استمرار تظاهر الطلاب تأييدا للفلسطينيين في جامعة كولومبيا في 30 أبريل 2024 بمدينة نيويورك.
جامعة كولومبيا فضت اعتصاما للطلاب المتظاهرين

أعرب دونالد ترامب، الثلاثاء، عن أسفه لاحتمال معاملة المتظاهرين المؤيدين للفلسطينيين في جامعة كولومبيا بشكل أكثر تساهلاً من مثيري الشغب الذين اقتحموا مبنى الكابيتول الأميركي في يناير 2021، وهي المرة الثانية خلال أسبوع التي استحضر فيها الرئيس السابق الاحتجاجات المستمرة في الحرم الجامعي للتقليل من أهمية الأمثلة السابقة على العنف اليميني، بحسب وكالة "أسوشيتد برس".

وفي حديثه في الردهة خارج قاعة المحكمة في مانهاتن حيث تجري محاكمته الجنائية بشأن أموال الصمت، تساءل ترامب عما إذا كان الطلاب المتظاهرون الذين استولوا على مبنى الحرم الجامعي وحاصروه، في وقت مبكر الثلاثاء، سيعاملون بنفس الطريقة التي عومل بها مؤيدو ترامب الذين هاجموا مبنى الكابيتول في 6 يناير لوقف التصديق على نتائج الانتخابات الرئاسية.

وقال: "أعتقد أنني أستطيع أن أعطيك الإجابة الآن، ولهذا السبب فقد الناس الثقة في نظام المحاكم لدينا."

وترى الوكالة أن تصريحات ترامب تظهر من جديد كيف حاول هو والحزب الجمهوري التقليل من الهجوم الأكثر دموية على مقر السلطة الأميركية منذ أكثر من 200 عام، بحجة أن السلوك العنيف أو الإجرامي من قبل اليسار يشكل تهديدا أكبر. ووصف ترامب مثيري الشغب بأنهم "وطنيون رائعون" وتحدث بصراحة عن احتمال إصدار عفو إذا فاز بولاية ثانية.

وتأتي تعليقاته، كما تقول الوكالة، بينما يسعى لاستعادة البيت الأبيض ويتعامل مع اتهامات في أربع قضايا جنائية منفصلة. ويتم الترويج لموقفه بأن الاتهامات يتم تنسيقها من قبل الديمقراطيين لإبعاده عن البيت الأبيض وأنه وأنصاره هم أهداف للاضطهاد السياسي من قبل نظام قضائي فاسد بشكل أساسي.

وقال ترامب عن المتظاهرين في كولومبيا: "لقد استولوا على المبنى. وهذا أمر كبير، وأتساءل عما إذا كان ما سيحدث لهم سيكون مشابهًا لما حدث لمحتجي السادس من يناير، لأنهم يتسببون في الكثير من الدمار الأضرار، ويتعرض الكثير من الأشخاص للأذى الشديد. أتساءل عما إذا كانت ستتم معاملتهم بنفس الطريقة التي عومل بها محتجي السادس من يونيو. دعونا نرى كيف سيتم كل ذلك."

وذكرت الوكالة أنه تم اتهام أكثر من 1350 شخصًا بارتكاب جرائم فيدرالية تتعلق بأعمال الشغب في الكابيتول. وقد صدرت أحكام على أكثر من 800 منهم، وتلقى ما يقرب من ثلثيهم أحكامًا بالسجن تتراوح بين بضعة أيام إلى 22 عامًا. وفقًا لوزارة العدل، اعترف 89 شخصًا بالذنب في تهم جنائية اتحادية تتعلق بالاعتداء على ضباط إنفاذ القانون.

وقال علماء القانون والسياسة إن استراتيجية ترامب يمكن أن تساعد حملته، لكنهم أشاروا إلى وجود اختلافات صارخة بين 6 يناير والاحتجاجات في الحرم الجامعي ضد الحرب بين إسرائيل وحماس، حيث تجمع طلاب الجامعات في مخيمات في جامعة كولومبيا وغيرها من الجامعات للدعوة إلى وقف إطلاق النار ومطالبة جامعاتهم بقطع العلاقات المالية مع إسرائيل.

