السيناتور البارز متهم باستغلال منصبه
السيناتور البارز متهم باستغلال منصبه

تشير لائحة الاتهام التي أصدرها مدعون في ولاية نيويورك الأميركية إلى تورط رجل أعمال مصري، يعيش في ولاية نيوجيرزي القريبة من مدينة نيويورك، في مخطط يتضمن أعمال احتيال ودفع رشاوى للسيناتور الأميركي البارز، بوب مينينديز، وزوجته، نادين مينينديز.

وسلطت وسائل الإعلام الأميركية، خلال الأيام الماضية، الضوء على قضية فساد تورط فيها سيناتور بحجم مينينديز، بالنظر إلى منصبه الرفيع، إذ يترأس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ.

وتورط مينينديز مع رجل الأعمال المصري الأصل، وائل حنا، الذي يعرف أيضا باسم "ويل نا"، ويملك شركة منحتها الحكومة المصرية حقا حصريا في منح علامة "الحلال" للمنتجات التي تصدر للأسواق المصرية، فيما أشارت اللائحة إلى تورط السيناتور في مساعدة الشركة في هذا الاحتكار.

وجاء في لائحة الاتهام الصادرة عن المحكمة الفيدرالية في نيويورك، أن مينينديز "أساء استخدام سلطته لمصلحة مصر سرا"، وتتهم اللائحة ثلاثة رجال أعمال، من بينهم حنا بالتورط، في القضية.

وتشير إلى أن مينينديز استخدام منصبه الرسمي "لصالح وائل حنا، وخوسيه أوريبي، وفريد دعيبس، والحكومة المصرية، مقابل رشاوى بمئات الآلاف من الدولارات لمينينديز وزوجته نادين، تضمنت سبائك ذهب وأموالا نقدية. وسيارة مكشوفة فاخرة".

وحنا، الذي يعيش في إدجووتر بولاية نيوجيرزي، متهم مع رجلي الأعمال الآخرين بالتآمر لارتكاب جريمة الرشوة، التي تصل عقوبتها القصوى إلى السجن خمس سنوات، وتهمة واحدة بالتآمر لارتكاب "عمليات احتيال في خدمات صادقة"، التي تصل عقوبتها القصوى إلى السجن 20 عاما، وفق بيان صادر عن مكتب المدعي العام  للمنطقة الجنوبية في نيويورك.

وحنا يملك شركة IS EG Halal Certified التي تشير بياناتها على الإنترنت إلى أن مقرها هو مدينة إيدجوتر، وأنها "الجهة الوحيدة المرخص لها حصريا من قبل الحكومة المصرية للتصديق على صادرات الحلال في جميع أنحاء العالم".

وحاول موقع الحرة الوصول إلى مسؤولين في الشركة عبر الهاتف للحصول على تعليق، وأرسل رسالة إلكترونية عبر موقع الشركة، ولم يحصل على رد حتى كتابة التقرير.

وقالت أميليا فوغ، المتحدثة باسم حنا، في رسالة بالبريد الإلكتروني نقلتها صحيفة نيويورك ديلي نيوز: "ما زلنا نراجع الاتهامات ولكن بناء على مراجعتنا الأولية، ليس لها أي أساس على الإطلاق".

وقالت فوغ إن حنا يعتزم العودة من مصر للمثول أمام المحكمة، الأربعاء، حيث من المتوقع أن يمثل هو والسيناتور البارز وزوجته ورجلا الأعمال أمام المحكمة الفيدرالية في مانهاتن.

وقالت المتحدثة إن الشركة حصلت على حق شهادة الحلال "دون أي مساعدة على الإطلاق من السيناتور مينينديز أو أي مسؤول حكومي أميركي آخر. ولا يوجد أي دليل على أن العقد تم منحه على أساس الرشوة أو الفساد في مصر".

وقالت في رد آخر، نقله موقع نيوجيرزي غلوب، إن "أي ادعاءات بشأن السيارات والشقق والنقود والمجوهرات... ناهيك عن مقابل أي نوع من المعاملة التفضيلية، لا أساس لها على الإطلاق".

ومن جانبه، قال مينينديز: "لن أذهب إلى أي مكان" واصفا الاتهامات بأنها "كاذبة". وقال إنه كان ضحية "حملة تشهير نشطة من مصادر مجهولة".

