تأمين الرؤساء الأميركيين الحاليين والسابقين في صلب مهمة جهاز الخدمة السرية
تأمين الرؤساء الأميركيين الحاليين والسابقين في صلب مهمة جهاز الخدمة السرية | Source: secretservice.gov

عند حوالي الساعة السادسة من مساء السبت، صعد الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، إلى  المنصة في بتلر بولاية بنسلفانيا، ليلقي كلمة في تجمع انتخابي.

وبعد دقائق من بدء إلقاء كلمته لمؤيديه، سمعت طلقات نارية، وأمسك الرئيس الجمهوري السابق بأذنه اليمنى، التي سالت منها دماء، وأحاط به عملاء الخدمة السرية ودفعوا به على الأرض من أجل حمايته.

ورغم أن ترامب نجا من محالة اغتيال، فإن تعرض أمنه للخطر أثار تساؤلات بشأن كيفية تأمين رئيس سابق ومرشح رئيسي لانتخابات رئاسية.

الرئيس الأميركي الأسبق جون كينيدي تعرض للاغتيال سنة 1963
محاولة اغتيال ترامب آخرها.. أشهر جرائم العنف السياسي في الولايات المتحدة
تسلط واقعة إطلاق النار خلال تجمع انتخابي للمرشح الجمهوري لانتخابات الرئاسة الأميركية، دونالد ترامب، على تاريخ من العنف السياسي أودى بحياة عدد من رؤوساء البلاد وشخصيات سياسية هامة، بالإضافة إلى نجاة آخرين من محاولات اغتيال.

ومع دخول الولايات المتحدة ذروة الموسم الانتخابي، من المتوقع أن يتم التركيز خلال الأسابيع والشهور المقبلة على مسألة تأمين الرؤساء السابقين، والثغرات الأمنية التي ربما حدثت في بنسلفانيا.

وأعلن جهاز الخدمة السرية في بيان، السبت، أن المشتبه به توماس ماثيو كروكس، 20 عاما، "أطلق النار مرات عدة من موقع مرتفع". وذكرت تقارير أنه أطلق النار من على سطح مبنى، يبعد نحو 100 متر عن ترامب.

وأدى الاعتداء إلى إصابة ترامب في أذنه، بينما قتل شخص وأصيب اثنان آخران بجروح بالغة، وقتل كروكس بعدما أطلق عناصر الخدمة السرية النار عليه ليقضى على الفور، بعد ثوان من إطلاقه النار على منصة ترامب.

وقال مسؤولان أمنيان إنه تم العثور على بندقية نصف آلية من طراز AR-15 في حوزته على سطح المبنى.

ووصف رجل حضر التجمع اللحظة التي رأى فيها أحد الحاضرين يسقط ميتا بعد إطلاق النار عليه. وقال الرجل ويدعى جوزيف لـ"أن بي سي" إنه كان جالسا في المدرجات في أقصى يسار المنصة عندما سمع "عدة طلقات نارية". 

وقال إنه رأى رجلا على بعد بضعة أمتار يسقط إلى أسفل المدرجات بعد إصابته برصاصة في الرأس.

وتظهر صور نشرتها صحيفة نيويورك تايمز الأميركية مكان منصة ترامب، وخلفه المدرجات التي جلس عليها من حضروا التجمع، بينما يبدو على يمينه المبنى الذي خرجت منه الرصاصات التي أصابت إحداها أذن الرئيس الجمهوري السابق.

وقال أحد المعلقين على شبكة "فوكس نيوز"، بينما كان يشير إلى خريطة توضح المكان، إن المبنى الذي ربض المتهم على سطحه كان قريبا من منصة ترامب.

والجهة المسؤولة عن تأمين الرؤساء الأميركيين الحاليين والسابقين هي جهاز الخدمة السرية الذي يخضع لإشراف وزير الأمن الداخلي.

ويقول الجهاز على موقعه إنه أحد أقدم وكالات إنفاذ القانون الفيدرالية في البلاد، وقد تأسس عام 1865 بهدف مكافحة تزوير العملة الأميركية بعد الحرب الأهلية، قبل أن يبدأ في حماية الرؤساء عام 1901 بعد اغتيال الرئيس، ويليام ماكينلي، في نيويورك.

ومهمة الجهاز "تتمثل في الحماية والتحقيقات لضمان سلامة وأمن الأشخاص المحميين والمواقع الرئيسية والأحداث ذات الأهمية الوطنية".

