"حزن، وقلق، وخوف، وهلع ورعب"، هكذا وصف سودانيون يعيشون في الولايات المتحدة، تحدثوا لموقع "الحرة"، مشاعرهم تجاه ما يحصل في السودان من اقتتال بين القوى العسكرية.
وتشهد العاصمة الخرطوم ومناطق أخرى في السودان معارك عنيفة بين الجيش وقوات الدعم السريع، وسط دعوات متزايدة للالتزام بهدنة وقف إطلاق النار خلال أيام عيد الفطر.
وأعلن الجيش وقوات الدعم السريع الجمعة وقفا لإطلاق النار لمدة ثلاثة أيام، إلا أن انتهاكها استمر من الطرفين، إذ اتهمت قوات الدعم السريع الجيش بخرق الهدنة خلال النهار، فيما اتهم الأخير القوات الرديفة بخرقها في فترة المساء.
في ظل الأوضاع غير المستقرة في السودان، ينظر سودانيون يعيشون في الولايات المتحدة بقلق بالغ لما يحدث في بلادهم، والتي تهدد بحرب أهلية طويلة.
وبدأ القتال في 15 أبريل وخلف 413 قتيلا و3551 جريحا، بحسب منظمة الصحة العالمية.
"حزن وألم"
المحلل السياسي السوداني، فريد زين، المقيم في ولاية تكساس، قال إن "مشاعر الألم تسيطر علينا كمهاجرين سودانيين في الولايات المتحدة، فبعد أن كان هناك أمل في نجاح الاتفاق الأخير بين المكونين العسكري والمدني، عادت البلاد إلى المربع الأول".
وأضاف في حديث لموقع "الحرة" أننا الآن "أمام مشهد لأسوأ السيناريوهات في السودان، حيث يتقاتل جنرالات العسكر ليدخلوا البلاد في أزمة قد يطول أمدها".
وتسرع أعداد كبيرة من الناس، وغالبيتهم من النساء والأطفال على الطرقات بين نقاط التفتيش والجثث، من أجل الفرار من الخرطوم. وذكرت الأمم المتحدة أن بين عشرة آلاف وعشرين ألف شخص خصوصا من النساء والأطفال توجهوا إلى تشاد المجاورة.
ويقول الناشط، أيمن تابر، وهو مقيم في ولاية فيرجينيا، إننا "ننظر بقلق وخوف بالغ تجاه سلامة أهالينا وبلادنا التي أصبح مستقبلها مرهونا بوقف حرب العسكر بين بعضهم البعض".
وأشار في رد على استفسارات "الحرة" إلى أن " الجميع لديهم مشاعر مختلطة تجاه ما يحدث في السودان، إذ أننا أمام صراع كبير، ولكننا على أمل بأن ينتهي لتعود البلاد إلى المسار الديمقراطي، خاصة وأننا نعرف أن ثمن الحرية ليس ببسيط".
وذكرت نقابة الأطباء أن "سبعين في المئة من 74 مستشفى في الخرطوم والمناطق المتضررة من القتال توقفت عن العمل" إما لأنها قصفت أو لنقص الإمدادات الطبية والكوادر أو بسبب سيطرة مقاتلين عليها وطردهم المسعفين والجرحى.
بدورها أكدت الناشطة السودانية، غادة أحمد، أن أكثر ما يخيفهم "أن تنزلق البلاد لحرب أهلية طويلة المدى، الخاسر الأكبر فيها هو الشعب".
وذكرت غادة وهي مقيمة في ولاية فيرجينيا، في حديث لموقع "الحرة"، أننا "مررنا بهذه التجربة سابقا، وكنا على أمل أن تنجح المساعي في الوصول لحكومة مدنية تنقل البلاد إلى مرحلة ديمقراطية، وأن يعود الجيش للثكنات على أن يكون هناك مؤسسة عسكرية واحدة في البلاد".
ووصفت مع يحدث في بلدها الأم بـ"المروع، حيث يعاني أهاليهم وأقربائهم هناك من نقص في المواد الأساسية للعيش، ناهيك عن تدني مستوى الوضع الطبي والصحي في البلاد بسبب نقص الكوادر والموارد، واستهداف المنشآت من قبل الأطراف المتنازعة".
والخميس، دعا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش ووزير الخارجية الأميركي إلى وقف لإطلاق النار خلال أيام العيد الثلاثة "على الأقل".
واضطرت معظم المنظمات الإنسانية إلى تعليق مساعداتها وهي أساسية في بلد يعاني فيه أكثر من واحد من كل ثلاثة أشخاص من الجوع في الأوقات العادية.
