وسائل إعلام أميركية ذكرت أن ترامب سيوافق على المثول بنفسه أمام محكمة نيويورك
وسائل إعلام أميركية ذكرت أن ترامب سيوافق على المثول بنفسه أمام محكمة نيويورك

بات الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب أول رئيس حالي أو سابق توجه له اتهامات جنائية، وذلك بعد أن صوتت هيئة محلفين كبرى في مانهاتن بمدينة نيويورك على توجيه اتهامات له بعد تحقيق حول دفع أموال لإسكات الممثلة الإباحية ستورمي دانيلز.

ومن المقرر أن يواجه ترامب إجراءات محاكمة جنائية ستكون عادية في بعض جوانبها ومختلفة تماما في نواح أخرى.

بداية، سيتواصل مكتب المدعي العام في مانهاتن مع محامي ترامب لمناقشة استسلامه لمواجهة المحاكمة وإخطاره رسميا بقرار الاتهام.

وعندما يتم توجيه الاتهام لشخص ما في الولايات المتحدة، تبقى التهم سرية حتى مثول المدعى عليه لأول مرة في المحكمة. 

ولم تُعرف الاتهامات بعد تحديدا، إذ لا تزال لائحة الاتهام سرية، لكن شبكة "سي إن إن"، قالت، الخميس، إن ترامب يواجه أكثر من 30 تهمة تتعلق بالاحتيال في مجال الأعمال.

الظهور الأول

يجب على ترامب تسليم نفسه إلى محكمة مانهاتن حيث سيتلو عليه قاض بيان الاتهام قبل أن يوضع لفترة وجيزة رمزية قيد الاعتقال ويتم تصويره وأخذ بصماته.

ومن المقرر أن يمثل ترامب الثلاثاء أمام المحكمة الجنائية في نيويورك، وفقا لما أعلنت عنه محاميته سوزان نيتشيليس في رسالة إلكترونية لوكالة فرانس برس قالت فيها: "نتوقع أن تتم تلاوة بيان الاتهام الثلاثاء".

عادة ما تكون الإجراءات علنية، وفي بعض الحالات يتم اتخاذ الترتيبات مع المتهمين أو محاميهم لتسليم أنفسهم أو تسليم أنفسهم طواعية إلى سلطات إنفاذ القانون. ومن المرجح أن يُسمح لترامب بتسليم نفسه طواعية.

ما يحدث في أول ظهور أمام المحكمة يمكن أن يختلف من قضية لأخرى، لكن من المعتاد أن تتم مناقشة شروط الإفراج، مثل قيود السفر أو الحجز في المنزل، وكذلك يتم إبلاغ المتهمين بحقوقهم. 

وغالبا ما يحضر ممثلو الادعاء العام ومحامو المتهم في هذه المرحلة من إجراءات المحكمة.

إذا رفض ترامب تسليم نفسه فيمكن توقيفه وسيكون من الضروري بعد ذلك تسليمه من فلوريدا، حيث يعيش، إلى نيويورك إذ أن لكل ولاية نظامها القضائي الخاص بها. 

وذكرت وسائل إعلام أميركية أن ترامب سيوافق على المثول بنفسه أمام محكمة نيويورك، ومن المرجح أنه سيقول بأنه "غير مذنب".

ماذا بعد؟

قد يخوض محامو دونالد ترامب معركة قضائية لمحاولة إبطال اتهامه ربما من خلال القول بأن التحقيق يشوبه عيب إجرائي أو شكلي. وإذا فشلوا في تحقيق ذلك فإن المسار الطبيعي للعدالة ينص على ثلاثة سيناريوهات بعد لائحة الاتهام:

يمكن إسقاط التهم. هذا شائع نسبيا وقد يكون مرتبطا خصوصا بوصول مدع عام جديد، ولكنه غير مرجح في حالة ترامب، حسب شبكة "سي إن إن".

