بايدن وكامالا هاريس
بايدن وكامالا هاريس

بالتزامن مع تواصل النقاشات بين أعضاء الحزب الديمقراطي بشأن ما إذا كان على الرئيس جو بايدن الاستمرار في سباق الرئاسة لمنافسة الجمهوري دونالد ترامب، يتعمّق الجدل في الأوساط الداخلية للحزب بشأن مستقبل القيادة ومن سيخلف بايدن في حال قرّر الانسحاب، وفقا لتحليل لوكالة أسوشيتد برس.

وتتمحور المداولات في صفوف الديمقراطيين حول ما إذا كانت نائبة الرئيس كامالا هاريس هي التالية في الصف لتولي المنصب أم أنه ينبغي إطلاق "انتخابات تمهيدية مصغرة" بسرعة لاختيار مرشح جديد قبل المؤتمر الحزبي في أغسطس.

خيار هاريس غير محسوم

وأجرت هاريس جولة لجمع التبرعات للحملة، السبت، في بروفينستاون بولاية ماساتشوستس، وحصلت على تأييد من السناتور الديمقراطية البارزة إليزابيث وارن، التي قالت قبل الزيارة إنه إذا تنحى بايدن، فإن نائبة الرئيس "مستعدة للتقدم".

وخلال الحدث الذي جمع 2 مليون دولار وحضره ألف ضيف، وفق مسؤولين، لم تتطرق هاريس للدعوات لبايدن لترك السباق أو لها لتحل محله، بل كررت إحدى عبارات حملتها المعتادة: "سنفوز في هذه الانتخابات".

غير أن ترشيح هاريس لرئاسة القائمة الانتخابية ليس أمرا محسوما، رغم ما قد يمثله من لحظة تاريخية للحزب. فهي ستكون أول امرأة، وأول شخص من أصول أفريقية وجنوب آسيوية، يترشح للرئاسة عن الحزب الديمقراطي. 

وفي المقابل، يميل كبار المسؤولين في الحزب، بمن فيهم رئيسة مجلس النواب السابقة نانسي بيلوسي، إلى تفضيل عملية ترشيح مفتوحة. ويرى بعضهم أن هذا النهج من شأنه تعزيز فرص أي مرشح ديمقراطي في مواجهة المنافس الجمهوري، دونالد ترامب.

ومع استمرار هذه المناقشات، يمدد الديمقراطيون فترة غير مسبوقة من الغموض والاضطراب. ويواجه بايدن هذا الأسبوع قرارات مصيرية قد ترسم ملامح مستقبل البلاد وحزبه مع اقتراب الانتخابات في نوفمبر.

ويبرز هذا الوضع تباينا حادا مع الجمهوريين. فبعد سنوات من الصراعات المريرة والفوضى المحيطة بترامب، يبدو الحزب الجمهوري الآن متحمسا لنهج ترامب، وفقا لأسوشيتد برس.

مخاوف

ويشكك كثير من الديمقراطيين  في قدرته على البقاء بالبيت الأبيض بعد أدائه المتعثر في المناظرة الشهر الماضي، مبدين قلقهم من أنه سيأخذ معه آمال سيطرة الحزب على الكونغرس.

والسبت، أضاف النائب مارك تاكانو، كبير الديمقراطيين في لجنة شؤون المحاربين القدامى بمجلس النواب، اسمه إلى قائمة ما يقرب من خمسة وثلاثين ديمقراطيا في الكونغرس الذين يقولون إنه حان الوقت لبايدن لترك السباق، داعيا إلى "تمرير الشعلة" إلى هاريس.

ومن المتوقع أن يتحدث المزيد من المشرعين في الأيام المقبلة، خاصة بعد أن أثار المانحون مخاوف.

وقال النائب الديمقراطي مورغان ماكغارفي من كنتاكي، أحد الديمقراطيين الذين يحثون بايدن على الخروج من السباق: "لا يوجد فرح في الاعتراف بأنه لا ينبغي أن يكون مرشحنا في نوفمبر".

