Vice President Kamala Harris, left, and second gentleman Douglas Emhoff descend from Air Force Two at Delaware Air National…
كمالا هاريس وزوجها حيث تسعى للحصول على دعم كامل من الحزب الديمقراطي لخوض انتخابات الرئاسة الأميركية

إذا أصبحت كمالا هاريس رئيسة للولايات المتحدة، فإنها ستدخل بسجل حافل من المواقف بشأن السياسة الخارجية الأميركية، حددته فترة عملها عضوة في مجلس الشيوخ خلال رئاسة دونالد ترامب، وكنائبة للرئيس في إدارة جو بايدن. 

ومن المتوقع أن تواصل هاريس دعمها القوي للجهود الحربية في أوكرانيا، وتستمر في تعزيز التحالفات في آسيا والمحيط الهادئ لمواجهة الصعود الجيوسياسي للصين. 

كما أنها ستواصل تقديم الدعم القوي لإسرائيل وحلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط. 

لكن في ما يتعلق بالصراع الإسرائيلي الفلسطيني، قد تكون هاريس أكثر تعاطفا مع محنة الفلسطينيين، وهو ما يمكن أن يخفف من حدة الغضب لدى الناخبين العرب الأميركيين وغيرهم ممن ينتقدون الدعم القوي الذي قدمه بايدن للجهود الحربية الإسرائيلية في غزة.

هاريس لديها موقف بشأن ملفات دولية منذ أن كانت عوضة في مجلس الشيوخ

هل تملك الخبرة الكافية؟

قبل أن تصبح عضوة في مجلس الشيوخ، أمضت هاريس معظم حياتها المهنية مسؤولة عن إنفاذ القانون.

ووصلت هاريس إلى منصب نائبة الرئيس بخبرة قليلة نسبيا في السياسة الخارجية، مما جعلها تعتمد على مستشاريها، الذين هم تقليديون إلى حد كبير، وفقا لجيم تاونسند، المسؤول السابق في البنتاغون وحلف شمال الأطلسي، والذي تحدث إلى مجلة بوليتكو.

وقال تاونسند إن هاريس "لا تملك في الواقع خلفية في مجال الدفاع أو السياسة الخارجية، لذا فهي تعتمد حقا على مستشاريها".

وقال النائب عن واشنطن، آدم سميث، أكبر عضو ديمقراطي في لجنة القوات المسلحة في مجلس النواب، والذي أيد اختيار خليفة لبايدن، إن تمثيل هاريس لبايدن في ميونيخ يثبت أنها مستعدة للمسرح العالمي.

وقال سميث إن هاريس "كانت المتحدثة الرئيسية باسم الإدارة الأميركية في مؤتمر ميونيخ الأمني، حيث دافعت عن دورنا في أوكرانيا وحلف شمال الأطلسي وفي العالم، وكانت قوية حقا".

ويقول المناصرون إن الوقت الذي قضته هاريس في عهد بايدن كان أيضا ميزة إضافية مكنتها من تعزيز قدراتها وفهمها للملفات الخارجية، إذ التقت بأكثر من 150 زعيما أجنبيا.

ويعتبر بايدن متمرسا في السياسة الخارجية، وكان حريصا على تمثيل الولايات المتحدة كقوة قائدة للعالم، وهو ما شكل فرصة لهاريس كي تكتسب بعض المهارات في التعامل مع الملفات الدولية.

قصت هاريس فترة زمنية مع الرئيس بايدن الذي يتمتع بخبرة سياسية كبيرة في الملفات الدولية

الشرق الأوسط

كانت هاريس واضحة في دعمها لحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، ولكنها شددت على أهمية حماية المدنيين الأبرياء. هذا التوازن الحذر قد يكون مفتاحا لكسب دعم أوسع في الداخل والخارج.

وكعضوة في مجلس الشيوخ، أعربت هاريس عن مشاعر أقل تشددا من بايدن بشأن الوجود العسكري الأميركي في الشرق الأوسط.

وقد تؤدي بعض مواقفها الصارمة، بما في ذلك تجاه السعودية والهند وتركيا، إلى تعقيد تفاعلاتها مع حلفائها في الشرق الأوسط وآسيا، وفق خبراء أميركيين.