يمكن للمتهم عقد اتفاق مع النيابة العامة والموافقة على الاعتراف بالذنب لتجنب المحاكمة والحصول على عقوبة أخف. لكن ذلك غير مرجح لأن ترامب يؤكد أنه لم يرتكب أي خطأ. 

ينظم القضاء محاكمة لكن يجب أولا احترام العديد من الإجراءات مع جلسات استماع سابقة عديدة. مرة أخرى، قد يستخدم محامو ترامب كل الوسائل الممكنة لتأخير هذا الموعد النهائي.

ترامب والولاية ثانية

لن تؤثر القضية على حظوظ ترامب في الترشح لولاية رئاسية ثانية، لإن قوانين الولايات المتحدة تعطي الحق لأي شخص متهم جنائيا أو مُدان الترشح لأي منصب وأن يتم انتخابه. 

ينص الدستور على استثناء واحد فقط لممارسة وظيفة رسمية وهو المشاركة في "عصيان" أو "تمرد" ضد الولايات المتحدة. 

ومع ذلك فإن التحقيق في مانهاتن هو واحد من عدة تحديات قانونية تواجه ترامب، وقد تضر التهم بمساعيه للعودة للرئاسة. 

ويرى نحو 44 بالمئة من الجمهوريين أنه يجب أن ينسحب من السباق إذا وجهت إليه اتهامات، وفقا لاستطلاع أجرته رويترز الأسبوع الماضي.

ويواجه ترامب أيضا تحقيقين جنائيين آخرين. الأول يتعلق بما إذا كان قد حاول بشكل غير قانوني قلب هزيمته في انتخابات 2020 في ولاية جورجيا، والآخر في طريقة تعامله مع وثائق حكومية سرية بعدما ترك منصبه.

كذلك يخضع ترامب، الذي أطلق حملته في نوفمبر الماضي لانتخابات 2024 الرئاسية، لتحقيق يجريه القضاء الفدرالي لدوره في اقتحام مبنى الكونغرس (الكابيتول) في السادس من يناير 2021، لكن لم يتم توجيه أي تهمة له في هذه المرحلة.

الطبقة العاملة الأميركية

لطالما كانت الطبقة العاملة الأميركية عماد اليسار في عهد "الصفقة الجديدة،" وقوة لا يستهان بها في مرحلة ما بعد الحرب العالمية بفضل النقابات. أما اليوم، فهي تميل بشكل متسارع نحو اليمين. 

في انتخابات 2024، فاز دونالد ترامب مجددا بولايات بنسلفانيا وميشيغان وويسكونسن، بفضل دعم قوي من ناخبي الطبقة العاملة، كثيرون منهم سبق أن صوّتوا لباراك أوباما وجو بايدن.

في 2012، فاز أوباما بأصوات الطبقة العاملة. في 2016، خسرتها هيلاري كلينتون بفارق 7 نقاط. وضيّق بايدن الفجوة في 2020. لكن في 2024، خسرت كامالا هاريس هؤلاء الناخبين بـ13 نقطة على المستوى الوطني، و17 نقطة في ولاية بنسلفانيا وحدها.

هذا التحول وحده كان كافيا لإعادة ترامب إلى البيت الأبيض.

فما الذي تغيّر؟

هل هو الاقتصاد؟ العولمة؟ الحروب الثقافية؟ أم شيء أعمق من ذلك؟

بحسب الباحث في شؤون العمل الدكتور بول أف. كلارك، واستنادًا إلى بيانات جديدة من استطلاعات الخروج من مراكز الاقتراع وتحليل الحملات الانتخابية، فإن هذا التحول لا يرتبط فقط بفقدان الوظائف أو اتفاقيات التجارة الحرة، بل بثقافة وهوية واغتراب متزايد.

في هذا التقرير التفسيري، نحلل ما جرى من خلال نتائج ناخبي الطبقة العاملة في بنسلفانيا، الولاية الأكثر حسما في انتخابات 2024.

أولا: "إنه الاقتصاد، يا غبي"

لنبدأ من الاقتصاد، لأنه بالنسبة لكثير من ناخبي الطبقة العاملة، لا يزال على رأس الأولويات.

