المنطاد الصيني قبالة سورفسيد بيتش ‏
المنطاد الصيني قبالة سورفسيد بيتش ‏

أعلن البيت الأبيض، الأربعاء، أن الصين أطلقت "في السنوات الأخيرة.. أسطولا من المناطيد المخصصة لعمليات تجسس" في أنحاء العالم كافة.

وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض، كارين جان-بيار، في مؤتمر صحفي على متن الطائرة الرئاسية "إير فورس وان"، إن "مناطيد صينية رُصدت فوق دول في القارات الخمس" وقد "انتهكت سيادة" هذه الدول.

ويأتي هذا التصريح بعد أن كشفت مصادر استخباراتية أميركية أن المنطاد الصيني الذي أسقطه سلاح الجو الأميركي، السبت الماضي، كان ضمن برنامج مراقبة صيني أوسع يديره الجيش الصيني، وفق صحيفة واشنطن بوست الأميركية وشبكة "سي أن أن".

ونقلت الشبكة عن عدد من المسؤولين الأميركيين، المطلعين على المعلومات الاستخباراتية، القول إن برنامج المراقبة، الذي يتضمن عددا من المناطيد المماثلة، نفد جزئيا من مقاطعة هاينان في جنوب الصين.

وذكرت واشنطن بوست أن البرنامج يهدف إلى كشف معلومات عن الأصول العسكرية في البلدان والمناطق ذات الأهمية الاستراتيجية للصين، مثل اليابان والهند وفيتنام وتايوان والفلبين، وأوضحت أن بكين تستفيد من التكنولوجيا التي تزودها بها شركة صينية، خاصة في إطار برنامج لتطوير التقنيات والقدرات المدنية لصالح جيش التحرير الشعبي.

وقالت الصحيفة إن واشنطن أحاطت حلفاءها وشركاءها بما لديها من معلومات عن هذا البرنامج، مشيرة إلى أن نائبة وزيرة الخارجية، ويندي شيرمان، تحدثت إلى دبلوماسيين من حوالي 40 سفارة، وأرسلت الوزارة إلى كل السفارات الأميركية "معلومات مفصلة" عن التجسس الصيني يمكن مشاركتها مع الحلفاء والشركاء.

وفي حين لا تعرف الولايات المتحدة الحجم الدقيق لأسطول مناطيد المراقبة الصينية، كشفت المصادر لـ"سي أن أن"  أن البرنامج نفذ 20 مهمة على الأقل في خمس قارات على الأقل خلال السنوات الماضية، من بينها 6 مهام داخل المجال الجوي الأميركي، وليس بالضرورة فوق الأراضي الأميركية.

وقالت المصادر إن جميع البالونات التي شوهدت في جميع أنحاء العالم، لا تنتمي بالضبط إلى نفس النوع الذي تم إسقاطه قبالة ساحل ولاية ساوث كارولاينا الأميركية فوق المحيط الأطلسي، لكن هناك "نماذج متعددة".

أف-22 رابتور ظهرت في الحرب ضد "داعش"
أول عملية من نوعها.. كيف أسقطت أف 22 المنطاد الصيني بارتفاع شاهق؟
استخدم الجيش الأميركي مقاتلة من طراز أف-22 رابتور التكتيكية لضرب المنطاد الصيني لتكون المرة الأولى التي تستخدم فيها هذه المقاتلة لضرب هدف في الجو منذ ظهورها لأول مرة في الحرب ضد تنظيم "داعش" في سوريا والعراق قبل نحو عقد من الزمان، وفق بلومبيرغ

وفي أعقاب عملية السبت الماضي، كان قد تم اكتشاف منطاد آخر يحلق فوق أميركا اللاتينية، قالت بكين إنه معد لأغراض علمية، وهي عبارات مماثلة لما صرحت به بعد اكتشاف منطاد المراقبة الذي أسقطته الولايات المتحدة.

ونقلت صحيفة وول ستريت جورنال عن مسؤولين أميركيين، لم تسمهم، قولهم إن المنطاد الثاني شوهد وهو يمر عبر أميركا الوسطى والجنوبية، ووصفوه بأنه جزء من أسطول من مناطيد المراقبة التي تديرها الصين.

بالون يطير في السماء فوق مونتانا بالولايات المتحدة في 1 فبراير 2023
اكتشاف بالون صيني فوق أميركا اللاتينية يزيد حرج بكين ويعقد العلاقات مع واشنطن
أكدت الصين أنها مصدر بالون تم اكتشافه يحلق فوق أميركا اللاتينية، وقالت إنه بالون معد لأغراض علمية، وهي عبارات مماثلة لبالون المراقبة المشتبه به الذي أسقطته الولايات المتحدة خلال عطلة نهاية الأسبوع.

