"تذهب كل الغنائم إلى المنتصر"، هذه عبارة يعود أصلها إلى فترة انتخاب آندرو جاكسون عام 1828، وهي تعني أن الفائز في الانتخابات دائما ما يختار الأشخاص الذين يريدهم في المناصب العليا، وفي إدارة الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترامب تتحقق هذه العبارة تماما.
بعض اختيارات الرئيس المنتخب دونالد ترامب تم استقبالها بشكل إيجابي، حتى من قبل الديمقراطيين، ولكن بعض الاختيارات الأخرى مثيرة للجدل لدرجة أن بعض الجمهوريين قد لا يدعمونها.
برنامج "داخل واشنطن" الذي يقدمه، روبرت ساتلوف، ناقش في حلقته الأسبوعية فريق ترامب الجديد في إدارته الثانية، وما إذا كان الولاء يتفوق على أي معيار آخر للاختيار؟
تبدو إدارة ترامب الثانية مختلفة تماما عن إدارته الأولى، فمع استثناء واحد حتى الآن، وهو جون راتكليف للاستخبارات، لدينا فريق جديد بالكامل من المسؤولين، وقال تود غيلمان، أستاذ في كلية الصحافة في جامعة أريزونا إن "راتكليف هو عضو سابق في الكونغرس عن ولاية تكساس، عمل كمدير للمخابرات الوطنية وهو منصب يشرف على كافة وكالات التجسس وعددها 18".
ويعتقد غيلمان وهو كان صحفيا لأكثر من ثلاثة عقود، وعضوا في مجلس إدارة رابطة مراسلي البيت الأبيض أن "ترامب تعلم الكثير من الدروس حول وجود الحواجز الوقائية خلال فترته الأولى، حيث جعل العديد من الأشخاص مثل وزير الخارجية ووزير الدفاع وكبير موظفي البيت الأبيض مهمتهم هي كبح أسوأ غرائزه ومحاولاته المبالغ فيها لاستخدام سلطته الرئاسية".
ويرى أن ترامب "مصمم بلا شك خلال فترته الثانية على إحاطة نفسه بالأشخاص الموالين له سياسيا فقط، والذين لن يقفوا في طريقه ولن يسعوا إلى إعاقته أو منعه من القيام بأي شيء يريد القيام به".
فريق مختلف عن الإدارة الأولى
دبليو جيمس أنتل الثالث، والذي يشغل منصب مدير التحرير التنفيذي لمجلة "واشنطن إكزامينر" يعتقد بدوره أن "الرئيس المنتخب ترامب تعلم شيئا من فترته الرئاسية الأولى، أن القول المأثور في واشنطن (الموظفون هم السياسة) صحيح".
وأضاف "أعتقد أنه كان معتادا في مجال الأعمال على تعيين أشخاص لديهم آراء تختلف عن آرائه يمكنهم تقديم المشورة له، لكن ما يقوله المدير التنفيذي هو ما يحدث في النهاية. عمل الحكومة شبيه بهذا المفهوم لكن ليس كثيرا، فإذا وضعت أشخاصا في السلطة لا يتفقون معك ومع أجنداتك في مجال السياسات، ولديهم وجهات نظر مختلفة عنك حول الأمور الملائمة قانونيا ودستوريا، فلن تسير الأمور لصالحك ولن تتمكن من تطبيق الأشياء التي ترغب بتطبيقها، لذا أعتقد أنه سيبحث في فترته الثانية عن أشخاص يعتقد أنهم سيوافقونه على ما يريد فعله".
وتابع أنتل أن "الاختلاف الأكبر برأيي سيتمثل في سوزي وايلز كبيرة موظفي البيت الأبيض، وأظن أنها الجمهورية الأكثر تقليدية التي رأيناها تتقلد منصبا رفيعا في الفترة الثانية، وقد حققت نجاحا كبيرا بمشاركتها في إدارة حملة ترامب للعام 2024، وبفضلها كانت حملته منضبطة ولم تشهد مستوى التسريبات الذي رأيناه في حملات ترامب السابقة".