ورفض المطالبات باستقالته من عضوية مجلس الشيوخ، حسبما نقلت صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية، لكنه تنحى عن منصبه كرئيس للجنة العلاقات الخارجية بالمجلس.

وقال محامي مينينديز، ديفيد شيرتلر، إن موكله "نفى ارتكاب أية مخالفات جنائية"، وسيطعن بقوة في هذه الاتهامات في المحكمة".

وتشير لائحة الاتهام إلى أنه بين عامي 2018 و2022، قبل مينينديز ونادين مينينديز رشاوى بمئات الآلاف من الدولارات من رجال الأعمال الثلاثة.

وأثناء تفتيش منزله في يونيو 2022، عثر المحققون على أكثر من 480 ألف دولار نقدا، معظمها مخبأ في مظاريف داخل خزانة، وخزانة ملابس. وعثر المحققون أيضا على أثاث منزلي وسبائك ذهبية تزيد قيمتها عن 100 ألف دولار يبدو أنها مقدمة من حنا ودعيبس، وفق الاتهامات.

المضبوطات

"ومن خلال هذه العلاقة الفاسدة، وافق مينينديز على.. الإخلال بواجبه الرسمي حيث اتخذ إجراءات لصالح الحكومة المصرية وشركة حنا، بما يشمل الضغط على مسؤول في وزارة الزراعة الأميركية للسعي إلى حماية الاحتكار الذي منحته الحكومة المصرية لشركته في مصر، وتعطيل قضية جنائية رفعها مكتب المدعي العام في نيوجيرزي فيما يتعلق بشركاء أوريبي".

وتمضى لائحة الاتهام إلى توضيح أنه بعد وقت قصير من بدء مينينديز ونادين المواعدة في عام 2018، قدمت نادين مينينديز إلى صديقها القديم وائل حنا "الذي حافظ على علاقات وثيقة مع المسؤولين المصريين".

وعملت نادين مع حنا على تقديم مسؤولي المخابرات والجيش المصريين إلى مينينديز، وهذا التعارف ساعد على تطور هذه العلاقة "الفاسدة" التي شملت دفع رشاوى إلى مينينديز ونادين مقابل عمل مينينديز لصالح مصر وحنا، وآخرين، وفق الاتهامات.

"معلومات حساسة"

وفي إطار هذا المخطط، قدم مينينديز "معلومات حساسة وغير علنية عن الحكومة الأميركية للمسؤولين المصريين واتخذ خطوات لمساعدة الحكومة المصرية سرا. وعلى سبيل المثال، في شهر مايو 2019، زود مينينديز المسؤولين المصريين بمعلومات سرية فيما يتعلق بعدد وجنسية الأشخاص الذين يعملون في السفارة الأميركية في القاهرة".

واعتبرت هذه المعلومات "حساسة للغاية لأنها يمكن أن تشكل مخاوف أمنية وتشغيلية كبيرة إذا تم الكشف عنها لحكومة أجنبية أو تم نشرها على الملأ" حسب الاتهامات الصادرة عن المدعي العام في نيويورك.

وتضيف أنه دون إخبار موظفيه أو وزارة الخارجية بأنه كان يفعل ذلك، أرسل السيناتور الديمقراطي، في مايو 2018، رسالة نصية تحتوي على معلومات السفارة الحساسة التي لم تكن علنية إلى صديقته آنذاك، نادين، التي بدورها أعادت إرسالها إلى حنا الذي أعاد إرسالها إلى مسؤول حكومي مصري.

العمل لصالح مصر

وفي وقت لاحق من نفس الشهر، كتب مينينديز رسالة نيابة عن مصر إلى أعضاء آخرين في مجلس الشيوخ الأميركي يدعوهم فيها إلى الإفراج عن 300 مليون دولار من المساعدات لمصر. وأرسل هذه الرسالة المكتوبة إلى نادين التي أعدت أرسالها إلى حنا، وأرسلها بدوره إلى المسؤولين المصريين، حسب اللائحة.