ورفضت السفارة الصينية في واشنطن التعليق لـ"سي أن أن" بشأن فكرة وجود برنامج مراقبة صيني.

"فريق النخبة"

وتورد "سي أن أن" أن فريقا من "النخبة" في مختبر حكومي بولاية فرجينيا الأميركية يعملون على تحليل بقايا المنطاد التي تمت استعادتها، في محاولة لمعرفة المعلومات الاستخباراتية التي ربما جمعها وأفضل طريقة لتتبع مثل هذه المناطيد في المستقبل.

ويتكون الفريق من عملاء ومحللين ومهندسين وعلماء مسؤولين عن إنشاء برامج مراقبة تقنية وتحليل تلك الخاصة بخصوم الولايات المتحدة.

وقالت المصادر المطلعة على هذا الجهد إن المسؤولين يسعون لمعرفة القدرات التقنية للمنطاد، مثل البيانات التي يمكنه اعتراضها وجمعها، والأقمار الصناعية التي تم ربطه بها، وما إذا كانت بها أي نقاط ضعف قد تكون الولايات المتحدة قادرة على استغلالها.

تحقيق مستمر

وسيعمل الفريق الذي يشرف عليه مكتب التحقيقات الفيدرالي (أف بي آي) على معرفة ما إذا كان المنطاد مزودا بالقدرة على نقل البيانات التي تم جمعها في الوقت الفعلي إلى الجيش الصيني، أو ما إذا كان  يحتوي على جهاز يمكن أن تحلله بكين لاحقا.

ويقول مسؤولو الدفاع الأميركي إن الولايات المتحدة جمعت أدلة مهمة أثناء عبور المنطاد يمكنها إجابة بعض هذه الأسئلة، مثل بعض المعلومات عن أنواع الإشارات التي كان يبعث منها أثناء تحليقه، وفقا لمسؤول دفاعي تحدث للشبكة.

وستحاول الولايات المتحدة أيضا معرفة المزيد عن أولويات جمع المعلومات الاستخباراتية للصين في الولايات المتحدة، وفق تقرير "سي أن أن".

ويقول المسؤولون إن السؤال الأكبر الذي لم يتم الرد عليه يظل نية الصين، وبينما تواصل بكين التأكيد أنه كان منطاد طقس انحرف عن مساره وأن مساره فوق الولايات المتحدة كان حادثا، ترفض وزارة الدفاع الأميركية هذه الرواية.

وقال العديد من مسؤولي الدفاع ومصادر أخرى، اطلعت على المعلومات الاستخباراتية، إن التفسير الصيني ليس ذي مصداقية، ووصفوا مسار المنطاد بأنه متعمد.

منطاد صيني في أجواء كارولينا الشمالية - أرشيفية
المنطاد الصيني.. تفاصيل اجتماعات بايدن ومساعديه والرد الصيني المحتمل
ليست المرة الأولى التي تكتشف فيها الولايات المتحدة مناطيد صينية فوق الأراضي الأميركية، إلا أنها المرة الأولى التي تأخذ القضية هذه المسارات التي تخللتها أحداث واجتماعات لكبار المسؤولين الأميركيين، كما حملت الحادثة دلالات سياسية ودبلوماسية كبيرة في واشنطن وبكين

وأشار مصدر مطلع على عملية مكتب التحقيقات الفيدرالي إلى أن التحقيقات الجارية تحاول معرفة وجود أي تشابه بين التقنية المستخدمة في المنطاد وأي تقنية عسكرية أميركية، بالنظر إلى تاريخ الصين الطويل في سرقة الأسرار الدفاعية الأميركية.

وكان مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي، كريستوفر راي، عام 2020 إن التجسس الصيني يمثل "أكبر تهديد بعيد الأمد لممتلكات بلدنا المعلوماتية والفكرية ولحيويتنا الاقتصادية"، وفق فرانس برس.

وقال الرئيس الأميركي الأسبق، باراك أوباما، عام 2015، إن نظيره الصيني شي جينبينغ تعهد بعدم القيام بأي عمليات تجسس إلكتروني تجارية، لكن تصريحات صدرت لاحقا من واشنطن أكدت مواصلة الممارسة.