ويرى أن "هناك أمل باستمرار هذا الانضباط والتماسك وعدم تسريب المعلومات في البيت الأبيض تحت إدارة ترامب، وهناك العديد من الأشخاص الآخرين في مناصب عليا في البيت الأبيض من الموالين القدماء لترامب ممن عملوا في حملاته السابقة وخلال فترته الرئاسية الأولى في البيت الأبيض، لدينا ستيفن ميلر الذي سيعود كنائب كبير موظفي البيت الأبيض للشؤون السياسية".
"الحاجز الواقي"
ويؤكد أنتل أنه "إن كان هناك من يبحث عن شخص ربما سيكون بمثابة الحاجز الواقي، فستكون بالتأكيد سوزي وايلز".
من جانبه قال غيلمان إنه ليس "على يقين من أنها ستشكل حاجزا واقيا كما فعل وزير الخارجية، ريكس تيلرسون أو الجنرال (جيمس) ماتيس أو حتى راينس بريباس (كبير موظفي ترامب في إدارته الأولى)".
وأضاف أن هناك الكثير "ممن عملوا في الفترة الأولى وشكلوا حواجز واقية خلال تلك الفترة. فيما أظهرت سوزي قدرة هائلة على إبقاء ترامب منضبطا أكثر من عادته"، ولهذا يتفق في أنها ستكون قادرة على جعل الرئيس يحافظ على تركيزه بدل من أن يفقد تركيزه كما رأيناه خلال خطاباته التي كانت تستمر 90 دقيقة في حملته الانتخابية، لكنه ليس على يقين من أنها ستشكل "حاجزا بالمعنى الذي يجعلها تمنعه من فعل بعض الأمور، كحظر دخول المسلمين إلى البلاد أو إرسال قوات خاصة للمكسيك، سواء وافقت الحكومة المكسيكية أم لا على ملاحقة عصابات المخدرات كما هدد ووعد سابقا".
ولفت غيلمان إلى أن ستيفن ميلر الذي اختاره ترامب لمنصب نائب كبير موظفي البيت الأبيض معتبرا أنه "مثالا ممتازا. إذ أن مهمة ميلر ليست العمل كحاجز واق، ولا إعاقة عمل الرئيس ترامب، بل مهمته هي تسهيل تنفيذ أجندة الرئيس ترامب العدائية تجاه المهاجرين والمساعدة بالتعاون مع توم هومان في تنفيذ أكبر حملة من الترحيلات للمهاجرين غير الحاملين للوثائق في البلاد".
وعلق الصحفي والأكاديمي غيلمان على تعيين كارولين ليفيت متحدثة باسم البيت الأبيض، وقال "هي تبلغ من العمر 27 عاما، وليست شخصا يمكنه الوقوف في وجه الرئيس ترامب. عملت سكرتيرة صحفية ومتحدثة ذات كفاءة عالية باسم حملته قبل خمس سنوات عندما كان في البيت الأبيض، وكانت حينها مساعدة صحفية في مستوى متدن، تعمل على إرشاد الرئيس والصحفيين للدخول والخروج إلى المكتب البيضاوي. أي أنها لم تكن تتمتع بمكانة كبيرة مثل جون بولتون، الذي كانت يتمتع بسمعة ومعارف في واشنطن، والذي كان يمكنه أن ينبه الرئيس ترامب علنا إذا تجاوز الحدود".
الهجرة وأمن الحدود
واختار ترامب كريستي نوم وزيرة للأمن الداخلي، وتوم هومان مسؤولا عن أمن الحدود، وستيفن ميلر في البيت الأبيض، يشي بشيء حول سياسة الرئيس المنتخب نحو ملف الهجرة وأمن الحدود.
آنا جياريتيلي، مراسلة شؤون الهجرة والأمن القومي في موقع "واشنطن إكزامينر" علقت أن "ما نراه هو شخص يخطط في القمة، ثم شخص سيقوم بالتنفيذ، وبعده شخص هو المرشحة للوزارة كريستي نوم، والتي ستذهب للكونغرس وتواجه المشرعين وتدافع عما يجرب، فهي واجهة الوزارة التي لا تمتلك الكثير من الخبرة في التعامل مع مسألة الهجرة، فهي تنتمي لولاية تفصلها ولايتان فقط عن الحدود الشمالية، وهو أمر مختلف".
