حالة فريدة من نوعها، شكّلها الرئيس الأميركي الراحل، جيمي كارتر، فرغم ابتعاده عن السياسة بعد انتهاء مدته الرئاسية في ثمانينيات القرن الماضي، فإنه بقي مخلصا للعديد من القضايا التي يدعمها، وفي مقدمتها "الحل السلمي للنزاعات".
وأصبح مركز "كارتر" الذي انشأه عام 1982، علامة فارقة من خلال عمله في الدفاع عن حقوق الإنسان، ومراقبة الانتخابات، وحماية البيئة، والمساعدة على التنمية.
وسعى كارتر إلى حل النزاعات حول العالم، وقام بوساطات كثيرة في هايتي وبنما وكوبا وكوريا الشمالية وإثيوبيا وأيضا في البوسنة والهرسك، لكن ما شكل علامة فارقة له، أنه كان عرّاب اتفاقيات كامب ديفيد، التي أدت في مارس 1979 إلى توقيع معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل، وغيّرت من الأحداث السياسية في الشرق الأوسط.
واعتبر كارتر بحسب تصريحاته، أن حياته بعد رحيله من البيت الأبيض "كانت على الصعيد الشخصي أكثر فائدة، وإن كانت الرئاسة بالتأكيد ذروة عملي السياسي، وسمحت لي بالقيام بالمهام التي أقوم بها في مركز كارتر".
الرئيس كارتر
أصبح كارتر الرئيس الـ39 للولايات المتحدة، حيث تولى الرئاسة لولاية واحدة من عام 1977 حتى 1981.
في 1974، كان قد أعلن كارتر ترشحه لمنصب رئيس الولايات المتحدة، وفاز بترشيح حزبه في الاقتراع الأول في المؤتمر الوطني للديمقراطيين عام 1976، وانتخب رئيسا في نوفمبر 1976، حسب الموقع الإلكتروني لـ"مركز كارتر".
وامتازت فترته الرئاسية بمحاولة لإطفاء العديد من الأزمات حول العالم، من الشرق الأوسط إلى أميركا اللاتينية، عندما وقع اتفاقية " توريخوس كارتر"، التي أعاد بها ملكية قناة بنما إلى بنما، وتوقيعه على معاهدة "سالت" مع الاتحاد السوفيتي لخفض الأسلحة النووية.
وفي عهد كارتر، أصبحت، كارول مؤمن، أول موظفة مسلمة في البيت الأبيض، وكشفت في تصريحات عام 2015 أنها "اعتنقت الإسلام في عهد جيمي كارتر الرئيس من 1977 إلى 1981".
وشهدت فترة تسلم كارتر عدة أزمات، أبرزها أزمة الطاقة في الولايات المتحدة عام 1979. وشهد عهده إطاحة الثورة الإسلامية بالشاه في إيران، وما تلاها من أزمة الرهائن الأميركيين هناك، عندما اقتحم طلاب إيرانيون السفارة الأميركية في طهران، واحتجزوا 52 دبلوماسا مدة 444 يوما، مما ساهم في خسارته للانتخابات في 1980 لصالح رونالد ريغان.
وفي عام 1980، دعا كارتر إلى مقاطعة ألعاب الأولمبياد التي كانت تعقد في موسكو، احتجاجا على التدخل السوفيتي في أفغانستان، فاستجابت 61 دولة لدعوته.
وكان كارتر قد حصل على جائزة نوبل للسلام عام 2002، لدوره في التوصل إلى حلول للنزاعات القائمة في العالم.
مصر وإسرائيل
منذ أكثر من 45 عاما، لا تزال معاهدة السلام المصرية-الإسرائيلية "ثابتة"، وأنهت الحرب بين البلدين.
ويعتبر الرئيس الأسبق كارتر عراب المعاهدة، التي وقعت في مارس 1979، بين الرئيس المصري الراحل أنور السادات ورئيس وزراء إسرائيل الراحل مناحم بيغين في واشنطن، لتصبح أول معاهدة سلام بين دولة عربية وإسرائيل.
وسمحت الاتفاقية لإسرائيل بإنهاء حالة الحرب مع مصر، التي استعادت عام 1982 سيناء من إسرائيل، بعد أن احتلتها عام 1967.