ونقلت الوكالة عن الخبير في قانون الانتخابات وأستاذ القانون بجامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس، ريتشارد هاسن، قوله إن "احتجاجات كولومبيا لا تهدف إلى وقف الانتقال السلمي للسلطة بعد الانتخابات، لذا فهي لا تهدد عمل الديمقراطية الأميركية".

وقال الأستاذ المساعد للعلوم السياسية في جامعة ستانفورد، حكيم جيفرسون، للوكالة إن "المظاهرات التي اندلعت في مبنى كولومبيا الذي تم احتلاله أيضًا خلال احتجاجات الحقوق المدنية في الستينيات تعكس تقليدًا طويلًا من طلاب الجامعات (للضغط على ضمير) بلادهم".

وأضاف "هذا تقليد للاحتجاج، وهو أمر مزعج لمديري الجامعات بالتأكيد، لكن على العكس من ذلك، ما حدث يوم 6 يناير كان محاولة عنيفة لتعطيل التداول السلمي للسلطة. ولا يوجد تقليد لذلك في التاريخ الأميركي، فهو أمر غير مسبوق. ولهذا السبب يجب علينا بالطبع أن نتعامل مع الأمر بشكل مختلف".

ووفقا للوكالة، اندلعت بعض الاحتجاجات الأخيرة في الحرم الجامعي وتحولت إلى اشتباكات مع الشرطة، وتم اعتقال مئات الطلاب. وألقى المتظاهرون في بعض أنحاء البلاد زجاجات المياه أو أشياء أخرى على الضباط، واستخدمت الشرطة مواد كيميائية لتفريق الحشود أو حملهم بعيدا.

الذئاب المنفردة

فجر أول أيام يناير، 2025، وثقت كاميرا مثبتة على جسم أحد أفراد الشرطة الأميركية لحظات محاصرة شمس الدين جبّار، منفّذ عملية الدهس في مدينة نيو أورلينز الأميركية، أثناء محاولته الهروب بينما تناثرت أجساد ضحاياه على الأرض من حوله.

تحوّلَ جبّار من رقيب سابق في الجيش الأميركي، إلى إرهابي قاتل لـ 14 ضحية، ساقتهم الأقدار  إلى شارع بوربون الشهير للاحتفال بليلة رأس السنة.

يروي عباس الداهوك، وهو عقيد سابق في الجيش الأميركي، في مقابلة مع الحرة، أن حياة جبار كانت مليئة بالمشكلات، وكانت لديه خطة لجمع عائلته في مكان واحد لارتكاب العنف ضد أفرادها. لكنه في اللحظة الأخيرة قرر العدول عن تنفيذ الخطة، وسلك طريقا مختلفا. 

قاد شاحنته، وعليها علم داعش، ليفتك بأبرياء عزّل في مدينة نيو أورلينز. لم يُستبعد ارتباطه بالتنظيم الإرهابي، لكن على الأرجح كان يتصرف كذئب منفرد.

صباح اليوم نفسه، على بُعد 1700 ميل إلى الغرب، أطل الإرهاب بوجهه البشع مرة أخرى.

أمام فندق يعود للرئيس دونالد ترامب، في مدينة لاس فيغاس، انفجرت شاحنة كهربائية، بعد انتحار مستأجرها ماثيو ليفلسبيرغر، الرقيب الأول في القوات الخاصة الأميركية. 

يقول كولن كلارك، الخبير في قضايا الإرهاب، إن هذا كان أشبه بعرض لجذب الانتباه إلى ما كان للأسف نوعا من التشتّت الذهني لشخص ربما كان يعاني بشدة من اضطراب ما بعد الصدمة.

ويضيف أنه بعد 20 عاما من تركيز ضيّق للغاية على نوع واحد من الإرهاب، وهو الإرهاب الجهادي، "أدركنا الآن أن الأمور أكثر تعقيدا".

يشير كلارك إلى مفهوم الذئب المنفرد، أي كيف يمكن لشخص ما، من دون مقدمات، أن يتحوّل في أي بقعة من العالم، إلى ذئب منفرد يتبربص بضحاياه الغافلين، ليفتك بهم وينشر الرعب.

