لجنة التحقيق البرلمانية: ترامب ساعد في تنظيم أعمال الشغب
لجنة التحقيق البرلمانية: ترامب ساعد في تنظيم أعمال الشغب

يتجاوز الهجوم على مبنى الكابيتول الذي وقع في السادس من يناير 2021 حدود الاعتداء والاحتجاج على نتائج الانتخابات الأميركية التي فاز بها الرئيس الديمقراطي الأميركي، جو بايدن، لتصبح نقطة بداية "لتحد دائم للديمقراطية الأميركية"، وفقا للجنة التحقيق النيابية التي تحقق في الحادثة.

وكشفت اللجنة أن الهجوم الذي تسبب في وقوع وفيات، تعود شرارته إلى أيام الانتخابات الرئاسية التي جرت في أواخر 2020، عندما رفض الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، الاعتراف بالنتائج، وأطلق مزاعم "كاذبة" عن تزوير الانتخابات، وأعلن فوزه في حينها.

وأمضى ترامب الأسابيع الثمانية التي تلت الانتخابات في "محاولة غير مسبوقة" لقلب نتائج الفرز، واستدعى مؤيديه إلى واشنطن في السادس من يناير "لإنهاء المهمة".

ورغم الفوضى التي حصلت في مبنى الكابيتول، بقي ترامب حتى في السابع من يناير يرفض اعتبار "الانتخابات الرئاسية منتهية".

وخلال ثماني جلسات استماع، بنت اللجنة قضية تؤكد أن ترامب ساعد في تنظيم أعمال الشغب، لا سيما أنه رفض على مدى ساعات حث مؤيديه على العودة إلى منازلهم. وشددت على أن ترامب لم يعد مناسبا لتولي منصب.

ولم توجه لجنة التحقيق النيابية اتهامات إلى أي شخص بارتكاب جرائم محددة، لكنها أصدرت سجلا عاما لما حصل، يظهر كيف أن "الحادثة تختبر مرونة الديمقراطية" الأميركية.

وفي الوقت الذي يفكر فيه ترامب في جولة رئاسية أخرى، ندد بالإجراءات ووصفها بأنها تشكل "الكثير من الأكاذيب والتضليل".

النائبة الجمهورية، ليز تشيني، تُشارك في التحقيق بشأن الهجوم على مبنى الكابيتول العام الماضي

النائبة الجمهورية ليز تشيني، وهي نائبة رئيس لجنة التحقيق، قالت إن القضية ليست ضد حزبها أو من قبل أعداء ترامب السياسيين.

واتهمت تشيني ترامب بـ"استدعاء الحشد وتجميعه وإشعال فتيل هذا الهجوم"، وأعلنت أنه "رفض لساعات التدخل لوقف" هذا الاعتداء.

وانتقد ترامب بشدة زعيم الجمهوريين في مجلس الشيوخ واللجنة البرلمانية التي تحقق في الاعتداءات، وقال على منصة تروث سوشيل "خضت انتخابات مزورة سرقت مني ومن بلدنا. الولايات المتحدة تتجه إلى الجحيم. هل يجب أن أكون سعيدا؟"، متهما اللجنة بأنها "فاسدة ومنحازة للغاية".

وهاجم ترامب العضو الجمهوري البارز في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل، واصفا إياه بأنه "مخادع رخيص" بعدما بثت اللجنة لقطات فيديو لم تبث سابقا عن سعي ماكونيل إلى إخلاء مبنى الكابيتول ليتمكن الكونغرس من المصادقة على فوز الديمقراطي جو بايدن في الانتخابات.

كما أكد أن ليز تشيني "فاشلة مدعية"، وذلك بعدما وصفته بأنه رجل غير وطني وخطير لتكراره كذبة الانتخابات المزورة.

مدير الحملة الانتخابية لترامب، بيل ستيبين شهد إنه قال "إنه لم يحن الوقت لإعلان فوز" ترامب بالانتخابات، ولكن المحامي الشخصي للرئيس السابق، رودي جولياني شجعه على "القتال".

اللجنة اتخذت خطوة غير عادية بعرض جلسات الاستماع على التلفزيون

وقال ترامب في خطاب ألقاه ليلة الانتخابات "هذا تزوير للرأي العام الأميركي.. بصراحة، لقد فزنا في الانتخابات".

وعلى مدى الأسابيع الثمانية التالية حارب ترامب في المحاكم وطعن في نتائج الانتخابات، وعندما رفض القضاة مزاعم تزوير الانتخابات، تمسك الرئيس السابق بخطة أخرى، اقترحها أستاذ القانون، جون إيستمان، بالطعن في النتائج عندما يجتمع الكونغرس للتصديق على الانتخابات.

