كامالا هاريس.. دعوات وتوقعات
كامالا هاريس.. دعوات وتوقعات

يرى ديمقراطيون بارزون إن نائبة الرئيس كامالا هاريس ستكون الخليفة الطبيعي للرئيس جو بايدن، إذا رضخ الرئيس الأميركي لضغوط متزايدة، وتخلى عن ترشحه بالانتخابات المقررة في نوفمبر من العام الحالي.

ويتساءل المتبرعون والناشطون والمسؤولون في الحزب الديمقراطي: هل لدى هاريس فرصة أفضل من بايدن للتغلب على الرئيس السابق والمرشح الجمهوري الحالي دونالد ترامب؟

وأكد بايدن مرارا على أنه سيخوض غمار السباق ولن ينسحب.

وإذا أصبحت هاريس (59 عاما)، وهي عضو سابق بمجلس الشيوخ الأميركي، وسبق أن شغلت منصب المدعي العام لولاية كاليفورنيا، مرشحة الحزب الديمقراطي وفازت في انتخابات الخامس من نوفمبر، ستكون أول رئيسة في تاريخ الولايات المتحدة. وهاريس حاليا هي أول أميركية من أصل أفريقي وآسيوي تشغل منصب نائب الرئيس.

وتولت هاريس عملها في البيت الأبيض قبل 3 سنوات ونصف السنة، واتسمت تلك الفترة ببداية باهتة لاضطلاعها بمهام منصبها وإحلال موظفين بآخرين والتبكير بتولي مهام سياسية، منها ملف الهجرة من أميركا الوسطى الذي لم يتحقق فيه الكثير من النجاح.

وخلال العام الماضي عبر كثيرون داخل البيت الأبيض، وفريق حملة بايدن بشكل خاص عن قلقهم من أن تمثل هاريس عائقا أمام نشاط الحملة لكن، وفقا لمسؤولين ديمقراطيين، تغير الوضع بشكل كبير منذ ذلك الحين إذ تحركت هاريس في ملف حقوق الإجهاض وبدأت في التودد إلى الناخبين الشبان.

هاريس في الاستطلاعات

وتشير استطلاعات رأي حديثة إلى أن أداء هاريس يمكن أن يكون أفضل من بايدن في مواجهة المرشح الجمهوري ترامب، غير أنها ستواجه منافسة شديدة.

وأظهر استطلاع أجرته شبكة (سي.إن.إن)، نشرت نتائجه في الثاني من يوليو أن الناخبين يفضلون ترامب على بايدن بست نقاط مئوية ،بنسبة 49 بالمئة مقابل 43 بالمئة. 

كما كان التأييد لهاريس بنسبة 45 بالمئة مقابل 47 بالمئة لترامب، وهو فارق يدخل ضمن هامش الخطأ في الاستطلاع.

وأظهر الاستطلاع كذلك أن التأييد لهاريس من المستقلين بلغ 43 بالمئة مقابل 40 بالمئة لترامب، كما أن الناخبين المعتدلين من كلا الحزبين أيدوها بنسبة 51 بالمئة، مقابل 39 بالمئة لترامب.

وأظهر استطلاع أجرته رويترز/إبسوس بعد المناظرة التلفزيونية التي جرت الأسبوع الماضي بين ترامب وبايدن، الذي تعثر خلالها الأخير، أن هاريس وترامب متعادلان تقريبا إذ أيدها 42 بالمئة، وأيده 43 بالمئة.

وكانت السيدة الأولى السابقة ميشيل أوباما، التي لم تعبر قط عن أي اهتمام بدخول السباق الرئاسي، هي الشخصية الوحيدة التي حصلت على نتائج أعلى بين البدائل المحتملة لبايدن.

ويظهر استطلاع داخلي نشرته حملة بايدن بعد المناظرة أن هاريس لديها نفس فرص فوز بايدن على ترامب إذ قال 45 بالمئة من الناخبين إنهم سيصوتون لها مقابل 48 بالمئة لترامب.

وقال ديمقراطيون مؤثرون إن هاريس ستكون المنافس الديمقراطي الأفضل، إذا اختار بايدن التنحي. 

ومن هؤلاء النائب جيم كلايبرن، الرجل الذي كان سببا رئيسيا في فوز بايدن عام 2020، والنائب غريغوري ميكس، عضو الكونغرس عن نيويورك، وكذلك العضو البارز في كتلة السود بالكونغرس، والنائبة الديمقراطية عن بنسلفانيا، سمر لي.