الذئب المنفرد، بحسب وزارة العدل الأميركية، هو شخص ينفّذ بمفرده هجوما إرهابيا ضد مجتمع يكون هو جزءا منه، بدوافع سياسية أو دينية، ولغرض التأثير على الرأي العام، أو عملية صنع القرار السياسي. وقد يستلهم أفكاره من مجموعة أو شبكة معينة، ولكنه لا يكون خاضعا لقيادتها.

برنامج "الحرة تتحرى" يعود بملف الذئاب المنفردة إلى بدايات هذا النوع من الإرهاب، وكيف تنامى، ويعرض أبرز الهجمات، ودوافع منفذيها، والأيديولوجيات التي تبنوها، إضافة إلى شرح الكوامن النفسية التي تدفع شخصا ما عن سابق إصرار وترصّد، إلى قتل آخرين، يراهم غالبا للمرة الأولى، وهو يدرك أنه سيدفع حياته ثمنا لذلك.

بحسب أحمد سلطان، الباحث في الأمن الإقليمي والإرهاب، يصعب في الغالب الكشف أو التنبؤ بهجمات الإرهابي الوحيد أو الذئب المنفرد، لأنك لا يمكن أن تراقب المجتمع بالكامل، كما أن الذئب المنفرد لا تظهر عليه أي علامات سابقة على تنفيذه الهجوم. 

في المقابل، يرى رامون سباي، وهو عالم اجتماع متخصص بظاهرة الذئاب المنفردة في ملبورن، أستراليا، أنه بمرور الوقت، أصبح إرهاب الذئاب المنفردة يشكّل نسبة أكبر بكثير من إجمالي الهجمات الإرهابية، وأن سياق هذه الهجمات، ورغم أن منفذيها أفراد، غالبا ما تكون نسخة متطرفة، أو تعبيرا عن الصراعات المجتمعية الأوسع الجارية في ذلك الوقت.

أما وائل سلامة، طبيب نفسي عمل على حالات لإرهابيين في السجون اللبنانية، فيؤكد أن هذه الحالات هي بلا شك نوع من البحث عن هوية.

"بالنسبة له (الذئب المنفرد) حتى عندما يتم قتله يصل إلى الغاية المنشودة، فالغاية الأساسية من الجريمة، أن يثبت قدراته".

قد يكون مصطلح "الذئاب المنفردة" حديث العهد، لكن فعل الهجوم الأحادي، ظهر قبل قرنين من الزمان.

يعود تاريخ الهجمات الأحادية، بحسب رامون سباي مؤلف كتابين عن إرهاب الذئاب المنفردة، إلى القرن التاسع عشر، لما يُعرف بإرهاب "الأناركية"، وهي تستند إلى فلسفة سياسية، وكان لديها استراتيجية تسمى "المقاومة القانونية"، و"الدعاية بالفعل".

وتتضمن استراتيجيتها ارتكاب أعمال عنف جماعي بشكل متفرق، وليس كجزء من مجموعة منظمة، من خلال قيام أفراد بشن هجمات عنيفة على مسؤولين حكوميين، رؤساء دول، وعائلات ملكية.

يشتق مصطلح الأناركية من الكلمة اليونانية "أنارخيا"، التي تعني بدون حاكم.

اكتسف فلسفة الأناركية شهرة في القرن التاسع عشر، ودعت إلى مجتمع بلا حكومة، أو هياكل هرمية.

في حديث مع "الحرة"، يقول ستيف كيليليا، مؤسس ومدير معهد الاقتصاد والسلام، الذي ينشر تقارير سنوية عن مؤشرات الإرهاب في العالم، إن مفهوم الذئب المنفرد، بدأ بالظهور فعليا في الفترة بين عامي 1870 و1930، مع حركة الأناركية في أوروبا والولايات المتحدة.وقد تكون إحدى أبرز هجمات هذه الحركة اغتيال الرئيس الأميركي، وليام ماكينلي، عام 1901.

أُعدم قاتل الرئيس، الأناركي ليون تشولغوش، بالكرسي الكهربائي، لكن هجمات الحركة استمرت على مدى عقود. وفي نهاية السبعينيات، شغل إرهابي مجهول الهوية السلطات الأميركية لسبعة عشر عاما كاملا.