والتقى ترامب بعدد من أعضاء الكونغرس الذين سيرفضون نتائج الانتخابات، وشجع الناخبين على إرسال اسمه إلى الكونغرس باعتباره الفائز بدلا من بايدن.

المدعي العام السابق، بيل بار قال في شهادته وفي مقابلة مع وكالة أسوشيتد برس إنه أبلغ الرئيس إنه "لم يكن هناك تزوير".

وكشفت لجنة التحقيق أنها وجدت أدلة تشير إلى أن الهجوم على مبنى الكابيتول لم يكن عفويا، ولكنه نتيجة تصرفات الرئيس السابق.

ودعا ترامب مؤيديه حينها إلى واشنطن، وتحدث أمام الحشود وأرسلهم في مسيرة إلى مبنى الكابيتول. وقال لهم إنه سيرافقهم أيضا.

وسارع مستشار البيت الأبيض، بات سيبولوني إلى منع ترامب من الذهاب إلى الكابيتول، إذ كان يشعر بقلق شديد من أن ينظر لترامب على أنه يتدخل في الانتخابات الرئاسية.

وأشارت النائبة تشيني إلى أن ترامب "لم يلتقط هاتفه مرة واحدة ليأمر إدارته بمد يد المساعدة". 

ودانت محكمة فيدرالية، الجمعة، ستيف بانون، المستشار السابق المقرب من ترامب، بعرقلة تحقيق الكونغرس بعد رفضه التعاون مع اللجنة المعنية بالهجوم على مبنى الكابيتول.

لجنة تحقيق برلمانية تجد دليلا على "تآمر" ترامب في اقتحام الكابيتول

وبانون البالغ الثامنة والستين شخصية يمينية شعبوية في الولايات المتحدة وكان مديرا لحملة ترامب الناجحة في 2016. وسيصدر الحكم بحق بانون في أكتوبر. 

وتداولت هيئة المحلفين في محكمة فيدرالية بواشنطن لنحو ثلاث ساعات الجمعة، وتوصلت إلى أنه مذنب في التهمتين الموجهتين إليه. وهو يواجه عقوبة السجن ما بين شهر وسنة لكل من هاتين التهمتين.

وأشاد رئيس لجنة التحقيق البرلمانية حول هجوم الكابيتول، بيني تومسون، ونائبته تشيني، بقرار المحكمة باعتباره "انتصارا لسيادة القانون". 

وقالا في بيان "مثلما يجب محاسبة كل شخص مسؤول عن أحداث 6 يناير، فإن كل من يعرقل تحقيقنا ... يجب أن يواجه العواقب".

الذئاب المنفردة

فجر أول أيام يناير، 2025، وثقت كاميرا مثبتة على جسم أحد أفراد الشرطة الأميركية لحظات محاصرة شمس الدين جبّار، منفّذ عملية الدهس في مدينة نيو أورلينز الأميركية، أثناء محاولته الهروب بينما تناثرت أجساد ضحاياه على الأرض من حوله.

تحوّلَ جبّار من رقيب سابق في الجيش الأميركي، إلى إرهابي قاتل لـ 14 ضحية، ساقتهم الأقدار  إلى شارع بوربون الشهير للاحتفال بليلة رأس السنة.

يروي عباس الداهوك، وهو عقيد سابق في الجيش الأميركي، في مقابلة مع الحرة، أن حياة جبار كانت مليئة بالمشكلات، وكانت لديه خطة لجمع عائلته في مكان واحد لارتكاب العنف ضد أفرادها. لكنه في اللحظة الأخيرة قرر العدول عن تنفيذ الخطة، وسلك طريقا مختلفا. 

قاد شاحنته، وعليها علم داعش، ليفتك بأبرياء عزّل في مدينة نيو أورلينز. لم يُستبعد ارتباطه بالتنظيم الإرهابي، لكن على الأرجح كان يتصرف كذئب منفرد.

صباح اليوم نفسه، على بُعد 1700 ميل إلى الغرب، أطل الإرهاب بوجهه البشع مرة أخرى.

أمام فندق يعود للرئيس دونالد ترامب، في مدينة لاس فيغاس، انفجرت شاحنة كهربائية، بعد انتحار مستأجرها ماثيو ليفلسبيرغر، الرقيب الأول في القوات الخاصة الأميركية. 