في انتخابات 2024، قال 37٪ من ناخبي بنسلفانيا إن الاقتصاد هو القضية الأهم، وفضّل 53٪ منهم ترامب على هاريس لمعالجته. وعلى الصعيد الوطني، اعتبر 31٪ من الناخبين أن الاقتصاد هو شغلهم الشاغل. ومن بين من شعروا بأن أوضاعهم المالية أسوأ مما كانت عليه قبل عام، وهي شريحة شكّلت نحو 40٪ من ناخبي بنسلفانيا، تصدّر ترامب المشهد.

وركزت حملة هاريس على الإعفاءات الضريبية، ووضع سقف لأسعار الأدوية، وتوفير سكن ميسور التكلفة، لكن لا يبدو أن الرسالة وصلت كما يجب. كثير من الناخبين لم يشعروا بأن هذه السياسات تُحدث فرقًا ملموسًا في حياتهم اليومية، لا سيما في ظل قلق متزايد بشأن الأجور، والتضخم، وأمن الوظائف.

في المقابل، قدّم ترامب خطابا اقتصاديا يرتكز إلى "النوستالجيا": عودة الدولار الأضعف، والأسعار الأرخص، وانتعاش ما قبل كوفيد، مع تسليط الضوء... على سعر البيض!

الثقافة تتفوّق على الطبقة

قد يفاجئ البعض أن الانتخابات لم تكن، بالنسبة لكثير من الناخبين، مجرد حسابات اقتصادية، بل هي مواجهة ثقافية بامتياز.

يؤكد الدكتور كلارك أن القضية الأكثر تأثيرًا في تصويت الطبقة العاملة عام 2024 لم تكن البطالة أو التضخم... بل حقوق المتحوّلين جنسيًا.

"عندما يكبر الإنسان في عالم يُعرّف فيه الرجل كرجل والمرأة كامرأة، ثم يرى هذا الواقع يُقلب رأسًا على عقب، فإن ذلك يبعث على القلق. لا سيما لدى الناخبين الريفيين المحافظين،" يقول كلارك.

من أصل 993 مليون دولار صُرفت على إعلانات الحملات، خُصص 222 مليون دولار لموضوع المتحوّلين. الإعلانات صوّرتهم بشكل مبالغ فيه، ووصفت هاريس بأنها تدفع نحو "سياسات التي/هو"، بينما قُدّم ترامب كحام للقيم التقليدية.
والنتيجة؟ فعّالية ملموسة: ازداد دعم ترامب بـ2.7 نقطة مئوية بين من شاهدوا تلك الإعلانات.

بالإضافة إلى ذلك، يرى العديد من ناخبي الطبقة العاملة أن ترامب ليس فقط كحامٍ ضد "التحول الجنسي"، بل أيضًا كمدافع عن قيمهم مثل الأسرة التقليدية، والفخر الوطني، والإيمان.

أين كانت النقابات؟

لطالما شكّلت النقابات ركيزة للديمقراطيين، خاصة في ولايات متأرجحة كـ بنسلفانيا. لكن في 2024، اتسعت الفجوة بين العاملين المنضوين في نقابات وغير المنضوين.

لنفصّل قليلاً.

فازت هاريس بأصوات الأسر النقابية في بنسلفانيا بفارق 12 نقطة (56% مقابل 44%)، وهو تحسن كبير مقارنة ببايدن الذي خسر هذه المجموعة لصالح ترامب في 2020.

ما الذي تغيّر؟

عملت النقابات بأقصى طاقتها. 

بحسب AFL-CIO، شهدت انتخابات 2024 أكبر تعبئة تقودها نقابات في تاريخ أميركا. طرقوا الأبواب، وأرسلوا ملايين الرسائل، وأداروا خطوط الاتصال، واستقدموا كذلك متطوعين من ولايات مجاورة لدعم بنسلفانيا.