وفق تقرير مكتب التحقيقات الفيدرالي أرسل هذا الشخص، أو سلّم باليد، سلسلة من القنابل التي كانت تزداد تطوراً، وأسفرت عن مقتل ثلاثة أميركيين، وإصابة أكثر من عشرين آخرين. 

يخبر سباي فريق "الحرة تتحرى" أنه منذ التسعينيات، ومع صعود اليمين المتطرف، بدأت فعلياً استراتيجية الذئب المنفرد أو الفاعل المنفرد، واستُخدم المصطلح بشكل أكثر تحديدا وانتشارا بواسطة نشطاء اليمين خاصة المتطرفين منهم.

وظهر كثير من "الذئات المنفردة" يضيف سباي، في صفوف اليمين المتطرّف، وذلك نتيجة استراتيجية تسمى "المقاومة بلا قائد"، وهي طريقة لمنع اختراق أو تفكيك جماعة أو منظمة من قبل وكالات إنفاذ القانون، وهي أيضا وسيلة لحماية القيادة، من خلال جعل الأشخاص يتصرفون بشكل فردي، فإذا تم القبض عليهم، فلن يكون لديهم تفاصيل عن الشبكة أو المخطط الأكبر.

لا يقتصر وجود الإرهاب على طريقة الذئاب المنفردة على الولايات المتحدة، بل يمتد عبر الأطلنطي إلى القارة العجوز.

بحسب ستيف كيليليا مؤسس ومدير معهد الاقتصاد والسلام في أستراليا، فإن عددا من الدول التي لم تتعرض لهجمات في السنوات الخمس الأخيرة، شهد عام 2024 ثماني هجمات ذئاب منفردة في السويد. وفي كل من فنلندا وهولندا والدنمارك وقع هجومان، وتصاعدت الهجمات من هذا النوع في دول أخرى مثل النرويج.

أما ألمانيا، فمن أكثر الدول الغربية تعرضا للإرهاب، ومنها هجمات ذئاب منفردة. 

قبيل عيد الميلاد عام 2024، نفّذ طالب العبد المحسن، طبيب نفسي من أصول سعودية، عملية دهس في سوق مزدحم، في مدينة ماغديبورغ الألمانية، أدت إلى مقتل خمسة أشخاص، وإصابة مئات آخرين.

طبقا لتقارير متخصصة، 93 في المئة من الهجمات الإرهابية المميتة في الغرب خلال السنوات الخمس الماضية نفذت بواسطة "ذئاب منفردة". فما الذي يجذبهم إلى هذا الأسلوب دون سواه؟ 

يجيب أحمد سلطان، الباحث في الأمن الإقليمي والإرهاب، بأن الأسهل هي هجمات الذئاب المنفردة لأنها طبعا أصعب في الكشف والتوقع. ويعني أنها يمكن أن تحدث في أي وقت وأي مكان، "أما الهجمات المنسقة فتحتاج للموارد، وتأخذ وقتا طويلا في التجهيز والتخطيط والتنفيذ".

قد يبدو الفعل بعدائيته نابعا من قوة، إلا أن علم النفس له رأي آخر.

في الجزء الأكبر منه هو ناتج عن عقدة نقص "دائما ما تدفع بالشخص ليبالغ بردة الفعل"، ، يقول وائل سلامة، الطبيب النفسي، فمن ناحية المجرم أو الإرهابي فهو "يريد أن يضخم بجريمته لتضخيم ردة الفعل وبالتالي يغذي عقدة النقص الموجودة لديه".

يخبر رامون سباي "الحرة" أن ما لاحظه في كثير من حالات الذئاب المنفردة التي درسها هو أنه "بمرور الوقت يحدث تحوّل حقيقي في هويتهم"، فيرون ارتكاب العنف عملا ثوريا يمنحهم شعورا بالوجود والأهمية،  ... والإحساس القوي بالاستقامة الأخلاقية والتصرّف باسم الحق والخير"، رغم أن ما يقومون به هو فعل إجرامي ضحاياه في الغالب أناس أبرياء يُستهدفون بينما هم منشغلون بشؤونهم اليومية.