رغم وفاة الملياردير الذي كان يحاكم بجرائم جنسية، جيفري إبستين، إلا أن إرثه القديم عاد ليهز مجتمع السياسيين والمشاهير.
إبستين الذي انتحر خلال سجنه في نيويورك، عام 2019، كان يخضع لمحاكمة ترتبط باستغلاله لعشرات المراهقات جنسيا في منازله بمانهاتن وفلوريدا، بين عامي 2002 و2005.
وكانت وثائق المحاكمة، في عام 2019، قد كشفت أن إحدى الضحايا قالت إنه استخدمها كـ"عبدة جنسية"، وأنها أُجبرت على ممارسة الجنس مع سياسيين ورجال أعمال معروفين، بحسب تقرير لفرانس برس.
وكشفت وثائق جديدة للمحاكمة نشرت مطلع العام الحالي قائمة أسماء مشاهير يشتبه في تورطهم بجرائم إبستين الجنسية، ما أعاد الزخم إلى القضية.
من هو جيفري إبستين؟
اسمه جيفري إدوارد إبستين. من مواليد عام 1953 في بروكلين نيويورك، لوالدين مهاجرين. كان والده جامع قمامة، وأمه مساعدة في مدرسة.
التحق بجامعة نيويورك، لكنه لم يحصل على شهادة رغم ذلك كان ماهرا في الرياضيات.
في منتصف السبعينيات، حصل على عمل في إحدى المدارس المرموقة، وهنا لفت الأضواء.
ذكرت صحيفة نيويورك تايمز "لقد فوجئ الطلاب في إحدى المدارس المرموقة في نيويورك بمقابلة معلم جديد كان يتجول في القاعات مرتديا معطفا من الفرو، وسلاسل ذهبية، وكاشفا صدره".
في هذه الفترة، لم يلحظ لإبستين سلوك جنسي غير لائق مع الفتيات، رغم ذلك تم فصله من المدرسة بسبب سوء الأداء.
استغل بعد ذلك، اتصالاته مع مدرسة دالتون للعمل في سوق الأسهم بوول ستريت، حتى التحق في فترة وجيزة بصفوف بنك الاستثمار حينها، بير شتيرنز.
خلال سنوات وجيزة وفي عام 1982، تمكن إبستين من جمع ثروة وفتح شركته الخاصة وكان يتعامل فقط مع أصحاب المليارات.
الاتهامات بجرائم جنسية
بدأت الادعاءات حول سلوك إبستين الجنسي مع فتيات قاصرات في الظهور، عام 2005. وبينما كانت الاتهامات تتعلق بحوالي 40 فتاة مراهقة، وافق أليكس أكوستا، المدعي العام في ميامي آنذاك، على صفقة مع إبستين، في عام 2007.
أقر إبستين حينها بأنه مذنب في تهم دعارة وليس جرائم فيدرالية أكثر خطورة. حوكم بالسجن 13 شهرا وكان مطلوبا منه التسجيل كمرتكب جرائم جنسية.
وقالت إحدى المشتكيات إن إبستين أرغمها على إقامة علاقات جنسية مع الأمير البريطاني، أندرو، وهو ما ينفيه الأمير.
على الرغم من كل هذا، وإدانته بارتكاب جرائم جنسية، واصل إبستين حياته الصاخبة متنقلا بطائرات خاصة بين مدينته نيويورك وجنوب فلوريدا ونيو مكسيكو وجزر فيرجن الأميركية وباريس.
اعتقل إبستين، في يوليو من عام 2019، حيث اتهمه مكتب الادعاء العام في مانهاتن بأنه "أغرى وجنّد فتيات قاصرات للانخراط في أعمال جنسية معه مقابل منح الضحايا مئات من الدولارات نقدا".
وحسب الادعاء، فإن إبستين "دفع لإغراء آخرين بهذه الطريقة، وأنشأ شبكة واسعة من الضحايا من دون السن القانونية لاستغلالهن جنسيا".
وهي جرائم تصل عقوبتها إلى السجن 45 عاما، في حال الإدانة. لكن الملياردير أكد أنه غير مذنب.
وعرض حوالي 100 مليون دولار للإفراج عنه بكفالة، وطلب الإقامة الجبرية مع حراسة أمنية يدفع ثمنها، لكن القاضي رفض.
