لقاء بين ترامب وزيلينسكي في نيويورك في سبتمبر الماضي - (AP)
لقاء بين ترامب وزيلينسكي في نيويورك في سبتمبر الماضي - (AP)

بدأت ملامح التباين بين إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، والرئيس المنتخب دونالد ترامب، تجاه الحرب في أوكرانيا تتكشف شيئا فشيئا.

فبينما أعلنت وزارة الدفاع الأميركية أن إدارة بايدن ستستكمل، وفق حقها الدستوري، إقرار مساعدات كبيرة من خلال البنتاغون، السنة المقبلة، قال المرشح لمنصب وزارة الخارجية في إدارة ترامب، ماركو روبيو، إنه يتعين على أوكرانيا السعي إلى التوصل إلى تسوية عبر المفاوضات، بدلا من التركيز على استعادة الأراضي التي سيطرت عليها القوات الروسية.

وزير الخارجية الأوكراني أندريه سيبيها، وجه بدوره رسالة تهنئة عبر منصة "إكس" لروبيو على ترشيحه، وطالبه بانتهاج سياسة "السلام من خلال القوة"، وسط تساؤلات حول كيفية تعامل الإدارة الجديدة مع الحرب في أوكرانيا.

وفي هذا الصدد، أكد المستشار السياسي الجمهوري، المستشار السابق في البيت الأبيض، سهيل خان، لقناة "الحرة"، "عدم وجود مشكلة في أن يستمر البنتاغون خلال هذه المرحلة وقبل تنصيب ترامب رئيسا، في دعم أوكرانيا للدفاع عن نفسها"، لافتا إلى أن "هذا من صلاحيات الرئيس الأميركي" والتي يتمتع بها بايدن.

وأضاف خان أن "هناك أطرافا من كلا الحزبين، الجمهوري والديمقراطي، تؤيد حاليا استمرار هذا الدعم الأميركي لأوكرانيا"، معتبار في الوقت نفسه أن "نافذة الدعم هذه ستنغلق تدريجيا" بعد قدوم الإدارة الأميركية الجديدة وسيطرة الجمهوريين على مجلسي الكونغرس، حسب تعبيره.

وأشار المستشار السياسي الجمهوري إلى وجود "أعضاء في الكونغرس يرغبون الآن في إنهاء هذه الحرب، وبالتالي فإن مستوى الدعم العسكري لأوكرانيا سيتغير بعد السادس من يناير المقبل".

من جانبه، شدد فلاديمير شوماكوف، الدبلوماسي السابق، أستاذ العلاقات الدولية من كييف، على أهمية أن "تلتزم الدول الغربية بتعهداتها السابقة والوقوف بوجه التهديد الروسي".

واعتبر في حديث لقناة الحرة، أن التوقعات الحالية "بشأن مستقبل الدعم الأميركي لأوكرانيا، سابقة لأوانها، لا سيما مع التصريحات المتناقضة لترامب بهذا الشأن".

واستبعد شوماكوف أن يتجاوب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إيجابا مع دعوات ترامب لإنهاء سريع للصراع، مشيرا إلى أن المفاوضات "ستأخذ فترة طويلة من الوقت ولا توجد ضمانات بنجاحها".

وأوضح أن أوكرانيا "ليست ضد المفاوضات، لكن شريطة أن تحتفظ على السيادة الكاملة على أراضيها"، منوها بأنها تعتمد مبدأ (سياسة السلام من خلال القوة)، وأنها "تمتلك القدرات الكافية لتحقيقه إذا اقتضى الأمر، سيما بعد سيطرة القوات الأوكرانية على أراض روسية في الأسابيع الماضية".

وطالما أكد المسؤولون الأوكرانيون أنهم لن يتنازلوا عن الأراضي التي احتلتها روسيا في أي تسوية سلمية، لكن فوز ترامب في انتخابات الرئاسة 2024، ربما يدفع كييف لتغيير موقفها.

والسبت، قال الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، في مقابلة إذاعية، إن كييف يجب أن تفعل كل ما في وسعها لضمان انتهاء الحرب مع روسيا "العام المقبل، ومن خلال الدبلوماسية".