وأضافت أننا "نرى أن الرئيس ترامب يعد وينظم صفوفه حرصا على بدء عمليات الترحيل منذ اليوم الأول"، مشيرة إلى أن هذا الأمر "سيكون كابوسا لوجستيا لمنفذيه، فهناك 1.3 مليون شخص صدرت أحكام قضائية بترحيلهم لا يزالون في البلاد، وهذا لا يتضمن المجرمين، بينما يوجد لدينا 6000 من ضباط الهجرة والجمارك ممن أوكلت لهم مهمة اعتقال وترحيل الناس. الأرقام غير متكافئة، وحتى لو تم إشراك الجيش، فعليهم العثور على الأشخاص واعتقالهم ثم ترحيلهم. هل ستقبل المكسيك دخولهم أم أنهم سيعودون إلى بلادهم الأصلية؟ هناك العديد من الأسئلة الهامة التي لا نزال بانتظار إجابات لها".
وتتوقع جياريتيلي يكون تركيز دوريات حرس الحدود على "الحدود الفعلية"، أما من سيتولى "مهمة الترحيل فهم ضباط الهجرة والجمارك"، مشيرة إلى أن "حوالي ثلث ضباط الهجرة البالغ عددهم 20 ألفا سيتولون مهمة اعتقال وترحيل الأشخاص.
ولم تستبعد أن "نشهد مشاركة من الجيش، ليس أفراد الخدمة الفعلية، بل قوات الحرس الوطني، حيث يمكن أن يتولى الحرس الوطني في أنحاء البلاد او في ولايات معينة، ربما تتعاون الولايات الجمهورية التي وقفت إلى جانب تكساس في السابق في مسألة الحدود وتعرض مشاركة جنودها، وكذلك مشاركة جهات إنفاذ القانون المحلية، لأن أول خطوة يجب القيام بها هي اعتقال الناس، وقد شاركت مع قوات الهجرة في عدد من المرات عند ذهابهم لاعتقال أحدهم".
ترامب يعيد تكوين "التحالف السياسي"
ويرى الصحفي أنتل أنه بعيدا عن ترشيحات الرئيس المنتخب في ملف الأمن القومي "هناك محاولة لإعادة تكوين التحالف السياسي الذي انتخب ترامب هذه المرة في مجلس الوزراء وتعيين عناصر مختلفة من هذا التحالف في مناصب متعددة. لكن هذا يصبح أكثر صعوبة في فريق الأمن القومي لأن لديك عددا من الجمهوريين العاديين ومنهم مارك روبيو، والذين يصلحون لهذا المنصب. ربما يكون السيناتور روبيو قد أصبح أكثر توافقاً مع ترامب حيال بعض القضايا خلال السنوات الثماني الماضية، لكن السياسة الخارجية ليست واحدة منها. فهو شخص متشدد للغاية".
ويعتقد أن إليس ستيفانيك المرشحة لمنصب السفيرة لدى الأمم المتحدة "لا تختلف بشكل جوهري في آرائها تجاه بعض القضايا عن نيكي هايلي، لكنها موالية لترامب بشكل أكبر مما كانت عليه هايلي".
ولا يستبعد أنتل أن نشهد "شيئا من التوتر" بين الذين ينوون الوفاء بوعد الحملة الانتخابية بتجنب الحروب وانهاء الصراعات المستمرة وتقديم التزامات أقل للخارج، وبين الأشخاص الموالين في الواقع لترامب والمؤيدين له، لكنهم ليسوا بالضرورة من الواقعيين أو مؤيدين لسياسة عدم التدخل، وربما كان لديهم بعض التوافق مع مدرسة بوش الجمهورية القديمة.
استبعاد بومبيو والحلقة الأضعف
قام ترامب بعمل لافت للغاية، ففي بداية إعلانه عمن سيكون ضمن فريقه، أعلن عن الأشخاص الذين لن يكونوا جزءا من ذلك الفريق، وهما اسمان لهما مكانة بارزة، وزير الخارجية السابق مايك بومبيو، والسفيرة السابقة لدى الأمم المتحدة ومنافسته على ترشيح الحزب الجمهوري، نيكي هيلي.
