رئيسة جامعة كولومبيا الأميركية نعمت شفيق المصرية الأصل في جلسة استماع بالكونغرس
رئيسة جامعة كولومبيا الأميركية نعمت شفيق المصرية الأصل في جلسة استماع بالكونغرس

تثير رئيسة جامعة كولومبيا الأميركية نعمت شفيق، مصرية الأصل، الجدل منذ أيام بعد أن طلبت تدخّل الشرطة لتفريق جموع المحتجين المؤيدين للفلسطينيين داخل الحرم الجامعة، مما أدى إلى توقيف أكثر من 100 طالب. 

قرارات شفيق وتصريحاتها الأخيرة أثارت جدلا واسعا في الآونة الأخيرة، وقالت نعمت مينوش شفيق، رئيسة جامعة كولومبيا، وفي رسالة بالبريد الإلكتروني إلى موظفي وطلاب الجامعة الاثنين، إن الجامعة ألغت حضور الطلبة وانتقلت إلى التدريس عبر الإنترنت "لتخفيف الضغينة ومنحنا جميعا فرصة للنظر في الخطوات التالية".

وفي خطوة استثنائية استنكرها بعض أعضاء هيئة التدريس، استدعت شفيق الأسبوع الماضي شرطة نيويورك لإخلاء خيام أقامها محتجون في الحديقة الرئيسية لمطالبة الجامعة بسحب الاستثمارات المتعلقة بأنشطة إسرائيل.

وقالت الجامعة إن إقامة الخيام تنتهك القواعد. واعتقلت الشرطة أكثر من 100 طالب من كولومبيا وبارنارد كوليدج المجاورة لاتهامهم بالتعدي على ممتلكات الغير. وأوقفت كولومبيا وبارنارد عشرات الطلاب المشاركين في الاحتجاجات عن الدراسة مؤقتا.

ودافعت شفيق في شهادة أدلتها الأسبوع الماضي أمام لجنة بمجلس النواب الأميركي عن رد الجامعة على معاداة السامية المزعومة، قائلة: "تم استغلال هذا التوتر وتضخيمه من أفراد لا ينتمون إلى جامعة كولومبيا جاؤوا إلى الحرم الجامعي لتحقيق قائمة أولوياتهم... نريد إعادة الأمور لنصابها".

وطالب الجمهوريون في مجلسي النواب والشيوخ، بالإضافة إلى عضو ديمقراطي واحد على الأقل في مجلس الشيوخ، باستقالة شفيق في رسائل وبيانات الاثنين.

تتولى شفيق رئاسة الجامعة منذ بداية يوليو الماضي بعد أن شغلت لثلاثة عقود مناصب قيادية عليا في مجموعة من المؤسسات الدولية والأكاديمية البارزة، وهي تحمل أيضا لقب أستاذ الشؤون الدولية والعامة في كلية كولومبيا للشؤون الدولية والعامة، بحسب موقع الجامعة على الإنترنت.

ولدت شفيق في محافظة الإسكندرية بمصر، وفرت مع عائلتها عندما كان في الرابعة من عمرها في عام 1966، في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر إلى الولايات المتحدة، واستقروا أولا في سافانا بولاية جورجيا في عمق الجنوب الأميركي، ولم يكن يتحدث الإنكليزية سوى والدها، الذي تعرضت ممتلكاته للتأميم، وفقا لموقعي الجامعة وصندوق النقد الدولي.

وسرعان ما تعلمت الأسرة اللغة ووجدت موطئ قدم لها في الولايات المتحدة مع انخراطها مع الجيرة وتكوين صداقات جديدة. 

التحقت شفيق وشقيقتها بالعديد من المدارس في فلوريدا وجورجيا ونورث كارولينا، وتخرجت بامتياز مع مرتبة الشرف من جامعة ماساتشوستس-أمهيرست بدرجة البكالوريوس في الاقتصاد والسياسة عام 1983.

وحصلت على درجة الماجستير من كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية عام 1986، ثم على درجة الدكتوراه في الاقتصاد من كلية سانت أنتوني بجامعة أكسفورد عام 1989.

وبعد حصولها مباشرة على درجة الدكتوراه، عملت في القضايا المتعلقة بأوروبا الشرقية في البنك الدولي بعد سقوط جدار برلين عام 1989.

وأثناء حملة "لنجعل من الفقر تاريخا" في منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، قادت وزارة التنمية الدولية المؤثرة في حكومة المملكة المتحدة.