ومن منزله الشاطئي في ديلاوير، يعزل بايدن، البالغ من العمر 81 عاما، نفسه بعد إعلانه عن إصابة بفيروس كورونا، ولكن أيضا سياسيا مع دائرة صغيرة من العائلة والمستشارين المقربين. 

وأصر فريق الرئيس على أنه مستعد للعودة إلى الحملة الأسبوع المقبل لمواجهة ما أسماه "الرؤية المظلمة" التي طرحها ترامب.

وقال بايدن في بيان، الجمعة: "معا، كحزب وكبلد، يمكننا وسنهزمه في صناديق الاقتراع".

لكن خارج منطقة ريهوبوث، يزداد النقاش والعواطف حدة.

نحو انتخابات تمهيدية مصغّرة؟

وبحسب الوكالة، فإن عددا قليلا جدا من المشرعين الديمقراطيين الذين يطالبون بمغادرة بايدن ذكروا هاريس في بياناتهم، وقال البعض إنهم يفضلون عملية ترشيح مفتوحة من شأنها أن تلقي بتأييد الحزب وراء مرشح جديد.

ووفقا لمصدر مقرب من بيلوسي، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته، فإن رئيسة مجلس النواب السابقة، رغم صداقتها وإعجابها بنائبة الرئيس، ترى أن عملية اختيار مفتوحة ستكون أكثر فائدة لأي طامح للرئاسة. 

وتعتقد بيلوسي أن مثل هذه العملية من شأنها تعزيز فرص الفوز لأي مرشح يتم اختياره في نهاية المطاف.

وقالت النائبة زوي لوفغرين من كاليفورنيا، وهي حليفة لبيلوسي دعت بايدن للتنحي، يوم الجمعة على شبكة "MSNBC"، إن عقد ما يشبه "انتخابات تمهيدية مصغرة" بمشاركة هاريس أمر منطقي.

ودعا السناتوران الديمقراطيان، جون تيستر من مونتانا وبيتر ويلش من فيرمونت بايدن للخروج من السباق وقالا إنهما سيفضلان عملية ترشيح مفتوحة في المؤتمر.

وقال ويلش في مقابلة مع أسوشيتد برس: "جعلها مفتوحة سيقوي أيا كان المرشح النهائي".

ويقول ديمقراطيون آخرون إنه سيكون من غير المعقول سياسيا الانتقال إلى شخص آخر غير هاريس، ومن غير الممكن لوجستيا مع التخطيط لتصويت الترشيح الافتراضي في أوائل الشهر المقبل، قبل افتتاح المؤتمر الديمقراطي في شيكاغو في 19 أغسطس.

وأيدت النائبة بيتي ماكولوم من مينيسوتا، التي دعت بايدن للتنحي، هاريس صراحة كبديل.

وقالت ماكولوم في بيانها: "لمنح الديمقراطيين مسارا قويا وقابلا للتطبيق للفوز بالبيت الأبيض، أدعو الرئيس بايدن إلى إطلاق مندوبيه وتمكين نائبة الرئيس هاريس من التقدم لتصبح المرشحة الديمقراطية للرئاسة".

ويتفاقم المأزق المتعلق بمستقبل بايدن السياسي، مما يضع الحزب الديمقراطي وقياداته في موقف حرج. ويأتي هذا قبل شهر فقط من انعقاد المؤتمر الوطني الديمقراطي، الذي يفترض أن يكون منصة لتوحيد الصفوف خلف الرئيس الحالي لمواجهة ترامب. لكن بدلا من ذلك، يجد الحزب نفسه أمام مفترق طرق تاريخي لم يشهد مثيله منذ عقود

ومن غير الواضح ما الذي يمكن للرئيس أن يفعله غير ذلك، إن وجد، لعكس المسار واستعادة المشرعين والناخبين الديمقراطيين، الذين يشككون في قدرته على هزيمة ترامب وخدمة فترة أخرى.