وحتى بعد سنوات من مغادرته منصب الرئيس، استمر كارتر في جهوده لمحاولة حل النزاع بين الفلسطينين والإسرائيليين.
وفي عام 2009، قدم لحماس، المنصنفة منظمة إرهابية في أميركا، مبادرة تهدف إلى فتح حوار مع الولايات المتحدة، وأدان الحصار الإسرائيلي لقطاع غزة، كما بحث حينها ملف "المستوطنات في الضفة الغربية".
العلاقات مع كوبا
شهدت فترة تسلمه لرئاسة الولايات المتحدة بعض الانفراج في العلاقات بين مع كوبا، ورفع بعض القيود المفروضة على السفر، والتي عاد لفرضها ريغان في 1982.
وبعد سنوات، قال فيدل كاسترو: "كان لدي دائما احترام كبير لكارتر.. إنه رجل شرف وأخلاق"، واعتبر أنه "كان رجلا يريد معالجة المشاكل القائمة بين الولايات المتحدة وكوبا".
وبعد أكثر من عقدين من مغادرته البيت الأبيض، أصبح كارتر أصبح في عام 2002، أول رئيس أميركي سابق يتوجه إلى كوبا منذ عقود.
حقوق الإنسان
وخلال السنوات الماضية، كان للرئيس الأسبق كارتر العديد من التصريحات التي انتقد فيها السياسة الداخلية والخارجية في أميركا، حيث اعتبر أن "الولايات المتحدة فقدت مركزها الأول في مجال حماية الشعوب وحقوقهم".
وقال في إحدى تصريحاته، إن "أميركا لم تخترع حقوق الإنسان. بالمعنى الحقيقي للكلمة، فإن العكس هو الصحيح. حقوق الإنسان اخترعت أميركا".
وقال في تصريحات عام 2018، "إن الولايات المتحدة أصبحت قوة عظمى ليس بفضل قوتها الاقتصادية أو العسكرية بل لأننا نحمي الأمور المهمة الإنسانية، وأعتقد أن حقوق الإنسان هي جزء من هذه الأمور المهمة".
واعتبر كارتر حينها أن الولايات المتحدة كانت رائدة في الدفاع عن حقوق الإنسان بعد الحرب العالمية الثانية، عندما أقرت الأمم المتحدة حقوق الإنسان في ديسمبر 1948، إلا أن "قوانين مكافحة الإرهاب التي أقرت بعد اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر 2001 حدت من الحريات العامة"، على حد تعبيره.
"حياة كاملة: تأملات في سن التسعين"
وخلال حياة الرئيس الأسبق كارتر، قام بتأليف 32 كتابا، وفق مكتبة كارتر الرئاسية التابعة لإدارة السجلات الوطنية.
ومن أبرز كتب كارتر: "حياة كاملة: تأملات في سن التسعين" الذي صدر في 2016، وكتاب "قيمنا المعرضة للخطر: أزمة أميركا الأخلاقية" الذي صدر عام 2007 ويعرض فيه آرائه السياسية.
وفاز كارتر بجائزة غرامي مرتين عن النسخة الصوتية لكتابيه هذين.
وفي كتابه "حياة كاملة: تأملات في سن التسعين"، يروي كارتر مسيرة صعوده السلم السياسي وصولا إلى هزيمته المدوية أمام ريغان.
كما يعرض في الكتاب بعضا من تأملاته ومخاوفه على وضع العالم، لا سيما تداعيات تهميش النساء.
مرضه
خلال السنوات الأخيرة الماضية، عانى كارتر من سلسلة من المشكلات الصحية تطلبت دخوله المستشفى عدة مرات، من بينها سقوطه وإصابته بكسور في العظام والتهاب في المسالك البولية وعملية لتخفيف الضغط عن دماغه.
وفي 2015، خاض كارتر رحلة صعبة في العلاج من السرطان، حيث عثر على أورام سرطانية صغيرة في دماغه. وبدأ حينها علاجا بالأشعة، بعد خضوعه لعملية استئصال ورم في الكبد أيضا.