وقالت مصادر "سي أن ان" في التقرير الأخير إن التحليل الكامل للحطام سيستغرق فترة زمنية غير محددة، في حين يؤكد مسؤولو الدفاع على أن الولايات المتحدة عرفت المزيد عن قدرات المنطاد من خلال السماح له بالمرور فوق الولايات المتحدة أكثر مما كانت ستعرف بإسقاطه على الفور، وهو قرار انتقده بعض المشرعين الأميركيين.

ولكن، وفقا لأحد أعضاء لجنة المخابرات بمجلس النواب: "هناك عدد من الأسباب لعدم قيامنا بذلك. نريد أن نجمع المعلومات.

وسائل التجسس الصيني

ونشرت فرانس برس تقريرا عن بعض الوسائل التي طورتها بكين في السنوات الأخيرة للتجسس على الولايات المتحدة، من أهما الحرب الإلكترونية.

وتشير الوكالة إلى أن الصين باتت ماهرة في قرصنة الأنظمة الحاسوبية للدول الخصوم لسرقة الأسرار الصناعية والتجارية، وفق باحثين ومسؤولين استخباراتيين غربيين. 

وكان قراصنة صينيون اخترقوا أنظمة البريد الإلكتروني التابعة لـ"مايكروسوفت" ووزارة الطاقة الأميركية وشركات المرافق العامة والاتصالات والجامعات، بحسب بيانات الحكومة الأميركية وتقارير إعلامية.

وتغلغلت المخاوف من التهديد الصيني في قطاع التكنولوجيا، وسط مخاوف من أن الشركات المرتبطة بالدولة ستكون ملزمة مشاركة المعلومات الاستخباراتية مع الحكومة الصينية. 

طائرة تحلق بالقرب من بالون تجسس صيني في 4 فبراير 2023
كانت قصيرة المدة.. مناطيد صينية حلقت سابقا فوق الولايات المتحدة ولم يتم اكتشافها
كشف عدد من المسؤولين بإدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، عن إرسال الصين سابقا "منطايد مراقبة" على ارتفاعات عالية فوق الولايات المتحدة لم يتم اكتشافها حتى بعد مغادرة المجال الجوي للبلاد، وفقا لتقرير لصحيفة "وول ستريت جورنال".

وفي عام 2019، اتهمت وزارة العدل الأميركية مجموعة "هواوي" العملاقة للتكنولوجيا بالتآمر لسرقة بيانات تجارية أميركية والالتفاف على العقوبات المفروضة على إيران وغير ذلك من الجرائم. 

واعتمدت بكين على مواطنين صينيين في الخارج للمساعدة في جمع المعلومات الاستخباراتية وسرقة التكنولوجيا الحساسة، بحسب خبراء ونواب أميركيين وتقارير إعلامية. 

ولعل واحدة من أبرز القضايا كانت قضية جي تشاوكون، الذي حُكم عليه في يناير بالسجن ثماني سنوات في الولايات المتحدة، لتمريره معلومات عن تجنيد أهداف محتملين لصالح الاستخبارات الصينية.

والعام الماضي، قضت محكمة أميركية بسجن ضابط استخبارات صيني 20 عاما لسرقته تكنولوجيا من شركات صناعات جوفضائية أميركية وفرنسية. 

وأُدين الرجل واسمه شو يانغون بلعب دور بارز في خطة دعمتها الدولة الصينية مدتها خمس سنوات لسرقة أسرار تجارية من "جي إي للطيران"، التي تعد إحدى مجموعات صناعة محركات الطائرات الأبرز في العالم و"مجموعة سافران" الفرنسية.

توقيت حساس

كانت "سي أن أن" نقلت في تقرير عن مسؤولين قولهم إن توقيت حادثة المنطاد في الولايات المتحدة كان "مقصودا" إذا أنه حدث في نفس الأسبوع الذي كان من المقرر أن يغادر فيه وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، إلى الصين، وهي زيارة كان يُنظر إليها على أنها تتويج لقمة بايدن ونظيره الصيني شي جينبينغ أواخر العام الماضي.

وجاءت هذه النتائج الإيجابية للقمة بعد وقف معظم الاتصالات، في أعقاب زيارة رئيسة مجلس النواب السابقة، نانسي بيلوسي، إلى تايوان.