وفي أوقات مختلفة بين عامي 2018 و2022، أبلغ مينينديز أيضا المسؤولين المصريين، من خلال نادين مينينديز و/أو حنا و/أو دعيبس، بأنه سيوافق على أو يلغي القيود على التمويل العسكري الأجنبي ومبيعات المعدات العسكرية إلى مصر من خلال دوره القيادي في لجنة الشؤون الخارجية، وفق الاتهامات.

وفي يوليو 2018 تقريبا، في أعقاب الاجتماعات بين مينينديز والمسؤولين المصريين، التي حضرتها نادين وحنا، أرسل مينينديز رسالة نصية إلى نادين مفادها أنها يجب أن تخبر حنا بأنه سيوقع على صفقة أسلحة بملايين الدولارات لمصر. وأرسلت نادين مينينديز هذه الرسالة إلى حنا الذي أرسلها بدورها إلى اثنين من المسؤولين المصريين، فأجاب أحدهما بإيموغي "التأييد".

وأجرى مينينديز اتصالات مماثلة خلال السنوات التالية. على سبيل المثال، في يناير 2022، أرسل إلى نادين مينينديز رابطا لمقال إخباري يتناول اثنتين من المبيعات العسكرية الأجنبية المعلقة إلى مصر بقيمة إجمالية تبلغ حوالي 2.5 مليار دولار. وأرسلت نادين مينينديز هذا الرابط إلى حنا، وكتبت: "كان على بوب أن يوافق على هذا"، حسبما جاء في الاتهامات.

وفي مقابل موافقة السيناتور البارز على اتخاذ هذه الإجراءات وغيرها، وعد حنا نادين بدفع أموال، بما في ذلك مدفوعات قدمتها شركته وأثناء تفتيش منزله في يونيو 2022، عثر المحققون على أكثر من 480 ألف دولار نقدا، معظمها مخبأ في مظاريف داخل خزنة وخزائن وملابس، بما في ذلك سترة مزينة بشعار مجلس الشيوخ، وفق بيان مكتب المدعي العام.

ومع ذلك، لم يكن لدى شركته موارد مالية كافية حتى ربيع عام 2019، عندما منحت الحكومة المصرية شركته حقا حصريا في إصدار شهادات الحلال إلى مصر باعتبارها متوافقة مع معايير الحلال، على الرغم أن حنا، وشركته، كانا بلا سابق خبرة في هذا المجال، وفق بيان الاتهامات.

وأدى هذا الاحتكار إلى توفير موارد مالية للشركة دفعت من خلالها مبالغ مالية لنادين كما وعد صديقها القديم بذلك.

ونظر ا لأن هذا الاحتكار زاد التكاليف المالية على موردي اللحوم الأميركيين، اتصلت وزارة الزراعة الأميركية، في أبريل ومايو 2019، بالحكومة المصرية لتطلب منها إعادة النظر في منح حقوق الاحتكار للشركة، وفق الاتهامات. 

وبعد اطلاعه على اعتراضات الوزارة، اتصل السيناتور في 23 مايو 2019، بمسؤول رفيع المستوى في وزارة الزراعة الأميركية ليطلب منه أن تتخلى عن موقفها من الشركة، وعندما حاول المسؤول شرح الضرر الناتج عن ذلك، كرر مينينديز مطلبه لكن المسؤول رفض ذلك، ومع ذلك واصلت الشركة احتكارها، حسب الاتهامات.

وساعد حنا نادين في مدفوعات الرهن العقاري عندما واجهت إجراءات الحجز على منزلها إذ أرسل لها مبلغ 23 ألف دولار ساعدها في تجاوز أزمتها.كما ساهم أيضا في إصدار ثلاثة شيكات بقيمة 10 آلاف دولار إلى نادين مقابل تأديتها وظيفة وهمية تم منحها لها، وفق الاتهامات.

ومع استمرار المخطط، تلقى مينينديز ونادين رشاوى إضافية، بما في ذلك سبائك ذهبية ومبالغ نقدية، حسب اللائحة.

الرشاوى شملت سبائك

وعرض حنا أيضا المساعدة في شراء سيارة مرسيدس بنز C-300 جديدة تبلغ قيمتها أكثر من 60 ألف دولار لمينينديز ونادين.