وبشأن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، أعربت هاريس، حين كانت عضوة في مجلس الشيوخ، عن دعمها لحل الدولتين، كما دعمت اتفاقيات إبراهيم. 

كمالا هاريس في لقاء سابق مع وزير الدفاع الإسرائيلي يؤاف غالانت

وحين أصبحت نائبة لبايدن، أعربت هاريس سرا عن أن إدارة بايدن بحاجة إلى اتخاذ موقف أقوى ضد رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، بعد ارتفاع عدد القتلى المدنيين الفلسطينيين في حرب إسرائيل ضد حماس في قطاع غزة.

وبرزت هاريس كواحدة من أوائل القادة البارزين في إدارة بايدن الذين دعوا إلى وقف مؤقت فوري لإطلاق النار في مارس. 

ووجهت هاريس أشد توبيخ لطريقة تعامل إسرائيل مع تدفق المساعدات إلى قطاع غزة، ووصفت الصراع بأنه "كارثة إنسانية" للمدنيين الأبرياء.

ومع ذلك، تتمتع هاريس أيضا بعلاقات قوية مع الجالية اليهودية في الولايات المتحدة. وزوجها، دوغ إيمهوف، هو يهودي كان له دور بارز كحلقة وصل مع الجالية اليهودية الأميركية، وتحدث عن جهود إدارة بايدن في مكافحة معاداة السامية.

وفي الملف الإيراني، دعمت هاريس اتفاق خطة العمل الشاملة المشتركة لعام 2015 مع إيران لكبح جماح برنامج طهران النووي.

وأدانت هاريس الضربة العسكرية التي استهدفت الجنرال الإيراني الكبير، قاسم سليماني، في يناير 2020، وشاركت في رعاية تشريع غير ناجح لمنع مزيد من الأعمال العسكرية ضد القادة والأهداف الإيرانية.

وحين تعرضت إسرائيل لهجوم بالطائرات من دون طيار والصواريخ الإيرانية في أبريل، أكدت هاريس على دعم أميركا "الصارم" لأمن إسرائيل. 

وقالت في منشور على وسائل التواصل الاجتماعي "نقف مع شعب إسرائيل في الدفاع عن نفسه ضد هذه الهجمات".

وفي ما يتعلق بالسعودية، انضمت هاريس إلى التقدميين بشأن التشريع الذي يقيد مبيعات الأسلحة والمساعدات العسكرية للرياض بسبب دورها في الحرب الأهلية اليمنية ومقتل الصحفي السعودي وكاتب العمود في صحيفة واشنطن بوست، جمال خاشقجي.

ودعمت هاريس التشريع لإحياء ذكرى الإبادة الجماعية للأرمن، والتي كانت مصدرا للتوتر بين تركيا وأرمينيا العضوتين في الناتو لمدة قرن من الزمان.

الصين وآسيا

من المتوقع أن تواصل هاريس سياسة إدارة بايدن الصارمة تجاه الصين، مع التركيز على تقليل الاعتماد الاقتصادي على بكين، وتعزيز حقوق الإنسان في هونغ كونغ. كما أنها عبرت عن دعمها الواضح لتايوان في مواجهة التهديدات الصينية.

وفي كلمة ألقتها خلال رحلة استغرقت سبعة أيام إلى سنغافورة وفيتنام في عام 2021، قالت هاريس: "نعلم أن بكين تواصل الإكراه والترهيب والمطالبة بالغالبية العظمى من بحر الصين الجنوبي".

وأضافت أن "تصرفات بكين تواصل تقويض النظام القائم على القواعد وتهدد سيادة الدول". وأكدت أن الولايات المتحدة "تقف إلى جانب حلفائنا وشركائنا في مواجهة هذه التهديدات".

وجاءت زيارة هاريس إلى سنغافورة، الحليف الوثيق للولايات المتحدة، والتي تضم قاعدة بحرية أميركية رئيسية في جنوب شرق آسيا، في أعقاب زيارات وزير الخارجية، أنتوني بلينكن، ووزير الدفاع، لويد أوستن، إلى آسيا.

وكانت إدارة بايدن حريصة على طمأنة الحلفاء الآسيويين القلقين بشأن سياسات الصين الحازمة في المنطقة، خاصة في أعقاب الانسحاب العسكري الأميركي الفوضوي من أفغانستان.