وقال المسؤولون إن إرسال المنطاد قبل سفر بلينكن "لم يكن منطقيا"، لأنه كان من شأن ذلك "تحطيم" كل جهود تقريب البلدين

اليمين الجديد في الولايات المتحدة

الانتقال "من الشرفة إلى الفناء الخلفي،" هو ما تنبأ به الكاتب ريتشارد توماس في مقال عام 1975، ولكن ليس في التصميم المعماري فحسب، بل في التحوّل العميق داخل المجتمع الأميركي.

في مقاله تحدث توماس عن  تغير خريطة بناء المنازل في أميركا، وتحديدا نقل الشرفات في التصاميم الجديدة من الواجهة إلى الفناء في الحيز الخلفي.

يعكس هذا التغير تحولا من الاهتمام بالعلاقة مع الآخرين إلى التركيز على الخصوصية، يقول باتريك دينين، أستاذ النظرية السياسية في جامعة نوتردام، صاحب كتابي "تغيير النظام،" و"لماذا فشلت الليبرالية"، في تعليق على مقال توماس.

بتعبير دينين، كانت الشرفة الأمامية - وهي تسمح بالتواصل بين أصحاب المنزل والعابرين في الشارع - رمزا للمجتمع الصغير النابض المهتم بذاته، بينما "عكس الفناء أنماط السكن الجديدة والرغبة المتزايدة في الخصوصية والانسحاب من التفاعل مع الجيران".

"ومع تقلص الحاجة إلى التفاعل مع الجيران يتقلص الشعور بالانتماء للمجتمع، وتتضاءل فرصة حكم الناس لأنفسهم، ويتلاشى المجتمع المدني والمكان الذي "تعلمنا فيه أنه لا يوجد فصل تام بين العالمين العام والخاص، بالمعنى الدقيق للكلمة".

دينين أحد المؤثرين في تفكير نائب الرئيس الأميركي، جي دي فانس، الذي أشاد بكتاب "تغيير النظام" في ندوة نقاش عام 2023، بحضور المؤلف.

يتحدث دينين، في كتابه، عن "ثورة سلمية" لاستبدال الليبرالية وتعزيز القيم المحافظة المؤيدة للأسرة والعمال، وإجراءات مثل التعريفات الجمركية والحوافز التصنيعية.

وفي مقال بعنوان "Why They Hate Us،" يقدم دينين تعريفا لما يسميه "النظام ما بعد الليبرالي".

"يهدف (النظام ما بعد الليبرالي) إلى تذكير الناس ليس فقط بوجود تقاليد لا-ليبرالية وناخبين لا-ليبراليين، بل أيضا بأن هذا النظام متفوق على التجربة الليبرالية التي تجرد البشر من إنسانيتهم ​​وتقسمهم وتقتلعهم" من الجذور.

ينهل النظام ما بعد الليبرالي، وفقا لدينين، من الحكمة القديمة وتعاليم العصور الكلاسيكية والمسيحية، "وهي الحكمة التي رفضها مهندسو الليبرالية صراحة أو أضعفوها بالاستيلاء عليها وتوظيفها".

في ندوة 2023 مع دينين، عرّف فانس نفسه بأنه عضو في "اليمين ما بعد الليبرالي".

ووصف دوره في الكونغرس، آنذاك، باعتباره "مناهضا للنظام بشكل صريح".

وأشاد دينين، من ناحيته، باختيار ترامب _ في يوليو الماضي - جي دي فانس مرشحا لمنصب نائب الرئيس.

"رجل يتمتع بإيمان شخصي عميق ونزاهة، رجل عائلة مخلص، وصديق كريم، ووطني حقيقي"، قال دينين عن فانس.

وخلال السنوات القليلة الماضية، برز فانس في طليعة تيار  "اليمين الجديد".

أصحاب اليمين الجديد

يمثل "اليمين الجديد" الأميركي، المعروف أيضا بـ"تيار ما بعد الليبرالية" افتراقا أيديولوجيا هاما عن "الفكر المحافظ" التقليدي، ويرتبط بشكل وثيق، وفق رأي كثيرين، مع "الترامبية"، نسبة إلى الرئيس دونالد ترامب.

هذه الحركة تنتقد الليبرالية الكلاسيكية والليبرالية لتركيزهما على استقلالية الفرد، والأسواق الحرة، وحياد الحكومة في ما يتعلق بالقيم الأخلاقية والاجتماعية العامة.

ويقول سهراب احمري، وهو منظر محافظ، في مقال يعود لأكتوبر  2019، إن الجيلين الماضيين من المحافظين اهتموا بالحرية الفردية في مواجهة الشمولية الشيوعية والضوابط "The regulations" الحكومية.