قادت منظمة UNITE HERE أكبر حملة ميدانية عمالية مستقلة، مستهدفة السود واللاتينيين في فيلادلفيا وضواحيها.
وكان لذلك أثر واضح.

لكن، هناك مشكلة: من ينتمون إلى النقابات لم يعودوا يشكّلون الأغلبية داخل الطبقة العاملة. والغالبية الخارجة عن هذه المنظومة هم من يخسرهم الديمقراطيون.

بين هؤلاء، لا سيما غير الحاصلين على شهادات جامعية، اكتسح ترامب: 58% مقابل 41% في بنسلفانيا. هذه الفجوة البالغة 17 نقطة كانت كافية لتفسير تقدّمه على مستوى الولاية.

لماذا هذا الانقسام؟

يشرح الدكتور كلارك: "النقابات بارعة في توعية أعضائها بشأن الانتخابات. تشرح لهم ما هو على المحك، وتوضح كيف تؤثر السياسات الاقتصادية في حياتهم".

أما خارج النقابات، فلا وجود للتوعية. لا منشورات، لا طرق على الأبواب. وفي هذا الفراغ، تتسلل رسائل الجمهوريين، عن الهجرة والمتحوّلين و"النخبة المستيقظة،" بلا مقاومة.

وما يزيد الطين بلة، أن النقابات تتجنّب عادة الخوض في القضايا الاجتماعية الشائكة. هي تركّز على الاقتصاد، الأجور، الرعاية الصحية، والسلامة. لذا، فإن من يضع قضايا مثل السلاح أو المتحوّلين على رأس أولوياته، قد لا يهتم كثيرًا بتوصية النقابة.

إخفاق هاريس

ما الذي حدث مع كامالا هاريس؟

الجواب: الكثير.

أولا، كانت نسبة المشاركة أقل بكثير من المتوقع.

ثم كانت هناك قضية الهجرة، التي لم تلقَ صدى لدى العديد من الناخبين من الطبقة العاملة، خاصة عندما شاهدوا مقاطع فيديو تُظهر الفوضى على الحدود الجنوبية، إلى جانب العديد من الادعاءات التي صوّرت المهاجرين كمجرمين، بل والأغرب من ذلك، كمسيئين للحيوانات الأليفة.

لم تقدم إدارة بايدن-هاريس بديلا واضحا ومتماسكا. وبدلا من ذلك، تجنبت الحملة الديمقراطية إلى حد كبير تناول القضية، مما ترك فراغا ملأه ترامب بالخوف.

لماذا لم يرد الديمقراطيون؟

الجواب باختصار : تجنّبوا التصعيد. 

رأوا أن التركيز على حقوق الإجهاض، والاقتصاد، والديمقراطية أكثر أمانا. لكن بعدم مواجهتهم للحملات الثقافية، تركوا المجال مفتوحا لروايات الجمهوريين.

كما قال كلارك:

"ما لا تعرفه قد يخيفك. وإذا كان المصدر الوحيد لمعلوماتك عن قضايا مثل المتحوّلين أو الهجرة هو فوكس نيوز والإعلانات السياسية، فمن الطبيعي أن تتوقع الأسوأ".

الخلاصة: تحوّل حقيقي

التحول اليميني في صفوف الطبقة العاملة ليس عارضًا، بل هو جزء من إعادة تموضع أعمق.

انعدام الأمان الاقتصادي، والقلق الثقافي، والإحساس بالتهميش من قبل المؤسسات الليبرالية... كل ذلك أعاد رسم الخريطة السياسية. وترامب يخاطب هذا الاغتراب، حتى لو لم تكن سياساته تخدم ناخبيه مباشرة.

وما لم يتمكن الديمقراطيون من سد الفجوة الثقافية مع الحفاظ على أجندتهم الاقتصادية، فإنهم يخاطرون بخسارة هذه الفئة إلى الأبد.

كما خلص تقرير لـ"بروكينغز":

"بنسلفانيا تمثل التحدي الوطني للديمقراطيين. إن عجزوا عن فهمها، فلن يستطيعوا كسب أميركا".