وقال النائب الديمقراطي، آدم شيف، الأحد، إنه يشعر بأن نائبة الرئيس كامالا هاريس يمكنها أن تحقق فوزا "ساحقا" إذا نافست ترامب في الانتخابات.

وأضاف شيف في تصريحات لشبكة إن.بي.سي نيوز "أعتقد أن (هاريس) يمكنها تحقيق فوز ساحق، ولكن قبل أن نشرع في اتخاذ قرار بشأن من ينبغي أن يكون البديل، يجب أن يتخذ الرئيس قرارا بشأن ترشحه".

وتابع "إما أن يفوز (بايدن) بأغلبية ساحقة، أو عليه أن يمرر الشعلة إلى شخص يستطيع ذلك".

هاريس
"التعليق الأكثر حدة".. دعوات من نائبة الرئيس الأميركي إلى إسرائيل وحماس
دعت نائبة الرئيس الأميركي، كامالا هاري، الأحد، إلى وقف فوري لإطلاق النار في غزة، مطالبة حماس بالموافقة على "مقترح الستة أسابيع"، وإسرائيل بزيادة تدفق المساعدات إلى القطاع المحاصر، حيث قالت إن الأبرياء يواجهون "كارثة إنسانية".

وقال أحد المساعدين في الكونغرس إن زعيم الأقلية في مجلس النواب، حكيم جيفريز، تحدث برأي مماثل إلى زملائه.

وقال اثنان من المتبرعين للحزب الجمهوري لرويترز إنهما يأخذان مسألة ترشح هاريس على محمل الجد، وإنهما يفضلان أن يواجه ترامب بايدن، بدلا منها.

وقالت بولين لي، وهي إحدى جامعات التبرعات لترامب في نيفادا بعد مناظرة 27 يونيو "أفضل أن يظل بايدن في السباق" لا أن تحل هاريس محله، معبرة عن اعتقادها بأن بايدن أثبت أنه "غير كفء".

وبدأ البعض في وول ستريت، وهو مركز مهم لجمع التبرعات للحزب الديمقراطي، في التعبير في الإدلاء بآرائهم بشأن المرشح المفضل.

وقال سونو فارجيز، الخبير الاستراتيجي لدى شركة الخدمات المالية، كارسون غروب، "بايدن يتخلف عن ترامب بالفعل، ومن غير المرجح أن يتمكن من سد هذه الفجوة بالنظر إلى وضع حملته حاليا".

وأضاف: "سيؤدي وجود نائبة الرئيس هاريس على الأرجح إلى تحسين احتمالات سيطرة الديمقراطيين على البيت الأبيض، ومن المحتمل أن تكون فرصها أفضل من فرص بايدن في هذه المرحلة".

النساء وغزة والناخبون السود

منذ ألغت المحكمة العليا الحق الدستوري للنساء في الإجهاض في 2022، أصبحت هاريس الصوت الأبرز في إدارة بايدن بشأن حقوق الإنجاب، وهو ملف يراهن عليه الديمقراطيون لمساعدتهم في الفوز في انتخابات 2024.

يعتقد بعض الديمقراطيين أن هاريس بمقدورها بث الحماس لدى المجموعات ذات الميول الديمقراطية التي تراجع حماسها لبايدن، بما يشمل الناخبين السود والشبان، ومن لا يوافقون على طريقة تعامل بايدن مع الحرب التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة.

وقال تيم ريان، عضو الكونغرس الديمقراطي السابق من ولاية أوهايو في مقال رأي نشر مؤخرا "ستبث الحماس لدى الأعضاء من السود وأصحاب البشرة السمراء ومن تعود أصولهم لمنطقة آسيا والهادي في تحالفنا.. ستجتذب على الفور المحبطين من الشبان في بلادنا ليعودوا للمشهد".

وأضاف أنه يعتقد أن النساء المقيمات في الضواحي قد يكن أكثر ارتياحا لهاريس، مقارنة بترامب أو بايدن.

أما استراتيجية هاريس العلنية تجاه إسرائيل بصفتها نائبة للرئيس، فهي متطابقة مع بايدن لكنها كانت أول شخصية سياسية بارزة في الحكومة الأميركية تدعو لوقف إطلاق النار في مارس.

