"لا تقف قريبا مني هكذا"، و"لا تتنفس كثيرا"، "فقط ضع البقالة في صندوق السيارة وابتعد بسرعة"، هذه بعض من عبارات أصبح "برنل" يسمعها كثيرا في متجر بقالته في مدينة نيو أورلينز بولاية لويزيانا، حتى أن بعض الأشخاص بدأوا يستخدمون ملاعق بلاستيكية لسحب الأموال الباقية التي يتركها لهم على الطاولة.
يعرف برنل كل شخص يأتي للمتجر تقريبا، وهم كذلك يعرفونه، "بالرغم من أننا جيران، أصبحنا ننظر حاليا إلى بعضنا البعض مذعورين ومتشككين كأن كلا منا غريب عن الآخر بسبب وباء كورونا"، كما يقول في حديثه مع صحيفة "واشنطن بوست".
يضيف برنل وهو أيضا اسم المتجر نفسه، أن "كل شخص مذعور من الآخر في المتجر الآن، الكثير من الخوف في عيون زبائني حتى التقطت العدوى منهم فأصبحت أنا مذعورا كذلك".
معظم زبائن برنل ممن يتوقفون أثناء رحلتهم إلى أعمالهم، والتي هي في الغالب وظائف في مجال السياحة سواء الفنادق أو المطاعم الكبيرة في وسط المدينة.
يقول برنل "فقد نصف زبائني على الأقل وظائفهم بعدما أغلقت هذه الأماكن الشهر الماضي بسبب الوباء، وأصبحوا يأخذون وقتا أطول لحساب كل قرش وصرف القسائم الغذائية فيعتذرون، لكني أرد عليهم (لا مشكلة، خذ وقتك، أنا غير مستعجل، توقف عن الاعتذار)".
يضيف برنل أن زبائنه "باتوا يعانون من قلة الأموال السائلة وبعضهم ليس لديه أي مدخرات، وأصبحوا يتفاوضون حول سعر الفاصولياء مثلا ليخفضوا ثمنها، وكنت أبيع قطعتي الدجاج المقلي بـ1.25 دولارا، فقمت بتخفيض السعر إلى دولار واحد".
في الأسبوع الماضي أمسك برنل بسيدة كانت تسرق أشياء من المتجر وتضعها في حقيبتها، "من الصعب السرقة هنا لأن مكاني مميز، أستطيع من خلاله أن أرى المحل كله والذي هوعبارة عن ممرين فقط".
يضيف "ذهبت إلى السيدة بهدوء ووضعت يدي على كتفها ثم أمسكت بحقيبتها وفتحتها، فإذا بعلبة بيض وعلبتين من قطع الحلوى.. بدأت في البكاء والتوسل إلي "أرجوك أتوسل إليك، لدي ثلاثة أطفال وزوجي فقد وظيفته وليس لديهم ما يأكلونه ولا أعرف أين أذهب".
يتابع "ربما كانت تكذب، لكن من يختلق قصة من أجل أشياء بسبعة دولارات من البقالة؟ لذا تركتها تذهب وتأخذ ما سرقته معها".
منذ أربعة أسابيع، جاء شاب يعرفه جيدا لأنه زبون عنده وكان برنل يتبادل معه الحديث، فقد وظيفته أيضا، "طلب مني أن يعمل لدي فأخبرته أن لدي بالفعل عاملا واحدا ولا أستطيع أن أتحمل كلفة أكثر من ذلك، في الوقت الراهن على الأقل".
لكن برنل اتفق معه على أن يعطيه بعض البقالة على أن يدفع بعدما يحصل على إعانة البطالة، وكانت هذه أول مرة يفتح كتابا يدون فيه ما يبيع بالأجل.
آخرون بدأوا يأتون إلى برنل ويسألونه أن يعطيهم طعاما كصدقة، "أنا لا ألوم هؤلاء الناس، بل أنا أحبهم حقا، فما هم فيه ليس ذنبهم، فهم لا يسألونني أن أعطيهم صدقة على الكحول رغم أنني لا أبيعها ولن أعطي قروضا على السجائر، لكنهم يسألونني أن أعطيهم شيئا من الخبز أو الجبن أو الحليب أو مناديل الحمامات".
"كانت المتأخرات في دفتري صفرا قبل الأزمة، الآن هناك أكثر من 62 زبونا عليه مستحقات للمتجر في أقل من شهر بما يقرب من ثلاثة آلاف دولار، وأبذل قصارى جهدي ليظل هذا المكان مفتوحا، فالجميع هنا ينتظرون منحة البطالة والشيكات، لكن أنا أعلم أيضا أن بعض هذه الخسائر لن تعود"، يوضح برنل.
وكان الكونغرس قد أقر حزم تحفيز اقتصادية يتم بموجبها صرف 1200 دولار للبالغين و500 دولار للأطفال، لفئات معينة بحسبمستوى الدخل، بالإضافة إلى إعانات للذين فقدوا وظائفهم.
ويضيف برنل "قد لا يبدو هذا المبلغ كبيرا، لكن لدي فواتير علي أن أدفعها مثل الكهرباء والمياه والرهن العقاري على منزلي، لم أتغيب أبدا عن دفع القسط الشهري لمنزلي أبدا حتى جاء دوري هذا الشهر أيضا لأطلب الصفح أيضا وتأجيله".
يرى برنل كيف أصبح الناس مستائين "وكيف جعلهم هذا الوباء مجانين، خاصة وأن الفيروس يضرب مجتمع الأميركيين السود أكثر من غيرهم، إنها نفس القصة القديمة".
وأغلب من يعيشون في حي برنل لديهم أمراض مزمنة وفقراء بسبب طريقة العيش، "إذا كان لديك دولار فهل ستدفعه على الخضروات غالية الثمن أم على الجبن، لذا أصبحنا نحن الآن أكثر عرضة للإصابة بالفيروس بسبب ما كان علينا التعامل معه، ارتداء القناع لن يحمينا من قصة التاريخ المكررة فينا".
فقد برنل أحد زبائنه قبل أيام، وآخر تعيش أخته حاليا تحت التنفس الصناعي، حتى أن والدته مكثت في الحجر الصحي لأسبوعين.
كانت سيدة أخرى تعيش على بعد مبنيين فقط من متجره تأتي إليه دائما، تمر بوقت صعب لأنها فقدت دخلها واحتاجت إلى ما تطعم به نفسها "فبدأت أدون لأول مرة لها ما تأخذه على أن تدفع لي عندما تحصل على الإعانة".
توفيت هذه السيدة الأسبوع الماضي، "فتحت مدونتي لألقي نظرة ووجدت في صفحتها أنه كان عليها 72 دولارا و14 سنتا، فشطبت اسمها".