بعد اعتقال إبستين، بدأت تتكشف بعض التفاصيل حول حياته الغامضة، حيث عثر على جواز سفر نمساوي بصورته، ولكن باسم مختلف. كما عثرت السلطات على الماس ونقود عند تفتيش منزله في مانهاتن.
لكن الأغرب، حسب تقرير صادر عن التايمز، أن إبستين أراد "خلق جنس بشري بدمج حمضه النووي مع أحماض نووية أخرى من خلال تخصيب امرأة في مزرعته الكبيرة في نيو مكسيكو". وقال المقال إن إبستين أراد أيضا تجميد رأسه وقضيبه بعد وفاته، على ما يبدو بسبب اهتمامه بعلم مبتكر يهدف إلى إحياء الأجسام المجمدة في المستقبل.
كما ارتبط إبستين عاطفيا بغيسلين ماكسويل، ابنة قطب الإعلام البريطاني الراحل، روبرت ماكسويل، والتي أدانتها هيئة محلفين أميركية، في عام 2021، بتهمة استغلال فتيات قاصرات للاتجار بالجنس.
انتحار يثير التساؤلات
دفعت صلات إبستين المستمرة بشخصيات ثرية وقوية في الولايات المتحدة وخارجها إلى إثارة شكوك حول انتحاره.
وزير العدل الأميركي، ويليام بار، قال في عام 2019 إنه "روع" بوفاة إبستين فيما يبدو في عملية انتحار داخل زنزانته. وقال إنه سوف يحقق في ملابسات وفاته. وأضاف في بيان "وفاة السيد إبستين تثير تساؤلات خطيرة يجب الإجابة عليها".
وفي منتصف عام 2023، خلصت وزارة العدل الأميركية إلى أن إبستين أقدم بالفعل على الانتحار نتيجة "إهمال" من العاملين في السجن.
وأشار المفتش العام للوزارة، مايكل هورويتز، في بيان حينها إلى "أخطاء عديدة وخطيرة ارتكبها موظفو مركز الاحتجاز الفيدرالي في نيويورك" حيث كان إبستين مسجوناً وحيث عثر عليه في زنزانته مشنوقا بواسطة ملاءة لفها حول عنقه، فجر العاشر من أغسطس 2019.
واتهم حارسين في إدارة السجون الأميركية بـ"الاهمال وسوء السلوك"، مشددا على أن إبستين الذي كان مبدئيا "تحت المراقبة لاحتمال إقدامه على الانتحار" منذ نهاية يوليو وُضِع "وحده ودون مراقبة" في زنزانة في التاسع من أغسطس 2019، وزُوِّد في تلك الليلة بـ"كمية كبيرة من أغطية السرير".
عودة الزخم في 2024
إبستين المتهم بارتكاب جرائم جنسية، أحرج لسنوات بعض النخب السياسية والاقتصادية في الولايات المتحدة والخارج، وعاد إرثه ليلاحق علاقته ببعض المشاهير، الأمر الذي رافقه الكثير من الأخبار الزائفة والمنشورات المضللة.
كشفت وثائق كشف عنها، في الأسبوع الأول من عام 2024، أسماء نحو 170 شخصا، من بينهم ساسة ومشاهير ربطتهم علاقة بإبستين. وتضم الوثائق إفادات من الضحية فيرجينيا جيوفري، وشريكة إبستين، غيسلين ماكسويل، وآخرين، كما تشمل تفاصيل اتصالات بين الملياردير الشهير وهؤلاء الأشخاص.
ومن أبرز الأسماء التي يتم تداولها: الرئيس الأميركي الأسبق، بيل كلينتون، ودوق يورك الأمير أندرو وحتى المغني الراحل مايكل جاكسون، والرئيس الأميركي السابق، الذي كان مجرد رجل أعمال حينها، دونالد ترامب، وغيرهم.
وأشارت تقارير وسائل إعلام أميركية إلى أن "حقيقة ظهور أسماء لأشخاص في الملفات، لا تعني بالضرورة أنهم متورطون في مخالفات"، إذ لم يتم توجيه تهم جنائية إلا إلى إبستين وماكسويل بالإساءة للفتيات والشابات في مساكن في نيويورك، وفي جزر وأماكن أخرى.