منذ طفولته، كان دونالد ترامب محاطا بالثراء والفرص التي وفرها له والده، فريد سي. ترامب. وعن نشأته وبناء إمبراطوريته المالية، هناك روايتان.
الرواية الأولى التي تتحدث عن ترامب بوصفه رجل أعمال شق طريقه من لا شيء ليصبح مليارديرا، إذ بدأ بقرض صغير بقيمة مليون دولار من والده فريد، وحوله بذكاء إلى إمبراطورية تبلغ قيمتها 10 مليارات دولار.
الرواية الثانية يقدمها تحقيق لصحيفة نيويورك تايمز الليبرالية، تتبع نشأة الرجل وتاريخ إمبراطوريته.
ويقول التحقيق، الذي فاز بجائزة بوليتزر المرموقة عن فئة التقارير التفسيرية، إن ترامب كان يكسب 200 ألف دولار سنويا (بالقيمة الحالية) عندما كان في الثالثة من عمره.
وعندما بلغ الثامنة، أصبح مليونيرا بالفعل. ثم، في سن الـ17، ورث حصة في مبنى سكني ضخم من والده.
وحين تخرج من الجامعة، كان يحصل على ما يعادل مليون دولار سنويا. ومع مرور السنين، زادت الأموال لتصل إلى أكثر من 5 ملايين دولار سنويا في عقده الرابع والخامس.
ووفق تحقيق الصحيفة، فإن السجلات المالية تظهر أن ترامب حصل على ما لا يقل عن 413 مليون دولار بالقيمة الحالية من إمبراطورية والده العقارية.
في المقابل، يحاجج منتقدون لتحقيق نيويورك تايمز بأن ترامب ضاعف ما ورثه عن والده سبعة أضعاف، وهو ما تغفله الصحيفة.
الأسرة والنشأة
ولد دونالد ترامب في 14 يونيو 1946، وهو الرابع من بين خمسة أبناء لوالدته، ماري آن ماكلويد ترامب، وزوجها، فريدريك كريست ترامب الأب.
نشأ دونالد في أسرة تعمل في مجال العقارات، حيث كان والده يمتلك ويدير شركة "إليزابيث ترامب آند صن"، التي سميت باسم والدة فريد ترامب، وكانت تعمل على تطوير عقارات مخصصة للطبقة المتوسطة البيضاء في مناطق مثل كوينز وبروكلين وستاتن آيلاند.
شارك دونالد وإخوته الذكور، فريد جونيور وروبرت، في أعمال العائلة منذ صغرهم، وعملوا في مواقع البناء والمكاتب. أما الشقيقتان، إليزابيث وماريان، فلم تشاركا في إدارة الشركة.
ومع مرور الزمن، انخرط دونالد وروبرت في إدارة أعمال والدهما، بينما اختار شقيقهما فريد جونيور مسارا مختلفا ليصبح طيارا تجاريا. إلا أن حياة فريد جونيور انتهت بشكل مأساوي بسبب إدمانه على الكحول، وهو ما أشار إليه دونالد عدة مرات كسبب لامتناعه عن شرب الكحول.
أما شقيقه روبرت فقد توفي عام 2020. ولم يكن بنفس شهرة دونالد الذي برز في عالم العقارات، ليصبح لاحقا شخصية محورية في الساحة السياسية الأميركية.
في محاولة لتعزيز الانضباط في شخصيته، قرر والدا دونالد إرساله في سن 13 عاما إلى أكاديمية نيويورك العسكرية. وتحدث ترامب لاحقا عن استمتاعه بالحياة العسكرية هناك.
بعد ذلك، التحق بجامعة فوردهام في نيويورك، لكنه سرعان ما انتقل إلى جامعة بنسلفانيا، حيث حصل على درجة البكالوريوس في الاقتصاد من كلية وارتون للتمويل والتجارة عام 1968.
رجل أعمال ناجح
بعد تخرجه في عام 1968، عاد دونالد ترامب إلى نيويورك لينضم إلى أعمال والده. خلال سبعينيات القرن الماضي، ساعد دونالد في توسيع نشاط العائلة بشراء عقارات خارج مدينة نيويورك في أماكن مثل فرجينيا وأوهايو ونيفادا وكاليفورنيا.
في عام 1976، حقق ترامب إنجازا كبيرا بقيادته مشروع تطوير فندق غراند حياة على أرض فندق كومودور التابع لشركة السكك الحديدية المركزية المفلسة آنذاك، وكان هذا المشروع نقلة نوعية في مسيرته المهنية.