واعترف بصعوبة الوضع الميداني حاليا في شرق أوكرانيا، وبأن روسيا تحرز تقدما، حسب ما أفادت وكالة رويترز. وفي الوقت نفسه، شدد الرئيس الأوكراني على أن نظيره الروسي بوتين، "غير مهتم بإبرام اتفاق سلام".

وفي ظل تراجع القوات الأوكرانية بشكل مطرد في الشرق، تشير تقارير إلى أن أوكرانيا باتت مستعدة للدخول في مفاوضات مع روسيا بدفع من ترامب، لكنها تولي مسألة الحصول على ضمانات أمنية كشرط لوقف الحرب أهمية أكبر من استعادة الأراضي المحتلة.

ونقلت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، الأربعاء، عن مسؤولين أوكرانيين كبار، أن الدفاع عن مصالح أوكرانيا في المفاوضات المحتملة لن يعتمد على الحدود الإقليمية، التي من المرجح أن يحددها القتال، بقدر ما يعتمد على الضمانات التي تضمن استمرار وقف إطلاق النار.

وتثير عودة ترامب إلى السلطة، المخاوف في الأوساط السياسية الأوكرانية والغربية، بشأن احتمال تراجع الدعم الأميركي لكييف في مواجهة موسكو.

وسبق أن أشار زيلنسكي إلى "السلام من خلال القوة" في تهنئته لترامب على انتخابه رئيسا للولايات المتحدة.

لكن الدعم الأميركي، بعد تنصيب ترامب رئيسا في العشرين من يناير المقبل، لا يبدو أنه سيكون مضمونا، خصوصا في ظل رغبته بترشيد النفقات الحكومية وتحسين الأوضاع الاقتصادية الداخلية، التي كانت أحد الأسباب المهمة في وصوله إلى سدة الحكم مجددا.

رسائل سياسية من تصريحات الليبراليين والمحافظين . أرشيفية - تعبيرية
استقالة الموظف فتحت باب الجدل على قضية متجذرة في المجتمع الأميركي

أعاد إيلون ماسك توظيف ماركو إليز (25 عاما) في إدارة الكفاءة الحكومية الأميركية، بعدما أثارت استقالته جدلا الخميس.

وأجرى ماسك استطلاعا للرأي بشأن إعادة إليز، وقال في منشور عبر منصة إكس "سيعود. كل ابن آدم خطاء، والعفو رباني"، وذلك بعد مطالبات من نائب الرئيس الأميركي، جي دي فانس، والتي دعمها الرئيس دونالد ترامب.

فما الخطأ الذي ارتكبه إليز ودفعه للاستقالة من إدارة الكفاءة الحكومية بعد أسابيع قليلة على تعيينه؟

استقالة إليز كانت بعد تقرير نشرته صحيفة وول ستريت جورنال، كشفت فيه تغريدات سابقة له على حساب غير فعال، دعا فيها إلى "كراهية الهنود".

وبعد إثارة استقالته للجدل، دعا نائب الرئيس دي فانس وهو متزوج من ابنة لمهاجرين من الهند إلى إعادة الموظف لمنصبه.

وقال في منشور عبر إكس "هذه وجهة نظري: بالطبع لا أؤيد بعض منشورات إيلز، لكن لا أؤيد أن يدمر سلوك غبي عبر منصات التواصل الاجتماعي حياة فتى. لا ينبغي لنا أن نكافئ الصحفيين الذين يحاولون تدمير الناس. أبدا".

وأضاف "لذا أقول أعيدوه (لمنصبه). إذا كان شخصا سيئا أو عضو فريق فظيعا فافصلوه عن العمل لهذا السبب".

جذور الجدل

قد ينظر البعض إلى هذه الحادثة على أنها قضية تتعلق باستقالة موظف وإعادته لعمله، ولكنها تعبر قضية أعمق في المجتمع الأميركي، والتي ترتبط بمدرستين: الأولى، "الصواب السياسي"/ (Political correctness) أو (Politically correct)، والثانية "قول الحقيقة كما هي" / (Tell It Like It Is).

والصواب السياسي هو اسم "يعبر عن الأفعال التي تتجنب الإساءة للآخرين، خاصة تلك المتعلقة بالجنس، أو العرق، أو الدين أو غيرها"، بحسب معجم كامبريدج.