وحين كانت عضوة في مجلس الشيوخ، انتقدت هاريس نهج ترامب تجاه بكين، وأخبرت نائب الرئيس، مايك بنس، خلال مناظرة نائب الرئيس في عام 2020 أن ترامب "خسر تلك الحرب التجارية".

وقالت حينها  إن التعرفات الجمركية التي فرضتها إدارة ترامب تضر بالاقتصاد الأميركي من دون إعادة التوازن إلى العلاقات بين الولايات المتحدة والصين.

نائبة الرئيس الأميركي كامالا هاريس أثناء زيارتها سنغافورة

لكن هاريس كانت دائمة الداعية إلى مواجهة الخطر الصيني، مع التركيز على تقليل مدى اعتماد الاقتصادات الغربية على الصين.

ومن المرجح أن تواصل هاريس في حال فوزها بالرئاسة الأميركية الدعم غير الرسمي لتايوان، خاصة في أعقاب التهديدات العسكرية الصينية المتزايدة.

وفي سبتمبر 2022 أكدت هاريس أن الولايات المتحدة "ستواصل دعم الدفاع عن النفس لتايوان، بما يتوافق مع سياستنا طويلة الأمد".

منذ أن أصبحت نائبة للرئيس، تحدثت هاريس مع كل من الزعيم الصيني، شي جين بينغ، ورئيس تايوان، لاي تشينغ تي. 

وقالت هاريس إنها التقت مع شي على هامش اجتماع قادة أبيك في عام 2022 حيث حثته على "الحفاظ على خطوط اتصال مفتوحة لإدارة المنافسة بين بلدينا بشكل مسؤول". 

وانتقدت هاريس مضايقات الصين المستمرة للسفن الفلبينية في مياه مانيلا في بحر الصين الجنوبي خلال زيارة للفلبين في عام 2022.

وخلال تلك الرحلة، زارت هاريس جزيرة مجاورة للمياه حيث يهدد خفر السواحل الصيني بانتظام بعثات الإمداد الفلبينية إلى موقعها العسكري.

وكعضوة في مجلس الشيوخ قدمت هاريس بانتظام أو شاركت في رعاية تشريعات للحزبين لتعزيز حقوق الإنسان في ميانمار.

وانتقدت هاريس إدارة ترامب لعدم بذلها ما يكفي لكبح جماح التهديدات النووية لكوريا الشمالية.

ورغم أن والدتها هندية الأصل، انتقدت هاريس الحكومة الهندية حين كانت عضوة في مجلس الشيوخ.

لكن يبدو أن العلاقات بين هاريس وحكومة ناريندرا مودي تحسنت، إذ أشاد مودي بهاريس خلال زيارة دولة لواشنطن عام 2023.

الناتو وحرب أوكرانيا

أكدت هاريس مرارا على التزام الولايات المتحدة الثابت تجاه حلف شمال الأطلسي، ودعمت بقوة الجهود الأوكرانية لصد العدوان الروسي. 

هذا الدعم من المتوقع أن يستمر تحت قيادتها إذا انتخبت رئيسة لأميركا، مع التركيز على تعزيز التحالفات التقليدية للولايات المتحدة في أوروبا وآسيا.

وفي وقت سابق من هذا العام، تعهدت بأن الولايات المتحدة ستدعم قتال أوكرانيا "مهما استغرق الأمر".

وفي مؤتمر ميونيخ الأمني لعام 2022، قالت هاريس إن الولايات المتحدة لديها "التزام ثابت تجاه حلف شمال الأطلسي والتحالف".

هاريس شاركت بمؤتمر ميونخ للأمن

وجاء الاجتماع في الوقت الذي حشدت فيه روسيا مئات الآلاف من قواتها على طول الحدود الأوكرانية، قبل أيام فقط من شن غزوها الشامل.

وقالت هاريس في عام 2022 إن "التزام أميركا بالمادة الخامسة صارم"، في إشارة إلى بند الدفاع المشترك في ميثاق الناتو الذي يدعو إلى التعامل مع الهجوم على أي عضو على أنه هجوم على الجميع. وأكدت أن "هذا الالتزام مقدس بالنسبة لي وللرئيس بايدن ولأمتنا بأكملها".