في الثمانينيات، رسخ ترامب اسمه كأحد أبرز مطوري العقارات، ببناء مشاريع مثل "ترامب بلازا"، وهو مجمع سكني مكون من 36 طابقا، بالإضافة إلى "برج ترامب" في الجادة الخامسة، والذي يضم متاجر فاخرة ومسكنا متعدد الطوابق لترامب ومقرا لشركته في مدينة نيويورك.
لم يكتف ترامب بالعقارات، بل توسع أيضا في قطاع الكازينوهات، وبنى فندق وكازينو "ترامب بلازا" في أتلانتيك سيتي، نيوجيرسي، وقلعة ترامب. وفي عام 1990، افتتح كازينو "تاج محل" بتكلفة تقترب من مليار دولار، وأطلق عليه لقب "العجيبة الثامنة في العالم".
على طريق الإفلاس
ورغم النجاح الكبير الذي حققه دونالد ترامب، فإن مسيرته لم تخل من الأزمات المالية. في سن الثلاثينات، واجه ترامب تحديات مالية كبيرة نتيجة توسعاته الطموحة، التي كانت تتطلب قروضا ضخمة لتمويل مشاريعه الفندقية والكازينوهات.
في تلك الفترة، تدخل والده فريد ترامب، الذي كان قد تجاوز الثمانين من عمره، بشراء رقائق كازينو بقيمة تزيد على 3 ملايين دولار لمساعدة الكازينو في سداد الفائدة على ديونه. ولكن تم الحكم على هذه العملية لاحقا كقرض غير قانوني، وفرضت ولاية نيوجيرسي غرامة قدرها 65,000 دولار على ترامب.
على أثر هذه الأزمة، أعلنت شركتان من شركات ترامب إفلاسهما: فندق "ترامب تاج محل" في 1991، و"ترامب بلازا" عام 1992.
لكن رغم هذه العقبات، استخدم ترامب قوانين الإفلاس لإعادة هيكلة ديون شركاته بنجاح، واستمر في إدارة أعماله، قائلا في عام 2011: "لقد استخدمت قوانين هذا البلد لتقليص الديون".
النشر وصناعة الترفيه
إلى جانب عمله في العقارات، نشر ترامب عدة كتب، أشهرها "فن الصفقة" الذي صدر في عام 1987. كما دخل عالم ملاعب الغولف، واستثمر في العديد من المنتجات ذات العلامات التجارية، بدءا من شرائح اللحم إلى الفودكا والمياه المعبأة.
منذ عام 1996 حتى 2015، كان ترامب يمتلك مسابقات ملكة جمال الولايات المتحدة وملكة جمال مراهقات الولايات المتحدة وملكة جمال الكون.
لكن في عام 2015، تعرض ترامب لأزمة جديدة، فقد رفضت شركتا البث التلفزيوني يونيفيجن وأن بي سي عرض هذه المسابقات بعد تصريحاته المثيرة للجدل حول المهاجرين من أميركا اللاتينية خلال حملته الرئاسية.
وفي العام التالي، أعلن ترامب تسوية الدعاوى القضائية المتعلقة بهذا النزاع وباع حصته في المسابقات.
أبرز نجاحات ترامب في مجال الترفيه تمثلت في برنامج تلفزيون الواقع الشهير "The Apprentice"، الذي عرض على قناة أن بي سي من عام 2004 إلى عام 2015.
ولعب ترامب دورا محوريا في البرنامج، إذ كان يقيم أداء المتسابقين ويقرر مصيرهم، مغلقا كل حلقة بجملته الشهيرة "أنت مطرود".
هذا البرنامج عزز من شعبية ترامب وأسهم في بناء سمعته كقائد قوي، مما مهد الطريق لترشحه في الانتخابات الرئاسية الأميركية عام 2015.
الرئاسة
في عام 2016، فاجأ دونالد ترامب الجميع بفوزه في الانتخابات الرئاسية ليصبح الرئيس الخامس والأربعين للولايات المتحدة خلافا لجميع الاستطلاعات التي توقعت في حينها فوز المرشحة الديموقراطية هيلاري كلينتون بأريحية في السباق نحو البيت الأبيض.
واليوم يعيد الملياردير ورجل الأعمال البارز البالغ من العمر 78 عاما، المحاولة من جديد أمام مرشحة أخرى هي نائبة الرئيس، كمالا هاريس، التي نالت موافقة الحزب الديموقراطي للترشح للرئاسة بعد انسحاب الرئيس الحالي، جو بايدن، من السباق.
