يبدو أن تداعيات "حرب غزة" لن تقتصر على الشرق الأوسط، وسيتردد صداها في صلب الانتخابات الرئاسية الأميركية التي تجري أواخر العام الحالي، خاصة مع السياسة الخارجية لواشنطن والتي تلقى "تأييدا" و"انتقادات" في نفس الوقت بالداخل الأميركي.
الانتقادات للسياسات الخارجية لإدارة الرئيس الديمقراطي، جو بايدن، تتنامى وتهدد بخسارته لبعض فئات الناخبين، ما قد يشكل فرصة سانحة يستفيد منها منافسه الرئيس السابق الجمهوري، دونالد ترامب.
ورغم سياسات بايدن الداعمة لإسرائيل في حربها على غزة، إلا أن مؤيدين لإسرائيل انتقدوا بعض سياساته وقراراته محذرين من أي تراجع لدعم واشنطن لتل أبيب، وفي الوقت ذاته تعالت أصوات في داخل إدارة بايدن وضمن عدد من أنصاره احتجاجا على هذا الدعم، واعتبروا أن هذا يمثل مشاركة للأسلحة الأميركية في قتل الفلسطينيين في غزة.
وفي السباق الانتخابي، وجّه الرئيس السابق، ترامب، انتقادات لبايدن وصلت إلى حد اتهامه "بالوقوف إلى جانب حماس" بعد تهديدات بتعليق واشنطن لشحنات أسلحة قد تستخدم في هجمات واسعة في رفح حيث يتكدس مئات الآلاف من المدنيين.
وقال ترامب في أحدث تصريحاته، في التاسع من مايو: "لقد تخلى عن إسرائيل تماما ولا يمكن لأحد أن يصدق ذلك"، في إشارة إلى بايدن.
وسيتواجه ترامب وبايدن في الانتخابات الرئاسية، التي ستجري في 5 نوفمبر المقبل.
"حرب غزة" في صلب "الانتخابات الرئاسية"
أستاذ العلوم السياسية في جامعة جورج واشنطن، ريتشارد تشازدي، يؤكد أن "حرب غزة" وكل ما يتعلق بها من ملفات "لحقوق الإنسان" و"مأساة مقتل المدنيين" و"الرهائن الإسرائيليين لدى حماس" و"استخدام الأسلحة الأميركية من قبل القوات الإسرائيلية في الهجمات على غزة" ستكون "موضوعا أساسيا بارزا في الانتخابات الرئاسية لهذا العام".
ويقول لموقع "الحرة" إنها "نقطة مضيئة في ترسيخ الاختلافات الديمقراطية"، ولكنها "تولد مخاطر مقلقة لمساعي بايدن لإعادة انتخابه".
وطرح الأكاديمي الأميركي تشازدي تساؤلا "ماذا سيحدث إذا لم يصوت الناخبون الديمقراطيون لصالح الحزب وبايدن؟ الإجابة عن هذا التساؤل قد تشكل منعطفا ببعد تاريخي، ويجب أن تثير قلقا حقيقيا للحزب"، لافتا إلى أن "المعركة الانتخابية في ميشيغان ستكون صاخبة وحاسمة".
ويؤكد أن الانقسام حول "حرب غزة" يكشف عن "استقطاب أوسع بين الناخبين الجمهوريين والديمقراطيين، إذ أنهم سئموا وضعا يعيشون فيه حيث هناك نوع من الخلل الوظيفي، أكان على صعيد الكونغرس أو الإدارة الأميركية أو حتى الأحزاب ذاتها".
هل يهتم الأميركيون بالسياسة الخارجية في الانتخابات الرئاسية؟
غابرييل صوما، عضو المجلس الاستشاري للرئيس السابق ترامب وعضو في فريقه الانتخابي، يشير إلى أن السياسة الخارجية "عادة لا تحظى سوى باهتمام 8 في المئة من سكان الولايات المتحدة في الانتخابات الرئاسية".