وقال عباس علوية، وهو عضو في حركة "غير ملتزم" التي حجبت أصوات التأييد لبايدن في الانتخابات التمهيدية لاختيار مرشح الحزب بسبب دعمه لإسرائيل، إن "مجرد تغيير المرشح لا يعالج مبعث القلق الرئيسي" للحركة.

وإذا تنحى بايدن فقد تنشب منافسة بين ديمقراطيين آخرين للحصول على ترشيح الحزب.

وإذا اختار الحزب مرشحا آخر، وفضله على هاريس، يقول بعض الديمقراطيين إن ذلك قد يكبد الحزب خسارة الكثير من السود الذين كانت أصواتهم حاسمة في فوز بايدن بانتخابات 2020.

وقالت أدريان شروبشاير المديرة التنفيذية لمجموعة (بلاكباك) للتواصل بين الناخبين السود "لا بديل غير كامالا هاريس".

بايدن قام بالعديد من التجمعات والمناسبات الهامة منذ المناظرة
بايدن يبرر أداءه في المناظرة ويؤكد أنه "الأنسب" للفوز على ترامب
"حلقة سيئة" هكذا وصف الرئيس الأميركي، جو بايدن أدائه الضعيف في المناظرة الكارثية التي جرت قبل عدة أيام مع منافسه الملياردير الجمهوري، دونالد ترامب، مشيرا إلى أنه كان "مرهقا.. ولم يستمع لغرائزه فيما يتعلق بتجهيز نفسه".

يسارية أكثر مما ينبغي؟

لكن بعض المتبرعين للحزب الديمقراطي يقولون إن هاريس قد تواجه صعوبات في اجتذاب الديمقراطيين المعتدلين والناخبين المستقلين الذين تروقهم سياسات بايدن الوسطية. 

ويتنافس الحزبان على أصوات الناخبين المستقلين لتساعد في دفع مرشح الحزب ليفوز بالرئاسة.

ويقول ديمتري ميلهورن، وهو من جامعي الأموال والتبرعات ومستشار ريد هوفمان المؤسس المشارك لمنصة لينكدإن، المتبرع الكبير للحزب الديمقراطي، إن "أكبر نقطة ضعف لديها هي أن صورتها لدى الناس ارتبطت مع الجناح اليساري المتطرف من الحزب الديمقراطي".

وأضاف أن "الجناح اليساري من الحزب الديمقراطي لا يمكنه أن يفوز بانتخابات على مستوى البلاد بأكملها... هذا هو التحدي الذي سيكون عليها تخطيهK إذا أصبحت مرشحة الحزب".

ويمكن لهاريس أن تستفيد من الأموال التي جمعتها بالفعل حملة بايدن الانتخابية وترث البنية التحتية القائمة للحملة الانتخابية وهي ميزة حاسمة قبل أربعة أشهر فقط على يوم التصويت في الخامس من نوفمبر.

لكن محللين استراتيجيين يقولون إن أي حملة انتخابية للحزب الديمقراطي ستحتاج رغم ذلك لجمع مئات الملايين من الدولارات قبل التصويت لتكلل جهودها بالنجاح.

وقال مصدر في اللجنة الوطنية للحزب الديمقراطي "أستطيع أن أقول لكم إننا نواجه صعوبة كبيرة في جمع الأموال تأييدا لها".

وخلال ترشحها للرئاسة قبل انتخابات 2020، لم تتمكن هاريس من جمع ذات التمويل الذي تمكن بايدن من جمعه. 

وانسحبت من السباق في ديسمبر 2019، وهو ذات الشهر الذي أعلنت حملتها الانتخابية جمع مساهمات بلغت 39.3 مليون دولار إجمالا.

أما حملة بايدن فقد تمكنت من جمع 60.9 مليون دولار في ذات الفترة.

وعلى الرغم من ذلك، تمكنت حملة بايدن من جمع مبلغ قياسي هو 48 مليون دولار في 24 ساعة بعد إعلان اختيار هاريس نائبة لبايدن على بطاقته الانتخابية في السباق الرئاسي 2020.

ونقل موقع "أكسيوس" الأميركي عن عدد من كبار المسؤولين، قولهم "إذا تنحى بايدن، فستكون هاريس أقرب إلى السباق الرئاسي، من غيرها من قادة الحزب الديمقراطي". 

ووفق المسؤولين، فإن كل ما تحتاجه هاريس هو دعم بايدن. وإذا حصلت عليه، فمن المرجح أن تحصل على دعم أسرة أوباما وكلينتون، مما يجعل أي تحدٍ لها بمثابة إهانة للرئيس الحالي ورئيسين سابقين. 

