في الـ26 من كانون الأول/ديسمبر من كل عام، يبدأ الأميركيون بإنزال أضواء وزينة عيد الميلاد (الكريسمس)، لكن قسما منهم يبدأون إشعال أضواء جديدة وتزيين منازلهم بزينة لها طابع آخر، احتفالا بعيد الكوانزا الذي يستمر سبعة أيام. هذا العيد الذي يحتفل به الأميركيون من أصول أفريقية يهدف إلى التذكير بجذورهم وإرثهم وتاريخهم وبالقيم الإنسانية التي تمثلها ثقافتهم.
ورغم أن هذا العيد جديد نسبيا، فقد أنشأه عام 1966 ناشط حقوقي أميركي من أصل إفريقي اسمه مولانا كارينغا بهدف تمكين السود من تعزيز هويتهم، إلا أنه يعتبر الآن أحد الأعياد الرئيسية في أميركا في فترة أعياد نهاية السنة (وإن لم يكن عيدا دينيا).
معالم إفريقية وقيم إنسانية
من حيث مظاهر الاحتفال، يركز عيد الكوانزا على إيقاد سبع شموع ذات ألوان خضراء وحمراء،
وارتداء الملابس ذات الألوان الإفريقية الزاهية وقرع الطبول والغناء والرقص الإفريقي وتحضير الطعام الإفريقي التقليدي. أما من حيث المعاني والقيم، فيتم التركيز في الكوانزا على سبعة مبادئ، مبدأ في كل يوم، وأثناء الحفلات الاجتماعية تجرى نقاشات حول المبادئ الإنسانية السبعة.
يقول الدكتور موليفي كيتي أسانتي، وهو مؤرخ ومفكر وبروفيسور في قسم الدراسات الأميركية الإفريقية في جامعة تيمبل في فيلادلفيا إن اسم الكوانزا معناه "الثمرات الأولى للحصاد" في اللغة السواحلية. ويضيف في حديث مع "راديو سوا" أن احتفالات الكوانزا ترمي إلى "التذكير بإنجازات الأفارقة حول العالم ممن قاموا بالدفاع عن ثقافتهم وحماية كرامتهم وإعادة تكوين مجتمعاتهم بعد سنوات من الاستعمار والاستعباد. فهذا الاحتفال يركز على المجتمع".
ويرى أسانتي الذي يحتفل بالكوانزا منذ عام 1970 أن أفارقة الشتات في أميركا وآسيا بحاجة إلى أن يتذكروا أصولهم وقيمهم للبناء على إرث من سبقهم، "بعد أن تم تدمير جوانب كثيرة من الثقافة الإفريقية أو سرقته أو تحريفه". ويضيف أن الكوانزا "رغم أنه عيد أنشئ في الولايات المتحدة إلا أنه أضحى اليوم عيدا عالميا يحتفل به الملايين من أفارقة الشتات في أنحاء العالم إضافة إلى إفريقيا نفسها".
مبادئ الكوانزا السبعة
ويتم إيقاد شمعة في كل يوم لتعكس أحد المبادئ السبعة، فهناك ثلاث شمعات حمراء وثلاث خضراء وشمعة سوداء توضع في وسط حاملة الشموع ويتم إيقادها في اليوم الأول.
أما المبادئ السبعة التي يتم تأملها ومناقشتها فهي:
أوموجا (الوحدة)
كوجيتشاغوليا (تقرير المصير)
أوجيما (العمل المشترك وتحمل المسؤولية)
أوجاما (الاقتصاد التعاوني)
نيا (الشعور بالهدف)
كؤومبا (الإبداع)
إيماني (الإيمان)
يذكر أن اللغة السواحلية (لغة سواحل إفريقيا الشرقية) استخدمت في تسميات الكوانزا رغم أن تجارة الرقيق عبر المحيط الأطلسي لم تطل أفارقة شرق إفريقيا، غير أن الهدف من تبنيها هو الدلالة على أن عيد الكوانزا يشمل الاحتفال بعموم إفريقيا.
ما أهمية العودة إلى الأصول؟
الأميركيون من أصل إفريقي موجودون في أميركا منذ نحو خمسة قرون، فلماذا يتذكرون إفريقيا
الآن؟ هذا ما يتساءله كثير من الأميركيين الأفارقة أنفسهم الذين لا يحتفلون بالكوانزا. غير أن دانا واشنتن، وهي قاصة وفنانة مسرحية من كتبها "كوانزا الأرنب الصغير" و"قصة الكوانزا"، ترى أن العودة إلى الأصول ضرورية لتمكين النظرة إلى الذات. وتضيف في حديث مع "راديو سوا": "حتى تمضي قدما وتستطيع تقدير نفسك، عليك أن تعرف من أين أتيت وكيف وصلت إلى المكان الذي أنت فيه. الجذور تساعدنا في الشعور بأننا جزء من العالم من حولنا. من المهم أن تعرف أنك جزء من تاريخ يحفل بالمخترعين والكتاب والعلماء والمناضلين ورعاة البقر والجنود ورواد الفضاء والبحارة وحتى الرؤساء. والشعور بأن العالم مليء بالأشخاص الذين يقاسمونك نفس التاريخ، وقاموا بأعمال عظيمة هو مصدر إلهام للجيل القادم نحو العظمة".