ويرى غيلمان أن هناك بضعة أسباب لاستبعاد بومبيو، إذ أنه كان أحد المتشددين الذين ينقدون ترامب في قضايا متعلقة بالسياسة الخارجية، كما أن نيكي هيلي نافسته في الانتخابات التمهيدية، وقال "حالما تثير غضبه فإنك تصبح على القائمة السوداء، وواحدا من المشاكسين ".
ويعتقد أنتل أن من بين الأسماء التي كان قد اختارها ترامب، عضو الكونغرس السابق مات غيتز لوزارة العدل يعتبر هو الحلقة الأضعف.
واختار ترامب، الخميس المدعية العامة السابقة لولاية فلوريدا، بام بوندي، لتولي منصب وزيرة العدل بعد انسحاب مرشحه المثير للجدل غيتز.
ويختلف غيلمان مع أنتل بشأن غيتز، ويرى أن الحلقة الأضعف تتعلق ببيت هيغسيث، الذي لم يرأس أي مؤسسة سابقا على الإطلاق، ناهيك عن ترؤس مؤسسة تضم 3 ملايين شخص.
وكذلك تولسي غابارد التي رشحت لمنصب مديرة الاستخبارات الوطنية والتي دافعت عن إدوارد سنودن الذي فر إلى روسيا.
كينيدي جونيور
روبرت ف. كينيدي جونيو، وهو اسم له تاريخه في السياسة الأميركية، رشحه ترامب لمنصب وزير الصحة والخدمات الإنسانية.
ويرجح الأكاديمي غيلمان أن هناك عدة أسباب لذلك "فهناك آراء يتبناها تتوافق مع التيار العام، فهو يريد تقليل المضافات الغذائية والتي يشعر الناس بالقلق منها منذ وقت طويل، كما يريد تكثيف إنفاذ القانون وما إلى ذلك، لكنه يشكك باللقاحات، ولا يقتصر ذلك على عدم إيمانه بلقاح كوفيد الذي شكل بلا شك موضوعا سياسيا ساخنا خلال الأعوام القليلة الماضية، بل إنه لا يؤمن بكافة اللقاحات، تلك التي أنقذت حياة الملايين منذ أجيال، والتي ثبت أنها أنقذت حياة الملايين في الولايات المتحدة وحدها، وهو يريد كذلك ألغاء أي إلزام من المدارس للطلاب بتلقي اللقاحات قبل الالتحاق بالمدارس الحكومية".
وأضاف أنه لهذا "فهو يعتبر خارجا عن التيار العام من قبل المجتمع العلمي والطبي، فهو لا يؤمن بالأساليب العلمية والاطلاع على الأدلة، الأدلة حول اللقاحات واضحة، لكنه يتجاهلها تماما".
الولاء قبل كل شيء
تولسي غابارد، عضوة الكونغرس الديمقراطية السابقة والتي قالت أمورا جيدة عن بشار الأسد بعد إطلاقه قنابل الغاز على شعبه ضمن الحرب الكيماوية، كما مدحت فلاديمير بوتين بعد غزوه أوكرانيا. يطرح التساؤل لماذا قد يرغب دونالد ترامب بتعيينها مديرة للاستخبارات الوطنية؟
ويجيب تود غيلمان أن هذا الأمر يعود إلى ما ناقشه الضيوف وهو الولاء، إذ لديها خبرة أكثر من أي شخص عادي في الشارع، وهي تمتلك خبرة في مجال الاستخبارات، كما عملت في التشريع، لذا فهي مطلعة على المعلومات السرية وما إلى ذلك.
ويعتقد ترامب أن غابارد ستحميه "وأنها سوف تتمكن من التعامل مع التهديدات حول العالم والأخطار في البيئة الخارجية والبيئة الداخلية، وإرشاد الرئيس المنتخب إلى الاتجاه الصحيح والعمل مع البنتاغون ووزارة الأمن الداخلي ومكتب التحقيقات الفيدرالية، كل تلك الوكالات والوزارات، لإبقاء ترامب على علم بأكبر التهديدات والمخاطر التي عليه التركيز عليها".