يقول كولن كلارك، الخبير في قضايا الإرهاب، إن هذا كان أشبه بعرض لجذب الانتباه إلى ما كان للأسف نوعا من التشتّت الذهني لشخص ربما كان يعاني بشدة من اضطراب ما بعد الصدمة.

ويضيف أنه بعد 20 عاما من تركيز ضيّق للغاية على نوع واحد من الإرهاب، وهو الإرهاب الجهادي، "أدركنا الآن أن الأمور أكثر تعقيدا".

يشير كلارك إلى مفهوم الذئب المنفرد، أي كيف يمكن لشخص ما، من دون مقدمات، أن يتحوّل في أي بقعة من العالم، إلى ذئب منفرد يتبربص بضحاياه الغافلين، ليفتك بهم وينشر الرعب.

الذئب المنفرد، بحسب وزارة العدل الأميركية، هو شخص ينفّذ بمفرده هجوما إرهابيا ضد مجتمع يكون هو جزءا منه، بدوافع سياسية أو دينية، ولغرض التأثير على الرأي العام، أو عملية صنع القرار السياسي. وقد يستلهم أفكاره من مجموعة أو شبكة معينة، ولكنه لا يكون خاضعا لقيادتها.

برنامج "الحرة تتحرى" يعود بملف الذئاب المنفردة إلى بدايات هذا النوع من الإرهاب، وكيف تنامى، ويعرض أبرز الهجمات، ودوافع منفذيها، والأيديولوجيات التي تبنوها، إضافة إلى شرح الكوامن النفسية التي تدفع شخصا ما عن سابق إصرار وترصّد، إلى قتل آخرين، يراهم غالبا للمرة الأولى، وهو يدرك أنه سيدفع حياته ثمنا لذلك.

بحسب أحمد سلطان، الباحث في الأمن الإقليمي والإرهاب، يصعب في الغالب الكشف أو التنبؤ بهجمات الإرهابي الوحيد أو الذئب المنفرد، لأنك لا يمكن أن تراقب المجتمع بالكامل، كما أن الذئب المنفرد لا تظهر عليه أي علامات سابقة على تنفيذه الهجوم. 

في المقابل، يرى رامون سباي، وهو عالم اجتماع متخصص بظاهرة الذئاب المنفردة في ملبورن، أستراليا، أنه بمرور الوقت، أصبح إرهاب الذئاب المنفردة يشكّل نسبة أكبر بكثير من إجمالي الهجمات الإرهابية، وأن سياق هذه الهجمات، ورغم أن منفذيها أفراد، غالبا ما تكون نسخة متطرفة، أو تعبيرا عن الصراعات المجتمعية الأوسع الجارية في ذلك الوقت.

أما وائل سلامة، طبيب نفسي عمل على حالات لإرهابيين في السجون اللبنانية، فيؤكد أن هذه الحالات هي بلا شك نوع من البحث عن هوية.

"بالنسبة له (الذئب المنفرد) حتى عندما يتم قتله يصل إلى الغاية المنشودة، فالغاية الأساسية من الجريمة، أن يثبت قدراته".

قد يكون مصطلح "الذئاب المنفردة" حديث العهد، لكن فعل الهجوم الأحادي، ظهر قبل قرنين من الزمان.

يعود تاريخ الهجمات الأحادية، بحسب رامون سباي مؤلف كتابين عن إرهاب الذئاب المنفردة، إلى القرن التاسع عشر، لما يُعرف بإرهاب "الأناركية"، وهي تستند إلى فلسفة سياسية، وكان لديها استراتيجية تسمى "المقاومة القانونية"، و"الدعاية بالفعل".

وتتضمن استراتيجيتها ارتكاب أعمال عنف جماعي بشكل متفرق، وليس كجزء من مجموعة منظمة، من خلال قيام أفراد بشن هجمات عنيفة على مسؤولين حكوميين، رؤساء دول، وعائلات ملكية.

يشتق مصطلح الأناركية من الكلمة اليونانية "أنارخيا"، التي تعني بدون حاكم.

اكتسف فلسفة الأناركية شهرة في القرن التاسع عشر، ودعت إلى مجتمع بلا حكومة، أو هياكل هرمية.

في حديث مع "الحرة"، يقول ستيف كيليليا، مؤسس ومدير معهد الاقتصاد والسلام، الذي ينشر تقارير سنوية عن مؤشرات الإرهاب في العالم، إن مفهوم الذئب المنفرد، بدأ بالظهور فعليا في الفترة بين عامي 1870 و1930، مع حركة الأناركية في أوروبا والولايات المتحدة.وقد تكون إحدى أبرز هجمات هذه الحركة اغتيال الرئيس الأميركي، وليام ماكينلي، عام 1901.