وأوضح صوما في رد على استفسارات موقع "الحرة" وهو أكاديمي بروفيسور في القانون الدولي، أنه "منذ نهاية الحرب الباردة، عادة ما تهيمن القضايا الداخلية الأميركية، خاصة الاقتصادية، على مسار الانتخابات الرئاسية، ونادرا ما احتلت قضايا السياسة الخارجية (مكانة بارزة) كقضية رئيسية".
ويشرح "اليوم الوضع الاقتصادي في الولايات المتحدة سيئ، إذ يقترب معدل التضخم حاليا من 4 في المئة، بينما لم يتجاوز في عهد الرئيس السابق ترامب الـ1.4 في المئة، ولدينا قضية الهجرة غير الشرعية.. هذه الأمور تثير قلق الناخبين الأميركيين".
وفي عام الانتخابات الرئاسية الأميركية برزت مسألة الهجرة كموضوع أساسي في الخطاب الانتخابي خصوصا مع استخدام المرشح الجمهوري لخطاب أكثر حدة ضد المهاجرين، متعهدا بأن ينفذ عمليات طرد جماعية في حال عودته إلى البيت الأبيض.
وبتحدث ترامب بانتظام عن "جرائم مروعة" يرتكبها أشخاص دخلوا الولايات المتحدة بطريقة غير شرعية، ليقول إن هناك موجة من الجرائم سببها المهاجرون غير الشرعيين دون أن يدعم مزاعمه بأي دراسات أو إحصائيات.
ويشكل العمال المهاجرون في الولايات المتحدة حيث المجتمع يزيد هرما، "العمود الفقري" للاقتصاد، على ما أكد محللون لوكالة فرانس برس.
ويؤكد صوما أنه رغم التأثير المحدود للسياسة الخارجية في الانتخابات الأميركية، إلا أنه بعد بعد أشهر من الحرب في غزة ومقتل أكثر من 35 ألف فلسطيني غالبيهم من النساء والأطفال، يتساءل الكثير من الأميركيين عن سياسات الرئيس بايدن تجاه إسرائيل والحرب في غزة".
وذكر أنه، في فبراير الماضي، أظهرت استطلاعات للرأي أجرته مؤسسة بيو البحثية أن حوالي 57 من الأميركيين يتعاطفون بطريقة ما مع الفلسطينيين والإسرائيليين. وفي مارس، أظهرت استطلاع غالوب أن حوالي 64 من الجمهوريين يؤيدون إسرائيل في حربها على غزة، في حين 75 من الديمقراطيين لا يوافقون على ذلك.
ويضيف صوما أن "الديمقراطيين الأميركيين من أصول عربية ومسلمة قادوا خلال الفترة الماضية دعوات للتصويت بحملة 'غير ملتزم' في ميشيغان وولايات أخرى، في إشارة إلى عدم رضاهم عن إدارة بايدن وتعامله مع الحرب، ورفضه الدعوة من أجل وقف إطلاق للنار".
وبسبب تنامي الانتقادات "قرر بايدن تعليق شحنة أسلحة لإسرائيل، وهدد أنه في حال تنفيذ الهجوم على رفح قد يوقف الأسلحة" وهذا كله أوجد انتقادات من مشرعين أميركيين عبروا عن قلقهم من "الرسالة التي ترسلها إدارة بايدن إلى حماس والإيرانيين"، بحسب صوما.
وتابع أن "الجماعات ذات الميول اليسارية والمناهضين للحرب في الحزب الديمقراطي أعربوا عن غضبهم وإحباطهم بسبب دعم بايدن المستمر لحرب إسرائيل"، وسعى بايدن إلى موازنة ذلك من خلال "انتقاد عمليات إسرائيلية باعتبارها مفرطة".
كيف يرتبط المشهد الداخلي الأميركي بحرب غزة؟
ويشرح الأكاديمي تشازدي ما يحدث في المشهد الداخلي الأميركي وارتباطه بحرب غزة، ويقول: "بايدن يتعرض لضغوط كثيرة في السباق الانتخابي هذا العام، أكان بانشقاقات داخل إدارته ورفضهم لسياسة دعم إسرائيل، أو بالانقسام في الرأي العام والاحتجاجات الطلابية، أو من الحراك السياسي في الكونغرس الأميركي، والتي كان آخرها إقرار مجلس النواب لمشروع قانون يمنع الرئيس من وقف المساعدات العسكرية لإسرائيل، والذي جاء ردا على قرار تعليقه شحنة أسلحة أخيرا".
