مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية، تترقب أوروبا تغيرا محتملا في علاقتها مع واشنطن، خصوصا ما تعلق بالجانب الأمني، وذلك في حال فوز المرشح الجمهوري، دونالد ترامب.
وإذا عاد ترامب إلى المكتب البيضاوي، فإن استراتيجيته قد تؤدي إلى إعادة تشكيل العلاقات مع حلف شمال الأطلسي، وتحديات أمنية جديدة بالنسبة لأوروبا، وفق تحليل لمجلة "فورين آفيرز".
يذكر أن ترامب، أبدى خلال ولايته الأولى ترددا تجاه الناتو وانتقادات للإنفاق الدفاعي الأوروبي، "وقد يعيد إثارة هذه القضايا بشكل أكثر حدة إذا فاز بولاية ثانية"، وفق التحليل ذاته.
وفي نهاية أغسطس الماضي، قال ترامب إن الدول الأعضاء في الناتو يجب أن تنفق على الأقل 3 بالمئة من ناتجها المحلي الإجمالي على الدفاع، بدلا من الإرشادات الحالية التي تحدد النسبة بـ 2 بالمئة.
وكان موقع "ديفنس ون"، سأل مساعد الأمين العام لحلف الناتو لشؤون السياسة الدفاعية والتخطيط، أنغوس لابسلي عما إذا كانت الدول الأعضاء في التحالف تستطيع تحمل هذه الزيادة، خلال منتدى الأمن "غلوبسيك" (GLOBSEC)، فأجاب "نعم، أعتقد أنهم يستطيعون".
وأوضح "في ظل السيناريوهات التهديدية التي نواجهها اليوم لمعظم الحلفاء الأوروبيين، سيتعين أن ترتفع النفقات بشكل كبير فوق الحد الأدنى البالغ 2 بالمئة إذا كانوا يرغبون في تحقيق الزيادات في القدرات وفي تحسين القدرات القابلة للاستخدام والمستدامة التي نطلبها منهم الآن".
يشار إلى أن الدول الأعضاء في الناتو قامت بالفعل بزيادة إنفاقها على الدفاع، لكن الإنفاق لا يزال غير متساوٍ، وفق موقع " مجلس العلاقات الخارجية" (cfr).
وتخصص بولندا وإستونيا-كلاهما على الجبهة الشرقية للناتو-4.1 بالمئة و3.4 بالمئة من ناتجها المحلي الإجمالي على التوالي للدفاع، بينما تخصص البرتغال 1.6 بالمئة وإسبانيا 1.3 بالمئة فقط، وفق "ديفنس وان".
"تهديدات" ترامب وإمكانية التأثير على الناتو
في حال فوزه، قد يتخذ ترامب خطوات لتقليص الالتزامات الأميركية تجاه الناتو، مما قد يضر بفعالية التحالف الدفاعي الذي أُسس لحماية أوروبا من التهديدات الخارجية.
والتصريحات السابقة لترامب، التي تضمنت تهديدات بتشجيع روسيا على تحقيق مصالحها في أوروبا، تثير القلق بشأن الالتزام الأميركي بالدفاع عن القارة، وفق تحليل "فورين آفيرز".
وكان ترامب أشار في عدة مناسبات إلى أنه قد يقطع المساعدات لأوكرانيا ويضغط من أجل تسوية سريعة قد تتضمن تنازلات كبيرة من كييف لصالح موسكو، مما قد يعزز قوة روسيا في المنطقة، وفق مجلة "بوليتيكو".
كيف يمكن لأوروبا أن تتعامل مع غياب الدعم الأميركي؟
بدون القيادة العسكرية الأميركية، قد تنقسم الدول الأوروبية بشأن الحرب في أوكرانيا. فقد تسعى دول أوروبا الوسطى والشرقية إلى دعم أوكرانيا بقوة، خوفا من أن يؤدي انتصار روسي إلى تعزيز موسكو وتشكيل تهديدات جديدة، بينما قد تميل بعض دول أوروبا الغربية إلى الضغط على أوكرانيا لتقديم تنازلات كبيرة لروسيا بهدف تجنب المزيد من النزاعات.
ومثل هذه الرؤى المتضاربة قد تؤدي إلى انهيار التحالف الأمني الأوروبي، يؤكد تحليل "فورين أفيرز".
ويرى التحليل أنه في ظل هذه التهديدات، يجب على الدول الأوروبية البدء في وضع خطط بديلة لمواجهة تحديات أمنية محتملة.
ويتطلب ذلك إعادة تقييم الهيكلية الأمنية الأوروبية وتحديد قيادة فعالة لتعويض غياب القيادة الأميركية.
ويعد مجلس الأطلسي الشمالي (NAC) والهيئة الرئيسية لصنع القرار السياسي للناتو أحد الخيارات المحتملة لتولي القيادة في حال انسحاب الولايات المتحدة.
يمكن لأوروبا إعادة توجيه هذا المجلس ليصبح نقطة محورية للتنسيق الأمني وتطوير استراتيجيات الدفاع، وفق التحليل ذاته.
البحث عن قيادة أوروبية
تواجه أوروبا تحديات كبيرة في تحديد من سيتولى القيادة الأمنية في حال انسحاب الولايات المتحدة. فألمانيا، رغم قوتها الاقتصادية، تعاني من عدم استقرار سياسي يجعلها غير قادرة على قيادة الجهود الأمنية الأوروبية بفعالية.
أما فرنسا، على الرغم من قوتها العسكرية وامتلاكها للأسلحة النووية، قد تكون موضع تساؤل حول استمرارية التزامها بالاستقرار الأمني، وفق التحليل ذاته.
في حين أن المملكة المتحدة، التي تعد قوة نووية أيضًا، قد تجد صعوبة في تحقيق توافق داخل الاتحاد الأوروبي بسبب قرارها بالخروج من الاتحاد.
في هذا السياق، تبرز بولندا كمرشح قوي لتولي القيادة الأوروبية، وفق "فورين آفيرز" بفضل استثماراتها الكبيرة في الدفاع وفهمها العميق للمخاوف الأمنية لدول الجبهة الشرقية.
ومع الحدود المشتركة مع روسيا وبيلاروسيا وأوكرانيا، تتفهم بولندا بشكل أفضل التهديدات الأمنية التي تواجهها القارة، ما يجعلها شريكا محوريا في الاستراتيجية الدفاعية الأوروبية المستقبلية.
بناء القدرة النووية الأوروبية
إذا انسحبت الولايات المتحدة من الناتو أو قلصت التزامها، ستحتاج أوروبا إلى تطوير قدرة نووية مستقلة لضمان الردع الفعال ضد التهديدات الروسية.
وعلى المدى القصير، سيكون من الضروري أن تعمل فرنسا والمملكة المتحدة على تنسيق ونشر ترسانتهما النووية لضمان قوة الردع، أما على المدى الطويل، يجب على أوروبا تطوير قدرة نووية كاملة تشمل تصنيع وتطوير أنظمة توصيل الأسلحة النووية لضمان استقلالها في هذا المجال.