وقضت شفيق جانبا كبيرا من حياتها المهنية في لندن وواشنطن. وتزوجت من العالم رافائيل جوفين، في عام 2002 في واشنطن، وأنجبت منه توأما، وأصبحت زوجة أب لأبنائه الثلاثة. 

وفي صندوق النقد الدولي، أثناء أزمة الديون في منطقة اليورو خلال عامي 2009 و2010، تولت الإشراف على عمل الصندوق في العديد من البلدان الواقعة في مركز الاضطرابات. 

وأثناء احتجاجات ما أصبح يعرف بـ "الربيع العربي" المؤيدة للديمقراطية في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، أدارت شفيق برامج الصندوق في الشرق الأوسط. 

كذلك شغلت منصب نائب محافظ بنك إنكلترا، حيث تولت الإشراف على ميزانية عمومية حجمها 500 مليار دولار، أثناء الاضطرابات التي صاحبت التصويت لصالح خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.

كانت شفيق أصغر نائبة لرئيس البنك الدولي على الإطلاق، حيث كانت تبلغ من العمر 36 عاما، بحسب موقع الجامعة.

وبعد أن بلغت سن الستين، أصبحت شفيق أول امرأة تتولى رئاسة جامعة كولومبيا بنيويورك بعد ست سنوات تولت خلالها قيادة كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية، بعد أن عادت إلى الأوساط الأكاديمية في عام 2017.

وشكّلت الجامعات في الولايات المتحدة ميدانا رئيسيا للنقاش والتحركات على خلفية الحرب والأزمة الانسانية الكارثية في القطاع الفلسطيني، خصوصا في ظل الدعم السياسي والعسكري من الولايات المتحدة لحليفتها إسرائيل.

وقوبلت النشاطات الداعمة للفلسطينيين في جامعات عدة، خصوصا المرموقة منها مثل هارفارد وكولومبيا، بتحذيرات من تنامي التحركات المعادية للسامية، لاسيما وأن العديد من الجامعات الكبرى في البلاد تعتمد بشكل رئيسي على دعم مالي من منظمات ومتمّولين من اليهود.

واستمع الكونغرس إلى شفيق، الأربعاء، وهو اليوم الذي نصب فيه الطلاب المؤيدون للفلسطينيين خيامهم. وأكدت شفيق، أن "معاداة السامية لا مكان لها في حرمنا الجامعي".

وكانت للتحركات المرتبطة بالحرب في غزة، انعكاسات على الجامعات الأميركية. فبعد جلسة استماع ساخنة في الكونغرس، استقالت رئيسة جامعة بنسلفانيا، إليزابيث ماغيل، ثم نظيرتها في جامعة هارفارد، كلودين جاي، في ديسمبر ويناير على التوالي.

الذئاب المنفردة

فجر أول أيام يناير، 2025، وثقت كاميرا مثبتة على جسم أحد أفراد الشرطة الأميركية لحظات محاصرة شمس الدين جبّار، منفّذ عملية الدهس في مدينة نيو أورلينز الأميركية، أثناء محاولته الهروب بينما تناثرت أجساد ضحاياه على الأرض من حوله.

تحوّلَ جبّار من رقيب سابق في الجيش الأميركي، إلى إرهابي قاتل لـ 14 ضحية، ساقتهم الأقدار  إلى شارع بوربون الشهير للاحتفال بليلة رأس السنة.

يروي عباس الداهوك، وهو عقيد سابق في الجيش الأميركي، في مقابلة مع الحرة، أن حياة جبار كانت مليئة بالمشكلات، وكانت لديه خطة لجمع عائلته في مكان واحد لارتكاب العنف ضد أفرادها. لكنه في اللحظة الأخيرة قرر العدول عن تنفيذ الخطة، وسلك طريقا مختلفا. 

قاد شاحنته، وعليها علم داعش، ليفتك بأبرياء عزّل في مدينة نيو أورلينز. لم يُستبعد ارتباطه بالتنظيم الإرهابي، لكن على الأرجح كان يتصرف كذئب منفرد.

صباح اليوم نفسه، على بُعد 1700 ميل إلى الغرب، أطل الإرهاب بوجهه البشع مرة أخرى.

أمام فندق يعود للرئيس دونالد ترامب، في مدينة لاس فيغاس، انفجرت شاحنة كهربائية، بعد انتحار مستأجرها ماثيو ليفلسبيرغر، الرقيب الأول في القوات الخاصة الأميركية. 

