الولاء الأساس في اختيارات ترامب لإدارته الثانية. أرشيفية
الولاء الأساس في اختيارات ترامب لإدارته الثانية. أرشيفية

منذ فوزه بالانتخابات في نوفمبر يواصل الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترامب الإعلان عن ترشيحات أعضاء إدارته المستقبلية، والتي يتعين على مجلس الشيوخ أن المصادقة على بعضها.

ومع هيمنة أغلبية جمهورية على مجلس الشيوخ الحالي، يرجح أن تكون مهمة الموافقة على هذه التعيينات سهلة.

برنامج "داخل واشنطن" الذي يقدمه، روبرت ساتلوف، بحث تركيبة إدارة ترامب في ولايته الثانية ودلالات الاختيارات.

تود غيلمان، صحفي مخضرم انضم لكلية الصحافة في جامعة أريزونا يرى أنه ليس متأكدا أن هذه الاختيارات تضم بينها "أي شخص يمثل حاجز وحماية للديمقراطية الأميركية والنظام الحكومي من ابتكارات ترامب".

وقال إن الوصف الصحيح لهذه الإدارة "موالية"، مضيفا أن الترشيح الذي قد يبدو "طبيعيا ومباشرا وقابلا للتصديق من مجلس الشيوخ هو ترشيح ماركو روبيو لوزارة الخارجية، لكنه لن يمثل حاجز حماية لأنه موال لترامب أيضا.. وآراءه في السياسة الخارجية تنسجم مع التيار العام من آراء الجمهوريين التقليديين المحافظين المتشددين في الأمن القومي".

وأضاف أن روبيو "مناهض للشيوعية بشكل خاص نظرا لأصوله الكوبية، لكنه أيضا متشدد حيال الصين ولديه آراء كثيرة تتوافق مع ترامب بشأن الشرق الأوسط. لكن أن يكون حاجز حماية فيما إذا أراد ترامب القيام بأمر غريب أو خارج تماما عن المألوف، فلست على يقين من أنه سيكون الشخص الذي يعارض ذلك".

جيسيكا تايلور، الصحفية المتخصصة بتغطية الشؤون السياسية الأميركية في" كوك بوليتيكال ريبورت" تقول إنه "لم يتضح بعد" ما إذا كانت تركيبة إدارة ترامب الثانية تتضمن شخصا يمكنه أن يمثل حاجزا لحماية الديمقراطية الأميركية.

وأضافت "لدينا مثلا سكوت بيسنت في وزارة الخزانة، والذي لا نعرف الكثير عنه، فقد عمل في الماضي مع الديمقراطيين، لكنه.. يتميز بالمرونة تجاه ترامب، أعتقد أننا سنرى ما إذا كانت الترشيحات جميعها ستحصل على المصادقة".

وأشارت تايلور إلى أن "بام بوندي المرشحة لمنصب وزير العدل بعد استقالة مات غيتز، موالية لترامب أيضا لكنها تتسم بأنها أكثر تقليدية، فهي ربما ملتزمة بنهج الحزب لكنها لن تكون مصدر إزعاج للديمقراطيين كما كان مات غيتز. وقد يتحولون إلى شخص مثل جوني إرنست عضوة مجلس الشيوخ من آيوا، لكننا لا ندري بعد".

وتعتقد أن "أن الأشخاص الذين خالفوا الأعراف حتى الآن مثل روبرت ف. كينيدي مرشح وزارة الصحة والخدمات الإنسانية، وكذلك تولسي غابارد المرشحة لإدارة الاستخبارات الوطنية، هؤلاء هم من يثيرون المخاوف أكثر من غيرهم".

وترجح أن مرشحين لمناصب "آخرين مثل كريستي نويم المرشحة لوزارة الأمن الداخلي تعد خيارا تقليديا فهي حاكمة ولاية وعضو سابق في مجلس النواب، كما انها ستقوم بتعزيز سياسات ترامب بلا شك. لكن رؤية ترامب للعالم مختلفة عن الرؤساء السابقين بكل تأكيد، ومهمة مجلس الوزراء تنفيذ ما يريده الرئيس".