وفي المقابل، عمل مينينديز على تعطيل قضية احتيال رفعها مكتب المدعي العام في نيوجيرزي ضد شركاء أوريبي وفي تحقيق على صلة بموظف لديه، إذ اتصل مينينديز بمدعي عام كبير أشرف على القضية بهدف تسويتها بشكل يرضى المتهمين، وفق الاتهامات.

وقال بيان المدعي العام إن المسؤول اعتبر تصرفات مينينديز غير لائقة ولم يوافق على التدخل، ومع ذلك، انتهت القضية بعدم صدور حكم بالسجن ولم يسفر التحقيق أبدا عن توجيه أي اتهامات للموظف الذي عمل لدى أوريبي.

وفي مقابل خدمات مينينديز، قدم أوريبي لنادين مبلغ 15 ألف دولار نقدا للدفعة الأولى للسيارة الفاخرة المكشوفة في أبريل 2019. وبعد اكتمال عملية الشراء، أرسلت نادين مينينديز رسالة إلى مينينديز لتهنئته عليها، ونشر بيان مكتب مدعي العام صورة هذه السيارة.

السيارة الجديدة

وبحسب وكالة بلومبيرغ، فإن مينينديز يواجه تحديا على مقعده، من قبل النائب بمجلس النواب، آندي كيم، وهو ديمقراطي أيضا من ولاية نيوجيرزي.

مينينديز
ما علاقة مصر بقضية الرشى التي يواجهها السيناتور الأميركي بوب مينينديز؟
بعدما اتهم السيناتور الأميركي، روبرت مينينديز، بتلقي رشاوى مقابل تقديم معلومات للحكومة المصرية،  ضمن اتهامات أخرى طالته، يتساءل البعض حول حقيقة حاجة القاهرة لمعلومات من سيناتور وهي التي تعد حليفة لولايات المتحدة.

الذئاب المنفردة

فجر أول أيام يناير، 2025، وثقت كاميرا مثبتة على جسم أحد أفراد الشرطة الأميركية لحظات محاصرة شمس الدين جبّار، منفّذ عملية الدهس في مدينة نيو أورلينز الأميركية، أثناء محاولته الهروب بينما تناثرت أجساد ضحاياه على الأرض من حوله.

تحوّلَ جبّار من رقيب سابق في الجيش الأميركي، إلى إرهابي قاتل لـ 14 ضحية، ساقتهم الأقدار  إلى شارع بوربون الشهير للاحتفال بليلة رأس السنة.

يروي عباس الداهوك، وهو عقيد سابق في الجيش الأميركي، في مقابلة مع الحرة، أن حياة جبار كانت مليئة بالمشكلات، وكانت لديه خطة لجمع عائلته في مكان واحد لارتكاب العنف ضد أفرادها. لكنه في اللحظة الأخيرة قرر العدول عن تنفيذ الخطة، وسلك طريقا مختلفا. 

قاد شاحنته، وعليها علم داعش، ليفتك بأبرياء عزّل في مدينة نيو أورلينز. لم يُستبعد ارتباطه بالتنظيم الإرهابي، لكن على الأرجح كان يتصرف كذئب منفرد.

صباح اليوم نفسه، على بُعد 1700 ميل إلى الغرب، أطل الإرهاب بوجهه البشع مرة أخرى.

أمام فندق يعود للرئيس دونالد ترامب، في مدينة لاس فيغاس، انفجرت شاحنة كهربائية، بعد انتحار مستأجرها ماثيو ليفلسبيرغر، الرقيب الأول في القوات الخاصة الأميركية. 

يقول كولن كلارك، الخبير في قضايا الإرهاب، إن هذا كان أشبه بعرض لجذب الانتباه إلى ما كان للأسف نوعا من التشتّت الذهني لشخص ربما كان يعاني بشدة من اضطراب ما بعد الصدمة.

ويضيف أنه بعد 20 عاما من تركيز ضيّق للغاية على نوع واحد من الإرهاب، وهو الإرهاب الجهادي، "أدركنا الآن أن الأمور أكثر تعقيدا".

يشير كلارك إلى مفهوم الذئب المنفرد، أي كيف يمكن لشخص ما، من دون مقدمات، أن يتحوّل في أي بقعة من العالم، إلى ذئب منفرد يتبربص بضحاياه الغافلين، ليفتك بهم وينشر الرعب.