وأعلنت المنظمة الدولية للهجرة الجمعة أن أحد موظفها قتل في المعارك في مدينة الأُبيض في جنوب السودان، بعدما علقت مركبته وسط تبادل لإطلاق النار.
"جسر جوي للمساعدات"
وكشف نشطاء سودانيون عن بدء حملات تطوعية من قبل الجالية السودانية في الولايات الأميركية المختلفة من أجل جمع التبرعات خاصة الطبية والحاجات الأساسية لإيصالها للمحتاجين في السودان.
وقال زين إن هناك مجموعة عمل تنسق الجهود على مستوى الولايات المتحدة وتقوم بالتواصل مع بقية الجاليات لتنظيم العمل التطوعي.
وأضاف أنه سيتم العمل على جمع التبرعات وإيصالها لمنظمات موثوقة داخل السودان، ولكن يبقى هناك حاجة من أجل تحرك دولي لفرض تنظيم "ممرات إنسانية آمنة".
وأشار إلى أن العديد من السوادنيين الذين يعيشون في الولايات المتحدة بدأوا بالتحرك أيضا من أجل الضغط على الإدارة الأميركية والأمم المتحدة لاتخاذ إجراءات من شأنها المساعدة في حل النزاع والضغط على الأطراف المختلفة لضمان حماية الشعب.
وقالت نقابة أطباء السودان إن مستشفيات جديدة تضررت بشدة في الخرطوم، وقد أصيبت أربعة مستشفيات في الأبيض الواقعة على بعد 350 كيلومترا جنوب الخرطوم.
ومن أجل مساعدة المدنيين دعت اللجنة الدولية للصليب الأحمر إلى "السماح بوصول المساعدات الإنسانية فورا مع استمرار أعمال القتال في السودان".
ودعت الهيئة الدولية "الأطراف مرة أخرى إلى احترام التزاماتهم بموجب القانون الدولي الإنساني".
"وقفة أمام البيت الأبيض"
وقال الناشط تابر إن بعض السودانيين تحركوا بشكل فردي من أجل تقديم المساعدات لأهاليهم في السودان، ولكن المعضلة التي واجهتهم بعدم القدرة على إيصال المساعدات خاصة النقدية، بسبب توقف القطاع المصرفي عن العمل.
وكشف أن نشطاء ومنظمات المجتمع المدني السودانية الموجودة في الولايات المتحدة ستنظم "وقفة تضامن دعما لجهود السلام" والمطالبة بوقف الحرب وإنشاء جسر جوي لتقديم المساعدات، والتي ستتم أمام البيت الأبيض السبت.
وأكدت الناشطة غادة أن جميع الجاليات السودانية بدأت بجمع المساعدات خاصة "العينية" الطبية، ولكن لا يزال هناك حاجة لإنشاء جسر جوي خاص بالمساعدات، وتحديد مسارات آمنة للمنظمات الإنسانية لتي تعمل في السودان، حيث يجب إلزام القوى العسكرية المتنازعة على عدم استهداف هذه المسارات.
وقال طبيب من منظمة أطباء بلا حدود لوكالة فرانس برس إن "الوضع كارثي" في دارفور، التي تعد إحدى أفقر المناطق في السودان.
وأضاف من دارفور "يوجد الكثير من المرضى لدرجة أنهم يتلقون العلاج على الأرض في الممرات، لأنه ببساطة لا توجد أسرة كافية".
وألقى قائد الجيش عبدالفتاح البرهان عبر التلفزيون الحكومي خطابا إلى السودانيين لمناسبة عيد الفطر، في أول ظهور له منذ بدء القتال من دون أن يشير إلى احتمال إعلان هدنة.
وقال البرهان الذي ظهر ببزة عسكرية جالسا في مكتب بين علمين للسودان "تمر على بلادنا هذا العام مناسبة عيد الفطر المبارك وبلادنا أصابها جرح بالغ الخطورة".
وكانت الولايات المتحدة قد أعلنت الخميس أنها تنشر قوات في شرق إفريقيا تحسبا لاحتمال إجلاء موظفي السفارة الأميركية في السودان. كما سترسل كوريا الجنوبية واليابان طائرات، في الوقت الذي لا يزال فيه مطار الخرطوم مغلقا منذ السبت.
والجمعة، أعلن مسؤول في الاتحاد الأوروبي أن التكتل يعد خططا لعمليات إجلاء محتملة لرعاياه من الخرطوم إذا سمح الوضع الأمني بذلك.