ترشيحات "معرقلة"!!

تولسي غابارد

من جانبه يرى جوش كروشاور، وهو رئيس تحرير موقع "جويش إنسايدر" أن "هناك العديد من المرشحين الذين يمكن اعتبارهم معرقلين، وهم أشخاص لا يملكون الخبرة المطلوبة، مثل تولسي غابارد التي امتدحت بشار الأسد وزارت سوريا وامتدحت أو على الأقل دافعت عن بوتين عقب غزوه أوكرانيا".

وزاد أن "جلسات المصادقة بشأن هؤلاء الأشخاص ستوضح موقف الحزب الجمهوري واستعداده لمراقبة الإدارة في المجالات التي يختلفون فيها".

وفيما يتعلق بترشيح روبرت ف. كينيدي الابن "فقد تسبب آراؤه اليسارية مشاكل مع عدد من أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين، وهو يعد بالإخلال بعمل وزارة الصحة والخدمات الإنسانية وعرقلته في حال المصادقة على ترشيحه" بحسب كروشاور.

ويرى أنه من الصحيح أن نصف الأسماء التي تم ترشيحها بـ " الموالين، لكن بكل صدق، كل رئيس يختار الموالين له مع وجود القليل من الاستثناءات.. ليست بالأمر الغريب ولا يعرقل النظام، كما أنه لا يختلف كثيرا عما رأيناه في الماضي".

وأكد كروشاور أنه "يمكننا القول إن مجلس وزراء ترامب الأول، نظرا لكونه حديث العهد في واشنطن، كانوا غير موالين له، فقد قاموا بتسريب المعلومات والعمل ضد مصلحته خلف الكواليس، وهذا ما دفعه لاختيار هذه المجموعة من التنفيذيين في وزارته الجديدة هذه".

وعبر عن مفاجأته من "اختياره مجموعة من المحافظين التقليديين، ومنهم روبيو ومايك والتز الذي يعتبر واحدا من أهم الأصوات في مجال الأمن القومي التي سيسمعها الرئيس المنتخب، وهو أحد المشرعين الذين يحظون باحترام واسع في مجال الأمن القومي في مجلس النواب".

حركة "ماغا"

كينيدي جونيور مرشح ترامب لوزارة الصحة - رويترز

ويتفق الكاتب غليمان مع فكرة أن "الرؤساء بشكل عام يختارون الأشخاص الموالين والمخلصين لهم، لكن قبل ترامب، لم يكن هناك اختلاف بين تجاوز الولاء الشخصي للرئيس، وبين الالتزام واحترام الدستور وحكم القانون وأعراف الديمقراطية الأميركية".

وتابع أنه عندما يفكر بـ "كلمة الولاء فيما يخص اختيارات ترامب، فهو ولاء يصل إلى حد الإقصاء المحتمل للأطراف الأخرى. الشيء الأهم هو الولاء، وعالم (ماغا) سعيد بهذه الاختيارات التقليدية للسياسة الخارجية والأمن القومي".

و"ماغا" اختصار لشعار "فلنجعل أميركا عظيمة مرة أخرى" الذي رفعه الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، عنوانا لحملته الانتخابية عام 2016.

ويعتقد غيلمان أن ما يهم "ماغا" هو "التفوق على الليبراليين، وهم مستعدون لقبول ترشيح روبرت ف. كينيدي الابن وسياساته التقدمية لأنه مناهض للقاحات ولأنه متمرد على التقاليد في نواحٍ كثيرة. وهناك الكثير من الآراء لديه والتي تتفق تماما مع العرف، فهو قلق حيال المضافات الغذائية، وهو ما يجب علينا جميعا أن نقلق حياله، كما يجب علينا القلق حيال الآثار الجانبية للقاحات، لكنه يتمادى بهذا الشأن".

شؤون عائلية

وتحدث الصحفي كروشاور عن ترشيحات ترامب السياسية، ووجود أنسبائه ضمن تشكيلة إدارته، وقال إنه بالنسبة لـ "ترامب فهو يعتبر شؤونه الشخصية شؤونا عائلية، وقد رأيناه خلال فترته الرئاسية الأولى يعتمد على أفراد عائلته الأمر الذي كان غير معتاد إطلاقا في المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري قبل عدة أشهر".

