعظم الإنجازات الهندسية في العالم.

بفضل القناة، لم تعد السفن بحاجة إلى الالتفاف حول قارة أميركا الجنوبية عبر رأس هورن، للانتقال بين المحيطين. 

افتُتحت القناة رسميا عام 1914 بعد عقد من البناء الذي قادته الولايات المتحدة الأميركية.

أما الآن٫ وبعد أكثر من قرن، فالشركات الصينية، أو التي مقرها الصين، تدير مدخلي قناة بنما، وهما ميناء كريستوبال على المحيط الأطلسي شرقا، وميناء بالبوا المطل على المحيط الهادئ، غربا.

كذلك، في 2018، فازت شركة الاتصالات الصينية والشركة الصينية لهندسة الموانئ بصفقة لتنفيذ مشروع بناء الجسر الرابع، الذي يعبر القناة ويمتد على مسافة 4 أميال.

كان المشروع جزءا من الاتفاقيات التي وقعتها بنما مع بكين عام 2017، عقب قطع علاقاتها الدبلوماسية مع تايوان، والهادفة لتحويل القناة إلى مركز رئيسي لحركة المنتجات الصينية، وتوزيعها في منطقة أميركا اللاتينية.

بين روزفلت وكارتر وترامب

النشاطات الصينية، يبدو أنها كانت الدافع وراء منشور للرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترامب على منصته "تروث سوشال" في 21 ديسمبر الماضي، طالب فيه بـ"إعادة السيطرة على قناة بنما". 

قال ترامب إن القناة "تلعب دورا حيويا" للاقتصاد ومنظومة النقل في الولايات المتحدة. وذكر بالدور الذي لعبته واشنطن في بناء القناة، إبان حكم الرئيس الأسبق، ثيودور روزفلت في بداية القرن العشرين، والكلفة المادية والبشرية التي دفعتها أميركا لإنجازها.

ومن المفارقات التاريخية، أن إعلان ترامب سبق بأيام قليلة وفاة الرئيس الأميركي الأسبق، جيمي كارتر، الذي وقع اتفاقيات التسليم التدريجي للقناة.

فما قصة تلك الاتفاقية؟

الرئيس الأميركي الراحل، جيمي كارتر، كان حاضراً أثناء مراسم تسليم قناة بنما عام 1999. (AFP)

هذه هي التفاصيل التاريخية:

  • محادثات التسليم التدريجي لإدارة القناة بدأت منذ ستينيات القرن الماضي، في عهد الرئيسين جونسون ونيكسون.

  • التوقيع على الاتفاقيات النهائية كان عام 1977 وعرفت باسم "اتفاقيات كارتر – توريخون"، نسبة لرئيسي البلدين آنذاك.

  • بقيت الإدارة مشتركة بين الدولتين خلال فترة انتقالية استمرت حتى عام 1999، عندما تسلمت بنما الإدارة بالكامل.

  • آخر إجراءات التسليم تمت في نهاية ديسمبر عام 1999، في عهد الرئيس كلينتون.

المهم أن تعرف أن "اتفاقية الحياد"، وهي واحدة من اتفاقيات كارتر – توريخون، تمنح الولايات المتحدة الحق باستخدام القوة العسكرية للدفاع عن القناة، وتأمين استمرار عملها كممر مائي دولي محايد.

وهذا الحق هو في جذر مطالبة ترامب، يقول خبراء، في مواجهة أطماع الصين.

ماذا تريد الصين؟

تواجه قناة بنما تحديات تشغيلية ناتجة عن الجفاف وظاهرة "النينيو" وتغير المناخ. (AFP)

يتحدث الصحفي الأميركي المتخصص جون غرايدي عن منشآت ذات استخدام مزدوج في قناة بنما فتحت شهية الشركات الصينية. 

وهذه المنشآت طلبت إنجازها المؤسسة الحكومية المحلية التي تدير القناة لتواكب تطور الحركة البحرية، وحجم البواخر الناقلة للحاويات، ولمواجهة تحديات انخفاض تدفق الأنهار التي توفر كميات المياه الضخمة اللازمة لملء أحواض السفن.

قال غرايدي أيضا إن: "الجنرال لورا ريتشاردسون، التي تولت القيادة الجنوبية للجيش الأميركي حتى نوفمبر الماضي، سبق وأن حذرت من الاستخدام المزدوج للمنشآت المتواجدة في قناة بنما".

والاستخدام المزدوج، هو مصطلح يقصد به أن الميناءين المتواجدين على مدخلي القناة، بالإمكان توظيفهما للاستخدام العسكري والتجاري على حد السواء، رغم أنهما يعملان حتى الآن على عبور سفن الرحلات البحرية السياحية، تليها سفن الشحن.