ويضيف أن هذا الانقسام في صفوف الأميركيين على هذه المستويات "تجعل بايدن يواجه معضلة حقيقة، وتصعّب على إدارته المضي بسياسة خارجية فعالة، هذا من ناحية، وهناك عوامل خارجية تصعب مهمة بايدن أيضا إذ أن (رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين) نتانياهو وحكومته لديهم خطط، ولكن هناك ضبابية حول اليوم التالي للحرب في غزة، فيما ترغب واشنطن بوجود إدارة مدنية بالقطاع، وعدم إعادة احتلال إسرائيل لغزة، ولكن من دون استمرار وجود حماس" وهو ما "يعقّد المشهد في الشرق الأوسط أيضا، ويحدّ من استقراره".
وكل هذا يجري في الوقت الذي تتواجد "هناك تحركات داخل الحزب الديمقراطي ذاته حيث تُوجَّه انتقادات لإدارة بايدن وسياسة تجاه الحرب في غزة، وانتقادات يوجّهها الجمهوريون لبايدن أيضا"، بحسب تشازدي، مرجحا أن نشهد زيادة في مشاهد "الاحتجاجات الطلابية قبل الانتخابات إذا ما استمرت الحرب، والتي قد تكون طريقة التعامل معها أمرا أساسيا إذا ما قمعها بما يتعارض مع حرية التجمع والتعبير التي يتيحها الدستور الأميركي، ما قد يحدث أثرا طويلا في الداخل الأميركي".
وقال الرئيس الديمقراطي، البالغ 81 عاما، من البيت الأبيض، مطلع مايو، تعليقا على الاحتجاجات: "نحن لسنا أمة استبدادية حيث نُسكِت الناس أو نقوم بسحق المعارضة"، مضيفا "لكننا لسنا دولة خارجة عن القانون... نحن مجتمع مدني، ويجب على النظام أن يسود".
وأكد الرئيس الأميركي أنه لا يمكن السماح للاحتجاجات بأن تعيق انتظام الصفوف ومواعيد تخرج آلاف الطلاب في حرم جامعية في مختلف أنحاء البلاد.
وأضاف "لا يجب أن يكون ثمة أي مكان في أي حرم جامعي، لا مكان في الولايات المتحدة، لمعاداة السامية، أو التهديدات بالعنف حيال الطلاب اليهود"، متابعا "لا مكان لخطاب الكراهية أو العنف من أي نوع، أكان معاداة للسامية أم رهاب الإسلام أو التمييز ضد الأميركيين العرب أو الأميركيين الفلسطينيين". واعتبر ذلك "خاطئا".
ولم يذكر بايدن الداعم لإسرائيل، كلمة "غزة" في حديثه على الإطلاق، وذكر الفلسطينيين مرة واحدة فقط بحديثه عن أولئك الذين يحملون جواز السفر الأميركي منهم، وضرورة ألا يتعرضوا لـ"التمييز"، حالهم كحال الأميركيين العرب.
وكان ترامب قد وجه انتقادات أيضا للاحتجاجات، وانتقادات لبايدن في تعامله معها، وقال مطلع مايو: "إنهم يساريون متطرفون مجانين ويجب أن نوقفهم الآن لأن الأمر سيستمر ويزداد سوءا".
محاولات "فاشلة" لاستمالة فئات من الناخبين
الكاتب السياسي في معهد الشرق الأوسط في واشنطن، حسن منيمنة، يقول إن بايدن اتخذ قرارات "واعية" خلال الفترة السابقة "بتفضيل تأييد إسرائيل" ومحاولة "الحفاظ على قاعدته الانتخابية".
ولكن "حسابات بايدن الدقيقة ليس بالضرورة، ناجحة"، بحسب ما يؤكد منيمنة لموقع "الحرة"، إذ أنه يحاول القول لمن أيدوه في الانتخابات السابقة إنه "الخيار الأمثل، لأن البديل أسوأ باختيار منافسه ترامب".