وأضاف أنه "إذا نظرنا إلى المتحدثين رفيعي المستوى الذين شهدوا حول مؤهلات ترامب كرئيس، نجد أنهم من أفراد الأسرة مثل لارا ترامب زوجة ابنه. من اللافت الحديث عن هذين المنصبين، كان والد زوج تيفاني ترامب حلقة الوصل مع المجتمع الأميركي من أصول عربية خلال الحملة الانتخابية وكان فعالا جدا، إذا نظرت إلى نتائج الانتخابات في المجتمعات التي أدار حملته فيها، وأعتقد أن هذا المنصب يعد مكافأة على عمله خلال الحملة. لكن آراءه بالنسبة للشرق الأوسط تتعارض مع أشخاص آخرين من عائلته مثل جاريد كوشنر أو والده المرشح لمنصب السفير في فرنسا".

ويرى كروشاور أنه هناك "العديد من أفراد العائلة أو المقربين ممن هم مؤيدون تماما لإسرائيل ولديهم آراء مختلفة جدا، وكانت مواقفهم وخطاباتهم مختلفة تماما حيال هذه القضايا، لذا سيكون من اللافت معرفة من سيستمع إليهم من العائلة لأنني أعتقد أنه قد أنشأ بالفعل فريقا من المنافسين في مجلس الوزراء، ولدينا الآن فريق من الخصوم فيما يتعلق بالشرق الأوسط ضمن عائلة ترامب الممتدة بعد هذه الانتخابات".

ويعتقد "والد جاريد كوشنر حصل على عفو من ترامب بعد أن أدين بالتهرب الضريبي وحاول التلاعب لإدانة شخص آخر، وفيما يتعاظم الانتقاد حيال الرئيس جو بايدن لإصدار عفو عن ابنه هانتر، نرى أن ترامب أصدر عفوا عن رجل آخر مدان بجرائم خطرة من عائلته".

وبشأن تعيينات مناصب سفراء الولايات المتحدة، يقول كروشاور إنه "لا يعين فيها بالضرورة أشخاصا من الموالين، لكنها تمنح عادة لكبار المانحين وما إلى ذلك، لذا برأيي أن اختيار كوشنر ليس فقط تعيين فرد من العائلة، بل أيضا شخص تم العفو عنه بعد أن أدين بجريمة فيدرالية".

كندا والمكسيك

وفيما يتعلق بنية ترامب فرض رسوم جمركية ليس على الصين فقط، بل على كندا والمكسيك أيضا، تعتقد الكاتبة تايلور أنه "يحاول أن يبدو بمظهر القوي من خلال القول إنه يجب فرض هذه الرسوم على تلك الشركات، في محاولة لحماية شعار (أميركا أولا)، لكن هذا الإجراء أيضا سيكوم مخالفا لاتفاقية التجارة الحرة لأميركا الشمالية (نافتا)، والتي أعاد صياغتها خلال فترته الرئاسية".

ولفتت إلى أن خبراء اقتصاديين يحذرون من اتخاذ هذه الخطوة، والأثر الذي قد تحدثه على الأسعار بشكل فوري وخاصة الإلكترونيات والمستحضرات الدوائية، وقد يكون هذا إنذارا هاما للكثير من الناس الذين صوتوا لترامب وهم يتوقعون انخفاض الأسعار.

وترى تايلور أن "ترامب ليس رجلا اقتصاديا، لكنه يقوم بهذه الإعلانات الهامة التي يظن أنها تبدو جيدة، وستظهر قوة أميركا، لكن عندما يتعلق الأمر بالتفاصيل، وعندما ننظر إلى العالم الذي تحكمه التجارة الحرة، أعتقد ان الناس سيكونون أكثر انفتاحا تجاه فرض الرسوم على الصين، لكن الأمر سيكون مختلفا تماما عندما يتعلق بجيراننا هنا في أميركا الشمالية".

