الحديث عاد عن تطبيق قاعدة الستين يوما
الحديث عاد عن تطبيق قاعدة الستين يوما

قدم الادعاء العام الأميركي، الثلاثاء، لائحة اتهام معدّلة ضد الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، في قضية محاولته قلب نتائج الانتخابات الرئاسية التي فاز فيها جو بايدن عام 2020.

وجاء الإعلان عن اللائحة قبل 10 أيام فقط من تطبيق "قاعدة الـ60 يوما" التي تتبعها وزارة العدل، التي يفترض أن تمنع تقديم أي اتهامات جديدة ضد الرئيس السابق والمرشح الرئاسي الحالي.

وكان المحقق الخاص في قضية الوثائق السرية، جاك سميث، قد أشار إلى هذه القاعدة في مارس الماضي، عندما أبلغ قاضية فيدرالية أن محاكمة ترامب في الأيام التي تسبق الانتخابات الرئاسية لعام 2024 لن تنتهك سياسة الوزارة العدل.

وفي ذلك الوقت، ضغطت القاضية الفيدرالية المشرفة على قضية ترامب، إيلين كانون، بشكل خاص على المستشار الخاص المساعد، جاي برات، بشأن ما إذا كان عرض قضية وزارة العدل على هيئة محلفين في وقت متأخر من سبتمبر أو أكتوبر من شأنه أن ينتهك القاعدة.

وتشرح صحيفة نيويورك تايمز القاعدة بشكل مبسط بأنها ممارسة غير مكتوبة بموجبها يتجنب المدعون العامون فتح تحقيقات تتعلق بمرشحين قرب موعد الانتخابات، خشية أن تؤثر على عملية التصويت. والفكرة هي تجنب إساءة استخدام سلطة إنفاذ القانون للتأثير على الديمقراطية.

ولأن "القاعدة" ليست مكتوبة، فإن معناها غير محدد بشكل قاطع. وهناك اتفاق على أن المدعين العامين يجب أن يتجنبوا، إذا كان ممكنا، اتخاذ إجراءت تتعلق بالتحقيقات مع اقتراب موعد الانتخابات، مثل تقديم اتهامات بارتكاب جرائم.

وتشير "إيه بي سي" إلى تقرير المفتش العام لوزارة العدل، مايكل هورويتز، في يونيو 2018، المتعلق بتصرفات مكتب التحقيقات الفيدرالي (أف بي آي) أثناء تحقيقه في قضية استخدام وزيرة الخارجية السابقة، هيلاري كلينتون، بريدها الإلكتروني الخاص قبل انتخابات 2016.

وقال التقرير إن القاعدة "غير مكتوبة أو موصوفة في أي سياسة أو لائحة تابعة للوزارة"، لكن وصفها المسؤولون السابقون بأنها "ممارسة عامة تشكل قرارات الوزارة".

وأشار أيضا إلى شهادة مدير "أف بي آي" آنذاك، جيمس كومي، أمام الكونغرس، الذي قال إنها "قاعدة مهمة للغاية وهي.. تجنب اتخاذ أي إجراء في الفترة التي تسبق الانتخابات، إذا كان بوسعنا ذلك".

المسؤول القضائي السابق، ستيوارت جيرسون، قال لـ"إيه بي سي" إن الغرض من هذه الممارسة تجنب تدخل السلطة التنفيذية في المسائل السياسية و"بعبارة أخرى، عدم التأثير على النتيجة".

رسائل سياسية من تصريحات الليبراليين والمحافظين . أرشيفية - تعبيرية
استقالة الموظف فتحت باب الجدل على قضية متجذرة في المجتمع الأميركي

أعاد إيلون ماسك توظيف ماركو إليز (25 عاما) في إدارة الكفاءة الحكومية الأميركية، بعدما أثارت استقالته جدلا الخميس.

وأجرى ماسك استطلاعا للرأي بشأن إعادة إليز، وقال في منشور عبر منصة إكس "سيعود. كل ابن آدم خطاء، والعفو رباني"، وذلك بعد مطالبات من نائب الرئيس الأميركي، جي دي فانس، والتي دعمها الرئيس دونالد ترامب.

فما الخطأ الذي ارتكبه إليز ودفعه للاستقالة من إدارة الكفاءة الحكومية بعد أسابيع قليلة على تعيينه؟

استقالة إليز كانت بعد تقرير نشرته صحيفة وول ستريت جورنال، كشفت فيه تغريدات سابقة له على حساب غير فعال، دعا فيها إلى "كراهية الهنود".

وبعد إثارة استقالته للجدل، دعا نائب الرئيس دي فانس وهو متزوج من ابنة لمهاجرين من الهند إلى إعادة الموظف لمنصبه.

وقال في منشور عبر إكس "هذه وجهة نظري: بالطبع لا أؤيد بعض منشورات إيلز، لكن لا أؤيد أن يدمر سلوك غبي عبر منصات التواصل الاجتماعي حياة فتى. لا ينبغي لنا أن نكافئ الصحفيين الذين يحاولون تدمير الناس. أبدا".