وقال النائب بيني طومسون (ديمقراطي من ولاية ميسوري)، لموقع أكسيوس إن هاريس "قوية بشكل لا يصدق.. لا يمكنك القول إن بايدن قام بعمل جيد دون أن تقول إنها قامت بعمل جيد".

وبرأي الموقع، فإن مستقبل بايدن قد يكون في أذهان كل ناخب أميركي تقريبًا، لكنه لم يكن مهمًا في ظهور نائبته كامالا هاريس في مهرجان "إسينس فاست" في نيو أورليانز، السبت.

ويضيف الموقع "بعد أقل من 24 ساعة من مقابلة بايدن المخيبة للآمال مع شبكة "إيه بي سي" التي أدت إلى تكثيف الدعوات له للتنحي، ذكرت هاريس رئيسها مرة واحدة فقط خلال أسئلة وأجوبة مدتها نصف ساعة.

وتابع الموقع "أبقت هاريس الهادئة تعليقاتها مركزة على إثارة الناخبين، ولم تركز على بايدن".

وقال بعض الديمقراطيين إن خلفية هاريس في ممارسة العمل في مجال الادعاء العام قد تعطي بريقا لشخصيتها ومواقفها في مناظرة مباشرة مع ترامب.

ويرى ميلهورن أن "لديها تركيز مبهر وهي قوية وذكية وإذا تولت عرض قضية الادعاء في مواجهة مخالفات دونالد ترامب فسوف تطيح به".

وزادت هجمات الجمهوريين على هاريس منذ أن ورد احتمال أنها قد تحل محل بايدن. 

ويعيد مقدمو برامج من المحافظين تداول أوجه نقد تعرضت لها خلال سباق 2020 بما يشمل ما قاله بعض الديمقراطيين عن أنها تضحك أكثر من اللازم، ولم تختبر حقا بعد، وغير مؤهلة.

وتقول كيلي ديتمار، وهي أستاذة علوم سياسية في جامعة روتجرز إن تلك الانتقادات الشرسة تأتي في إطار تاريخ طويل من التقليل من قدر النساء الملونات في المجال السياسي.

وأضافت "للأسف الاعتماد على الهجمات العنصرية والمنحازة جنسيا واستخدام تشبيهات مناهضة للنساء المرشحات لمنصب أمر شائع في التاريخ،ca ومستمر حتى يومنا هذا".

الذئاب المنفردة

فجر أول أيام يناير، 2025، وثقت كاميرا مثبتة على جسم أحد أفراد الشرطة الأميركية لحظات محاصرة شمس الدين جبّار، منفّذ عملية الدهس في مدينة نيو أورلينز الأميركية، أثناء محاولته الهروب بينما تناثرت أجساد ضحاياه على الأرض من حوله.

تحوّلَ جبّار من رقيب سابق في الجيش الأميركي، إلى إرهابي قاتل لـ 14 ضحية، ساقتهم الأقدار  إلى شارع بوربون الشهير للاحتفال بليلة رأس السنة.

يروي عباس الداهوك، وهو عقيد سابق في الجيش الأميركي، في مقابلة مع الحرة، أن حياة جبار كانت مليئة بالمشكلات، وكانت لديه خطة لجمع عائلته في مكان واحد لارتكاب العنف ضد أفرادها. لكنه في اللحظة الأخيرة قرر العدول عن تنفيذ الخطة، وسلك طريقا مختلفا. 

قاد شاحنته، وعليها علم داعش، ليفتك بأبرياء عزّل في مدينة نيو أورلينز. لم يُستبعد ارتباطه بالتنظيم الإرهابي، لكن على الأرجح كان يتصرف كذئب منفرد.

صباح اليوم نفسه، على بُعد 1700 ميل إلى الغرب، أطل الإرهاب بوجهه البشع مرة أخرى.

أمام فندق يعود للرئيس دونالد ترامب، في مدينة لاس فيغاس، انفجرت شاحنة كهربائية، بعد انتحار مستأجرها ماثيو ليفلسبيرغر، الرقيب الأول في القوات الخاصة الأميركية. 

يقول كولن كلارك، الخبير في قضايا الإرهاب، إن هذا كان أشبه بعرض لجذب الانتباه إلى ما كان للأسف نوعا من التشتّت الذهني لشخص ربما كان يعاني بشدة من اضطراب ما بعد الصدمة.