بايدن، الذي أرسل رسالة تحد إلى الديمقراطيين في الكونغرس متعهدا بالبقاء في السباق، لم يزر بعد مبنى الكابيتول لتعزيز الدعم، وهو غياب لاحظه أعضاء مجلس الشيوخ والنواب، بحسب أسوشيتد برس.

وأجرى الرئيس جولة من المحادثات الافتراضية مع مختلف التجمعات في الأسبوع الماضي - انتهى بعضها بشكل سيء، وفقا للمصدر ذاته.

ترامب

في 20 يناير 2025، بعد دقائق من أدائه اليمين الدستورية لبدء ولايته الثانية، وقّع الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، حزمة أوامر تنفيذية، وصف أحدها بـ"الكبير" ـ الذي سيتردد صداه، لاحقا، في جميع أنحاء العالم.

كان جالسا إلى منضدته الرئاسية في المكتب البيضاوي؛ على يمينه صندوق مليء بأقلام "شاربي،" أحدها كان ينتظر بفارغ الصبر بين أصابع يده اليمنى، وحين تسلم ترامب من أحد مساعديه ملفا، سأل المساعدَ:

"ما هذا؟".

"الانسحاب من منظمة الصحة العالمية".

"أوه، هذا كبير،" عقّب ترامب، وهو يفرد ملف الأمر التنفيذي على المنضدة. لكن قبل أن يهوي بقلمه على الملف، ذكّر بأنه سبق أن أوقف دعم الولايات المتحدة لمنظمة الصحة في ولايته الأولى، لأسباب منها "غياب العدالة" في التمويل.

وأشار ترامب، تحديدا، إلى الاختلال بين مساهمة الولايات المتحدة ومساهمة الصين في دعم الصحة العالمية.

وقال إن المنظمة عرضت عليه أن يدفع أقل، وإن سلفه ـ جو بايدن ـ الذي أعاد تمويل المنظمة خلال رئاسته بين 2020-2024، كان بإمكانه أن يتفاوض لكي يدفع أقل.

لم يكن إعلان ترامب الانسحاب من منظمة الصحة العالمية (WHO) في أول يوم من ولايته الثانية مصادفة، بل كان رسالة مفادها أن سياسته الخارجية ستكون، في هذه المرحلة أكثر حزما، أحادية إذا تطلب الأمر، وترتكز بقوة على مبدأ المصلحة الوطنية: "أميركا أولا".

رسّخ قرار الانسحاب من منظمة الصحة، أيضا، الثيمة التي هيمنت على أول مئة يوم من ولاية ترامب الثانية، وهي الضغط لإعادة التفاوض من أجل رسم خريطة جديدة في علاقات الولايات المتحدة بالعالم الخارجي، تجاريا وسياسيا.

هذه الخريطة الجديدة، ما هي ملامحها؟ 

ماذا يريد ترامب، عالميا؟ وما هي وسائله لتحقيق مبتغاه؟

هل هناك ملامح واضحة لعقيدة "ترامبية" محددة في السياسة الخارجية الأميركية؟ 

هذه محاولة إجابة!

ساحر أوز العجيب

في رواية ليمان فرانك بوم، "ساحر أوز العجيب"، يختطف إعصار هائل الصبية دورثي من منزلها في كنساس، ويلقي بها في أرض أوز السحرية، وخلال رحلة العودة تتجلى أمامها الحقيقة: "لا مكان مثل الوطن".

تلك العبارة أضحت من أشهر الاقتباسات التي تعبر عن روح الوطنية الأميركية، ورددها الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، حامل شعار "أميركا أولا"، في قمة التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ (APEC)، في فيتنام عام 2017.

"العالم فيه العديد من الأماكن، والعديد من الأحلام والعديد من الطرق، ولكن في كل العالم لا يوجد مكان مثل الوطن"، قال ترامب في خطاب عن القومية والعالم، ألقاه أمام زعماء 21 دولة.