مستقبل القيادة الأميركية

بصفتها نائبة للرئيس، استفادت هاريس من خبرة الرئيس بايدن في السياسة الخارجية، وبنت علاقات قوية مع القادة الأجانب.

 إذا تم انتخابها، ستسعى هاريس إلى مواصلة هذه الجهود، مع التركيز على بناء تحالفات قوية وتعزيز دور الولايات المتحدة على الساحة العالمية.

وتدخلت هاريس كبديل للرئيس في العديد من التجمعات العالمية. حضرت قمة الآسيان 2023 ومؤتمر ميونيخ الأمني السنوي في 2022 و2023، حيث أظهرت دعمها للرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، في مواجهة العدوان الروسي. 

هذا الدور المتميز عزز من مكانتها كقائدة عالمية مستعدة لتولي مزيد من المسؤوليات.

وكان بايدن أعلن الأحد، انسحابه من السباق الرئاسي لانتخابات نوفمبر المقبل، بعد أن شكك قادة ديمقراطيون في قدراته الصحية، ودعوه للانسحاب، خشية الخسارة أمام المرشح الجمهوري، دونالد ترامب.

وعقب انسحابه، أعلن بايدن دعمه وتأييده لترشيح هاريس، لتكون مرشحة الحزب الديمقراطي لانتخابات الرئاسة.

وقال في صفحته على موقع (أكس)، "أود أن أقدم دعمي وتأييدي الكاملين لكامالا، لتكون مرشحة حزبنا هذا العام.. أيها الديمقراطيون، حان الوقت للعمل معا وهزيمة ترامب.. هيا بنا نقوم بذلك".

الذئاب المنفردة

فجر أول أيام يناير، 2025، وثقت كاميرا مثبتة على جسم أحد أفراد الشرطة الأميركية لحظات محاصرة شمس الدين جبّار، منفّذ عملية الدهس في مدينة نيو أورلينز الأميركية، أثناء محاولته الهروب بينما تناثرت أجساد ضحاياه على الأرض من حوله.

تحوّلَ جبّار من رقيب سابق في الجيش الأميركي، إلى إرهابي قاتل لـ 14 ضحية، ساقتهم الأقدار  إلى شارع بوربون الشهير للاحتفال بليلة رأس السنة.

يروي عباس الداهوك، وهو عقيد سابق في الجيش الأميركي، في مقابلة مع الحرة، أن حياة جبار كانت مليئة بالمشكلات، وكانت لديه خطة لجمع عائلته في مكان واحد لارتكاب العنف ضد أفرادها. لكنه في اللحظة الأخيرة قرر العدول عن تنفيذ الخطة، وسلك طريقا مختلفا. 

قاد شاحنته، وعليها علم داعش، ليفتك بأبرياء عزّل في مدينة نيو أورلينز. لم يُستبعد ارتباطه بالتنظيم الإرهابي، لكن على الأرجح كان يتصرف كذئب منفرد.

صباح اليوم نفسه، على بُعد 1700 ميل إلى الغرب، أطل الإرهاب بوجهه البشع مرة أخرى.

أمام فندق يعود للرئيس دونالد ترامب، في مدينة لاس فيغاس، انفجرت شاحنة كهربائية، بعد انتحار مستأجرها ماثيو ليفلسبيرغر، الرقيب الأول في القوات الخاصة الأميركية. 

يقول كولن كلارك، الخبير في قضايا الإرهاب، إن هذا كان أشبه بعرض لجذب الانتباه إلى ما كان للأسف نوعا من التشتّت الذهني لشخص ربما كان يعاني بشدة من اضطراب ما بعد الصدمة.

ويضيف أنه بعد 20 عاما من تركيز ضيّق للغاية على نوع واحد من الإرهاب، وهو الإرهاب الجهادي، "أدركنا الآن أن الأمور أكثر تعقيدا".

يشير كلارك إلى مفهوم الذئب المنفرد، أي كيف يمكن لشخص ما، من دون مقدمات، أن يتحوّل في أي بقعة من العالم، إلى ذئب منفرد يتبربص بضحاياه الغافلين، ليفتك بهم وينشر الرعب.