ويوضح أن بايدن حاول استمالة فئات في الداخل الأميركي رافضة للحرب خاصة بين فئات الشباب في ظل الاحتجاجات الطلابية من خلال "تعليق شحنة أسلحة" والتي تعبر عن "تحرك رمزي"، لكن منيمنة، يرى أن بايدن لم يستطع المحافظة على هذا الزخم عليه إذ قام بشكل مباشر بإرسال شحنات أسلحة وذخائر بمئات ملايين الدولار، ناهيك عن التصريحات التي "تشيطن" التحركات الطلابية، والسماح "بقمعها بطريقة عنيفة"، على حد تعبيره.
هل يكسب ترامب أصوات من يخسرهم بايدن؟
ولا يعتقد منيمنة أن خسارة بايدن لبعض فئات الناخبين في عدة ولايات يعني أنها ستشكل مكسبا لصالح ترامب.
ويشرح أن فئات الشباب التي كانت داعمة لبايدن سابقا، لن تتجه للتصويت لترامب كخطوة عقابية له، إنما "ستمتنع عن التصويت".
ويؤكد منيمنة أن بايدن خسر فئات من قاعدته الانتخابية تضم: الفئات الشبابية من المتعلمين، والعديد من الأقليات العرقية، في مقدمتهم الناخبين من أصول عربية ومسلمة، والكثير من الأميركيين من أصول أفريقية.
ويشير إلى أن هذا لا يعني أن "ترامب كسب هذه الفئات، أو أنه قادر على كسبها، وكان يمكن لمرشحين مستقلين آخرين أن يكسبوهم، ولكن بعضهم أيضا عبّر عن سياسات داعمة وقوية لإسرائيل، في الوقت الذي يدعم فيه الجميع وقف الحرب في غزة".
ويؤكد تقرير نشرته وكالة فرانس برس أن بايدن لا يواجه تحديات في جذب أصوات الأميركيين العرب فقط، إذ يسعى إلى استمالة القاعدة الناخبة التي تضم الأميركيين من أصول أفريقية، لا سيما أن نسبة التأييد له تتراجع لدى هذه الفئة، بحسب استطلاعات الرأي.
وبحسب استطلاعات رأي عدة أجريت في الآونة الأخيرة، فإن بايدن ورغم أنه لا يزال يحظى بغالبية أصوات هذه القاعدة الناخبة، سيخسر لدى الناخبين من أصول أفريقية خصوصا فئة الشباب في بعض الولايات الحاسمة، بين هذه الولايات جورجيا أو حتى ويسكونسن.
وكانت تعبئة الأميركيين من أصول أفريقية حاسمة في فوز بايدن على ترامب، في عام 2020. وفاز وقتها بنسبة 92 في المئة من أصواتهم مقابل 8 في المئة لخصمه الجمهوري، بحسب معهد بيو للأبحاث.
ترامب يحافظ على قواعده الانتخابية
ويشير الأكاديمي صوما إلى أن آخر استطلاعات للرأي عكست أن ترامب "يتقدم في غالبية الولايات المتأرجحة التي ستحسم الانتخابات"، متوقعا أن نشهد انتخابات بفوارق ضئيلة "كما حصل في عام 2020".
وفي أحدث استطلاعات أجرتها صحيفة "نيويورك تايمز" نشر، في منتصف مايو الحالي، يتقدم ترامب في خمس من أصل ست ولايات متأرجحة قبل الانتخابات الرئاسية.
وأظهر أن ترامب يتقدم بين الناخبين المسجلين في المنافسة المباشرة ضد بايدن في: ميشيغان وأريزونا ونيفادا وجورجيا وبنسلفانيا، بينما يتقدم بايدن في ولاية واحدة فقط، وهي ويسكونسن.