ويضيف أنه بعد 20 عاما من تركيز ضيّق للغاية على نوع واحد من الإرهاب، وهو الإرهاب الجهادي، "أدركنا الآن أن الأمور أكثر تعقيدا".

يشير كلارك إلى مفهوم الذئب المنفرد، أي كيف يمكن لشخص ما، من دون مقدمات، أن يتحوّل في أي بقعة من العالم، إلى ذئب منفرد يتبربص بضحاياه الغافلين، ليفتك بهم وينشر الرعب.

الذئب المنفرد، بحسب وزارة العدل الأميركية، هو شخص ينفّذ بمفرده هجوما إرهابيا ضد مجتمع يكون هو جزءا منه، بدوافع سياسية أو دينية، ولغرض التأثير على الرأي العام، أو عملية صنع القرار السياسي. وقد يستلهم أفكاره من مجموعة أو شبكة معينة، ولكنه لا يكون خاضعا لقيادتها.

برنامج "الحرة تتحرى" يعود بملف الذئاب المنفردة إلى بدايات هذا النوع من الإرهاب، وكيف تنامى، ويعرض أبرز الهجمات، ودوافع منفذيها، والأيديولوجيات التي تبنوها، إضافة إلى شرح الكوامن النفسية التي تدفع شخصا ما عن سابق إصرار وترصّد، إلى قتل آخرين، يراهم غالبا للمرة الأولى، وهو يدرك أنه سيدفع حياته ثمنا لذلك.

بحسب أحمد سلطان، الباحث في الأمن الإقليمي والإرهاب، يصعب في الغالب الكشف أو التنبؤ بهجمات الإرهابي الوحيد أو الذئب المنفرد، لأنك لا يمكن أن تراقب المجتمع بالكامل، كما أن الذئب المنفرد لا تظهر عليه أي علامات سابقة على تنفيذه الهجوم. 

في المقابل، يرى رامون سباي، وهو عالم اجتماع متخصص بظاهرة الذئاب المنفردة في ملبورن، أستراليا، أنه بمرور الوقت، أصبح إرهاب الذئاب المنفردة يشكّل نسبة أكبر بكثير من إجمالي الهجمات الإرهابية، وأن سياق هذه الهجمات، ورغم أن منفذيها أفراد، غالبا ما تكون نسخة متطرفة، أو تعبيرا عن الصراعات المجتمعية الأوسع الجارية في ذلك الوقت.

أما وائل سلامة، طبيب نفسي عمل على حالات لإرهابيين في السجون اللبنانية، فيؤكد أن هذه الحالات هي بلا شك نوع من البحث عن هوية.

"بالنسبة له (الذئب المنفرد) حتى عندما يتم قتله يصل إلى الغاية المنشودة، فالغاية الأساسية من الجريمة، أن يثبت قدراته".

قد يكون مصطلح "الذئاب المنفردة" حديث العهد، لكن فعل الهجوم الأحادي، ظهر قبل قرنين من الزمان.

يعود تاريخ الهجمات الأحادية، بحسب رامون سباي مؤلف كتابين عن إرهاب الذئاب المنفردة، إلى القرن التاسع عشر، لما يُعرف بإرهاب "الأناركية"، وهي تستند إلى فلسفة سياسية، وكان لديها استراتيجية تسمى "المقاومة القانونية"، و"الدعاية بالفعل".

وتتضمن استراتيجيتها ارتكاب أعمال عنف جماعي بشكل متفرق، وليس كجزء من مجموعة منظمة، من خلال قيام أفراد بشن هجمات عنيفة على مسؤولين حكوميين، رؤساء دول، وعائلات ملكية.

يشتق مصطلح الأناركية من الكلمة اليونانية "أنارخيا"، التي تعني بدون حاكم.

اكتسف فلسفة الأناركية شهرة في القرن التاسع عشر، ودعت إلى مجتمع بلا حكومة، أو هياكل هرمية.

في حديث مع "الحرة"، يقول ستيف كيليليا، مؤسس ومدير معهد الاقتصاد والسلام، الذي ينشر تقارير سنوية عن مؤشرات الإرهاب في العالم، إن مفهوم الذئب المنفرد، بدأ بالظهور فعليا في الفترة بين عامي 1870 و1930، مع حركة الأناركية في أوروبا والولايات المتحدة.وقد تكون إحدى أبرز هجمات هذه الحركة اغتيال الرئيس الأميركي، وليام ماكينلي، عام 1901.