لم يكن ترامب يحظى بشعبية كبيرة حتى داخل حزبه قبيل انتخابات 2016، إلا أنه نجح في إعادة الأمور إلى نصابها بعد سلسلة فضائح أثارتها مسائل تجنب دفع الضرائب وادعاءات التحرش الجنسي بالإضافة إلى التعليقات التي تحط من قدر النساء والمسلمين والمكسيكيين.
في تلك الفترة لم يكن ترامب يملك كثيرا من الخبرة السياسية، إذ كان حتى العام 2015، وكان معروفا في مجالات العقارات وصناعة الترفيه.
لكن قطب العقارات بات اليوم أكثر قوة من الناحية السياسية على الأقل داخل الحزب الجمهوري، وربما أبعد من ذلك في حال نجح في العودة للبيت الأبيض.
ولاتزال قاعدة ترامب قوة انتخابية ذات ثقل، بعد أن نجح في نيل أصوات نحو 74 مليون ناخب في الانتخابات الماضية، أي أكثر من أي جمهوري آخر في التاريخ.
لطالما ندد ترامب خلال حملاته الانتخابية بفساد الطبقة السياسية ولعب على وتر القلق الأمني واعدا بإعادة العظمة إلى أميركا، وكانت له تصريحات خارجة عن المألوف وبشكل خاص في ملفي الاقتصاد والهجرة.
إنجازات الرئاسة
حققت إدارة سلسلة إنجازات تركت بصمة قوية على الولايات المتحدة في مختلف المجالات. من أبرزها إعادة إحياء الاقتصاد الأميركي، حيث شهدت البلاد نموا اقتصاديا غير مسبوق مع انخفاض معدلات البطالة إلى أدنى مستوياتها في نصف قرن.
وشملت سياسات ترامب الاقتصادية تخفيضات ضريبية وإزالة القيود التنظيمية، مما أدى إلى خلق فرص عمل جديدة وزيادة الأجور.
وفي مجال الطاقة، ركزت إدارة ترامب على تحقيق استقلالية الولايات المتحدة في الطاقة. من خلال تقليل القيود التنظيمية وتشجيع إنتاج النفط والغاز الطبيعي.
وعلى الصعيد الدولي، أعادت إدارة ترامب التفاوض بشأن العديد من الاتفاقيات التجارية الهامة، منها اتفاقية الولايات المتحدة والمكسيك وكندا (USMCA) التي حلت محل اتفاقية نافتا. كما فرضت الإدارة تعريفات جمركية على الصين لمواجهة ما اعتبرته ممارسات تجارية غير عادلة.
وفي عهده وتحت رعايته، توصلت إسرائيل لاتفاقات إبراهيم لتطبيع العلاقات مع عدد من الدول العربية منها الإمارات والبحرين والمغرب.
وفي المجال القضائي، ترك ترامب بصمته من خلال تعيين أكثر من 200 قاضٍ فيدرالي، بما في ذلك ثلاثة قضاة في المحكمة العليا.
كما حققت إدارة ترامب إصلاحات هامة في نظام العدالة الجنائية من خلال قانون "First Step Act" الذي يهدف إلى تقليل معدلات العودة للجريمة ومعالجة التفاوتات في الأحكام، وخاصة في الجرائم غير العنيفة.
فيما يتعلق بالهجرة وأمن الحدود، ركزت إدارة ترامب على تعزيز الأمن على الحدود الأميركية المكسيكية، حيث تم بناء مئات الأميال من الجدار الحدودي. كما طبقت الإدارة سياسة "البقاء في المكسيك" التي تطلب من طالبي اللجوء البقاء في المكسيك أثناء معالجة قضاياهم في المحاكم الأميركية.
شخصية جدلية
يقول خصوم ترامب إن العرق يمثل المحور الرئيسي لحالة لاستقطاب القوية التي يعاني منها المجتمع الأميركي في الفترة الحالية، نتيجة توجهات الرئيس السابق.
ففي أوائل فترته الرئاسية قاوم ترامب في بادئ الأمر التنديد بالقوميين البيض بعد تجمع للبيض أعقبته اشتباكات دامية في تشارلوتسفيل بولاية فرجينيا عام 2017، مما أذكى تكهنات بأنه يتعاطف مع قضيتهم.