يحتاج الجيل الحالي من المحافظين الأميركيين، وفقا لاحمري، إلى سياسة تركز على معالجة أزمات تتعلق بـ"التفككك والتجزؤ الاجتماعي والتشش الأخلاقي".

يؤمن ما بعد الليبراليين بأن المُثل الليبرالية أدت إلى التفكك المجتمعي، والتفاوت الاقتصادي، والتدهور الثقافي.

سياسيا، يتمثل جوهر الفكر ما بعد الليبرالي في الدعوة إلى جهاز دولة قوي يعمل على تعزيز المصلحة العامة، والتماسك الاجتماعي، والهوية الوطنية.

ويؤكد مفكرون، مثل باتريك دينين وسهراب احمري، على ضرورة تدخل الدولة لتعزيز البنى الأسرية التقليدية، وقيم المجتمع، والاستقلال الوطني.

من الناحية الاقتصادية، يبتعد "اليمين الجديد" عن عقيدة السوق الحرة، لصالح التدابير الحمائية، والتشكيك في جدوى العولمة.

ويتبنى أيضا فكرة إنعاش التصنيع المحلي ومعالجة الإهمال والظلم الذي طال الطبقة العاملة الأميركية، بما يتماشى مع تركيز ترامب على التعريفات الجمركية والقومية الاقتصادية.

ويتميز ثقافيا بالدفاع عن تراث الحضارة الغربية، ومعارضة الحركات الاجتماعية التقدمية، والتركيز على الهوية الوطنية. ويشمل ذلك سياسات هجرة صارمة، وانتقاد للتعددية الثقافية، مما يعكس رغبة في الحفاظ على ثقافة وطنية متماسكة.

ويزعم النقاد بأن مثالية "ما بعد الليبرالية" وغموضها النظري يمكن أن يؤديا إلى نزعات تطمس الحدود الفاصلة بين سلطة الدولة والحريات الفردية.

"من الصعب إطلاق وصف محدد لهؤلاء،" يقول لموقع "الحرة" كلاي رايزين، مراسل صحيفة نيويورك تايمز.

تقليديا، يحذر الشخص المحافظ من التغييرات الكبيرة، يتحرك ببطء، ويشكك في الإصلاح، يضيف رايزين، لكن المفارقة أن "معظم الأشخاص المحيطين بترامب وفي إدارة ترامب الآن هم عكس كل ما سبق".

يميل هؤلاء إلى التحرك بسرعة لإحداث التغيير، يتابع رايزين.

وفي مقال يعود إلى أغسطس الماضي، يشير مراسل نيويورك تايمز إلى أن مصطلح "اليمين الجديد" شاع حديثا بالإشارة إلى مجموعة من المثقفين والسياسيين الجمهوريين الذين يعملون على تحويل الترامبية إلى أيديولوجية متماسكة.

ويعزو بيتر روف، وهو إعلامي وكاتب عمود صحفي الحراك النشط لقادة اليمين الجديد إلى أن ترامب نفسه سياسي وقائد انتقالي أو حركي إلى حد كبير".

ويضيف في حوار مع موقع "الحرة" أن ترامب يبحث عن الصفقة الأفضل، وبهذا المعنى، هو يجد نفسه وضع مريح في ما يتعلق بطرح الأفكار على الطاولة والتفاوض. هو ليس جامدا".

ويذهب كثيرون إلى أن الترامبية مثلت بداية حزب جمهوري جديد، يشكل "قطيعة حادة" مع أفكار الحزب ومبادئه على مدى عقود خلت.

من ناحية أخرى، يربط مؤرخون ومحللون سياسيون بين أفكار اليمين الجديد وأجندة محافظة تعود إلى ثلاثينيات القرن العشرين.

كانت تعارض مجموعة برامج وإصلاحات داخلية وضعها الرئيس فرانكلين روزفلت بين عام 1933- 1938 أثناء فترة الكساد الكبير 1929 - 1939.

وضع روزفلت نموذجا لكيفية عمل الحكومة الفيدرالية، لكن قادة في الحزب الجمهوري رفضوا ذلك النموذج، ورفضوا كذلك ما تلاه من تغييرات وإصلاحات في الخمسينيات والستينيات أثناء عهدي أيزنهاور وجونسون.

اليمين الجديد والترامبية

"يجب أن نتعامل بحذر مع المصطلح،" يقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة ولاية نيويورك في كورتلاند، روبرت سبيتزر، الذي تواصل مع موقع الحرة عبر البريد الإلكتروني.