بدوره أكد المحلل منيمنة أن ترامب حتى الآن ما زال يحافظ على قواعده الانتخابية، ويكرر دعمه لإسرائيل "من دون ضوابط"، مشيرا إلى أن تصريحاته السابقة التي قال فيها إنه يجب على إسرائيل "إنهاء الحرب" في غزة، كانت ترجمتها غير دقيقة، إذ دعا حينها إلى "استكمال المعركة" وليس "إنهائها".
ولفت إلى أن هذا الأمر يعكس الاختلاف في السياسة بين الديمقراطيين والجمهوريين تجاه الحرب في غزة، فالديمقراطيون "يؤيدون إسرائيل بالكامل، ويحثونهم على ألا تكون الصور التي تخرج من غزة شنيعة، وتحقيق أهدافهم التي يريدونها في القطاع، والجمهوريون يريدون دعما كاملا لإسرائيل، وتقديم الأسلحة لهم، وعدم مساءلتهم عما يحدث في الحرب".
ولا يرى منيمنة أن بايدن خسر أيا من قاعدة ناخبيه من الأميركيين اليهود أو المناصرين لإسرائيل، وما يحصل من انتقادات في غالبيتها يجب ألا تخرج عن سياق أنها ضمن إطار "المناكفات الحزبية والمنافسة الانتخابية".

وفي أبريل الماضي، وعندما سأل الصحفي المذيع، هيو هيويس، ترامب عما إذا كان يدعم إسرائيل "100 في المئة" لم يقدم الرئيس الجمهوري السابق، إجابة مباشرة، مؤكدا أن الصراع مستمر وإسرائيل "تخسر حرب العلاقات العامة"، بحسب تقرير نشرته صحيفة واشنطن بوست.
ووصف المقاطع التي تظهر المباني المتساقطة في غزة بأنها "بشعة وفظيعة"، معتبرا أن بث هذه اللقطات الحربية "لا يجعلهم يبدو أقوياء".
وقال ترامب إنه يوجه نصيحة لنتانياهو، وهي "الانتهاء من الأمر.. والعودة للحياة الطبيعية"، مشيرا إلى أنه "ليس متأكدا من أنه يحب الطريقة التي يفعلون بها ذلك".
وأضاف "يجب أن يفوزوا وهذا يحتاج إلى وقت".
"فرص انتخابية متقاربة"
"فرص انتخابية قريبة جدا بين بايدن وترامب، بحسب ما يقول دان ماهافي، زميل إيزنهاور في مركز دراسات الرئاسة والكونغرس.
ويرجح أنه "لو أجريت الانتخابات اليوم ربما سيكون ترامب هو الأقرب للفوز" في إشارة إلى عدم الرضا على "سياسات بايدن" الخارجية وحتى فيما يتعلق بقضايا داخلية، مضيفا أن الولايات المتحدة ما زالت "منقسمة بشكل متساو للغاية بين المرشحين البارزين".
وقال ماهافي إنه لا يمكن إنكار "أن الديمقراطيين قلقون بشأن فرص بايدن في ولايات مثل ميشيغان، حيث يوجد عدد كبير من الأميركيين من أصول عربية".
وفي عام 2018، تراجعت إدارة ترامب عن سياسة الولايات المتحدة المتّبعة منذ عقود حيال الصراع بين إسرائيل والفلسطينيين، وتخلت عن ركيزة أساسية من ركائز حل الدولتين عبر الاعتراف أحاديا بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأميركية إليها من تل أبيب، ما أثار ردود فعل دولية غاضبة.
ليس السياسة الخارجية فقط و"الاقتصاد" أيضا
وأردف الباحث المتخصص ماهافي أن مصدر القلق الإضافي بين "فئات الناخبين من الشباب، الذين يتزايد رفضهم لسياسات بايدن الداعمة لحرب إسرائيل بشكل متزايد، ناهيك عن مخاوفهم تجاه اقتصاد الولايات المتحدة في الإدارة الأميركية الحالية، ولهذا فهم لن يأتوا إلى صناديق الاقتراع لصالح بايدن".
ويتفق ماهافي مع فكرة أن هذا لا يعني "تحولهم للتصويت لصالح ترامب بالضرورة"، مشيرا إلى أن "الرئيس الجمهوري السابق يقدم نفسه كزعيم قوي يمكنه حل مشاكل العالم، حتى الحروب المشتعلة أكان في غزة أو أوكرانيا".
