أصدقاء وأقارب خوان فاسكيز الذي قتل في إطلاق النار في إل باسو، يلقون النظرة الأخيرة عليه
أصدقاء وأقارب خوان فاسكيز الذي قتل في إطلاق النار في إل باسو، يلقون النظرة الأخيرة عليه

أظهرت وثيقة للشرطة الأميركية نشرت، الجمعة، أن المتهم بقتل 22 شخصا وإصابة آخرين داخل متجر وولمارت بمدينة إل باسو الحدودية مع المكسيك، اعترف بأنه أراد "قتل مكسيكيين".

وجاء في مذكرة الاعتقال التي صدرت بحق باتريك كروسيوس (21 عاماً) المتحدر من مدينة آلن في ولاية تكساس، والتي نشرتها وسائل إعلام أميركية، أن "المتهم قال إنه ما إن أصبح داخل المتجر حتى أطلق النار من رشاشه الكلاشنيكوف على أشخاص أبرياء. لقد أشار المتهم إلى أن أهدافه كانوا مكسيكيين".

وروت المذكرة أيضا ظروف اعتقال المتهم، مشيرة إلى أنه ما إن أحاطت الشرطة بسيارته حتى ترجل منها قائلا "أنا هو مطلق النار".

وفي مركز الشرطة تنازل كروسيوس عن حقه في التزام الصمت وعدم الاعتراف بشيء من دون حضور محام، قائلا للمحققين إن "أهدافه كانوا مكسيكيين".

وقبل أن يرتكب مجزرته، نشر كروسيوس على الإنترنت السبت الماضي، وثيقة استعاد فيها أدبيات معتنقي مبدأ تفوق العرق الأبيض، وندّد بـ"الغزو اللاتيني لتكساس"، ومجد مرتكب مجزرة مسجدي كرايستتشيرش في نيوزيلندا والتي أوقعت 51 قتيلا في 15 مارس الماضي.

 

متجر أسلحة
متجر أسلحة

خلال أسبوع واحد، شهدت الولايات المتحدة ثلاث عمليات إطلاق نار عشوائي أسفرت عن عشرات القتلى والجرحى في كل من غيلروي بكاليفونيا وإل باسو بتكساس ودايتون بأوهايو.  

وعلى غرار ما يحدث في أعقاب هجمات من هذا القبيل، يعود الجدل حول السلاح وحق حمله إلى الواجهة وتتعالى الأصوات المدافعة عنه مستشهدة بالتعديل الثاني في الدستور الأميركي، وتلك التي تطالب بتشديد القوانين الخاصة بحيازة الأسلحة.

ماذا يقول الدستور الأميركي؟

التعديل الثاني الصادر عن الكونغرس الأميركي في سبتمبر 1789 جاء فيه "وجود قوات شعبية (ميليشيا) جيدة التنظيم ضروري لأمن أية ولاية حرة، حق الأفراد في اقتناء أسلحة وحملها لا يجوز انتهاكه".

يرى مؤيدو امتلاك المدنيين أسلحة، أن الدستور يضمن ذلك الحق لأن الميليشيا المشار إليها في النص كانت مؤلفة من مواطنين في الفترة التي كتب فيها الآباء المؤسسون الوثيقة. ويعتبر هؤلاء أن التعديل الثاني اعتمد لضمان تمكن المواطنين من حماية أنفسهم من غزو خارجي أو تمرد داخلي أو حكومة طاغية.

ويفسر معارضو حمل السلاح، النص على أنه ينطبق على من يخدم في القوات المسلحة وليس على المدنيين، ويشددون على أن الدستور يلزم الحكومة بضمان سلامة المواطنين أيضا بما في ذلك فرض القوانين الخاصة بالسلاح.

المحكمة العليا التي تملك القول القانوني الفصل في البلاد، أكدت أن التعديل الثاني من الدستور يحمي حق الفرد في امتلاك سلاح للدفاع عن النفس.

الجدل الشعبي والسياسي حول السلاح معقد للغاية، ويتعدى الفكرة بحد ذاتها، ليصبح حول دور الحكومة في حياة المواطن. 

ويرى كثير من مؤيدي حيازة السلاح أن السؤال هنا يتعلق أيضا بالحرية من تحكم الحكومة في حياة المواطن، ويؤكدون أن التدخل في حق ملكية الأسلحة ليس سوى دليل آخر على السلطة الشاملة للدولة وتطفلها على سلطة المواطن العادي.  

أرقام ومواقف

قتل حوالي 40 ألف شخص في عام 2017 في جرائم قتل أو علميات انتحار استخدمت فيها أسلحة نارية، وهي أعلى نسبة سنوية تسجل منذ منتصف التسعينيات، وفق مركز السيطرة على الأمراض والوقاية منها.

يوجد في الولايات المتحدة حوالي 270 مليون مسدس، وذكرت صحيفة نيويورك تايمز في تقرير يعود لعام 2017، أن الأميركيين لا يشكلون سوى 4.4 في المئة من سكان الأرض، إلا أنهم يمتلكون 42 في المئة من المسدسات في العالم.

استطلاع أجراه مركز بيو في ديسمبر 2018، أفاد بأن ثلاثة بين كل 10 راشدين أميركيين (30 في المئة) يقولون إنهم يملكون مسدسا، فيما يقول 11 في المئة إنهم يعيشون مع شخص يملك سلاحا ناريا.