أما قاموس ميريام ويبستار، فيعرفه على أن أي توافق مع "الاعتقاد بأن اللغة أو الممارسات التي قد تسبب حساسيات سياسية في مسائل الجنس أو العرق يجب القضاء عليها".

وبعيدا عن تعريف المصطلح في القواميس يعبر مصطلح الصواب السياسي أو حتى يذكره البعض باسم الصوابية السياسية عن "انتقاد محاولات التيار اليساري للسيطرة على استخدام اللغة وحتى السلوك" بحسب ما يذكر كتاب "موسوعة الأخلاق التطبيقية".

ويهدف هذا المصطلح للكشف عن "الافتراضات الخفية بطريقة محايدة عند الحديث أو السلوك" في مراعاة الحساسيات عند الآخرين، وهو ما تسبب في إثارتها للجدل بسبب رفضها للمعايير المألوفة، فيما يعتبر البعض أنها مثالا للمعايير المزدوجة.

وتبسط موسوعة "بريتانيكا" شرح المصطلح بأنه أي لغة أو سلوك "يهدف إلى تقديم أقل قدر من الإساءة، وخاصة عند وصف المجموعات التي يتم تحديدها من خلال العرق أو الجنس أو الثقافة أو الميل الجنسي".

ورغم استخدامه بكثرة في الولايات المتحدة خلال السنوات الماضية، إلا أنه ظهر لأول مرة في المفردات الماركسية اللينينية في أعقاب الثورة الروسية في 1917، إذ كان يستخدم في إطار وصل الالتزام بسياسات ومبادئ الحزب الشيوعي.

وفي أواخر السبعينيات بدأ السياسيون الليبراليون في استخدامه في إشارة إلى التطرف في بعض القضايا اليسارية، وفي أوائل التسعينيات استخدمه المحافظون في التعبير عن رفضهم لما اعتبروه تزايدا في المبادئ الليبرالية اليسارية في الجامعات والكليات في الولايات المتحدة.

أما مصطلح "قول الحقيقة كما هي" يعرفه قاموس كامبردج على أنه "وصف موقف بصراحة من دون تجنب أي تفاصيل غير سارة". 

وفي تعريف مشابه يقول قاموس ميريام ويبستار إنه يعبر عن "الحديث عن الأشياء غير المفرحة بطريقة صادقة" من دون وضع أي اعتبارات لأي أمور أخرى.

ويستخدم هذا المصطلح في وصف السياسيين أو الخبراء "الذين ينظر إليهم على أنهم صريحون وصادقون" في التواصل، وحتى إن كانت الحقائق غير مريحة، بحسب القاموس السياسي.

اكتسبت عبارة "قول الحقيقة كما هي" شعبيتها من أغنية روي ميلتون عام 1945، واشتهرت بعد استخدامها من قبل أيقونة النضال في الولايات المتحدة مالكوم إكس، في خطاب في 1964.

وبعد بضع سنوات أصبحت هذه العبارة شعارا يتداوله الكثير من السياسيين الأميركيين المحافظين، الداعمين لقول الأمور كما هي من دون أي اعتبار لحساسيات أو اعتبارات أخرى.

الليبراليون يدافعون عن "الصواب السياسي" للحماية من الإساءة لمجموعات معينة، وهو ما يسخر منه المحافظون الداعمون لمبدأ "قول الحقيقة كما هي" معتبرين أن قول الحقيقة كما هي لا ينقص منها شيئا.

ويرى الداعمون لقول الحقيقة كما هي أن ما يدفع به الليبراليون يضع قيودا على حرية التعبير، ويجعل من أي نقاش غير صادق، بما يعيد تشكيل الواقع بطريقة غير حقيقية، وهو ما ينظر إليه الليبراليون على أنه فتح باب للعنصرية والتعصب تحت شعار "الحرية".

وما بين "الصواب السياسي" وقول "الحقيقة كما هي" خيط رفيع جدا، بين ما هو الحقيقة المحايدة أو الرأي الذي يعبر عما يجول في عقل صاحبه. 

فهل إرجاع ماركو إليز يؤسس لخطاب يتيح الكراهية والعنصرية؟، أو أنه يمثل صفحة جديدة لحديث أكثر تسامحا؟.