يرى سبيتزر أن أصحاب "اليمين الجديد" يمثلون "الواجهة التجارية لترامب،" حسب تعبيره.

وفي حين أن أنصاره يعتنقون عموما قيما محافظة، يضيف سبيتزر، فإن ما يميزهم هو الولاء الشخصي لترامب، أي أنهم "محافظو ترامب" الذين يتجاوز ولاؤهم الاعتبارات الأخرى.

وفي تصريح لموقع "الحرة"، قال أستاذ العلوم السياسية، مدير الإدارة السياسية في جامعة "جورج واشنطن" الأميركية، تود بيلت، أن ما يسمى "اليمين الجديد" هو جناح لحركة "ماغا" لأنه مرتبط عضويا بترامب كفرد ولا يعبر عن أيديولوجيا متماسكة، وفق رأيه.

الرد على "غياب التماسك الأيديولوجي"

يقول مفكرو اليمين الجديد بأن فكرتهم الأساسية تقوم على الرفض المتعمد للافتراضات التأسيسية الليبرالية. ويذهب باتريك  واحمري وآخرون، إلى أن الحركة متجذرة في ما يسمونه بـ "The conservatism of the common good" أو "محافظية الصالح العام،" أو في "نظام ما بعد ليبرالي" يستند إلى التقاليد الكلاسيكية والمسيحية.

ويجادل ما بعد الليبراليين بأن تماسكهم الفكري يقوم على التزاماتهم المشتركة بـ:

السلطة الأخلاقية للتقاليد والمجتمع، وإعادة تأكيد الاستقلالية والهوية الوطنية، سياسة اقتصادية تخدم الأسر والعمال على حساب الأسواق، دور أقوى للدولة في تعزيز الفضيلة والاستقرار.

يجادل باتريك دينين، على سبيل المثال، بأن الليبرالية نفسها كانت تجربة جذرية حررت السياسة من التزامات أخلاقية أعمق.

ويدعو في كتابه "تغيير النظام" إلى تشكي لنخبة "مضادة" تحكم بما يخدم الصالح العام لا الحياد، ويشير إلى أن تماسك ما بعد الليبرالية يكمن في الوضوح الأخلاقي والفلسفي، لا في التعقيد السياسي.

وينتقد حمري، في كتابه "شركة الاستبداد"، النزعات الليبرالية والنيو ليبرالية في كلا الحزبين، ويدعو إلى استعادة التضامن، لا سيما من خلال التدخل الاقتصادي والحوكمة الأخلاقية.

يعترف ما بعد الليبراليين بأن حركتهم لا تزال في طور التبلور، لكنهم يجادلون بأن أزمة الليبرالية قد أوجدت مساحة لتماسك أيديولوجي جديد - لا يقوم على الفردية المجردة، بل على الرسوخ والفضيلة، ورؤية جديدة للعدالة والسلطة.

ويؤكد باتريك دينين، في كتابه "تغيير النظام: نحو مستقبل ما بعد ليبرالي"، أن الليبرالية أدت إلى تفكك المجتمع وتآكل الروابط المجتمعية. ويدعو إلى "إطاحة سلمية، ولكن قوية بطبقة حاكمة ليبرالية فاسدة ومفسدة" لإقامة نظام ما بعد ليبرالي يقدم المصلحة العامة على استقلالية الفرد.

ويعتقد أن دينين واحمري هم جزء مما يطلقون عليه "محافظية وطنية".

ويضيف روف قوله: " أنا أنظر إليها باعتبارها تيارا يمينيا اجتماعيا. هم يحاولون وضع إطار أيديولوجي تحت الترامبية لجعلها شيئا مفهوما بالنسبة للناخبين، وقابل للتحديد بالنسبة المحللين السياسيين والصحفيين. الأمر يشبه إلى حد ما بناء منزل ثم وضع الهيكل الداعم لاحقا".

الانطلاقة

في كلمة أمام المؤتمر الجمهوري في يوليو 2024، تطرق جي دي فانس إلى اتفاقات التجارة الحرة وحرب العراق.

قال: "عندما كنت في الصف الرابع، أيد سياسي محترف يدعى جو بايدن اتفاقية التجارة الحرة لأميركا الشمالية، وهي اتفاقية تجارية سيئة أرسلت عددا لا يحصى من الوظائف الجيدة إلى المكسيك". وأضاف: "عندما كنت طالبا في المدرسة الثانوية، أيد نفس جو بايدن الغزو الكارثي للعراق".