في تلك القمة حض ترامب ـ وكان في بداية ولايته الرئاسية الأولى ـ زعماء العالم على تحقيق مصالح بلدانهم، التي "يتوجب أن تعلو فوق أي مصلحة".

وكان فوز ترامب المفاجئ في انتخابات 2016، قد جعل شعاره "أميركا أولا" عنوانا لمرحلة جديدة في العقيدة السياسية الأميركية.

العقيدة السياسية؟

في حوار أجراه موقع "الحرة" في يناير الماضي، يعرّف أستاذ العلوم السياسية في جامعة جورج واشنطن، تود بيلت، العقيدة في السياسة الخارجية بأنها استراتيجية كبرى تحدد نوع العلاقات الدولية التي يتبناها الرئيس، وهو ما يمكن أن ينطبق على عقيدة مونرو، أو عقيدة ترومان، أو عقيدة ريغان.

ترتكز عقيدة الرئيس جيمس مونرو، على سبيل المثال، والتي عبر عنها في ديسمبر 1823 أثناء خطاب حالة الاتحاد أمام الكونغرس، على معارضة الاستعمار الأوروبي في نصف الكرة الشمالي، وتعتبره عملا عدائيا.

أما ريغان، فحدد "عقيدته" في فبراير عام 1985، عندما قال: "يجب ألا نخون ثقة من يخاطرون بحياتهم - من أفغانستان حتى نيكاراغوا- لمواجهة العدوان المدعوم من الاتحاد السوفيتي، ويجب أن نصون الحقوق التي لطالما كانت لنا منذ الولادة".

داخليا، كانت أميركا في ذلك الوقت تعاني من أزمة اقتصادية خانقة بسبب التضخم.

عقيدة ترامب

بدأت ملامح عقيدة ترامب السياسية تتوضح ابتداء من أبريل 2016، عندما استخدم عبارة "أميركا أولا" مع انطلاق حملته الانتخابية.

وبعد فوزه في الانتخابات، تعهد خلال خطاب التنصيب في يناير 2017 بأن "رؤية جديدة" ستحكم أميركا.

ومنذ ذلك الحين، بات شعار "أميركا أولا" بمثابة اسم ثان للترامبية في السياسة الأميركية، رغم أنه لم يكن أول سياسي أميركي يستخدم المصطلح.

المرشح في سباق الرئاسة لعام 2000، بات بيوكانان، استخدم شعار "أميركا أولا" خلال حملته الانتخابية.

أما عبارة "لنجعل أميركا عظيمة مرة أخرى"، التي اقترنت بترامب وتعرف اختصارا بـ"ماغا"، فاستخدمها رونالد ريغان في حملته الانتخابية عام 1980.

اختار بيوكانان شعار "أميركا أولا"، الجذاب شعبيا، بعد أن فشل مرتين في التسعينيات في الفوز بترشيح الحزب الجمهوري لانتخابات الرئاسة.

وعنت العبارة بالنسبة لبيوكانان الانسحاب من منظمة التجارة العالمية، وصندوق النقد الدولي، واتفاقية التجارة الحرة لأميركا الشمالية (نافتا)، ومعارضة التدخل العسكري في الخارج، من بين أشياء أخرى.

لكن آخرين يشيرون إلى تاريخ سابق لشعار "أميركا أولا".

ترتبط العبارة بـ"لجنة أميركا أولا" التي دعت بين عامي 1940ـ1941 إلى عدم انخراط الولايات المتحدة في النزاعات الخارجية خلال الحرب العالمية الثانية. اجتذبت اللجنة، آنذاك، عددا كبيرا من الناشطين، وزعمت أن عدد أعضائها تجاوز 800 ألف عضو، وكان من بينهم قطب السيارات الأميركي هنري فورد.

لكن ترامب أعاد تعريف "أميركا أولا" ببساطة كبيرة:

"أميركا ستضع مواطنيها وقيمها واهتماماتها في المقام الأول، مثلما ينبغي أن تفعله جميع الدول"، تقول وثيقة نشرها البيت الأبيض في سبتمبر 2017.