وكشف استطلاع أجراه المركز بين مارس وأبريل 2017، أن حوالي نصف الراشدين الأميركيين (48 في المئة) ترعرعوا في منازل فيها أسلحة نارية، وحوالي ستة من كل 10 (59 في المئة) لديهم أصدقاء يملكون سلاحا ناريا، وأن حوالي سبعة من كل 10 (72 في المئة) أطلقوا نار سلاح ناري في مرحلة ما من حياتهم، بما في ذلك 55 في المئة ممن قالوا إنهم لم يملكوا أبدا سلاحا ناريا شخصيا.

وبين الأميركيين الذين يملكون سلاحا ناريا، قال 66 في المئة منهم إن لديهم أكثر من قطعة واحدة، بمن فيهم 29 في المئة ممن قالوا إن لديهم خمسة أسلحة نارية أو أكثر.

وقال 72 في المئة من أصحاب الأسلحة إنهم يملكون مسدسا، وقال 73 في المئة ممن يملكون أسلحة إنهم لا يستطيعون رؤية أنفسهم من دونها.

وتتصدر حماية النفس أسباب امتلاك الأسلحة، وقال 67 في المئة من أصحابها إنها السبب الرئيسي بالنسبة لهم، وقال 38 في المئة إن القنص دافعهم، فيما قال 30 في المئة إنهم يستخدمون سلاحهم في رياضة الرماية و13 في المئة في جمع السلاح، بينهما كشف ثمانية في المئة أن طبيعة عملهم هي سبب امتلاكهم سلاحا.

ويرى 57 في المئة من الأميركيين أن القوانين الخاصة بالسلاح ينبغي أن تكون أكثر صرامة، في حين قال 31 في المئة إن القوانين الحالية كافية، وفق استطلاع لبيو بين سبتمبر وأكتوبر 2018.

ويقول 80 في المئة من الديمقراطيين والمستقلين الذين يصوتون لصالح الحزب الديمقراطي، إن القوانين ينبغي تشديدها، في حين لا يوافقهم على ذلك سوى 28 في المئة من الجمهوريين والمستقلين الذين يصوتون لصالح الحزب الجمهوري.

ويرى 76 في المئة من الجمهوريين أن حماية حق الأميركيين في امتلاك أسلحة أهم من فرض قوانين حول حيازتها، في حين لا يشاطر ذلك الرأي سوى 19 في المئة من الديمقراطيين.

وأثارت مقترحات حول قوانين السلاح انقساما في آراء الأميركيين، لكن بعضا منها يلقى تأييدا من أتباع الحزبين. ويرى 89 في المئة من الديمقراطيين والجمهوريين أنه ينبغي منع الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات نفسية أو عقلية من شراء أسلحة. وأعرب 91 في المئة من الديمقراطيين و79 في المئة من الجمهوريين عن تأييدهم لإجراء تحقيقات هوية قبل السماح للأفراد بشراء أسلحة.

لكن الأميركيين منقسمون حول ربط تقييد الامتلاك القانوني للأسلحة بمنع وقوع عمليات إطلاق النار العشوائية. وقال 47 في المئة من المشاركين في استطلاع بيو، إن عدد تلك الحوادث سينخفض إذا أصبحت عملية حيازة الأسلحة بشكل قانوني أصعب مما عليه الآن، فيما قال 46 في المئة إن ما من فرق سيحدثه ذلك. وقال ستة في المئة إن المزيد من عمليات إطلاق النار ستحدث إذا أصبح صعبا الحصول على أسلحة بطريقة قانونية.

وقال 44 في المئة من الأميركيين في استطلاع أجري في ربيع 2017، إنهم يعرفون شخصا أصيب بطلقة نارية إما عن طريق الخطأ أو عمدا.  وقال 23 في المئة من المشاركين في الاستطلاع، إنهم أو قريبا لهم تعرضوا للتهديد أو الترهيب باستخدام سلاح.

من يتحمل مسؤولية عمليات إطلاق النار؟

ويحذر الخبراء من أن إلقاء اللوم في عمليات إطلاق النار العشوائية على الاضطرابات العقلية يؤدي إلى وصمة عار لمن يتم تشخيصهم بمشاكل نفسية.

وقال الرئيس التنفيذي للجمعية الأميركية لعلم النفس، آرثر سي إيفانز جونيور، إن "إلقاء اللوم على المرض العقلي في العنف باستخدام السلاح في بلدنا أمر مبسط وغير دقيق ويتعارض مع الأدلة العلمية المتاحة حاليا".

والى جانب المشاكل النفسية التي يقال أحيانا إنها تدفع أفرادا إلى ارتكاب عمليات إطلاق نار جماعية، ألقي اللوم أيضا على الكراهية . 

مركز القانون الجنوبي للفقر، الذي يراقب منظمات يصنفها منظمات كراهية، قال في وقت سابق هذا العام إن عدد مجموعات الكراهية في الولايات المتحدة وصل إلى مستوى قياسي

لكن  أستاذ علم الإجرام في جامعة ألاباما آدم لانكفورد، الذي يجري أبحاثا حول عمليات إطلاق النار الجماعية، قال إن دوافع الجناة أكثر تعقيدا من التفاني في الإيديولوجية.

وأوضح لانكفورد أنه في "بعض الأحيان يكون لديك هؤلاء الأشخاص المضطربون الذين يرغبون في ارتكاب هجوم من هذا القبيل، وهم يمسكون بأيديولوجية أوسع لأن ذلك يجعلهم يشعرون وكأنهم جزء من شيء أكبر وأكثر أهمية".

وتابع أن "هؤلاء المهاجمون غالبا ما يعانون في حياتهم ويبحثون عن شخص لإلقاء اللوم عليه. هذه الأيديولوجيات تمنحهم شخصا ما يلومونه، لكن إذا لم تكن لديهم هذه الأيديولوجية فيجدون على الأرجح شخصا آخر ليلومونه".