أُعدم قاتل الرئيس، الأناركي ليون تشولغوش، بالكرسي الكهربائي، لكن هجمات الحركة استمرت على مدى عقود. وفي نهاية السبعينيات، شغل إرهابي مجهول الهوية السلطات الأميركية لسبعة عشر عاما كاملا.

وفق تقرير مكتب التحقيقات الفيدرالي أرسل هذا الشخص، أو سلّم باليد، سلسلة من القنابل التي كانت تزداد تطوراً، وأسفرت عن مقتل ثلاثة أميركيين، وإصابة أكثر من عشرين آخرين. 

يخبر سباي فريق "الحرة تتحرى" أنه منذ التسعينيات، ومع صعود اليمين المتطرف، بدأت فعلياً استراتيجية الذئب المنفرد أو الفاعل المنفرد، واستُخدم المصطلح بشكل أكثر تحديدا وانتشارا بواسطة نشطاء اليمين خاصة المتطرفين منهم.

وظهر كثير من "الذئات المنفردة" يضيف سباي، في صفوف اليمين المتطرّف، وذلك نتيجة استراتيجية تسمى "المقاومة بلا قائد"، وهي طريقة لمنع اختراق أو تفكيك جماعة أو منظمة من قبل وكالات إنفاذ القانون، وهي أيضا وسيلة لحماية القيادة، من خلال جعل الأشخاص يتصرفون بشكل فردي، فإذا تم القبض عليهم، فلن يكون لديهم تفاصيل عن الشبكة أو المخطط الأكبر.

لا يقتصر وجود الإرهاب على طريقة الذئاب المنفردة على الولايات المتحدة، بل يمتد عبر الأطلنطي إلى القارة العجوز.

بحسب ستيف كيليليا مؤسس ومدير معهد الاقتصاد والسلام في أستراليا، فإن عددا من الدول التي لم تتعرض لهجمات في السنوات الخمس الأخيرة، شهد عام 2024 ثماني هجمات ذئاب منفردة في السويد. وفي كل من فنلندا وهولندا والدنمارك وقع هجومان، وتصاعدت الهجمات من هذا النوع في دول أخرى مثل النرويج.

أما ألمانيا، فمن أكثر الدول الغربية تعرضا للإرهاب، ومنها هجمات ذئاب منفردة. 

قبيل عيد الميلاد عام 2024، نفّذ طالب العبد المحسن، طبيب نفسي من أصول سعودية، عملية دهس في سوق مزدحم، في مدينة ماغديبورغ الألمانية، أدت إلى مقتل خمسة أشخاص، وإصابة مئات آخرين.

طبقا لتقارير متخصصة، 93 في المئة من الهجمات الإرهابية المميتة في الغرب خلال السنوات الخمس الماضية نفذت بواسطة "ذئاب منفردة". فما الذي يجذبهم إلى هذا الأسلوب دون سواه؟ 

يجيب أحمد سلطان، الباحث في الأمن الإقليمي والإرهاب، بأن الأسهل هي هجمات الذئاب المنفردة لأنها طبعا أصعب في الكشف والتوقع. ويعني أنها يمكن أن تحدث في أي وقت وأي مكان، "أما الهجمات المنسقة فتحتاج للموارد، وتأخذ وقتا طويلا في التجهيز والتخطيط والتنفيذ".

قد يبدو الفعل بعدائيته نابعا من قوة، إلا أن علم النفس له رأي آخر.

في الجزء الأكبر منه هو ناتج عن عقدة نقص "دائما ما تدفع بالشخص ليبالغ بردة الفعل"، ، يقول وائل سلامة، الطبيب النفسي، فمن ناحية المجرم أو الإرهابي فهو "يريد أن يضخم بجريمته لتضخيم ردة الفعل وبالتالي يغذي عقدة النقص الموجودة لديه".

يخبر رامون سباي "الحرة" أن ما لاحظه في كثير من حالات الذئاب المنفردة التي درسها هو أنه "بمرور الوقت يحدث تحوّل حقيقي في هويتهم"، فيرون ارتكاب العنف عملا ثوريا يمنحهم شعورا بالوجود والأهمية،  ... والإحساس القوي بالاستقامة الأخلاقية والتصرّف باسم الحق والخير"، رغم أن ما يقومون به هو فعل إجرامي ضحاياه في الغالب أناس أبرياء يُستهدفون بينما هم منشغلون بشؤونهم اليومية.