لطالما تحدث جي دي فانس عن تجربته السابقة في العراق في سياق انتقاده للتيار الذي مثل أميركا أثناء ولاية الرئيس الأميركي الأسبق، جورج دابليو بوش.

كان بوش يمثل تيارا للمحافظين الجدد بدأ في عهد ريغان مرروا ببوش الأب وبوش الابن. ويؤمن هذا التيار بأن الولايات المتحدة ينبغي أن تستخدم قوتها العسكرية ونفوذها من أجل نشر الديمقراطية في العالم.

ثم جاء ترامب.

وعندما بدأ في 2015 مخاطبة الجمهور من أجل الترشح للرئاسة، تحدث عن حرب العراق للتعبير عن معارضة فكرة التدخل في شؤون العالم.

وبعد خوض تجربته الرئاسية الأولى، عبر عن فخره بحقيقة أن الولايات المتحدة لم تخض حروبا خلال ولايته، وعاد إلى البيت الأبيض بعدما تعهد بإنهاء الحروب - في أوكرانيا والشرق الأوسط - ونشر السلام في العالم.

وبالعودة إلى الوراء، في عام 2010، كتب فانس مقالا تحدث عن تعقيدات الحرب في العراق رغم أنه كان مؤيدا لها. قال: "دعمت غزو العراق على أساس الموضوعية، ولكن من الحماقة أن نرسل قوات للقيام بأصعب مهمة ثم نصاب بالصدمة من المواقف التي يتبناها البعض أثناء القيام بذلك".

وفي كتابه "مرثية ريفية"، الذي نشره قبل خوض سباق الرئاسة بسنوات، تطرق فانس إلى الثمن الذي يدفعه الأميركيون "بعدما تم إرسالهم بشكل غير متناسب للقتال والموت في الخارج".

وخلال الحملة الانتخابية، كان فانس حريصا على إظهار هذه الخلفية عند حديثه عن أجندة سياسية تحمل شعار "أميركا أولا"، وأظهر بوضوح معارضته لاستمرار المساعدات الأميركية لأوكرانيا.

وردد فانس أيضا تعليقات ترامب بشأن ضرورة زيادة مساهمات الدول الأوربية في "الأمن الجماعي" واقترح أن تحول الولايات المتحدة تركيزها الدولي من أوروبا إلى شرق آسيا، ودعم خطة ترامب لفرض تعريفات جمركية كبيرة على الواردات الصينية.

يلفت مراسل صحيفة نيويورك تايمز، كلاي رايزين إلى أن فانس يمثل بقوة التيار الجديد، مشيرا إلى تطوره من جمهوري تقليدي إلى مؤمن قوي بحركة "ماغا" وهو ما ظهر من خلال تصريحاته والأشخاص الذين يرتبط بهم فكريا وسياسيا.

قد يكون فانس مؤمنا بالتيار الجديد أكثر من ترامب نفسه، يقول رايزين.

قادة جدد

إلى جانب جي دي فانس، تضم طليعة "اليمين الجديد" أيضا رجل الأعمال، فيفيك راماسوامي، المرشح السابق للرئاسة، الذي دعم ترامب خلال حمل الانتخابية في 2024 .

خلال المؤتمر الوطني للحزب، استفاض راماسوامي في شرح نظرية "اليمين الجديد،" الذي قال إنه "ناشئ للغاية ومتطور للغاية".

وقال راماسوامي إنه يعارض "الإجماع النيو ليبرالي" الذي روج للهجرة، والدعم العسكري للحلفاء الأجانب والديمقراطيات، والاقتصاد المؤيد للشركات، والتجارة الحرة والحروب في العالم.

وخلال المؤتمر، اعتبر راماسوامي أن فانس يمثل "الحمائية الوطنية الملتزمة بالتراجع عن التجارة الدولية لصالح برنامج إعادة التصنيع المحلي، وتسليح الحكومة الفيدرالية".

وكان فانس قد دعا في عام 2021، إلى ما سماه "برنامج اجتثاث البعث" في البيروقراطية الأميركية.

وقال: "أميل إلى الاعتقاد بأننا يجب أن نستولي على مؤسسات اليسار، ونحولها ضد اليسار. نحن بحاجة إلى برنامج مثل برنامج اجتثاث البعث"، في إشارة إلى سياسة إزالة نفوذ اتباع الرئيس العراقي الراحل، صدام حسين، بعد 2003.