ويتولى الجهاز حماية الرئيس، ونائب الرئيس (أو أي مسؤول آخر يليه في ترتيب خلافة منصب الرئيس)، والأسر المباشرة للأفراد المذكورين، والرؤساء السابقين وزوجاتهم طوال حياتهم، وأطفال الرؤساء السابقين الذين تقل أعمارهم عن 16 عاما.

وحماية الرئيس ونائب الرئيس مسألة إلزامية وفق القانون، ويتولى حمايتهما أفراد من الجهاز بشكل دائم.

ولا يشمل تلك المهمة الحماية التقليدية فحسب، بل أيضا الحماية من تهديدات المجال الجوي والأنظمة الإلكترونية والأسلحة الكيماوية والبيولوجية.

ويشير موقع News18 التابع لـ"سي أن أن" إلى أن الجهاز يحدد مستوى التدابير الأمنية "على أساس تقييمات الاستخبارات".

ويستعين جهاز الخدمة السرية بالوكالات الفيدرالية، وتلك على مستوى الولايات والمحليات، لمساعدته على إنجاز مهماته. ويستعين الجهاز بانتظام بخبراء من وكالات أخرى لاستخدام أحدث تقنيات الأمن.

وتقوم الخدمة السرية، وشرطة العاصمة، وشرطة المتنزهات الأميركية بدوريات في الشوارع والمتنزهات القريبة من البيت الأبيض، مقر إقامة الرئيس الأميركي. 

وعندما يسافر الرئيس الأميركي إلى الخارج، تتطلب حمايته مجهودا ضخما، ويتولى جهاز الحماية الخاص به عملية تأمين معقدة للغاية، بالتعاون مع أجهزة الأمن في الدول الأخرى.

 

وفي عام 2000، تم تمرير قانون حماية التهديدات الرئاسية "الذي وسع نطاق سلطة جهاز الخدمة السرية في التحقيق بالتهديدات التي يتعرض لها الرؤساء الحاليون والسابقون، والمشاركة في التخطيط والتنسيق وتنفيذ العمليات الأمنية في الأحداث".

وفي عام 2012، وقع الرئيس السابق، باراك أوباما، على قانون حماية الرؤساء السابقين الذي أعاد العمل بقانون سابق يوفر الحماية للرؤساء السابقين وعائلاتهم مدى الحياة، وليس فقط 10 سنوات التي استحدثها قانون صدر في عام 1994.

وتشير "سي بي سي" و"سي أن أن" إلى ما جاء في كتاب "في جهاز الخدمة السرية للرئيس" للكاتب رونالد كيسلر، الذي اعتمد على مقابلات حصرية مع أكثر من 100 عميل سابق وحالي في الجهاز.

وقال الكاتب إن الهدف من حماية الرؤساء السابقين أنهم "قد يظلون أهدافا محتملة للإرهابيين... وقد يتم احتجازهم رهائن على سبيل المثال".

ميلانيا ترامب وزوجها ووالدها يحضرون حفل تخرج ابنها بارون في 17 مايو 2024
"وحش".. أول تعليق من ميلانيا ترامب بعد محاولة اغتيال زوجها
في أول تعليق لها بعد محاولة الاغتيال التي تعرض لها زوجها الرئيس السابق دونالد ترامب خلال تجمع انتخابي السبت، وصفت السيدة الأولى السابقة ميلانيا ترامب، الأحد، المشتبه به بـ"الوحش"، وطالبت الأميركيين بتنحية خلافاتهم السياسية جانبا. 

ويرافق الرؤساء السابقين 4 عملاء أثناء الخروج، مع ضمان الحماية المستمرة خلال المناوبات وأيام العطلات.

وقال كيسلر إنه عندما ترك جورج دبليو بوش منصبه، كان مستوى التهديد كبيرا لدرجة أنه كان يحيط به حوالي 75 ضابطا لحمايته هو وزوجته لورا على مدار الساعة.

ورغم أن إجراءات الأمن قد تكون أقل كثافة بمجرد مغادرة الرئيس منصبه، إلا أن هناك عمليات تفتيش متقدمة للمناطق العامة التي يزورها الرؤساء السابقون.

وقال كيسلر: "إذا كان سيذهب إلى مطعم، فسوف يذهب العملاء إلى هناك أولا ويتحققون من الموظفين ويتحققون من خلفياتهم لمعرفة ما إذا كان أي منهم قد أدين بأي عمل عنيف. ولنقل إنهم ذاهبون إلى مؤتمر أو شيء من هذا القبيل، فسوف يتحققون بالتأكيد من قاعة المؤتمر. وسوف يتجولون بالكلاب المدربة على اكتشاف القنابل".