وقال إن "ترامب وجّه انتقادات في تصريحاته لإسرائيل وحكومة نتانياهو، وأنها تخسر الكثير من الدعم والصورة على المستوى الدولي"، واستدرك بأن كلا المرشحين "يعكسان شكوكا لدى الرأي العام الأميركي فيما يتعلق بسياستهم تجاه الحرب في غزة والدعم المقدم لإسرائيل".
وتعد القضايا الاقتصادية جانبا مهما في الانتخابات الأميركية بحسب محمد الباشا، الخبير الأميركي في شؤون الشرق الأوسط، حيث يعمل العديد من الأميركيين العرب كأصحاب أعمال صغيرة أو في قطاعات تتأثر بالسياسات الاقتصادية كالرعاية الصحية والضرائب وقوانين الحد الأدنى للأجور.
وأضاف في حديث لموقع "الحرة" أنه من المرجح أن تتم المقارنة بين الخطط الاقتصادية للمرشحين ومدى تماشيها مع مصالحهم ورفاهية مجتمعهم. كما يعتبر التمثيل والمشاركة السياسيان أمرين في غاية الأهمية، حيث يشعر كثير من هذه الفئة بعدم تمثيلهم في الخطاب السياسي، ويبحثون عن مرشحين يتفاعلون بنشاط مع مجتمعاتهم ويعالجون مخاوفهم الخاصة، مضيفا أنه قد يؤثر مستوى التواصل والإدماج من قبل حملتي بايدن وترامب بشكل كبير على دعمهم.
ترامب لم يستطع طرح نفسه كبديل
"لو كنتُ مكان بايدن حاليا، لعشتُ أوقاتا عصيبة، إذ من الصعوبة إرضاء مجموعات مختلفة من الأشخاص، وبالتأكيد لن تستطيع إرضاء الجميع"، على ما أفاد كريس إديلسون، محلل سياسي وأستاذ في الجامعة الأميركية في واشنطن.
ويوضح في رد على استفسارات موقع "الحرة" أن ما يحدث في الداخل الأميركي، يكشف أن بايدن يتلقى انتقادات من الجميع أكان من الداعمين لإسرائيل أو الداعمين للفلسطينيين، أو من ينادون ببساطة "بوقف الحرب" بسبب "الأزمة الإنسانية التي أحدثتها".
ويرجح أن بايدن "كمرشح في الانتخابات الرئاسية المقبلة، يشعر بقلق كبير"، ولكنه ينظر للسباق الانتخابي على أنه "متقارب.. مع منافسه ترامب، إذ يعتقد أنه سيتمكن من جمع الأصوات التي يحتاجها في الولايات الحاسمة".
ويشير إلى أنه رغم ذلك "لا يمكن إنكار أن سياساته تجاه حرب غزة، ولّدت غضبا لدى فئات الأميركيين من أصول عربية ومسلمة، وحتى لدى الديمقراطيين المناهضين للحرب بشكل عام، ويرفضون استمرار الأزمة الحاصلة، وهو ما ظهر جليا في الاحتجاجات في العديد من الجامعات الأميركية، التي لم تقتصر على الأميركيين من أصول عربية، إذ شاركت فيها العديد من الفئات المختلفة".

وزاد إديلسون أن "الأميركيين العرب قد يشكلون أقلية بين سكان الولايات المتحدة، لكن هناك كتل تصويتة مؤثرة في بعض الولايات الرئيسية مثل ميشيغان".
ويرى أن المشكلة في السباق الانتخابي "الرئيس السابق ترامب، لم يقدم نفسه كبديل لكسب أصوات الأميركيين العرب، أو حتى الديمقراطيين الرافضين للعنف الذين قد لا يصوتون لبايدن، ولكنه أدلى بتصريحات قد تكون متطرفة من ناحية دعوته لنتانياهو إلى (استكمال الحرب) في غزة، وهو ما يحتمل دعوة لمزيد من العنف والدماء في الحرب".