من جانبه يرى الأكاديمي والكاتب، غيلمان أن هذه الاقتراحات بفرض رسوم جمركية مرتفعة ليست سوى مناورات افتتاحية من عدة نواح، فيما يتعلق بالصين لدينا مشاكل تجارية مشروعة، فهم يتخلصون من الألواح الشمسية ذات الأهمية الكبيرة، كما سمعنا للتو خلال الأيام القليلة الماضية أنهم سيردون من خلال حجب بعض المواد والمعادن الهامة المستخدمة في قطاع صناعة أشباه الموصلات الأميركي النامي.

وقال إن "ترامب لم يفكر مليا بالأمر، فهذه ليست حربا من طرف واحد حيث نملك وحدنا الأسلحة والأدوات. هناك العديد من القضايا مع الصين ومعظمها متعلقة بالتجارة، أما المشاكل مع المكسيك فهي ليست ذات صلة بالتجارة، بل هي مناورة افتتاحية للضغط على تحالف الرئيسة الجديدة لتشديد الرقابة على الحدود والمساعدة والتعاون في أي إجراءات قاسية ينوي ترامب اتخاذها لتنفيذ اعتقالات وترحيلات جماعية، فهو سيحتاج إلى تعاون المكسيك لترحيل ملايين الأشخاص".

ويعتقد غيلمان أن "فكرة فرض الرسوم الجمركية المرتفعة ليست سوى غطاء بسبب الرسوم الجمركية المرتفعة المقترح فرضها على المكسيك، لكنه يفتعل المشاكل على كل جبهة ممكنة".

ترحيل المهاجرين

تقديرات غير رسمية بهجرة ألاف الأردنيين للولايات المتحدة منذ بداية 2024. أرشيفية - تعبيرية

بدوره ورجح كروشاور أن يكون ملف ترحيل المهاجرين من الولايات المتحدة من "من أهم الأولويات خلال المئة يوم الأولى. وهي الفترة التي يتمتع بها الرئيس المنتخب بالزخم التشريعي الأكبر".

ويرى أن اختيار توم هومان كقيصر للحدود إشارة إلى كيفية مضي ترامب بالأمر، فيما سيعمل البيت الأبيض من خلال ستيفن ميلر الذي كان واحدا من أكثر المدافعين والمطالبين بالتشديد في مسألة الهجرة في تلك الدائرة الضيقة.

"قيصر الحدود" يرحب باستخدام الأرض التي منحتها تكساس لتنفيذ خطط الترحيل
قال توم هومان مرشح دونالد ترامب لتولي رئاسة الوكالة المسؤولة عن مراقبة الحدود والهجرة (آي سي إي) إن الإدارة الأميركية الجديدة ستستخدم الأراضي التي تعهدت ولاية تكساس بمنحها لصالح خطة الهجرة وبرنامج الترحيل.

وبشأن المخاوف من إعادة حظر دخول الأشخاص القادمين من دول ذات أغلبية مسلمة، والتي فرضت في إدارة ترامب الأولى قال كروشاور إنه "لا يعتقد أننا سنرى صيغة واضحة"، وهو يرجح أن هناك "دعما شعبيا"، يتضح ذلك من خلال التظاهرات المناهضة لإسرائيل في الجامعات.

أميركا

الصين تتحدى أميركا في بنما.. حقائق مفاجئة تشرح تهديد ترامب

ضياء عُطي
07 يناير 2025

ربما كان خبرا عابرا، لم ينتبه إليه أحد.

لكن عبور تلك السفن الصينية من أقصى شمال الأرض، الخريف الماضي، ولأول مرة، لم يكن عرضيا.

فالصين تريد السيطرة على ممرات البحر، يقول خبراء تحدث إليهم "موقع الحرة".

خذ بنما مثالا. هنا قناة ضيقة وقصيرة تربط المحيطين الهادي والأطلسي.

هل يفاجئك أن تعرف أن شركات صينية، أو مقرها الصين، تدير مدخلي القناة على المحيطين الأطلسي شرقا والهادئ غربا؟

قناة بنما تحديدا لها تاريخ فريد، وفيها مصالح وصلاحيات أميركية مقرة باتفاقيات دولية تمنح واشنطن حق التدخل العسكري لحماية القناة. 