أُعدم قاتل الرئيس، الأناركي ليون تشولغوش، بالكرسي الكهربائي، لكن هجمات الحركة استمرت على مدى عقود. وفي نهاية السبعينيات، شغل إرهابي مجهول الهوية السلطات الأميركية لسبعة عشر عاما كاملا.

وفق تقرير مكتب التحقيقات الفيدرالي أرسل هذا الشخص، أو سلّم باليد، سلسلة من القنابل التي كانت تزداد تطوراً، وأسفرت عن مقتل ثلاثة أميركيين، وإصابة أكثر من عشرين آخرين. 

يخبر سباي فريق "الحرة تتحرى" أنه منذ التسعينيات، ومع صعود اليمين المتطرف، بدأت فعلياً استراتيجية الذئب المنفرد أو الفاعل المنفرد، واستُخدم المصطلح بشكل أكثر تحديدا وانتشارا بواسطة نشطاء اليمين خاصة المتطرفين منهم.

وظهر كثير من "الذئات المنفردة" يضيف سباي، في صفوف اليمين المتطرّف، وذلك نتيجة استراتيجية تسمى "المقاومة بلا قائد"، وهي طريقة لمنع اختراق أو تفكيك جماعة أو منظمة من قبل وكالات إنفاذ القانون، وهي أيضا وسيلة لحماية القيادة، من خلال جعل الأشخاص يتصرفون بشكل فردي، فإذا تم القبض عليهم، فلن يكون لديهم تفاصيل عن الشبكة أو المخطط الأكبر.

لا يقتصر وجود الإرهاب على طريقة الذئاب المنفردة على الولايات المتحدة، بل يمتد عبر الأطلنطي إلى القارة العجوز.

بحسب ستيف كيليليا مؤسس ومدير معهد الاقتصاد والسلام في أستراليا، فإن عددا من الدول التي لم تتعرض لهجمات في السنوات الخمس الأخيرة، شهد عام 2024 ثماني هجمات ذئاب منفردة في السويد. وفي كل من فنلندا وهولندا والدنمارك وقع هجومان، وتصاعدت الهجمات من هذا النوع في دول أخرى مثل النرويج.

أما ألمانيا، فمن أكثر الدول الغربية تعرضا للإرهاب، ومنها هجمات ذئاب منفردة. 

قبيل عيد الميلاد عام 2024، نفّذ طالب العبد المحسن، طبيب نفسي من أصول سعودية، عملية دهس في سوق مزدحم، في مدينة ماغديبورغ الألمانية، أدت إلى مقتل خمسة أشخاص، وإصابة مئات آخرين.

طبقا لتقارير متخصصة، 93 في المئة من الهجمات الإرهابية المميتة في الغرب خلال السنوات الخمس الماضية نفذت بواسطة "ذئاب منفردة". فما الذي يجذبهم إلى هذا الأسلوب دون سواه؟ 

يجيب أحمد سلطان، الباحث في الأمن الإقليمي والإرهاب، بأن الأسهل هي هجمات الذئاب المنفردة لأنها طبعا أصعب في الكشف والتوقع. ويعني أنها يمكن أن تحدث في أي وقت وأي مكان، "أما الهجمات المنسقة فتحتاج للموارد، وتأخذ وقتا طويلا في التجهيز والتخطيط والتنفيذ".

قد يبدو الفعل بعدائيته نابعا من قوة، إلا أن علم النفس له رأي آخر.

في الجزء الأكبر منه هو ناتج عن عقدة نقص "دائما ما تدفع بالشخص ليبالغ بردة الفعل"، ، يقول وائل سلامة، الطبيب النفسي، فمن ناحية المجرم أو الإرهابي فهو "يريد أن يضخم بجريمته لتضخيم ردة الفعل وبالتالي يغذي عقدة النقص الموجودة لديه".

يخبر رامون سباي "الحرة" أن ما لاحظه في كثير من حالات الذئاب المنفردة التي درسها هو أنه "بمرور الوقت يحدث تحوّل حقيقي في هويتهم"، فيرون ارتكاب العنف عملا ثوريا يمنحهم شعورا بالوجود والأهمية،  ... والإحساس القوي بالاستقامة الأخلاقية والتصرّف باسم الحق والخير"، رغم أن ما يقومون به هو فعل إجرامي ضحاياه في الغالب أناس أبرياء يُستهدفون بينما هم منشغلون بشؤونهم اليومية.