وأضاف "لذا أقول أعيدوه (لمنصبه). إذا كان شخصا سيئا أو عضو فريق فظيعا فافصلوه عن العمل لهذا السبب".

جذور الجدل

قد ينظر البعض إلى هذه الحادثة على أنها قضية تتعلق باستقالة موظف وإعادته لعمله، ولكنها تعبر قضية أعمق في المجتمع الأميركي، والتي ترتبط بمدرستين: الأولى، "الصواب السياسي"/ (Political correctness) أو (Politically correct)، والثانية "قول الحقيقة كما هي" / (Tell It Like It Is).

والصواب السياسي هو اسم "يعبر عن الأفعال التي تتجنب الإساءة للآخرين، خاصة تلك المتعلقة بالجنس، أو العرق، أو الدين أو غيرها"، بحسب معجم كامبريدج.

أما قاموس ميريام ويبستار، فيعرفه على أن أي توافق مع "الاعتقاد بأن اللغة أو الممارسات التي قد تسبب حساسيات سياسية في مسائل الجنس أو العرق يجب القضاء عليها".

وبعيدا عن تعريف المصطلح في القواميس يعبر مصطلح الصواب السياسي أو حتى يذكره البعض باسم الصوابية السياسية عن "انتقاد محاولات التيار اليساري للسيطرة على استخدام اللغة وحتى السلوك" بحسب ما يذكر كتاب "موسوعة الأخلاق التطبيقية".

ويهدف هذا المصطلح للكشف عن "الافتراضات الخفية بطريقة محايدة عند الحديث أو السلوك" في مراعاة الحساسيات عند الآخرين، وهو ما تسبب في إثارتها للجدل بسبب رفضها للمعايير المألوفة، فيما يعتبر البعض أنها مثالا للمعايير المزدوجة.

وتبسط موسوعة "بريتانيكا" شرح المصطلح بأنه أي لغة أو سلوك "يهدف إلى تقديم أقل قدر من الإساءة، وخاصة عند وصف المجموعات التي يتم تحديدها من خلال العرق أو الجنس أو الثقافة أو الميل الجنسي".

ورغم استخدامه بكثرة في الولايات المتحدة خلال السنوات الماضية، إلا أنه ظهر لأول مرة في المفردات الماركسية اللينينية في أعقاب الثورة الروسية في 1917، إذ كان يستخدم في إطار وصل الالتزام بسياسات ومبادئ الحزب الشيوعي.

وفي أواخر السبعينيات بدأ السياسيون الليبراليون في استخدامه في إشارة إلى التطرف في بعض القضايا اليسارية، وفي أوائل التسعينيات استخدمه المحافظون في التعبير عن رفضهم لما اعتبروه تزايدا في المبادئ الليبرالية اليسارية في الجامعات والكليات في الولايات المتحدة.

أما مصطلح "قول الحقيقة كما هي" يعرفه قاموس كامبردج على أنه "وصف موقف بصراحة من دون تجنب أي تفاصيل غير سارة". 

وفي تعريف مشابه يقول قاموس ميريام ويبستار إنه يعبر عن "الحديث عن الأشياء غير المفرحة بطريقة صادقة" من دون وضع أي اعتبارات لأي أمور أخرى.

ويستخدم هذا المصطلح في وصف السياسيين أو الخبراء "الذين ينظر إليهم على أنهم صريحون وصادقون" في التواصل، وحتى إن كانت الحقائق غير مريحة، بحسب القاموس السياسي.

اكتسبت عبارة "قول الحقيقة كما هي" شعبيتها من أغنية روي ميلتون عام 1945، واشتهرت بعد استخدامها من قبل أيقونة النضال في الولايات المتحدة مالكوم إكس، في خطاب في 1964.

وبعد بضع سنوات أصبحت هذه العبارة شعارا يتداوله الكثير من السياسيين الأميركيين المحافظين، الداعمين لقول الأمور كما هي من دون أي اعتبار لحساسيات أو اعتبارات أخرى.

الليبراليون يدافعون عن "الصواب السياسي" للحماية من الإساءة لمجموعات معينة، وهو ما يسخر منه المحافظون الداعمون لمبدأ "قول الحقيقة كما هي" معتبرين أن قول الحقيقة كما هي لا ينقص منها شيئا.

ويرى الداعمون لقول الحقيقة كما هي أن ما يدفع به الليبراليون يضع قيودا على حرية التعبير، ويجعل من أي نقاش غير صادق، بما يعيد تشكيل الواقع بطريقة غير حقيقية، وهو ما ينظر إليه الليبراليون على أنه فتح باب للعنصرية والتعصب تحت شعار "الحرية".

وما بين "الصواب السياسي" وقول "الحقيقة كما هي" خيط رفيع جدا، بين ما هو الحقيقة المحايدة أو الرأي الذي يعبر عما يجول في عقل صاحبه. 

فهل إرجاع ماركو إليز يؤسس لخطاب يتيح الكراهية والعنصرية؟، أو أنه يمثل صفحة جديدة لحديث أكثر تسامحا؟.