لا ترامب ولا بايدن
ويقول المحلل إديلسون إن مشكلة هذه الانتخابات لم تعد بالاختيار بين بايدن وترامب لدى بعض الفئات "بل أنها بسياسة البقاء في المنزل، وعدم التصويت، أو باحتمال الدفع بالأصوات لمرشحين مستقلين".
ويعتقد الأكاديمي تشازدي أن كلا من بايدن وترامب قد يكونا بعيدين عن "الناخبين الشباب، الذين لديهم آراء قوية تجاه ما يرونه سياسة أميركية أحادية الجانب تحابي إسرائيل على حساب الفلسطينيين، وهو شعور ليس لدى الشباب الأميركيين من أصول عربية فقط، بل من عرقيات مختلفة".
و"الامتناع عن التصويت" سيكون سمة ظاهرة في الانتخابات الرئاسية المقبلة، إذ قد ينتخبون مرشحيهم على مستوى الولايات، ولكن على المستوى الرئاسي سيكون خيار "الامتناع" هو السائد بين بعض الشرائح في تعبير عن أنهم "ضد بايدن وترامب" في آن معا، بحسب منيمنة.
ويرى الأكاديمي إديلسون أن المخرج الوحيد لبايدن من هذه المعضلة يتمثل "بوضع حد ونهاية للحرب والمأساة الإنسانية في غزة، وعودة الرهائن الإسرائيليين، ووضع حد للصراع المستمر، ومن دون ذلك قد يرى خسارة في أصوات الأقليات والناخبين الشباب"، ولكن بحسب ما نرى "سياسات نتانياهو في غزة ليست على توافق مع أجندة بايدن الانتخابية"، على حد تعبيره.
الأميركيون العرب أمام معضلة "الاختيار"
رغم بقاء أقل من ثمانية أشهر على موعد الانتخابات، تصر حملة بايدن على أنها لا تواجه ما "يستدعي القلق الشديد" في العلن، ولكن واقع الأمر يكشف "مخاوفا كبيرة لدى الديمقراطيين"، على ما يؤكد المحلل الباشا.
وأشار إلى أن الأميركيين العرب يواجهون تحديا بالغا و"معضلة" في انتخابات الرئاسة لعام 2024 بسبب مواقف كل من بايدن وترامب تجاه السياسات الخارجية والداخلية والاقتصادية، ما يجعل هذه الفئة في حيرة باختيار المرشح الأمثل.
وضرب مثالا على ذلك بما يشعر به الأميركيون العرب خاصة الجاليات اليمنية في مختلف الولايات بأنهم غير راضون عن تعامل بايدن مع النزاعات في الشرق الأوسط، ليس فقط على صعيد غزة، بل أيضا تجاه اليمن.

ويشرح بأن "جهود إدارة بايدن لإحياء مفاوضات السلام، ووقف الدعم الأميركي للتحالف بقيادة السعودية يخدم جماعة الحوثي، فيما يرى الفريق الآخر أن الضربات العسكرية الأخيرة ضد الحوثيين هي استهداف مباشر لموقف طيف واسع من اليمنيين المؤيدين للقضية الفلسطينية".
ويضيف "وفي المقابل، اشتهرت إدارة ترامب بدعمها القوي للسعودية، الأمر الذي يراه اليمنيون كمساهمة في إطالة أمد الصراع في بلادهم. علاوة على ذلك، خلف حظر السفر الذي فرضه ترامب على دول ذات أغلبية مسلمة بما فيها اليمن، انطباعا سلبيا راسخا".
معركة انتخابية صاخبة في "ميشيغان"
ويستعرض الخبير الباشا ما حصل في ولاية ميشيغان خلال الأشهر الماضية إذ عبّر عدد كبير من الناخبين الأميركيين العرب عن استيائهم من بايدن من خلال التصويت "غير ملتزم" في الانتخابات التمهيدية الديمقراطية بالولاية، في فبراير الماضي، وكان ذلك بمثابة توبيخ لدعم بايدن للعملية العسكرية الإسرائيلية ضد حماس في غزة، متفقا مع رأي تشازدي بأن "المعركة الانتخابية في ميشيغان ستكون صاخبة وحاسمة".