وأمن الرئيس السابق أقل درجة من أمن الرئيس الحالي، ومع ذلك، تشمل بروتوكولات الأمن عمليات تفتيش شاملة للأماكن، وفق "سي أن أن".

وخلال معظم محطات حملة ترامب، تساعد الشرطة المحلية جهاز الخدمة السرية في تأمين المكان. وقبل الحدث، يقوم العملاء بمسح المكان بحثا عن قنابل أو تهديدات أخرى، ويصل ترامب دائما في موكب محصن.

ويضع مسؤولو إنفاذ القانون عادة حواجز في الأماكن التي يتواجد بها، ويطلبون من جميع الحاضرين المرور عبر جهاز الكشف عن المعادن لدخول المكان. 

ويقوم عملاء الحماية المسلحون بتفتيش حقائب جميع الحاضرين، وحتى محافظهم. 

وقال بول إيكلوف، وهو عميل سابق في الخدمة السرية، تقاعد عام 2020، إن العملاء يفحصون جميع أسطح البنايات.

ووفق عميل الخدمة السرية السابق تيم ميلر، فإن أمن ترامب فريد من نوعه لأنه ليس رئيسا سابقا فحسب، بل إنه أيضا مرشح رئاسي حالي، وهذا الوضع المزدوج يعتبر أكثر تعقيدا لأنه يسافر خلال حملاته إلى مواقع مختلفة.

وبينما يعيش الرؤساء السابقون حياة خاصة هادئة نسبيا بعد الرئاسة، فإن ترامب أكثر نشاطا، لذلك فإن الحفاظ على أمنه أمر بالغ الأهمية.

ويقول ميلر إن مهمة حماية الرؤساء السابقين تقع على عاتق جهاز الخدمة السرية في جميع الأوقات، وهذا يعني أنهم "يشرفون وينسقون بشكل مباشر بشأن جميع مستويات الأمن أينما ذهبوا".

ومستوى الأمن "يعتمد بالكامل على ما يحدده جهاز الخدمة السرية، من خلال قدراته الاستخباراتية والتنسيقية، أنه مناسب للحماية".

وكان جهاز الخدمة السرية قال مؤخرا إنه وفر "موارد وقدرات حماية" إضافية للمسؤولين عن حماية ترامب، بحسب رويترز.

وبعد أطلاق النار  على ترامب في بنسلفانيا، خرجت تقارير تتحدث عن رفض الجهاز توفير هذه الحماية الإضافية قبل التجمع الانتخابي بالولاية.

لكن المتحدث باسم الجهاز، أنتوني غوغلييلمي، نفى هذه التقارير وكتب على منصة "إكس": "هناك مزاعم كاذبة يتم تداولها مفادها أن أحد أعضاء فريق الرئيس السابق طلب موارد أمنية إضافية وتم رفض ذلك. هذا غير صحيح على الإطلاق. في الواقع، أضفنا موارد حماية إضافية... بما يتناسب مع التحرّكات المتزايدة في إطار الحملة" الانتخابية.

الذئاب المنفردة

فجر أول أيام يناير، 2025، وثقت كاميرا مثبتة على جسم أحد أفراد الشرطة الأميركية لحظات محاصرة شمس الدين جبّار، منفّذ عملية الدهس في مدينة نيو أورلينز الأميركية، أثناء محاولته الهروب بينما تناثرت أجساد ضحاياه على الأرض من حوله.

تحوّلَ جبّار من رقيب سابق في الجيش الأميركي، إلى إرهابي قاتل لـ 14 ضحية، ساقتهم الأقدار  إلى شارع بوربون الشهير للاحتفال بليلة رأس السنة.

يروي عباس الداهوك، وهو عقيد سابق في الجيش الأميركي، في مقابلة مع الحرة، أن حياة جبار كانت مليئة بالمشكلات، وكانت لديه خطة لجمع عائلته في مكان واحد لارتكاب العنف ضد أفرادها. لكنه في اللحظة الأخيرة قرر العدول عن تنفيذ الخطة، وسلك طريقا مختلفا. 

قاد شاحنته، وعليها علم داعش، ليفتك بأبرياء عزّل في مدينة نيو أورلينز. لم يُستبعد ارتباطه بالتنظيم الإرهابي، لكن على الأرجح كان يتصرف كذئب منفرد.

صباح اليوم نفسه، على بُعد 1700 ميل إلى الغرب، أطل الإرهاب بوجهه البشع مرة أخرى.

أمام فندق يعود للرئيس دونالد ترامب، في مدينة لاس فيغاس، انفجرت شاحنة كهربائية، بعد انتحار مستأجرها ماثيو ليفلسبيرغر، الرقيب الأول في القوات الخاصة الأميركية. 