الذئب المنفرد، بحسب وزارة العدل الأميركية، هو شخص ينفّذ بمفرده هجوما إرهابيا ضد مجتمع يكون هو جزءا منه، بدوافع سياسية أو دينية، ولغرض التأثير على الرأي العام، أو عملية صنع القرار السياسي. وقد يستلهم أفكاره من مجموعة أو شبكة معينة، ولكنه لا يكون خاضعا لقيادتها.

برنامج "الحرة تتحرى" يعود بملف الذئاب المنفردة إلى بدايات هذا النوع من الإرهاب، وكيف تنامى، ويعرض أبرز الهجمات، ودوافع منفذيها، والأيديولوجيات التي تبنوها، إضافة إلى شرح الكوامن النفسية التي تدفع شخصا ما عن سابق إصرار وترصّد، إلى قتل آخرين، يراهم غالبا للمرة الأولى، وهو يدرك أنه سيدفع حياته ثمنا لذلك.

بحسب أحمد سلطان، الباحث في الأمن الإقليمي والإرهاب، يصعب في الغالب الكشف أو التنبؤ بهجمات الإرهابي الوحيد أو الذئب المنفرد، لأنك لا يمكن أن تراقب المجتمع بالكامل، كما أن الذئب المنفرد لا تظهر عليه أي علامات سابقة على تنفيذه الهجوم. 

في المقابل، يرى رامون سباي، وهو عالم اجتماع متخصص بظاهرة الذئاب المنفردة في ملبورن، أستراليا، أنه بمرور الوقت، أصبح إرهاب الذئاب المنفردة يشكّل نسبة أكبر بكثير من إجمالي الهجمات الإرهابية، وأن سياق هذه الهجمات، ورغم أن منفذيها أفراد، غالبا ما تكون نسخة متطرفة، أو تعبيرا عن الصراعات المجتمعية الأوسع الجارية في ذلك الوقت.

أما وائل سلامة، طبيب نفسي عمل على حالات لإرهابيين في السجون اللبنانية، فيؤكد أن هذه الحالات هي بلا شك نوع من البحث عن هوية.

"بالنسبة له (الذئب المنفرد) حتى عندما يتم قتله يصل إلى الغاية المنشودة، فالغاية الأساسية من الجريمة، أن يثبت قدراته".

قد يكون مصطلح "الذئاب المنفردة" حديث العهد، لكن فعل الهجوم الأحادي، ظهر قبل قرنين من الزمان.

يعود تاريخ الهجمات الأحادية، بحسب رامون سباي مؤلف كتابين عن إرهاب الذئاب المنفردة، إلى القرن التاسع عشر، لما يُعرف بإرهاب "الأناركية"، وهي تستند إلى فلسفة سياسية، وكان لديها استراتيجية تسمى "المقاومة القانونية"، و"الدعاية بالفعل".

وتتضمن استراتيجيتها ارتكاب أعمال عنف جماعي بشكل متفرق، وليس كجزء من مجموعة منظمة، من خلال قيام أفراد بشن هجمات عنيفة على مسؤولين حكوميين، رؤساء دول، وعائلات ملكية.

يشتق مصطلح الأناركية من الكلمة اليونانية "أنارخيا"، التي تعني بدون حاكم.

اكتسف فلسفة الأناركية شهرة في القرن التاسع عشر، ودعت إلى مجتمع بلا حكومة، أو هياكل هرمية.

في حديث مع "الحرة"، يقول ستيف كيليليا، مؤسس ومدير معهد الاقتصاد والسلام، الذي ينشر تقارير سنوية عن مؤشرات الإرهاب في العالم، إن مفهوم الذئب المنفرد، بدأ بالظهور فعليا في الفترة بين عامي 1870 و1930، مع حركة الأناركية في أوروبا والولايات المتحدة.وقد تكون إحدى أبرز هجمات هذه الحركة اغتيال الرئيس الأميركي، وليام ماكينلي، عام 1901.

أُعدم قاتل الرئيس، الأناركي ليون تشولغوش، بالكرسي الكهربائي، لكن هجمات الحركة استمرت على مدى عقود. وفي نهاية السبعينيات، شغل إرهابي مجهول الهوية السلطات الأميركية لسبعة عشر عاما كاملا.