يقول كولن كلارك، الخبير في قضايا الإرهاب، إن هذا كان أشبه بعرض لجذب الانتباه إلى ما كان للأسف نوعا من التشتّت الذهني لشخص ربما كان يعاني بشدة من اضطراب ما بعد الصدمة.

ويضيف أنه بعد 20 عاما من تركيز ضيّق للغاية على نوع واحد من الإرهاب، وهو الإرهاب الجهادي، "أدركنا الآن أن الأمور أكثر تعقيدا".

يشير كلارك إلى مفهوم الذئب المنفرد، أي كيف يمكن لشخص ما، من دون مقدمات، أن يتحوّل في أي بقعة من العالم، إلى ذئب منفرد يتبربص بضحاياه الغافلين، ليفتك بهم وينشر الرعب.

الذئب المنفرد، بحسب وزارة العدل الأميركية، هو شخص ينفّذ بمفرده هجوما إرهابيا ضد مجتمع يكون هو جزءا منه، بدوافع سياسية أو دينية، ولغرض التأثير على الرأي العام، أو عملية صنع القرار السياسي. وقد يستلهم أفكاره من مجموعة أو شبكة معينة، ولكنه لا يكون خاضعا لقيادتها.

برنامج "الحرة تتحرى" يعود بملف الذئاب المنفردة إلى بدايات هذا النوع من الإرهاب، وكيف تنامى، ويعرض أبرز الهجمات، ودوافع منفذيها، والأيديولوجيات التي تبنوها، إضافة إلى شرح الكوامن النفسية التي تدفع شخصا ما عن سابق إصرار وترصّد، إلى قتل آخرين، يراهم غالبا للمرة الأولى، وهو يدرك أنه سيدفع حياته ثمنا لذلك.

بحسب أحمد سلطان، الباحث في الأمن الإقليمي والإرهاب، يصعب في الغالب الكشف أو التنبؤ بهجمات الإرهابي الوحيد أو الذئب المنفرد، لأنك لا يمكن أن تراقب المجتمع بالكامل، كما أن الذئب المنفرد لا تظهر عليه أي علامات سابقة على تنفيذه الهجوم. 

في المقابل، يرى رامون سباي، وهو عالم اجتماع متخصص بظاهرة الذئاب المنفردة في ملبورن، أستراليا، أنه بمرور الوقت، أصبح إرهاب الذئاب المنفردة يشكّل نسبة أكبر بكثير من إجمالي الهجمات الإرهابية، وأن سياق هذه الهجمات، ورغم أن منفذيها أفراد، غالبا ما تكون نسخة متطرفة، أو تعبيرا عن الصراعات المجتمعية الأوسع الجارية في ذلك الوقت.

أما وائل سلامة، طبيب نفسي عمل على حالات لإرهابيين في السجون اللبنانية، فيؤكد أن هذه الحالات هي بلا شك نوع من البحث عن هوية.

"بالنسبة له (الذئب المنفرد) حتى عندما يتم قتله يصل إلى الغاية المنشودة، فالغاية الأساسية من الجريمة، أن يثبت قدراته".

قد يكون مصطلح "الذئاب المنفردة" حديث العهد، لكن فعل الهجوم الأحادي، ظهر قبل قرنين من الزمان.

يعود تاريخ الهجمات الأحادية، بحسب رامون سباي مؤلف كتابين عن إرهاب الذئاب المنفردة، إلى القرن التاسع عشر، لما يُعرف بإرهاب "الأناركية"، وهي تستند إلى فلسفة سياسية، وكان لديها استراتيجية تسمى "المقاومة القانونية"، و"الدعاية بالفعل".

وتتضمن استراتيجيتها ارتكاب أعمال عنف جماعي بشكل متفرق، وليس كجزء من مجموعة منظمة، من خلال قيام أفراد بشن هجمات عنيفة على مسؤولين حكوميين، رؤساء دول، وعائلات ملكية.

يشتق مصطلح الأناركية من الكلمة اليونانية "أنارخيا"، التي تعني بدون حاكم.

اكتسف فلسفة الأناركية شهرة في القرن التاسع عشر، ودعت إلى مجتمع بلا حكومة، أو هياكل هرمية.

في حديث مع "الحرة"، يقول ستيف كيليليا، مؤسس ومدير معهد الاقتصاد والسلام، الذي ينشر تقارير سنوية عن مؤشرات الإرهاب في العالم، إن مفهوم الذئب المنفرد، بدأ بالظهور فعليا في الفترة بين عامي 1870 و1930، مع حركة الأناركية في أوروبا والولايات المتحدة.وقد تكون إحدى أبرز هجمات هذه الحركة اغتيال الرئيس الأميركي، وليام ماكينلي، عام 1901.