يقول كولن كلارك، الخبير في قضايا الإرهاب، إن هذا كان أشبه بعرض لجذب الانتباه إلى ما كان للأسف نوعا من التشتّت الذهني لشخص ربما كان يعاني بشدة من اضطراب ما بعد الصدمة.

ويضيف أنه بعد 20 عاما من تركيز ضيّق للغاية على نوع واحد من الإرهاب، وهو الإرهاب الجهادي، "أدركنا الآن أن الأمور أكثر تعقيدا".

يشير كلارك إلى مفهوم الذئب المنفرد، أي كيف يمكن لشخص ما، من دون مقدمات، أن يتحوّل في أي بقعة من العالم، إلى ذئب منفرد يتبربص بضحاياه الغافلين، ليفتك بهم وينشر الرعب.

الذئب المنفرد، بحسب وزارة العدل الأميركية، هو شخص ينفّذ بمفرده هجوما إرهابيا ضد مجتمع يكون هو جزءا منه، بدوافع سياسية أو دينية، ولغرض التأثير على الرأي العام، أو عملية صنع القرار السياسي. وقد يستلهم أفكاره من مجموعة أو شبكة معينة، ولكنه لا يكون خاضعا لقيادتها.

برنامج "الحرة تتحرى" يعود بملف الذئاب المنفردة إلى بدايات هذا النوع من الإرهاب، وكيف تنامى، ويعرض أبرز الهجمات، ودوافع منفذيها، والأيديولوجيات التي تبنوها، إضافة إلى شرح الكوامن النفسية التي تدفع شخصا ما عن سابق إصرار وترصّد، إلى قتل آخرين، يراهم غالبا للمرة الأولى، وهو يدرك أنه سيدفع حياته ثمنا لذلك.

بحسب أحمد سلطان، الباحث في الأمن الإقليمي والإرهاب، يصعب في الغالب الكشف أو التنبؤ بهجمات الإرهابي الوحيد أو الذئب المنفرد، لأنك لا يمكن أن تراقب المجتمع بالكامل، كما أن الذئب المنفرد لا تظهر عليه أي علامات سابقة على تنفيذه الهجوم. 

في المقابل، يرى رامون سباي، وهو عالم اجتماع متخصص بظاهرة الذئاب المنفردة في ملبورن، أستراليا، أنه بمرور الوقت، أصبح إرهاب الذئاب المنفردة يشكّل نسبة أكبر بكثير من إجمالي الهجمات الإرهابية، وأن سياق هذه الهجمات، ورغم أن منفذيها أفراد، غالبا ما تكون نسخة متطرفة، أو تعبيرا عن الصراعات المجتمعية الأوسع الجارية في ذلك الوقت.

أما وائل سلامة، طبيب نفسي عمل على حالات لإرهابيين في السجون اللبنانية، فيؤكد أن هذه الحالات هي بلا شك نوع من البحث عن هوية.

"بالنسبة له (الذئب المنفرد) حتى عندما يتم قتله يصل إلى الغاية المنشودة، فالغاية الأساسية من الجريمة، أن يثبت قدراته".

قد يكون مصطلح "الذئاب المنفردة" حديث العهد، لكن فعل الهجوم الأحادي، ظهر قبل قرنين من الزمان.

يعود تاريخ الهجمات الأحادية، بحسب رامون سباي مؤلف كتابين عن إرهاب الذئاب المنفردة، إلى القرن التاسع عشر، لما يُعرف بإرهاب "الأناركية"، وهي تستند إلى فلسفة سياسية، وكان لديها استراتيجية تسمى "المقاومة القانونية"، و"الدعاية بالفعل".

وتتضمن استراتيجيتها ارتكاب أعمال عنف جماعي بشكل متفرق، وليس كجزء من مجموعة منظمة، من خلال قيام أفراد بشن هجمات عنيفة على مسؤولين حكوميين، رؤساء دول، وعائلات ملكية.

يشتق مصطلح الأناركية من الكلمة اليونانية "أنارخيا"، التي تعني بدون حاكم.

اكتسف فلسفة الأناركية شهرة في القرن التاسع عشر، ودعت إلى مجتمع بلا حكومة، أو هياكل هرمية.

في حديث مع "الحرة"، يقول ستيف كيليليا، مؤسس ومدير معهد الاقتصاد والسلام، الذي ينشر تقارير سنوية عن مؤشرات الإرهاب في العالم، إن مفهوم الذئب المنفرد، بدأ بالظهور فعليا في الفترة بين عامي 1870 و1930، مع حركة الأناركية في أوروبا والولايات المتحدة.وقد تكون إحدى أبرز هجمات هذه الحركة اغتيال الرئيس الأميركي، وليام ماكينلي، عام 1901.

