تخيل أنك تعيش في بلد غير مستقر وتقيم بعيدا عن ذويك ومن تحب، ولا تستطيع التواصل معهم. تخيل أنك تضغط أزرار الهاتف النقال والهاتف الأرضي كي تتصل بوالدتك أو شقيقك أو خالتك كي تطمئن عليهم ولا أحد يجيب اتصالاتك غير الصمت، بسبب انقطاع خطوط الهاتف. تخيل أنك تحاول متابعة ما يجري في بلدك من تطورات متلاحقة عبر المواقع الإخبارية ولا تستطيع لأن خدمة الإنترنت مقطوعة..
هذا هو الوضع في سورية منذ الأربعاء الماضي عندما صمتت الهواتف النقالة والأرضية وتوقفت عن الرنين بعدما تم قطع خدمة الاتصالات في البلاد والإنترنت.
"لا تدعي الياسمين يشارك في الخنق"
"نحنا بشر مو ملائكة ولأنو نحنا بشر عنا طاقة للتحمل مرات بنقدر ومرات بنعجز"، هكذا عبرت نور الخطيب، وهي شابة سورية تعيش في دمشق، عما تشعر به إزاء ما يحدث في بلدها هذه الأيام.
فقد كتبت على صفحتها الشخصية على موقع "فيسبوك" أنها باتت تشعر أن "كل ليلة هي الأخيرة لأحدهم داخل سورية، عسانا لا نخطئ بحق بعضنا البعض فربما يبلغ أحدهم السماء قبل أن يبلغ اعتذارنا لمن أخطأنا بحقه".
وانقطعت أخبار نور منذ الأربعاء حين أعلنت شركات مراقبة خدمة الإنترنت ومنها "رينسيس" الأميركية أن سورية شهدت توقفا مفاجئا في الإنترنت وخدمة الهاتف أيضا.
وقد أعرب ناشطون سوريون في الخارج عن تخوفهم من أن تكون هذه الخطوة مقدمة لارتكاب النظام السوري "مجزرة" حقيقية ضد المعارضة التي تحاول الإطاحة بالرئيس بشار الأسد منذ أكثر من سنة ونصف.
فقد قال شاب سوري يدعى تاج على حسابه بموقع "تويتر" "يا دمشق.. النت مقطوع. دعي الياسمين يقول لنا ما الذي يحدث هناك، لكن لا تدعي أغصان الياسمين تتحد لتشارك في خنق السفاح".
يا دمشق..النت مقطوع.دعي الياسمين يقول لنا مالذي يحدث هناكلكن لا !!دعي أغصان الياسمين تتحد ، لتشارك في خنق السفاح. #سوريا
— ღtajღ (@_taaaj_) November 30, 2012
وعبّر تاج في تغريدات سابقة عن ألمه الشديد لما يحدث داخل سورية، وقال "إن في قلب كل سوري آه واحدة، لكن في قلوب السوريين المغتربين آلاف الآهات"، ووصف بلده بأنها "وجع وألم كل عاشق لترابها".
بلد غارق في "الظلام الإلكتروني"
وقد تداعى مئات الناشطين العرب لنصرة السوريين المحرومين من التواصل عبر الهاتف والإنترنت، وعملوا على نشر طرق متعددة للتحايل على "الظلام" التكنولوجي الذي تغرق فيه سورية، كما وصفه عبد الله العلي، وهو محقق كويتي في جرائم الكمبيوتر، نشر تغريدات متعددة يحث فيها مستعملي موقع "تويتر" على نشر أرقام "دايل آب" دولية مجانية كي يستفيد منها السوريون في الداخل.
ساعد الشعب السوري في الوصول للإنترنت عند قطع الإنترنت وعمل الخطوط الأرضية، أرقام دايل أب دولية مجانية للأنترنت #سورياdialup.telecomix.org
— عبدالله العلي (@3bdullla) November 30, 2012
وتضرع رجال دين مسلمون لله من أجل أن ينصر السوريين على نظام الرئيس بشار الأسد الذي وصفوه بالطاغية.