لذلك، قد لا يبدو غريبا أن يطالب الرئيس المنتخب دونالد ترامب بـ"إعادة السيطرة على قناة بنما"، فهو يعتبرها "من الأصول الوطنية الحيوية للولايات المتحدة".

هذه هي قصة القناة، وحقائق ستفاجئك عن الحقوق الأميركية ومخططات الصين.

بين قطب ومحيطين

عدة شركات صينية تدير الموانئ والمنشآت اللوجستية لقناة بنما. (AFP)

قرب جزيرة نوفايا زمليا الروسية، على طريق القطب المتجمد الشمالي، عبرت، الخريف الماضي، سفينتان تجاريتان تديرهما شركات صينية لأول مرة.

السفينة الأولى (نيونيو ستار)، كانت قادمة من ميناء نانشا الصيني، متجهة نحو سان بطرسبرغ الروسية.

سفينة أخرى هي (فلايينغ فيش)، أو السمكة الطائرة، كانت تبحر في الاتجاه المعاكس.

تقاطعتا في الطريق. أصبحت "السمكة الطائرة" أكبر سفينة تعبر طريق القطب الشمالي عبر المياه الروسية، حتى ذلك الوقت.

حملت "السمكة الطائرة" أكثر من 5 آلاف حاوية. 

هذه فئة خاصة من السفن تسمى "بانماكس". وهي وحدة معيارية عالمية تعني أن السفينة تملك أكبر حجم يمكن أن تستوعبه منشآت قناة بنما.

القطب الشمالي وقناة بنما يجمع بينهما الأهمية الاستراتيجية، والمطامع الصينية. 

وعين الصين على "المنشآت ذات الاستخدام المزدوج" في قناة بنما ومنطقة القطب الشمالي، يقول الصحفي الأميركي المتخصص جون غرايدي.

 يرصد غرايدي الاهتمام الصيني بقناة بنما والممرات البحرية في مقالات ينشرها معهد البحرية الأميركية.

ويكشف لـ"موقع الحرة" عن مشاريع صينية في منشآت تابعة لقناة بنما، والدول المجاورة في أميركا اللاتينية والبحر الكاريبي، ما جعل بكين تملك "نفوذا" غير مسبوق هناك، ضمن مبادرة "الحزام والطريق".

تنين على البابين

قناة بنما ممر مائي اصطناعي يربط المحيطين الأطلسي والهادئ عبر برزخ بنما في أميركا الوسطى.

وهي واحدة من أعظم الإنجازات الهندسية في العالم.

بفضل القناة، لم تعد السفن بحاجة إلى الالتفاف حول قارة أميركا الجنوبية عبر رأس هورن، للانتقال بين المحيطين. 

افتُتحت القناة رسميا عام 1914 بعد عقد من البناء الذي قادته الولايات المتحدة الأميركية.

أما الآن٫ وبعد أكثر من قرن، فالشركات الصينية، أو التي مقرها الصين، تدير مدخلي قناة بنما، وهما ميناء كريستوبال على المحيط الأطلسي شرقا، وميناء بالبوا المطل على المحيط الهادئ، غربا.

كذلك، في 2018، فازت شركة الاتصالات الصينية والشركة الصينية لهندسة الموانئ بصفقة لتنفيذ مشروع بناء الجسر الرابع، الذي يعبر القناة ويمتد على مسافة 4 أميال.

كان المشروع جزءا من الاتفاقيات التي وقعتها بنما مع بكين عام 2017، عقب قطع علاقاتها الدبلوماسية مع تايوان، والهادفة لتحويل القناة إلى مركز رئيسي لحركة المنتجات الصينية، وتوزيعها في منطقة أميركا اللاتينية.

بين روزفلت وكارتر وترامب

النشاطات الصينية، يبدو أنها كانت الدافع وراء منشور للرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترامب على منصته "تروث سوشال" في 21 ديسمبر الماضي، طالب فيه بـ"إعادة السيطرة على قناة بنما". 