وتشير الوثيقة، التي تحدد سياسة خارجية قائمة على "الواقعية المبدئية"، إلى "استراتيجية العمل من أجل المصلحة الوطنية الأميركية وبما يتفق مع قيمنا".

التدخل حسب الموقف

تصف دراسة نشرت على موقع كلية غيتيسبيرغ الأميركية أيدولوجية "أميركا أولا" في سياسة ترامب الخارجية بأنها "الانعزالية والتدخل حسب الموقف،" على النقيض من سياسة سلفه، آنذاك، باراك أوباما.

أوباما وضع أميركا على قدم المساواة مع الدول الأخرى، وتعاون مع المنظمات الدولية، مثل الأمم المتحدة ومنظمات التجارة واتفاقية المناخ.

وتخلت عقيدة ترامب "بشكل متعمد"، وفق الدراسة، عن السياسة الخارجية لأوباما والرؤساء السابقين، وحتى الجمهوريين منهم.

لا تنكر الدراسة "عقيدة ترامب"، لكنها ترى أنها "تستند أكثر إلى التفضيلات الشخصية والعاطفة بدلا من اتباع نموذج سياسي صارم".

ما ليس ترامب

يعرف الكاتب المحافظ، مايكل أنتون، فكر ترامب السياسي بما ليس هو:

"ترامب ليس من المحافظين الجدد أو المحافظين القدماء، ولا من الواقعيين التقليديين ولا من الليبراليين الدوليين".

"ينطبق الشيء ذاته على حقيقة أن ترامب لا يميل فطريا إلى الانعزالية أو التدخل،" يتابع أنتون، "وهو ليس حمامة أو صقر. ولا تندرج سياسته الخارجية بسهولة في أي من هذه الفئات، على الرغم من أنها تستمد من كل منها".

لكنّ أنتون يلاحظ، مثل كثيرين، أن شعار "أميركا أولا" لا يجب أن يكون مستغربا لأن البلدان يجب أن تضع مصالحها الخاصة في المقام الأول.

طالما جادل ترامب ومريدوه من "اليمين الجديد"، بأن العولمة كلفت الولايات المتحدة غاليا، وكانت مفيدة للقوى الصاعدة التي تسعى إلى منافسة الولايات المتحدة على النفوذ والزعامة.

وطالما هاجم ترامب سياسات قال إنها تستجيب لاهتمامات النخبة التي تروج لفكرة أن من مصلحة أميركا البقاء في حلف شمال الأطلسي واستمرار العولمة.

لذلك سعى خلال رئاسته الأولى إلى ما وصفه بـ"تصحيح المسار". 

أعلن نهاية ما وصفها بـ"الامتيازات المجانية،" وأصر على أن يدفع أعضاء حلف شمال الأطلسي "نصيبهم العادل"، سواء في ما يتصل بالضمانات الأمنية أو الصفقات التجارية.

وفي الأشهر الأولى من ولايته الثانية، أعادت ترامب التشديد على ضرورة أن تزيد الدول الأعضاء إنفاقها الدفاعي. وكشف، من خلال موقفه الداعي لإنهاء الحرب في أوكرانيا، عن إدارة أميركية أقل ميلا إلى الالتزام باتفاقيات الدفاع الجماعي.

ويلخص الكاتب جورج فريدمان "مبدأ ترامب" في أنه سياسة "نزع فتيل المواقف التي قد تتطلب اتخاذ إجراءات عسكرية، والانخراط بدلا من ذلك في سياسة اقتصادية هجومية".

وتأتي أفكار ترامب، وفق الكاتب، على خلفية وضع دولي يشهد انتشار القوات الأميركية حول العالم، وهو وضع يخلق توترا لأن الولايات المتحدة قد تجد نفسها متورطة في حرب مكلفة وعلى أكثر من جبهة في الوقت ذاته، لذلك فإن الأفضل هو اتباع مبدأ الدبلوماسية.