توقع فانس في ذلك الوقت ترشح ترامب في 2024، وقدم له نصيحة واحدة هي:" طرد كل بيروقراطي وكل موظف مدني في الدولة واستبدالهم بشعبنا".

وتصف صحيفة نيويورك تايمز فانس بأنه "حامل لواء" التحالف اليميني الجديد الذي يحمل نخبة ليبرالية تسللت إلى الحكومة الفيدرالية، ووسائل الإعلام، والشركات الكبرى والتعليم مسؤولية تدهور الأوضاع في البلاد، ويؤمن بأن الليبرالية تنهب ثروات الأميركيين العاملين بجد لصالح وول ستريت.

وقال إن التحالف الجديد يمثل "الثقل الفكري" لحركة "ماغا" وقطيعة جذرية مع الماضي الجمهوري، ومستقبلا للتيار المحافظ، وفق الصحيفة.

في مايو الماضي، أي قبل أشهر من انتخابات نوفمبر وفوز ترامب، نشر مراسل "سي أن بي سي" مقالين تضمنا ما قال إنها مقترحات اقتصادية لتحالف ترامب "تحطم أيدولوجية الحزب الجمهوري في ما يتعلق بحرية التجارة والتعريفات الجمركية".

ويشير الكاتب إلى "مجموعة من المقترحات السياسية التي تضع العمال في المقام الأول وتعادي النخبة".

ويستخدم المراسل لفظ "الشعبيين الجدد" لوصف هؤلاء الذين "لا يرون رؤساء الشركات الكبرى حلفاء طبيعيين للحزب الجمهوري في حربه ضد حكومة كبيرة، بل إنهم نخبويون يحاولون فرض قيمهم الثقافية الليبرالية على الطبقة المتوسطة"، ويرون أن آيديولوجية ريغان التي تمحورت حول خفض الضرائب والسوق الحرة لم تخدم جيدا العمال الأميركيين. 

ويرفض هذا التيار العقيدة الجمهورية التقليدية، ويريد جمع المحافظين معا لإنشاء تحالف أوسع، يمكن تسميته "حزب العمال الرأسمالي في أميركا".

من أهم القادة الجدد أيضا، إيلون ماسك، الذي بات يتمتع بنفوذ كبير في واشنطن بعد أن أوكل إليه ترامب الإشراف على "وزارة الكفاءة الحكومية"، ونقلت تقارير إن حضر اجتماعات لترامب مع زعماء أجانب.

يوصف ماسك أحيانا بأنه "تحرري"، ويصف هو نفسه بأنه "معتدل سياسيا".

يدعم أيضا تقليص حجم الحكومة، ويترأس لجنة الكفاءة الحكومية المشرفة على ذلك.

ويرفض أيضا تقديم مزيد من المساعدات إلى أوكرانيا. وسبق أن تندر على الرئيس الأوكراني، من خلال "ميم" ساخرة:

"خلافات مؤجلة"

يعتقد تود بيلت، في تصريحاته لموقع "الحرة" أن تماسك قادة "اليمين الجديد" يرتبط بوجود ترامب "لكنهم ربما سيتقاتلون على الزعامة في المستقبل "لأنه بدون دونالد ترامب، فإن كثيرا من الأشياء التي تجمع الكل سوف تختفي".

ويشير زميل معهد هدسون ريتشارد وايتز، في تصريح لموقع "الحرة"، إلى فكرة التباينات بين قادة اليمين الجديد. ورغم أنهم منسوبون تقليديا إلى الحزب الجمهوري، فهم يرفضون فكرة تغيير الحكومات من أجل نشر الديمقراطية، ومع ذلك لديهم وجهات نظر متباينة بشأن الأدوات التي يجب استخدامها في السياسة الخارجية، وعلى سبيل المثال الأدوات الاقتصادية لمواجهة الصين.

ويشبه رايزين وضع التحالف الجديد لو غاب ترامب بما حدث مع الإسكندر الأكبر الذي بنى إمبراطورية مترامية الأطراف وأدارها بشكل جيد، ولكن بمجرد وفاته في سن مبكرة نسبيا، انقسمت هذه الإمبراطورية.

"لا يمكنني أن أتخيل أن هناك شخصية ما ستظهر بعد ترامب وتكون قادرة على إبقاء الأمور متماسكة،" يقول مراسل نيويورك تايمز، كلاي ريزين لموقع "الحرة".

لكن الإعلامي بيتر روف يعتقد أن من الصعب التكهن بشأن وضع اليمين الجديد بعد "خروج ترامب من الصورة".