الذئب المنفرد، بحسب وزارة العدل الأميركية، هو شخص ينفّذ بمفرده هجوما إرهابيا ضد مجتمع يكون هو جزءا منه، بدوافع سياسية أو دينية، ولغرض التأثير على الرأي العام، أو عملية صنع القرار السياسي. وقد يستلهم أفكاره من مجموعة أو شبكة معينة، ولكنه لا يكون خاضعا لقيادتها.

برنامج "الحرة تتحرى" يعود بملف الذئاب المنفردة إلى بدايات هذا النوع من الإرهاب، وكيف تنامى، ويعرض أبرز الهجمات، ودوافع منفذيها، والأيديولوجيات التي تبنوها، إضافة إلى شرح الكوامن النفسية التي تدفع شخصا ما عن سابق إصرار وترصّد، إلى قتل آخرين، يراهم غالبا للمرة الأولى، وهو يدرك أنه سيدفع حياته ثمنا لذلك.

بحسب أحمد سلطان، الباحث في الأمن الإقليمي والإرهاب، يصعب في الغالب الكشف أو التنبؤ بهجمات الإرهابي الوحيد أو الذئب المنفرد، لأنك لا يمكن أن تراقب المجتمع بالكامل، كما أن الذئب المنفرد لا تظهر عليه أي علامات سابقة على تنفيذه الهجوم. 

في المقابل، يرى رامون سباي، وهو عالم اجتماع متخصص بظاهرة الذئاب المنفردة في ملبورن، أستراليا، أنه بمرور الوقت، أصبح إرهاب الذئاب المنفردة يشكّل نسبة أكبر بكثير من إجمالي الهجمات الإرهابية، وأن سياق هذه الهجمات، ورغم أن منفذيها أفراد، غالبا ما تكون نسخة متطرفة، أو تعبيرا عن الصراعات المجتمعية الأوسع الجارية في ذلك الوقت.

أما وائل سلامة، طبيب نفسي عمل على حالات لإرهابيين في السجون اللبنانية، فيؤكد أن هذه الحالات هي بلا شك نوع من البحث عن هوية.

"بالنسبة له (الذئب المنفرد) حتى عندما يتم قتله يصل إلى الغاية المنشودة، فالغاية الأساسية من الجريمة، أن يثبت قدراته".

قد يكون مصطلح "الذئاب المنفردة" حديث العهد، لكن فعل الهجوم الأحادي، ظهر قبل قرنين من الزمان.

يعود تاريخ الهجمات الأحادية، بحسب رامون سباي مؤلف كتابين عن إرهاب الذئاب المنفردة، إلى القرن التاسع عشر، لما يُعرف بإرهاب "الأناركية"، وهي تستند إلى فلسفة سياسية، وكان لديها استراتيجية تسمى "المقاومة القانونية"، و"الدعاية بالفعل".

وتتضمن استراتيجيتها ارتكاب أعمال عنف جماعي بشكل متفرق، وليس كجزء من مجموعة منظمة، من خلال قيام أفراد بشن هجمات عنيفة على مسؤولين حكوميين، رؤساء دول، وعائلات ملكية.

يشتق مصطلح الأناركية من الكلمة اليونانية "أنارخيا"، التي تعني بدون حاكم.

اكتسف فلسفة الأناركية شهرة في القرن التاسع عشر، ودعت إلى مجتمع بلا حكومة، أو هياكل هرمية.

في حديث مع "الحرة"، يقول ستيف كيليليا، مؤسس ومدير معهد الاقتصاد والسلام، الذي ينشر تقارير سنوية عن مؤشرات الإرهاب في العالم، إن مفهوم الذئب المنفرد، بدأ بالظهور فعليا في الفترة بين عامي 1870 و1930، مع حركة الأناركية في أوروبا والولايات المتحدة.وقد تكون إحدى أبرز هجمات هذه الحركة اغتيال الرئيس الأميركي، وليام ماكينلي، عام 1901.

أُعدم قاتل الرئيس، الأناركي ليون تشولغوش، بالكرسي الكهربائي، لكن هجمات الحركة استمرت على مدى عقود. وفي نهاية السبعينيات، شغل إرهابي مجهول الهوية السلطات الأميركية لسبعة عشر عاما كاملا.