قال ترامب إن القناة "تلعب دورا حيويا" للاقتصاد ومنظومة النقل في الولايات المتحدة. وذكر بالدور الذي لعبته واشنطن في بناء القناة، إبان حكم الرئيس الأسبق، ثيودور روزفلت في بداية القرن العشرين، والكلفة المادية والبشرية التي دفعتها أميركا لإنجازها.

ومن المفارقات التاريخية، أن إعلان ترامب سبق بأيام قليلة وفاة الرئيس الأميركي الأسبق، جيمي كارتر، الذي وقع اتفاقيات التسليم التدريجي للقناة.

فما قصة تلك الاتفاقية؟

الرئيس الأميركي الراحل، جيمي كارتر، كان حاضراً أثناء مراسم تسليم قناة بنما عام 1999. (AFP)

هذه هي التفاصيل التاريخية:

  • محادثات التسليم التدريجي لإدارة القناة بدأت منذ ستينيات القرن الماضي، في عهد الرئيسين جونسون ونيكسون.

  • التوقيع على الاتفاقيات النهائية كان عام 1977 وعرفت باسم "اتفاقيات كارتر – توريخون"، نسبة لرئيسي البلدين آنذاك.

  • بقيت الإدارة مشتركة بين الدولتين خلال فترة انتقالية استمرت حتى عام 1999، عندما تسلمت بنما الإدارة بالكامل.

  • آخر إجراءات التسليم تمت في نهاية ديسمبر عام 1999، في عهد الرئيس كلينتون.

المهم أن تعرف أن "اتفاقية الحياد"، وهي واحدة من اتفاقيات كارتر – توريخون، تمنح الولايات المتحدة الحق باستخدام القوة العسكرية للدفاع عن القناة، وتأمين استمرار عملها كممر مائي دولي محايد.

وهذا الحق هو في جذر مطالبة ترامب، يقول خبراء، في مواجهة أطماع الصين.

ماذا تريد الصين؟

تواجه قناة بنما تحديات تشغيلية ناتجة عن الجفاف وظاهرة "النينيو" وتغير المناخ. (AFP)

يتحدث الصحفي الأميركي المتخصص جون غرايدي عن منشآت ذات استخدام مزدوج في قناة بنما فتحت شهية الشركات الصينية. 

وهذه المنشآت طلبت إنجازها المؤسسة الحكومية المحلية التي تدير القناة لتواكب تطور الحركة البحرية، وحجم البواخر الناقلة للحاويات، ولمواجهة تحديات انخفاض تدفق الأنهار التي توفر كميات المياه الضخمة اللازمة لملء أحواض السفن.

قال غرايدي أيضا إن: "الجنرال لورا ريتشاردسون، التي تولت القيادة الجنوبية للجيش الأميركي حتى نوفمبر الماضي، سبق وأن حذرت من الاستخدام المزدوج للمنشآت المتواجدة في قناة بنما".

والاستخدام المزدوج، هو مصطلح يقصد به أن الميناءين المتواجدين على مدخلي القناة، بالإمكان توظيفهما للاستخدام العسكري والتجاري على حد السواء، رغم أنهما يعملان حتى الآن على عبور سفن الرحلات البحرية السياحية، تليها سفن الشحن.

تذكر إدارة القناة على موقعها الإلكتروني أن "حركة الملاحة بلغت 14 ألف سفينة في السنة".

وتذكر أيضا إدارة التجارة الدولية الأميركية أن "72% من حجم حركة السفن في قناة بنما، تتم من وإلى الولايات المتحدة، التي تمثل كذلك مرفقا هاما لحركة نقل النفط حول العالم".

تمكن القناة من ربط الساحل الشرقي للولايات المتحدة بكل من شرق آسيا والساحل الغربي لأميركا الجنوبية، ما يعني ربط المناطق الصناعية في كل من الولايات المتحدة والصين بأسواقها التقليدية.

قال جون غرايدي إن "أنشطة بكين في بنما، لا يمكن فصلها عن باقي أنشطتها في منطقة أميركا اللاتينية والبحر الكاريبي".