لذلك اختار ترامب، في الولاية الأولى، "التفاهم " مع كوريا الشمالية، واتبع مسارا دبلوماسيا مع روسيا، خاصة وأنها كانت لديها قوات في سوريا قد تتقاطع في أماكن انتشار القوات الأميركية.

وفي نفس السياق، يبدو ترامب وكأنه يسير عكس التيار في ما يتعلق بالملف النووي الإيراني. إذ رغم الدعوات ـ من الداخل الأميركي ومن خارجه ـ إلى استخدام القوة لتفكيك البرنامج النووي الإيراني، تنخرط الإدارة الأميركية منذ أسابيع في محادثات مع الإيرانيين للوصول إلى حل سلمي يفكك الطموحات النووية لطهران.

وعرف ترامب بانتقاداته لحرب العراق وعمل خلال ولايته الرئاسية الأولى إلى إنهاء الوجود العسكري الأميركي في الشرق الأوسط وإعادة الجنود الأميركيين إلى الوطن.

يعتقد ترامب، وفق رؤية فريدمان، أن "الذهاب إلى الحرب خيار خاطئ لأن نوايا الخصوم غير متوقعة، والحل يكمن في الحفاظ على الوجود وتجنب القتال والانخراط في مفاوضات مطولة قد تؤدي إلى شيء أو لا شيء ولكنها قد تقلل من التهديد العسكري".

السياسة قطعة قطعة

العقيدة السياسية تعني أن "كل الإجراءات التي يتخذها الرئيس تستند إلى مجموعة من الافتراضات حول كيفية عمل العالم، والتوقعات، والعلاقات، وما إلى ذلك،" يقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة جورج واشنطن، تود بيلت.

"أما ترامب،" يضيف بيلت، "فهو على العكس تماما، يأخذ كل شيء قطعة قطعة. ويتعامل مع الأمور على أنها صفقات (تجارية)".

ترامب "لا يفضل الاتفاقيات متعددة الأطراف. هو يحب الاتفاقيات الثنائية وأن يكون هو الشخص الذي يبرم الصفقة"، يتابع بيلت.

"أميركا أولا"، بالنسبة لبيلت، ليست عقيدة "لأنها لا تتعلق بكيفية التفكير في شؤون العالم والاستجابة للتهديدات الدولية.

وتقضي بـ"ألا تعمل الولايات المتحدة مع أي جهات فاعلة دولية أخرى ما لم يكن ذلك ضروريا، ومن أجل المصلحة الدولية والوطنية".

وفي نفس الاتجاه يذهب ريتشارد وايتز، محلل السياسيات الأمنية في معهد هدسون: "ترامب لا يملك عقيدة" ثابتة. يقول وايتز في حاديث سابق مع موقع "الحرة" إن ترامب "لديه بعض القيم التي يريد تطبيقها، مثل الحد من الحروب، وزيادة دخل الأميركيين".

في بعض القضايا "يتسم بالحزم الشديد، مثل تغير المناخ، وقضايا أخرى يتسم فيها بالمرونة مثل الناتو، فهو لم يقرر بعد ما يمكن فعله بالنسبة للناتو. هو حازم في بعض القضايا ومنفتح في أخرى ويرحب بالتعليقات التي يتلقاها في هذا الشأن".

"أميركا أولا" 2.0

في ولايته الأولى، انسحب ترامب عام 2018 من الاتفاق النووي الذي أبرمته الدول الغربية مع إيران عام 2015، وأعاد فرض عقوبات اقتصادية صارمة، ركزت على خنق الاقتصاد الإيراني في ما عُرف بسياسة "الضغط الأقصى". وكان الهدف إجبار إيران على القبول باتفاق أكثر صرامة بشأن على برنامجها النووي.