أُعدم قاتل الرئيس، الأناركي ليون تشولغوش، بالكرسي الكهربائي، لكن هجمات الحركة استمرت على مدى عقود. وفي نهاية السبعينيات، شغل إرهابي مجهول الهوية السلطات الأميركية لسبعة عشر عاما كاملا.

وفق تقرير مكتب التحقيقات الفيدرالي أرسل هذا الشخص، أو سلّم باليد، سلسلة من القنابل التي كانت تزداد تطوراً، وأسفرت عن مقتل ثلاثة أميركيين، وإصابة أكثر من عشرين آخرين. 

يخبر سباي فريق "الحرة تتحرى" أنه منذ التسعينيات، ومع صعود اليمين المتطرف، بدأت فعلياً استراتيجية الذئب المنفرد أو الفاعل المنفرد، واستُخدم المصطلح بشكل أكثر تحديدا وانتشارا بواسطة نشطاء اليمين خاصة المتطرفين منهم.

وظهر كثير من "الذئات المنفردة" يضيف سباي، في صفوف اليمين المتطرّف، وذلك نتيجة استراتيجية تسمى "المقاومة بلا قائد"، وهي طريقة لمنع اختراق أو تفكيك جماعة أو منظمة من قبل وكالات إنفاذ القانون، وهي أيضا وسيلة لحماية القيادة، من خلال جعل الأشخاص يتصرفون بشكل فردي، فإذا تم القبض عليهم، فلن يكون لديهم تفاصيل عن الشبكة أو المخطط الأكبر.

لا يقتصر وجود الإرهاب على طريقة الذئاب المنفردة على الولايات المتحدة، بل يمتد عبر الأطلنطي إلى القارة العجوز.

بحسب ستيف كيليليا مؤسس ومدير معهد الاقتصاد والسلام في أستراليا، فإن عددا من الدول التي لم تتعرض لهجمات في السنوات الخمس الأخيرة، شهد عام 2024 ثماني هجمات ذئاب منفردة في السويد. وفي كل من فنلندا وهولندا والدنمارك وقع هجومان، وتصاعدت الهجمات من هذا النوع في دول أخرى مثل النرويج.

أما ألمانيا، فمن أكثر الدول الغربية تعرضا للإرهاب، ومنها هجمات ذئاب منفردة. 

قبيل عيد الميلاد عام 2024، نفّذ طالب العبد المحسن، طبيب نفسي من أصول سعودية، عملية دهس في سوق مزدحم، في مدينة ماغديبورغ الألمانية، أدت إلى مقتل خمسة أشخاص، وإصابة مئات آخرين.

طبقا لتقارير متخصصة، 93 في المئة من الهجمات الإرهابية المميتة في الغرب خلال السنوات الخمس الماضية نفذت بواسطة "ذئاب منفردة". فما الذي يجذبهم إلى هذا الأسلوب دون سواه؟ 

يجيب أحمد سلطان، الباحث في الأمن الإقليمي والإرهاب، بأن الأسهل هي هجمات الذئاب المنفردة لأنها طبعا أصعب في الكشف والتوقع. ويعني أنها يمكن أن تحدث في أي وقت وأي مكان، "أما الهجمات المنسقة فتحتاج للموارد، وتأخذ وقتا طويلا في التجهيز والتخطيط والتنفيذ".

قد يبدو الفعل بعدائيته نابعا من قوة، إلا أن علم النفس له رأي آخر.

في الجزء الأكبر منه هو ناتج عن عقدة نقص "دائما ما تدفع بالشخص ليبالغ بردة الفعل"، ، يقول وائل سلامة، الطبيب النفسي، فمن ناحية المجرم أو الإرهابي فهو "يريد أن يضخم بجريمته لتضخيم ردة الفعل وبالتالي يغذي عقدة النقص الموجودة لديه".

يخبر رامون سباي "الحرة" أن ما لاحظه في كثير من حالات الذئاب المنفردة التي درسها هو أنه "بمرور الوقت يحدث تحوّل حقيقي في هويتهم"، فيرون ارتكاب العنف عملا ثوريا يمنحهم شعورا بالوجود والأهمية،  ... والإحساس القوي بالاستقامة الأخلاقية والتصرّف باسم الحق والخير"، رغم أن ما يقومون به هو فعل إجرامي ضحاياه في الغالب أناس أبرياء يُستهدفون بينما هم منشغلون بشؤونهم اليومية.