وأضاف: "مثل أنشطتها في بيرو، حيث تقوم ببناء ميناء ضخم للغاية، سيرفع حجم البضائع الصينية المصدرة إلى تلك المنطقة من العالم لأرقام فلكية، ويمكن استخدامه هو الآخر بسهولة لأغراض عسكرية".

وفي أقصى جنوب أميركا اللاتينية، بنت الصين محطة رصد فضائي تتضمن هوائيات ضخمة تسمح كذلك بمراقبة حركة الأقمار الصناعية، حسب غرايدي.

موقع المحطة جنوب الأرجنتين، يمر فوقه مسار أغلب الأقمار الصناعية ذات المدار المنخفض، ويسمح كذلك بمراقبة حركة الملاحة في مضيق ماجلان الاستراتيجي، وهو أحد الطريقين البديلين عن قناة بنما، إذ يمر الطريق البديل الآخر عبر القطب الشمالي.

البحرية الصينية في جنوب أميركا

مجموع الموانئ الصينية في أميركا اللاتينية والكاريبي يبلغ نحو 40 ميناء، وهذا الرقم مرشح للارتفاع، حسب غرايدي.

رغم ذلك، يقول إن "مستوى التعاون العسكري في المجال البحري بين بكين ودول أميركا اللاتينية، تشوبه الكثير من نقاط الضعف".

ورغم تنظيم تدريبات مشتركة بين البحرية الصينية والقوات البحرية لفنزويلا، إلا أن تلك التدريبات لم تشمل الاندماج في العمليات المشتركة والعمل التبادلي، ما يجعل البحرية الصينية لا تمتلك إمكانية تنفيذ المهمات العسكرية بالتعاون مع حلفائها.

وعلى سبيل المقارنة، يذكر غرايدي أن "التدريب على العمليات المشتركة هو أمر أساسي خلال مناورات الجيش الأميركي مع دول حليفة، حتى تلك ذات عدد القوات المتوسط مثل الفلبين".

وتكمن أهمية الأمر، إلى الفهم المشترك والمتبادل بين القوات العسكرية، والعقبات التي تعترض ذلك، وهي تتجاوز معضلة اللغة، وتشمل العقبات الثقافية، التي ظهرت كذلك خلال وجود السفن الحربية الروسية والإيرانية في فنزويلا.

لا يقتصر الوجود العسكري الصيني على بيع تجهيزات حربية مثل الصواريخ المضادة للسفن، التي صدرتها بكين إلى إيران ومنها انتقلت إلى حزب الله، بل يشمل على وجه الخصوص سيطرة شركة هواوي الصينية على شبكات الاتصالات المحلية، بما في ذلك الإنترنت من الجيل الخامس.

وتتعاون البحرية الصينية مع نظيرتها الروسية، فالبحرية الصينية هي المسؤولة عن برامج الانتشار في أعالي البحار، مثل منطقة القطب الشمالي.

لكن ذلك التعاون لم يصل بعد، إلى مستوى التعاون بين دول الناتو أو باقي حلفاء واشنطن، خصوصا وأن أسطول السطح الروسي يواجه تراجعا في قدراته العملياتية والعددية، على عكس أسطول الغواصات.

ومن اللافت، أن التعاون في القطب الشمالي، يشمل وجود سفن أبحاث مرتبطة بعدد من الجامعات الصينية، تقوم بجمع معطيات فنية، تملك الحكومة الصينية حق الحصول عليها.

وأضاف غرايدي أن هناك 4 سفن أبحاث صينية تتواجد حالياً ضمن نطاق الدائرة القطبية الشمالية، وأن سفينة خامسة تستعد للالتحاق بها قريباً.

أبحاث علمية وتجسس

قال المحامي والمعلق السياسي الأميركي، غوردن تشانغ، الذي عمل في الصين وهونغ كونغ لحوالي عقدين من الزمن، إن "سفن الأبحاث البحرية، تستخدم كذلك لمهام التجسس والاستطلاع العسكري".