وفق تقرير مكتب التحقيقات الفيدرالي أرسل هذا الشخص، أو سلّم باليد، سلسلة من القنابل التي كانت تزداد تطوراً، وأسفرت عن مقتل ثلاثة أميركيين، وإصابة أكثر من عشرين آخرين. 

يخبر سباي فريق "الحرة تتحرى" أنه منذ التسعينيات، ومع صعود اليمين المتطرف، بدأت فعلياً استراتيجية الذئب المنفرد أو الفاعل المنفرد، واستُخدم المصطلح بشكل أكثر تحديدا وانتشارا بواسطة نشطاء اليمين خاصة المتطرفين منهم.

وظهر كثير من "الذئات المنفردة" يضيف سباي، في صفوف اليمين المتطرّف، وذلك نتيجة استراتيجية تسمى "المقاومة بلا قائد"، وهي طريقة لمنع اختراق أو تفكيك جماعة أو منظمة من قبل وكالات إنفاذ القانون، وهي أيضا وسيلة لحماية القيادة، من خلال جعل الأشخاص يتصرفون بشكل فردي، فإذا تم القبض عليهم، فلن يكون لديهم تفاصيل عن الشبكة أو المخطط الأكبر.

لا يقتصر وجود الإرهاب على طريقة الذئاب المنفردة على الولايات المتحدة، بل يمتد عبر الأطلنطي إلى القارة العجوز.

بحسب ستيف كيليليا مؤسس ومدير معهد الاقتصاد والسلام في أستراليا، فإن عددا من الدول التي لم تتعرض لهجمات في السنوات الخمس الأخيرة، شهد عام 2024 ثماني هجمات ذئاب منفردة في السويد. وفي كل من فنلندا وهولندا والدنمارك وقع هجومان، وتصاعدت الهجمات من هذا النوع في دول أخرى مثل النرويج.

أما ألمانيا، فمن أكثر الدول الغربية تعرضا للإرهاب، ومنها هجمات ذئاب منفردة. 

قبيل عيد الميلاد عام 2024، نفّذ طالب العبد المحسن، طبيب نفسي من أصول سعودية، عملية دهس في سوق مزدحم، في مدينة ماغديبورغ الألمانية، أدت إلى مقتل خمسة أشخاص، وإصابة مئات آخرين.

طبقا لتقارير متخصصة، 93 في المئة من الهجمات الإرهابية المميتة في الغرب خلال السنوات الخمس الماضية نفذت بواسطة "ذئاب منفردة". فما الذي يجذبهم إلى هذا الأسلوب دون سواه؟ 

يجيب أحمد سلطان، الباحث في الأمن الإقليمي والإرهاب، بأن الأسهل هي هجمات الذئاب المنفردة لأنها طبعا أصعب في الكشف والتوقع. ويعني أنها يمكن أن تحدث في أي وقت وأي مكان، "أما الهجمات المنسقة فتحتاج للموارد، وتأخذ وقتا طويلا في التجهيز والتخطيط والتنفيذ".

قد يبدو الفعل بعدائيته نابعا من قوة، إلا أن علم النفس له رأي آخر.

في الجزء الأكبر منه هو ناتج عن عقدة نقص "دائما ما تدفع بالشخص ليبالغ بردة الفعل"، ، يقول وائل سلامة، الطبيب النفسي، فمن ناحية المجرم أو الإرهابي فهو "يريد أن يضخم بجريمته لتضخيم ردة الفعل وبالتالي يغذي عقدة النقص الموجودة لديه".

يخبر رامون سباي "الحرة" أن ما لاحظه في كثير من حالات الذئاب المنفردة التي درسها هو أنه "بمرور الوقت يحدث تحوّل حقيقي في هويتهم"، فيرون ارتكاب العنف عملا ثوريا يمنحهم شعورا بالوجود والأهمية،  ... والإحساس القوي بالاستقامة الأخلاقية والتصرّف باسم الحق والخير"، رغم أن ما يقومون به هو فعل إجرامي ضحاياه في الغالب أناس أبرياء يُستهدفون بينما هم منشغلون بشؤونهم اليومية.