تذكر إدارة القناة على موقعها الإلكتروني أن "حركة الملاحة بلغت 14 ألف سفينة في السنة".

وتذكر أيضا إدارة التجارة الدولية الأميركية أن "72% من حجم حركة السفن في قناة بنما، تتم من وإلى الولايات المتحدة، التي تمثل كذلك مرفقا هاما لحركة نقل النفط حول العالم".

تمكن القناة من ربط الساحل الشرقي للولايات المتحدة بكل من شرق آسيا والساحل الغربي لأميركا الجنوبية، ما يعني ربط المناطق الصناعية في كل من الولايات المتحدة والصين بأسواقها التقليدية.

قال جون غرايدي إن "أنشطة بكين في بنما، لا يمكن فصلها عن باقي أنشطتها في منطقة أميركا اللاتينية والبحر الكاريبي".

وأضاف: "مثل أنشطتها في بيرو، حيث تقوم ببناء ميناء ضخم للغاية، سيرفع حجم البضائع الصينية المصدرة إلى تلك المنطقة من العالم لأرقام فلكية، ويمكن استخدامه هو الآخر بسهولة لأغراض عسكرية".

وفي أقصى جنوب أميركا اللاتينية، بنت الصين محطة رصد فضائي تتضمن هوائيات ضخمة تسمح كذلك بمراقبة حركة الأقمار الصناعية، حسب غرايدي.

موقع المحطة جنوب الأرجنتين، يمر فوقه مسار أغلب الأقمار الصناعية ذات المدار المنخفض، ويسمح كذلك بمراقبة حركة الملاحة في مضيق ماجلان الاستراتيجي، وهو أحد الطريقين البديلين عن قناة بنما، إذ يمر الطريق البديل الآخر عبر القطب الشمالي.

البحرية الصينية في جنوب أميركا

مجموع الموانئ الصينية في أميركا اللاتينية والكاريبي يبلغ نحو 40 ميناء، وهذا الرقم مرشح للارتفاع، حسب غرايدي.

رغم ذلك، يقول إن "مستوى التعاون العسكري في المجال البحري بين بكين ودول أميركا اللاتينية، تشوبه الكثير من نقاط الضعف".

ورغم تنظيم تدريبات مشتركة بين البحرية الصينية والقوات البحرية لفنزويلا، إلا أن تلك التدريبات لم تشمل الاندماج في العمليات المشتركة والعمل التبادلي، ما يجعل البحرية الصينية لا تمتلك إمكانية تنفيذ المهمات العسكرية بالتعاون مع حلفائها.

وعلى سبيل المقارنة، يذكر غرايدي أن "التدريب على العمليات المشتركة هو أمر أساسي خلال مناورات الجيش الأميركي مع دول حليفة، حتى تلك ذات عدد القوات المتوسط مثل الفلبين".

وتكمن أهمية الأمر، إلى الفهم المشترك والمتبادل بين القوات العسكرية، والعقبات التي تعترض ذلك، وهي تتجاوز معضلة اللغة، وتشمل العقبات الثقافية، التي ظهرت كذلك خلال وجود السفن الحربية الروسية والإيرانية في فنزويلا.

لا يقتصر الوجود العسكري الصيني على بيع تجهيزات حربية مثل الصواريخ المضادة للسفن، التي صدرتها بكين إلى إيران ومنها انتقلت إلى حزب الله، بل يشمل على وجه الخصوص سيطرة شركة هواوي الصينية على شبكات الاتصالات المحلية، بما في ذلك الإنترنت من الجيل الخامس.

وتتعاون البحرية الصينية مع نظيرتها الروسية، فالبحرية الصينية هي المسؤولة عن برامج الانتشار في أعالي البحار، مثل منطقة القطب الشمالي.

لكن ذلك التعاون لم يصل بعد، إلى مستوى التعاون بين دول الناتو أو باقي حلفاء واشنطن، خصوصا وأن أسطول السطح الروسي يواجه تراجعا في قدراته العملياتية والعددية، على عكس أسطول الغواصات.

ومن اللافت، أن التعاون في القطب الشمالي، يشمل وجود سفن أبحاث مرتبطة بعدد من الجامعات الصينية، تقوم بجمع معطيات فنية، تملك الحكومة الصينية حق الحصول عليها.

وأضاف غرايدي أن هناك 4 سفن أبحاث صينية تتواجد حالياً ضمن نطاق الدائرة القطبية الشمالية، وأن سفينة خامسة تستعد للالتحاق بها قريباً.