وأضاف "رغم فوز بايدن بأكثر من 618 ألف صوت، اقترع أكثر من 100 ألف ناخب ديمقراطي بخيار 'غير ملتزم'، مما يثير مخاوف محتملة لدى الديمقراطيين في ولاية فازوا فيها بفارق 154 ألف صوت فقط عام 2020".

ويلعب الأميركيون من أصول يمنية دورا سياسيا متنامي الأهمية في ميشيغان بحسب الباشا، حيث فاز أمثال إبراهيم عياش بمقاعد في مجلس نواب الولاية عن الدائرة الرابعة التي تضم هامترامك، كما انتخب عامر غالب رئيسا لبلديتها، وعين جميل الطاهري مؤخرا رئيسا للشرطة المحلية.
ويقول الباشا إن "السياسات الداخلية لا سيما المتعلقة بالهجرة حاسمة أيضا، للناخبين فقد أثر حظر السفر الذي فرضته إدارة ترامب على العديد من العائلات اليمنية، مما أدى إلى فقدان الثقة على نطاق واسع. ورغم خطوات بايدن لعكس بعض هذه السياسات، إلا أن وتيرة ونطاق التغيير قد لا يرضيان الجميع. كما قد تردع زيادة الإسلاموفوبيا والتمييز ضد الأميركيين العرب خلال فترة (رئاسة) ترامب الناخبين اليمنيين عن دعمه. وبالرغم من اعتبار بايدن المرشح الأكثر شمولية، إلا أنه لا يزال ينتقد لعدم بذل ما يكفي لمواجهة العنصرية المؤسساتية والتمييز".
"فجوة بين أجيال الناخبين"
ويوضح الأكاديمي تشازدي أن "هناك تغييرات في الداخل الأميركي على المرشحين الانتباه لها، بوجود فجوة بين الأجيال للرأي العام ونظرته تجاه إسرائيل، وتجاه سياسة دعم واشنطن لحكومة نتانياهو وإدارته للحرب التي أسفرت عن مقتل عشرات الآلاف من الفلسطينيين غالبيتهم من الأطفال والنساء، إذ قد يمكن تبرير استهداف حماس ومسلحيها، ولكن لا يمكن تبرير مقتل المدنيين، ناهيك عن التصعيد الإسرائيلي المستمر في غزة، ورفض أي تهدئة للعملية الوشيكة في رفح".
ويقول إن حملة بايدن مع قرب الانتخابات "بالتأكيد تنظر بقلق لما قد تكون خسارة في ميشيغان حيث تتركز أصوات الأميركيين من أصول عربية، أو حتى الديمقراطيين الرافضين للأزمة الإنسانية، وغير مقتنعين بتبريرات بايدن بالاستمرار في توريد الأسلحة الأميركية لإسرائيل، إذ ستنحصر خيارات هؤلاء بين عدم التصويت أو البحث عن بديل".

ولم يستبعد تشازدي أن يستغل الجمهوريون هذه الانتقادات "في سياق الانتخابات لهزيمة بايدن، ورغم تقاطع سياسات الديمقراطيين والجمهوريين تجاه إسرائيل، إلا هذا لن يمنعهم من استخدام أي شيء في سبيل النجاح".
ووافق بايدن ومنافسه ترامب، الأربعاء، على إجراء مناظرتين قبل الانتخابات الرئاسية، الأولى، في 27 يونيو، والثانية، في 10 سبتمبر، بعدما تحدى بايدن ترامب بإجرائهما، ووافق الأخير على الفور.
وستكون المناظرتان أيضا بمثابة اختبار لحيوية المرشحين وقدراتهما الذهنية، علما أنهما الأكبر سنا على الإطلاق من بين من ترشحوا للانتخابات الرئاسية الأميركية، بحسب فرانس برس.
ويواصل الجمهوريون مهاجمة بايدن بسبب زلاته ولحظات ارتباكه، بينما ينتقد الديمقراطيون تصريحات ترامب غير المتماسكة أحيانا.