أُعدم قاتل الرئيس، الأناركي ليون تشولغوش، بالكرسي الكهربائي، لكن هجمات الحركة استمرت على مدى عقود. وفي نهاية السبعينيات، شغل إرهابي مجهول الهوية السلطات الأميركية لسبعة عشر عاما كاملا.

وفق تقرير مكتب التحقيقات الفيدرالي أرسل هذا الشخص، أو سلّم باليد، سلسلة من القنابل التي كانت تزداد تطوراً، وأسفرت عن مقتل ثلاثة أميركيين، وإصابة أكثر من عشرين آخرين. 

يخبر سباي فريق "الحرة تتحرى" أنه منذ التسعينيات، ومع صعود اليمين المتطرف، بدأت فعلياً استراتيجية الذئب المنفرد أو الفاعل المنفرد، واستُخدم المصطلح بشكل أكثر تحديدا وانتشارا بواسطة نشطاء اليمين خاصة المتطرفين منهم.

وظهر كثير من "الذئات المنفردة" يضيف سباي، في صفوف اليمين المتطرّف، وذلك نتيجة استراتيجية تسمى "المقاومة بلا قائد"، وهي طريقة لمنع اختراق أو تفكيك جماعة أو منظمة من قبل وكالات إنفاذ القانون، وهي أيضا وسيلة لحماية القيادة، من خلال جعل الأشخاص يتصرفون بشكل فردي، فإذا تم القبض عليهم، فلن يكون لديهم تفاصيل عن الشبكة أو المخطط الأكبر.

لا يقتصر وجود الإرهاب على طريقة الذئاب المنفردة على الولايات المتحدة، بل يمتد عبر الأطلنطي إلى القارة العجوز.

بحسب ستيف كيليليا مؤسس ومدير معهد الاقتصاد والسلام في أستراليا، فإن عددا من الدول التي لم تتعرض لهجمات في السنوات الخمس الأخيرة، شهد عام 2024 ثماني هجمات ذئاب منفردة في السويد. وفي كل من فنلندا وهولندا والدنمارك وقع هجومان، وتصاعدت الهجمات من هذا النوع في دول أخرى مثل النرويج.

أما ألمانيا، فمن أكثر الدول الغربية تعرضا للإرهاب، ومنها هجمات ذئاب منفردة. 

قبيل عيد الميلاد عام 2024، نفّذ طالب العبد المحسن، طبيب نفسي من أصول سعودية، عملية دهس في سوق مزدحم، في مدينة ماغديبورغ الألمانية، أدت إلى مقتل خمسة أشخاص، وإصابة مئات آخرين.

طبقا لتقارير متخصصة، 93 في المئة من الهجمات الإرهابية المميتة في الغرب خلال السنوات الخمس الماضية نفذت بواسطة "ذئاب منفردة". فما الذي يجذبهم إلى هذا الأسلوب دون سواه؟ 

يجيب أحمد سلطان، الباحث في الأمن الإقليمي والإرهاب، بأن الأسهل هي هجمات الذئاب المنفردة لأنها طبعا أصعب في الكشف والتوقع. ويعني أنها يمكن أن تحدث في أي وقت وأي مكان، "أما الهجمات المنسقة فتحتاج للموارد، وتأخذ وقتا طويلا في التجهيز والتخطيط والتنفيذ".

قد يبدو الفعل بعدائيته نابعا من قوة، إلا أن علم النفس له رأي آخر.

في الجزء الأكبر منه هو ناتج عن عقدة نقص "دائما ما تدفع بالشخص ليبالغ بردة الفعل"، ، يقول وائل سلامة، الطبيب النفسي، فمن ناحية المجرم أو الإرهابي فهو "يريد أن يضخم بجريمته لتضخيم ردة الفعل وبالتالي يغذي عقدة النقص الموجودة لديه".

يخبر رامون سباي "الحرة" أن ما لاحظه في كثير من حالات الذئاب المنفردة التي درسها هو أنه "بمرور الوقت يحدث تحوّل حقيقي في هويتهم"، فيرون ارتكاب العنف عملا ثوريا يمنحهم شعورا بالوجود والأهمية،  ... والإحساس القوي بالاستقامة الأخلاقية والتصرّف باسم الحق والخير"، رغم أن ما يقومون به هو فعل إجرامي ضحاياه في الغالب أناس أبرياء يُستهدفون بينما هم منشغلون بشؤونهم اليومية.