تشانغ الذي تحدث إلى موقع "الحرة" قال إن "أحد أهم الأهداف التي تسعى إليها بكين في هذا المجال، هو تحديد مواقع الغواصات النووية الأميركية، عبر قياسات وعمليات سبر لقاع المحيط، تقوم بها سفن الأبحاث العلمية".

ووفقا لتشانغ، فإن أهداف الصين تتجاوز النشاط التجاري وتشمل أهدافا عسكرية واضحة. وأبرز الأمثلة على ذلك هو الدعم العسكري الذي تقدمه بكين لطهران.

أغلب السفن العابرة لقناة بنما متجهة من وإلى الولايات المتحدة. (AFP)

ويرى المحامي الأميركي، بأن إيران وحلفاءها في المنطقة، ما كانوا ليتمكنوا من شن هجمات ضد إسرائيل، لولا الدعم العسكري الصيني لها، عبر بيع كميات كبيرة من الأسلحة.

يذكر أن الوجود العسكري البحري الصيني، امتد من المحيط الهندي إلى البحر المتوسط عند انطلاق أحداث الربيع العربي، عندما قامت إحدى فرقاطات البحرية الصينية بحراسة مجموعة من السفن التجارية، التي قامت بإجلاء العمال الصينيين من ليبيا عام 2011.

ثم عادت البحرية الصينية بعملية مماثلة، لإجلاء مواطنيها من اليمن خلال شهر مارس 2011، لتواصل تواجدها شرق المتوسط لاحقا، الذي يمثل الجناح الغربي لمبادرة "الحزام والطريق" الصينية.

لا يقتصر الوجود الصيني في القطب الشمالي أو بنما أو الشرق الأوسط، على نشاط السفن التجارية والعسكرية أو سفن الأبحاث، بل هو رسالة موجهة إلى واشنطن، مفادها "أننا هنا"، حسب جون غرايدي.

وأعلنت بكين نفسها كدولة متشاطئة مع القطب الشمالي، ما يمثل إشارة إلى أنها قد تطالب بحرية الملاحة دون دفع رسوم عبور لروسيا، عبر "طريق الحرير القطبي".

قد تكون حماية سفنها التجارية من هجمات القراصنة قبالة سواحل الصومال هدفا مفهوما لبكين، وأهم وسيلة لتحقيق ذلك، قاعدتها الوحيدة في دولة عربية أو أفريقية، وهي جيبوتي.

لكن الوجود العسكري الصيني في الشرق الأوسط، يهدف كذلك إلى حماية خطوط تصدير النفط القادمة من الشرق الأوسط وإيران نحو الصين.

ماذا يفعل ترامب؟

ومع اقتراب موعد تسلم الإدارة الأميركية الجديدة للسلطة في 20 يناير الحالي، تبرز تساؤلات حول السياسة التي ستتبعها إدارة ترامب بشأن النفوذ الصيني في النصف الغربي من الكرة الأرضية.

رئيس بنما، خوسيه راؤول موليدو، الذي رفض تصريحات ترامب، نظم حفلا خاصا بالذكرى 25 لتسلم القناة من الولايات المتحدة، وأعلن أن شعور الفرح بتلك الذكرى، يشوبه الكثير من الحزن بسبب تزامنها مع وفاة الرئيس الأميركي الأسبق، كارتر.

دعوة ترامب إلى استعادة القناة، وتزامنه مع وفاة كارتر، أعاد إلى الأذهان السجال السياسي الحاد، الذي دار نهاية سبعينيات القرن الماضي في الولايات المتحدة، حول تسليم القناة إلى بنما.

خلال ذلك السجال، رفع الرئيس الأميركي الأسبق، رونالد ريغن، شعار "نحن بنيناها، نحن اشتريناها، ونحن ننوي الاحتفاظ بها".

لم يكن قرار كارتر يحظى بشعبية كبيرة، ما كلف 7 أعضاء في مجلس الشيوخ مقاعدهم خلال الانتخابات الموالية، بسبب مساندتهم القرار.

لكن ريغن لم يراجع قرار كارتر بخصوص قناة بنما، رغم كل الصخب الإعلامي وحديث الانتخابات.

ضياء عُطي