وباستثناء استهداف الجنرال الإيراني قاسم سليمان في 2020، لم يلجأ ترامب إلى العمل العسكري ضد إيران، باستثناء حوادث متفرقة.

في الولاية الثانية، صعد ترامب النبرة تجاه إيران. وبدلا من الاعتماد بشكل أساسي على العقوبات، لوح علنا باللجوء إلى ضربات عسكرية إذا لم توافق إيران على اتفاق نووي وفق رؤية أميركية جديدة.

وهدد ترامب طهران بـ"عواقب وخيمة" تتجاوز العقوبات الاقتصادية في حال استمرارها في تطوير برنامج النووي.

وانخرطت إيران أخيرا في مفاوضات مع الولايات المتحدة بوساطة عمانية بشأن مستقبل برنامجها النووي.

أوكرانيا: الدعم شرط للسلام

وافق ترامب، في الولاية الأولى، على تقديم مساعدات عسكرية كبيرة لأوكرانيا، لكنه تعرض لاتهامات بتسييس تلك المساعدات خلال تحقيق العزل الأول في 2019.

في مستهل ولايته الثانية، علق ترامب المساعدات العسكرية لأوكرانيا، وأوضح أن استمرار الدعم الأميركي مشروط بدخول أوكرانيا في مفاوضات لإنهاء الحرب مع روسيا.

مثّل تعامل ترامب مع ملف الحرب الروسية الأوكرانية، تحولا في السياسة الخارجية الأميركية من الدعم غير المشروط تقريبا إلى استخدام الدعم كأداة للضغط من أجل التفاوض لإحلال السلام.

روسيا: من الردع إلى السعي للتقارب

بشكل عام، حافظت إدارة ترامب الأولى على العقوبات المفروضة على روسيا، بل وزادتها بسبب تدخلها في الانتخابات الأميركية وضمها للقرم وقضايا أخرى.

الآن يركز ترامب على الدبلوماسية المباشرة مع روسيا، بهدف التفاوض على وقف لإطلاق النار في أوكرانيا، حتى لو تطلب ذلك تقديم تنازلات لا تعتقد كييف أنها عادلة.

الصين: من حرب تجارية إلى منافسة شاملة

أطلق ترامب حربا تجارية واسعة ضد الصين، مستخدما الرسوم الجمركية كأداة رئيسية لمواجهة العجز التجاري وسرقة حقوق الملكية الفكرية. وفي الولاية الثانية، تصاعدت المواجهة إلى مستويات غير مسبوقة.

لم يكتفِ ترامب بزيادة الرسوم الجمركية بل دفع نحو تقييد الاستثمارات الصينية في القطاعات التقنية الأميركية، وتقليص الاعتماد على سلاسل التوريد الصينية ـ خصوصا في مجالات الأدوية وأشباه الموصلات ـ ودعم مبادرات الردع العسكري في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.

الترامبية واليمين الجديد

يعرف قاموس جامعة كامبريدج الترامبية بأنها سياسات الرئيس الأميركي، دونالد ترامب وأفكاره، فيما تذهب دراسات عديدة إلى أن الترامبية مثلت بداية حزب جمهوري جديد، يشكل "قطيعة حادة" مع أفكار الحزب والمبادئ التي اتبعها على مدى عقود خلت.

هل تبقى الترامبية بعد دونالد ترامب؟ يسأل كاتب نيويورك تايمز مايكل ليند:

"اختيار ترامب للسناتور جي.دي. فانس لمنصب نائب الرئيس يعني أن الجواب هو نعم،" يجيب الكاتب.

تمخضت الترامبية عن ظهور تيار سياسي جديد في الولايات المتحدة، بات يعرف بـ"اليمين الجديد".

وشاع استخدام المصطلح حديثا بالإشارة إلى مجموعة من المثقفين والسياسيين الجمهوريين الذين يعملون على تحويل الترامبية إلى أيديولوجية متماسكة.

أيديولوجية ستتاح لها أربع سنوات أخرى لتترسخ وتكتسب الزخم.