فقد كتب الداعية الإسلامي طارق سويدان، والذي يبلغ عدد أتباعه على "تويتر" نحو مليون شخص، "اللهم في ساعة الاستجابة من آخر الجمعة نسألك ألا ينتهي الشهر إلا وقد تخلصت اﻷمة من بشار وحزبه وتحرر الشعب السوري المجاهد منه".
اللهم في ساعة الاستجابة من اخر الجمعة نسألك ألا ينتهي الشهر إلا وقد تخلصت اﻷمة من بشار وحزبه وتحرر الشعب السوري المجاهد منه#سوريا#Syria
— د. طارق السويدان (@TareqAlSuwaidan) November 30, 2012
كما عبرت سيدات عربيات عن حزنهن لما يحدث في سورية، وأعربن عن قلقهن الشديد على مصير الأطفال، كما جاء في تغريدة لسيدة سعودية تدعى نجمة السعدي قالت فيها "هناك وطن حزين اسمه سورية فيه أطفال نسوا الضحكة.. فأعد الإبتسامة إلى وجوههم بنصر قريب من عندك يا رب العالمين".
"@ms_muharraq: هناك وطن حزين أسمه " #سوريا " فيه أطفال نسواا الضحكة . . ف أعد الإبتسامة إلى وجوههـم ب نصر من عندك يارب العالميـن #اللهم آمين
— أم خالد (@NajmaAlsaadi) November 30, 2012
سورية بلد معزول
ويتابع العالم بقلق شديد ما يحدث في سورية بالرغم من شح المعلومات وندرة الأخبار وصعوبة التأكد من مصداقيتها، كما قررت دول عدة وقف الرحلات الجوية إلى مطار دمشق الدولي حيث تدور معارك ضارية بين الجيش النظامي السوري وقوات الجيش السوري الحر المعارض.
فقد أعلن المتحدث باسم الخطوط المصرية محمد رحمة أن مصر قررت وقف رحلاتها الجوية إلى سورية ابتداء من الجمعة بسبب ما وصفه بتراجع الأوضاع الأمنية في دمشق وخصوصا في المنطقة المحيطة بمطارها الدولي.
ورأى مراقبون أن "معركة المطار" ستكون حاسمة في الصراع الدائر على السلطة حاليا في سورية بسبب تداعياتها الأمنية وانعكاسها النفسي على الأقلية العلوية الحاكمة، ومنهم مارك كيميت الذي عمل مساعدا لوزير الخارجية الأميركية متخصصا في الشؤون السياسية والعسكرية خلال إدارة الرئيس جورج بوش الأب.
وأوضح كميت في تصريح لشبكة CNN أن سيطرة قوات الجيش الحر المعارض على المطار تعني "عجز الأقلية العلوية الحاكمة عن الفرار خارج البلاد"، وهو ما اعتبره أمرا لن تقبله هذه الطائفة بسهولة.
وربما لهذا السبب اشتدت حدة المعارك حول المطار وسقط فيها عدد كبير من القتلى الجمعة، فقد أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان بأن نحو 80 شخصا قتلوا الجمعة، كما لقي ما لا يقل عن 17 مسلحا من القوات النظامية مصرعهم خلال اشتباكات في درعا وإدلب وريف دمشق.
لكن المرصد اعترف بصعوبة توثيق عدد القتلى داخل سورية بسبب قطع خدمة الانترنت والصعوبة الشديدة في إجراء الاتصالات الهاتفية مع الداخل، وقد أعرب سوريون في الخارج وناشطون عرب في مجال حقوق الإنسان عن تخوفهم من أن "ينفرد" الرئيس بشار الأسد بالمعارضة ويقوم بعملية إبادة جماعية بعيدا عن رقابة الإعلام والمجتمع الدولي.
فقد قال الناشط المصري علاء عبد الفتاح في تغريدة على "تويتر" مساء الجمعة "بشار الله يجحمه قطع النت والاتصالات في سورية ومستفرد بالناس! استر يا رب".