أثارت الحرب على غزة جدلا واسعا وسط المسؤولين في عدة ولايات أميركية حول كيفية التعامل معها، بينما يدعوا العديد منهم إلى الاهتمام بالسياسة الداخلية لدوائرهم الانتخابية، والابتعاد عن الحرب التي أثارت الانقسام في صفوف المواطنين ولا سيما طلبة الجامعات.
وأصبحت حكومات ولايات عدة متورطة في الجدل المرير حول الحرب في غزة، "وعقدت جلسات استماع عامة قبل إصدار إعلانات رمزية تدعو إلى إنهاء الأعمال العدائية"، وفق تقرير لمجلة "بوليتيكو" .
معارك يومية
بحسب التقرير، يرغب العديد من قادة المدن ولا سيما الديمقراطيين، "فقط في البقاء بعيدًا عن السياسة الخارجية".
وقال جويل إنغارديو، العضو الديمقراطي في مجلس المشرفين في سان فرانسيسكو، الذي تبنى سياسة صارمة بالخصوص "نحن بحاجة إلى التركيز على القيام بالمهمة التي انتخبنا للقيام بها، والوظيفة التي لدينا بالفعل القدرة على التأثير من خلالها".
وبينما أدت الاحتجاجات على الحرب إلى إغلاق شوارع وجسور وإجبار هيئات حكومية محلية على تكثيف الاجتماعات الأمنية، كان المسؤولون في جميع أنحاء البلاد -وهم في الغالب ديمقراطيون-، يعبرون عن تذمرهم بشأن التدخل في أمور خارجة عن سيطرتهم، والالتزام بالمعارك اليومية مثل سن قوانين مواقف السيارات وتقسيم المناطق إلى غيرها من الاهتمامت المحلية.
وقالت سارة نيلسون، عضو مجلس مدينة سياتل، وهي ديمقراطية، بينما امتنعت هي وعضوان آخران عن التصويت على قرار وقف إطلاق النار: "السياسة الخارجية ليست وظيفتي".
بدأت الدعوات الحماسية لاتخاذ القرارات بعد وقت قصير من السابع من أكتوبر، عندما شنت حماس هجوما على إسرائيل، ما أسفر عن مقتل نحو 1200 شخص واحتجاز ما يقرب من 250 رهينة.
واستمرت هذه الدعوات من خلال الرد الإسرائيلي الذي أدى حتى الآن إلى مقتل ما لا يقل عن 34 ألف شخص في غزة.
نقاشات حادة بالجامعات
كان النقاش متوترا بشكل خاص في المدن الجامعية، بما في ذلك بيركلي وكاليفورنيا وكامبريدج وماساتشوستس وبلومنغتون بولاية إنديانا.
وفي جامعات هارفارد وستانفورد ونيويورك، كان الموضوع متفجرًا لدرجة أن الخلافات بين الطلاب والأساتذة والمسؤولين الإداريين تسببت في عاصفة على شبكات التواصل الاجتماعي وفي الأوساط السياسية والإعلامية، حتى أنّها كلّفت البعض عروض عمل وتسببت في خوف آخرين على سلامتهم.
في جامعة هارفارد، احتدم النقاش بعدما وقّعت نحو ثلاثين مجموعة طلّابية بيانًا مشتركًا يحمّل "النظام الإسرائيلي كامل المسؤولية عن العنف"، ويؤكّد أن عملية حركة حماس "لم تأتِ من العدم" وأن "العنف الإسرائيلي يهيمن على كل جوانب الوجود الفلسطيني منذ 75 عامًا".
وفي الساحل الغربي من الولايات المتحدة، وجدت جامعة ستانفورد المرموقة كذلك نفسها عرضة للانتقادات بعد رفضها إدانة لافتات مؤيدة للفلسطينيين باسم حرية التعبير رفعها طلابها مؤكدة رغبتها في البقاء على الحياد.
وكتب أساتذة في جامعة جورجتاون في العاصمة واشنطن لرئيس الجامعة للتنديد بـ"صمته الطويل عن معاناة الفلسطينيين"، فيما وقّع أكثر من 44 ألف شخص على عريضة تطالب بإقالة أستاذ بجامعة ييل بسبب تغريدات وصف فيها إسرائيل بأنها "دولة استيطانية وترتكب إبادات وقاتلة".
وفي هذه الأجواء المتوترة، يعبّر الطلاب من الجانبين عن انزعاجهم.
والإثنين، أمرت رئيسة جامعة كولومبيا نعمت شفيق بأن تعطى الدروس عبر الإنترنت بعد اضطرابات شهدها حرم الجامعة نهاية الأسبوع على خلفية الحرب بين إسرائيل وحماس، بينما امتدت الاحتجاجات إلى كليات أخرى في الولايات المتحدة.