وغالبا ما كان خطابه الشعبوي المفعم بالعبارات الرنانة يؤدي إلى تفاقم الأزمات العرقية التي نجمت عن مقتل مواطنين سود على أيدي الشرطة، لكن ترامب نفى ترامب مرارا أي نوازع عنصرية.
وعندما سار آلاف من أنصاره الغاضبين، وهم في غالبيتهم العظمى من البيض، صوب مبنى الكونغرس (الكابيتول) في السادس من يناير 2021 كانوا مدفوعين بمزاعم كاذبة رددها ترامب عن سلب الانتخابات.
وتسببت أحداث الشغب التي أعقبت اقتحام الكونغرس في مقتل ضابط شرطة وأربعة أشخاص غيره وإصابة عشرات آخرين، وأحدثت هزة عنيفة في وجدان الشعب الأميركي.
في المقابل، يجادل أنصار ترامب بأنه جاء ليصحح ما فعلته الإدارات السابقة من الحزبين، والتي أهملت الفقراء والطبقة العاملة والمناطق الريفية التي عانت كثيرا طوال العقود الماضية.
ويرى مراقبون أن قوة ترامب السياسية تنبع في جانب منها من قدرته على تصوير نفسه على أنه بطل شعبي، مستغلا سخطا تبلور على مدى سنوات في نفوس الريفيين البيض وأبناء الطبقة العاملة بعد أن أصبحت الولايات المتحدة مجتمعا أكثر تعددية عرقية واستشعرت مناطقهم ألم العولمة.
كما انضوى تحت راية ترامب بعض جماعات اليمين المتطرف. وكان من بين مثيري الشغب الذين تجمعوا عند مبنى الكابيتول عناصر أكثر تطرفا في قاعدته الشعبية مثل أعضاء حركة (كيو آنون) التي تعتنق نظرية مؤامرة تزعم أن ترامب يحارب زمرة من الديمقراطيين من عبدة الشيطان المتحرشين بالأطفال وآكلي لحوم البشر.
نفى ترامب في حينها أي تآلف مع مثل هذه الجماعات أو الترحيب بأعضائها بين أناسه. وفي عام 2019 قال "أنا أقل شخص عنصري يمكن أن تجده في أي مكان في العالم".
أول رئيس مدان
في مايو الماضي أصبح ترامب أول رئيس في تاريخ الولايات المتحدة يدان بتهم جنائية، على الرغم من أن الخطوة لم تؤثر على مساعيه للعودة للبيت الأبيض.
دين ترامب في نيويورك في مايو بـ 34 تهمة تتعلق بتزوير سجلات تجارية للتستر على دفع أموال لشراء صمت ممثلة الأفلام الإباحية ستورمي دانييلز التي قالت إنها أقامت علاقة جنسية معه.
ولجأ محامو ترامب على الفور إلى قرار المحكمة العليا لمطالبة القاضي الذي ترأس قضية نيويورك بإلغاء حكم الإدانة الصادر عن هيئة المحلفين.
وكان من المقرر أن يصدر الحكم في قضية دانييلز، وهي أول إدانة جنائية لرئيس أميركي سابق، في 11 يوليو، لكن القاضي خوان ميرشان أرجأه، إذا كان ذلك لا يزال ضروريا، حتى 18 سبتمبر.
في قضية فلوريدا يواجه ترامب 31 تهمة تتعلق بـ"الاحتفاظ المتعمد بمعلومات خاصة بالدفاع الوطني"، ويعاقب كل منها بالسجن لمدة تصل إلى 10 سنوات.
كما يواجه اتهامات بالتآمر لعرقلة العدالة والإدلاء بأقوال كاذبة.
ويٌتهم ترامب بالاحتفاظ بوثائق سرية، تضمنت ملفات من البنتاغون ووكالة الاستخبارات المركزية (سي آي أيه)، بشكل غير آمن في مقره في مارالاغو، وعرقلة جهود استعادتها.
وأرجأت القاضية كانون المعينة من ترامب، قضية الوثائق السرية إلى أجل غير مسمى وواجهت انتقادات من بعض الخبراء القانونيين بسبب أحكام اعتبرت متعاطفة بشكل كبير مع الرئيس السابق.
ويواجه ترامب في واشنطن وجورجيا اتهامات بالتآمر لقلب نتيجة انتخابات 2020. لكن هاتين القضيتين تعقدتا بسبب حكم حصانة صادر من المحكمة العليا ومن غير المرجح على ما يبدو أن تنعقد محاكمة قبل الانتخابات الرئاسية في نوفمبر.