وفق تقرير مكتب التحقيقات الفيدرالي أرسل هذا الشخص، أو سلّم باليد، سلسلة من القنابل التي كانت تزداد تطوراً، وأسفرت عن مقتل ثلاثة أميركيين، وإصابة أكثر من عشرين آخرين. 

يخبر سباي فريق "الحرة تتحرى" أنه منذ التسعينيات، ومع صعود اليمين المتطرف، بدأت فعلياً استراتيجية الذئب المنفرد أو الفاعل المنفرد، واستُخدم المصطلح بشكل أكثر تحديدا وانتشارا بواسطة نشطاء اليمين خاصة المتطرفين منهم.

وظهر كثير من "الذئات المنفردة" يضيف سباي، في صفوف اليمين المتطرّف، وذلك نتيجة استراتيجية تسمى "المقاومة بلا قائد"، وهي طريقة لمنع اختراق أو تفكيك جماعة أو منظمة من قبل وكالات إنفاذ القانون، وهي أيضا وسيلة لحماية القيادة، من خلال جعل الأشخاص يتصرفون بشكل فردي، فإذا تم القبض عليهم، فلن يكون لديهم تفاصيل عن الشبكة أو المخطط الأكبر.

لا يقتصر وجود الإرهاب على طريقة الذئاب المنفردة على الولايات المتحدة، بل يمتد عبر الأطلنطي إلى القارة العجوز.

بحسب ستيف كيليليا مؤسس ومدير معهد الاقتصاد والسلام في أستراليا، فإن عددا من الدول التي لم تتعرض لهجمات في السنوات الخمس الأخيرة، شهد عام 2024 ثماني هجمات ذئاب منفردة في السويد. وفي كل من فنلندا وهولندا والدنمارك وقع هجومان، وتصاعدت الهجمات من هذا النوع في دول أخرى مثل النرويج.

أما ألمانيا، فمن أكثر الدول الغربية تعرضا للإرهاب، ومنها هجمات ذئاب منفردة. 

قبيل عيد الميلاد عام 2024، نفّذ طالب العبد المحسن، طبيب نفسي من أصول سعودية، عملية دهس في سوق مزدحم، في مدينة ماغديبورغ الألمانية، أدت إلى مقتل خمسة أشخاص، وإصابة مئات آخرين.

طبقا لتقارير متخصصة، 93 في المئة من الهجمات الإرهابية المميتة في الغرب خلال السنوات الخمس الماضية نفذت بواسطة "ذئاب منفردة". فما الذي يجذبهم إلى هذا الأسلوب دون سواه؟ 

يجيب أحمد سلطان، الباحث في الأمن الإقليمي والإرهاب، بأن الأسهل هي هجمات الذئاب المنفردة لأنها طبعا أصعب في الكشف والتوقع. ويعني أنها يمكن أن تحدث في أي وقت وأي مكان، "أما الهجمات المنسقة فتحتاج للموارد، وتأخذ وقتا طويلا في التجهيز والتخطيط والتنفيذ".

قد يبدو الفعل بعدائيته نابعا من قوة، إلا أن علم النفس له رأي آخر.

في الجزء الأكبر منه هو ناتج عن عقدة نقص "دائما ما تدفع بالشخص ليبالغ بردة الفعل"، ، يقول وائل سلامة، الطبيب النفسي، فمن ناحية المجرم أو الإرهابي فهو "يريد أن يضخم بجريمته لتضخيم ردة الفعل وبالتالي يغذي عقدة النقص الموجودة لديه".

يخبر رامون سباي "الحرة" أن ما لاحظه في كثير من حالات الذئاب المنفردة التي درسها هو أنه "بمرور الوقت يحدث تحوّل حقيقي في هويتهم"، فيرون ارتكاب العنف عملا ثوريا يمنحهم شعورا بالوجود والأهمية،  ... والإحساس القوي بالاستقامة الأخلاقية والتصرّف باسم الحق والخير"، رغم أن ما يقومون به هو فعل إجرامي ضحاياه في الغالب أناس أبرياء يُستهدفون بينما هم منشغلون بشؤونهم اليومية.