وأقامت مجموعة كبيرة من المتظاهرين "مخيم تضامن مع غزة" في المؤسسة المرموقة في نيويورك، بينما تحدّث بعض الطلاب اليهود عن الترهيب ومعاداة السامية في ظل احتجاجات تواصلت لأيام.
وفي رسالة مفتوحة إلى أسرة الجامعة، أشارت شفيق إلى ضرورة "إعادة إطلاق" الدروس.
وقالت "مدى الأيام الأخيرة، كانت هناك العديد من الأمثلة على الترهيب والسلوكيات القائمة على المضايقات في حرمنا".
وأضافت "اللغة المعادية للسامية، حالها حال أي لغة أخرى تستخدم لإيذاء وتخويف الناس، غير مقبولة وسيتم اتّخاذ إجراءات مناسبة. من أجل خفض التصعيد في مشاعر الضغينة ومنحنا جميعا فرصة التفكير في الخطوات المقبلة، أعلن أن جميع الدروس ستعطى عبر الإنترنت الاثنين".
بدأ المتظاهرون حراكهم الاحتجاجي الأسبوع الماضي، داعين الجامعة لسحب استثماراتها من الشركات المرتبطة بإسرائيل.
وتم توقيف أكثر من مئة منهم بعدما دعت سلطات الجامعة الشرطة للحضور إلى الحرم الخاص الخميس، في خطوة يبدو أنها أدت إلى تصعيد التوتر ودفعت عددا أكبر من الأشخاص للمشاركة في التحرك نهاية الأسبوع.
وذكرت "نيويورك تايمز" أن الاحتجاجات امتدت إلى معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا وجامعة ميشيغن فيما تم توقيف 47 شخصا على الأقل خلال تظاهرة في جامعة يال الاثنين.
الموقف من وقف إطلاق النار يقسم الآراء
في بيركلي، التي يوجد بها حرم جامعة كاليفورنيا الذي يعتبر مهد حركة حرية التعبير، قام عمدة المدينة جيسي أريغوين مرارا بعرقلة قرار وقف إطلاق النار في غزة في الأشهر الأخيرة، بحجة أن ذلك من شأنه أن يغرق المدينة بلا داع في صراع مشتت للانتباه.
وقال أريغوين لصحيفة بوليتيكو "لا أعتقد أنه من المناسب لحكومة المدينة أن تتخذ موقفًا بشأن القضايا الدولية حيث لا يوجد اتفاق، وحيث لا يوجد إجماع واسع.. أعتقد أن هذه منطقة بها انقسامات عميقة".
وتغلغل الصراع في سباق أريغوين لعضوية مجلس شيوخ الولاية، حيث يتنافس مع المرشحة الديمقراطية التقدمية جوفانكا بيكلز، المؤيدة بشدة لوقف إطلاق النار.
ووصفت بيكلز خطوة أريغوين بأنها عمل "جبان" يتجاهل إرادة الناخبين.
وفي كامبريدج، موطن معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا وجامعة هارفارد، نظر أعضاء مجلس المدينة في قرار بعد 7 أكتوبر مباشرة، لكنهم رفضوا الفكرة باعتبارها مثيرة للانقسام، حسبما قال عضو المجلس بول تونر.
وفي بلومنغتون، موطن الحرم الجامعي الرئيسي لجامعة إنديانا، قالت العمدة كيري تومسون إنها ستستخدم ببساطة حق النقض ضد القرار الذي اعتمده مجلس المدينة هذا الشهر والذي يدين تصرفات إسرائيل وحماس ويدعو إلى إطلاق سراح الرهائن.
وقالت تومسون، وهي ديمقراطية أيضًا، في بيان "لن أقضي وقت المدينة في قضايا تتجاوز نطاق أو تأثير حكومة مدينتنا".
وتابعت "أشجع زملائي في المجلس على التعبير عن مواقفهم بشأن القضايا الحكومية أو الوطنية أو الدولية بطرق لا تتطلب الوقت والطاقة والموارد من موظفي المدينة، أو توقيع العمدة.
وقالت عمدة سان فرانسيسكو، لندن بريد، إنها تجد صعوبة في استخدام حق النقض ضد القرار، الذي قالت إنه أدى إلى موجة من معاداة السامية.
كتبت بريد في رسالة توضح أسباب اختيارها عدم استخدام حق النقض ضده فقط لأن ذلك كان سيعيد القرار إلى المشرفين لعقد جلسات استماع أكثر إثارة للانقسام.
وكتبت "لا ينبغي لأحد أن يشعر بعدم الأمان في مجتمعاتنا، ولا ينبغي لأحد أن يعتقد أنه أثناء الدعوة إلى السلام في الخارج، من المقبول إثارة الانقسام والكراهية في الداخل".