أبحاث علمية وتجسس

قال المحامي والمعلق السياسي الأميركي، غوردن تشانغ، الذي عمل في الصين وهونغ كونغ لحوالي عقدين من الزمن، إن "سفن الأبحاث البحرية، تستخدم كذلك لمهام التجسس والاستطلاع العسكري".

تشانغ الذي تحدث إلى موقع "الحرة" قال إن "أحد أهم الأهداف التي تسعى إليها بكين في هذا المجال، هو تحديد مواقع الغواصات النووية الأميركية، عبر قياسات وعمليات سبر لقاع المحيط، تقوم بها سفن الأبحاث العلمية".

ووفقا لتشانغ، فإن أهداف الصين تتجاوز النشاط التجاري وتشمل أهدافا عسكرية واضحة. وأبرز الأمثلة على ذلك هو الدعم العسكري الذي تقدمه بكين لطهران.

أغلب السفن العابرة لقناة بنما متجهة من وإلى الولايات المتحدة. (AFP)

ويرى المحامي الأميركي، بأن إيران وحلفاءها في المنطقة، ما كانوا ليتمكنوا من شن هجمات ضد إسرائيل، لولا الدعم العسكري الصيني لها، عبر بيع كميات كبيرة من الأسلحة.

يذكر أن الوجود العسكري البحري الصيني، امتد من المحيط الهندي إلى البحر المتوسط عند انطلاق أحداث الربيع العربي، عندما قامت إحدى فرقاطات البحرية الصينية بحراسة مجموعة من السفن التجارية، التي قامت بإجلاء العمال الصينيين من ليبيا عام 2011.

ثم عادت البحرية الصينية بعملية مماثلة، لإجلاء مواطنيها من اليمن خلال شهر مارس 2011، لتواصل تواجدها شرق المتوسط لاحقا، الذي يمثل الجناح الغربي لمبادرة "الحزام والطريق" الصينية.

لا يقتصر الوجود الصيني في القطب الشمالي أو بنما أو الشرق الأوسط، على نشاط السفن التجارية والعسكرية أو سفن الأبحاث، بل هو رسالة موجهة إلى واشنطن، مفادها "أننا هنا"، حسب جون غرايدي.

وأعلنت بكين نفسها كدولة متشاطئة مع القطب الشمالي، ما يمثل إشارة إلى أنها قد تطالب بحرية الملاحة دون دفع رسوم عبور لروسيا، عبر "طريق الحرير القطبي".

قد تكون حماية سفنها التجارية من هجمات القراصنة قبالة سواحل الصومال هدفا مفهوما لبكين، وأهم وسيلة لتحقيق ذلك، قاعدتها الوحيدة في دولة عربية أو أفريقية، وهي جيبوتي.

لكن الوجود العسكري الصيني في الشرق الأوسط، يهدف كذلك إلى حماية خطوط تصدير النفط القادمة من الشرق الأوسط وإيران نحو الصين.

ماذا يفعل ترامب؟

ومع اقتراب موعد تسلم الإدارة الأميركية الجديدة للسلطة في 20 يناير الحالي، تبرز تساؤلات حول السياسة التي ستتبعها إدارة ترامب بشأن النفوذ الصيني في النصف الغربي من الكرة الأرضية.

رئيس بنما، خوسيه راؤول موليدو، الذي رفض تصريحات ترامب، نظم حفلا خاصا بالذكرى 25 لتسلم القناة من الولايات المتحدة، وأعلن أن شعور الفرح بتلك الذكرى، يشوبه الكثير من الحزن بسبب تزامنها مع وفاة الرئيس الأميركي الأسبق، كارتر.

دعوة ترامب إلى استعادة القناة، وتزامنه مع وفاة كارتر، أعاد إلى الأذهان السجال السياسي الحاد، الذي دار نهاية سبعينيات القرن الماضي في الولايات المتحدة، حول تسليم القناة إلى بنما.

خلال ذلك السجال، رفع الرئيس الأميركي الأسبق، رونالد ريغن، شعار "نحن بنيناها، نحن اشتريناها، ونحن ننوي الاحتفاظ بها".

لم يكن قرار كارتر يحظى بشعبية كبيرة، ما كلف 7 أعضاء في مجلس الشيوخ مقاعدهم خلال الانتخابات الموالية، بسبب مساندتهم القرار.

لكن ريغن لم يراجع قرار كارتر بخصوص قناة بنما، رغم كل الصخب الإعلامي وحديث الانتخابات.

ضياء عُطي