وتعتبر واشنتن أن أهم يوم من أيام الكوانزا هو اليوم الثاني (كوجيتشاغوليا) الذي يركز على قيمة تقرير المصير، وفي ذلك تقول "نحن نقرر من نحن، لا أحد له الحق في الكلام نيابة عنا. لا تسمح لأحد يوما أن يقول لك إنك لا تستطيع القيام بشيء بسبب لونك أو مستوى فقرك أو عائلتك. إذا كنت تريد العيش في عالم أفضل فينبغي أن يبدأ ذلك منك. كوانزا وسيلة لبناء الجذور داخل المجتمعات".
مساهمات الأميركيين الأفارقة
يهدف عيد الكوانزا إلى التركيز أيضا على إنجازات الأميركيين الأفارقة منذ مجيئهم إلى أميركا. تقول واشنتن "الأميركيون الأفارقة كانوا وما زالوا جزءا لا يتجزأ من أميركا، لقد ساهمنا
في بناء هذا البلد وإنشائه وتخيّله وتكوينه، ورغم ذلك لم يكن هناك تعبير ثقافي أميركي مخصص لتكريم مساهماتنا للمجتمع قبل الكوانزا".
وقد بدأت واشنتن الاحتفال بالكوانزا في عام 1992 حين طلب منها أن تكتب قصة عن الاحتفال، ولم تكن قبل ذلك تعرف عنه شيئا، لكنها وبعد مشاركتها في الفعاليات الاجتماعية للعيد أدركت أهميته وأحبته. وهي تحتفل به إلى جانب احتفالها بعيد الميلاد وتقول "لا يقصد الكوانزا إلى استبدال الكريسماس أو أي عيد آخر، إنه احتفال ثقافي وليس دينيا".
الحديث عن القيم بالتزامن مع العام الجديد
وتقول واشنتن إنها وعائلتها يبدأون الاحتفال بالكوانزا باستخدام عبارة "خبرني غني؟" أي "ما
هو الخبر؟" ويكون الرد بمبدأ اليوم. "ثم يجري نقاش حول هذا المبدأ وسرد القصص المتعلقة به، كما نتحدث عن ما سنفعله خلال العام المقبل لترسيخ هذه الأفكار، ونقوم أيضا بنشاطات مختلفة للاحتفال بالمبدأ، إنه مماثل لقرارات السنة الجديدة التي يتعهد بها الناس كل عام".
ويتم في الكوانزا، بعد إيقاد شمعة اليوم في الكنارا (حاملة الشموع)، تناول الأطعمة التقليدية من الثقافة الأميركية والإفريقية، بما في ذلك مائدة كبيرة في اليوم السادس. وينتهي عيد الكوانزا في يوم رأس السنة (كانون الثاني/ يناير).
عيد جديد لا يخلو من الجدل
من النادر أن تجد في العصر الحديث عيدا أنشأه شخص واحد ليصبح تقليدا يحتفل به الملايين، إلا أن قصة الكوانزا هي مثال على ذلك. فلم يكن مولانا كرينغا يتجاوز عمره الـ26 حين أنشأه عام 1966.
وامتد الاحتفال بالكوانزا إلى أفارقة الشتات في أنحاء أخرى من العالم مثل كندا، وبدأ
الأفارقة في البرازيل استخدام مصطلحاته خلال احتفالات "يوم الوعي بدور السود". كما بدأت بعض مؤسسات البيض في أميركا تحتفل به كجزء من مبادرات التنوع والتعدد الثقافي.
إلا أن هذا الاحتفال لا يخلو من جدل، فقد اعتبره العديد من المحافظين في أميركا "عيدا مصطنعا"، مثل عضو مجلس النواب في ولاية ويسكونسن غلين غروثمان الذي دعا في 2012 إلى عدم الاحتفال به في المدارس والمؤسسات الحكومية لأنه "عيد مختلق يهدف إلى الفصل بين البيض والسود ولفت الانتباه عن الكريسماس، ولا يحتفل به معظم السود أصلا".
أما الأميركيون الإفريقيون أنفسهم فلا يحتفل بهذا العيد منهم إلا قلة، في حين أن الآخرين لا يشعرون بشيء يربطهم بأفريقيا، ويرون أن أهمية عيد الكوانزا ومغزاه تراجعت منذ الستينيات خلال ثورات الحقوق المدنية للسود.