رايان ويسلي روث المتهم بمحاولة اغتيال دونالد ترامب بعد اعتقاله في مقاطعة مارتن بولاية فلوريدا في 15 سبتمبر.
رايان ويسلي روث المتهم بمحاولة اغتيال دونالد ترامب بعد اعتقاله في مقاطعة مارتن بولاية فلوريدا في 15 سبتمبر.

في يوم حافل بالتوتر والترقب، شهدت المحكمة الفيدرالية في ويست بالم بيتش، بولاية فلوريدا الأميركية، قضية هزت الرأي العام الأميركي. ريان ويسلي روث، الرجل الذي لم يكن اسمه معروفا، تداولت صوره وسائل متهما رئيسيا في محاولة اغتيال الرئيس السابق، المرشح الرئاسي الجمهوري، دونالد ترامب.

لحظة غيرت كل شيء

في ساعات الفجر الأولى من يوم الأحد، كان روث يراقب بحذر ملعب الغولف الخاص بترامب. كان مختبئا هناك، في صمت مطبق، مدة 12 ساعة، محاولا التواري خلف الأشجار الكثيفة.

لكن لحظة واحدة غيرت كل شيء، عندما لمح أحد عملاء الخدمة السرية فوهة بندقية بارزة من بين الأشجار. انقلب المكان الهادئ فورا رأسا على عقب. أطلق العميل أربع طلقات، محاولا درء الخطر المحدق. وبدأ الاضطراب والاستنفار يعم المكان.

وبينما كانت الشرطة تتعقب خيوط هذه المحاولة الفاشلة، تكشفت تفاصيل صادمة. روث (58 عاما)، الذي كان له سجل إجرامي طويل، وماض من الاتهامات المتعلقة بجرائم الأسلحة، لم يكن مجرد مجرم عادي، بل كان يخطط منذ فترة لهذه اللحظة، وقد أحبطت محاولته قبل أن تتحول إلى كارثة.

المطاردة التي تلت ذلك كانت مشهدا دراميا بحد ذاته. فبعد أن فر روث تاركا وراءه بندقيته الهجومية وحقيبتي ظهر، بدأت السلطات في ملاحقته على طول الطريق السريع I-95.

لم يكن أمامه مجال للهروب؛ تمكنت السلطات من توقيفه بعد مطاردة امتدت عبر مقاطعات ويست بالم بيتش. وأُلقي القبض عليه في نهاية المطاف.

روث، الذي عرف عنه دعمه العلني لأوكرانيا في صراعها مع روسيا، قضى وقتا في كييف، حيث انضم إلى المتطوعين الأجانب لدعم الجهود الأوكرانية ضد الغزو الروسي.

لم يكن روث شخصا عاديا، بل عبر في لقاءات صحفية سابقة عن استعداده للموت في سبيل قضية يؤمن بها، وربما كانت هذه اللحظة في بالم بيتش هي نقطة النهاية التي كان يتوقعها لنفسه.

في المحكمة

وقف روث أمام القاضي ليواجه تهما متعددة. رغم كل ما حدث، كان هادئا، مجيبا بصوت خافت على أسئلة القاضي.

أما ترامب، فقد بدا واثقا وهو يشكر أجهزة الأمن التي أنقذته من محاولة اغتيال ثانية في غضون شهرين.

ووسط هذه الأجواء المشحونة، لم تفوت السياسة الفرصة، فقد حمل ترامب منافسته الديمقراطية، كمالا هاريس، والرئيس الأميركي، جو بايدن، مسؤولية ما جرى، مشيرا إلى أن "خطابهما التحريضي" ضده كان السبب وراء تلك المحاولة الفاشلة.

واستنكر بايدن وهاريس الحادث وأكدا أنهما طالما نددا بالعنف السياسي وأنه "لا مكان له في أميركا". 

التخطيط المسبق

أظهرت سجلات هاتف روث المحمول أنه كان بالقرب من محيط ملعب الغولف الخاص بترامب من حوالي الساعة الثانية صباحا حتى 1:31 مساء، بحسب ما نقلت صحيفة "وول ستريت جورنال" عن وثيقة دعوى جنائية رفعت ضد روث.

وتشير التفاصيل، التي تم الكشف عنها في وثيقة المحكمة التي تتهم روث بارتكاب جرائم سلاح فيدرالية، إلى مستوى ما من التخطيط المسبق من جانب المشتبه فيه، الذي كان لديه تاريخ طويل من الإدانات الجنائية، بما في ذلك حيازة سلاح "الموت الجماعي والدمار"، والذي كان من شأنه أن يمنعه من امتلاك سلاح.

والاثنين، وبالإضافة إلى اتهامه بحيازة سلاح ناري رغم كونه مجرما، فقد اتُهم أيضا بحيازة سلاح ناري برقم تسلسلي غير واضح، الأمر الذي جعل من الصعب على سلطات إنفاذ القانون تحديد كيفية حصوله على السلاح.

وقال مسؤول مطلع على التحقيق إن المحققين يحاولون استعادة الرقم التسلسلي حتى يتمكنوا من تعقبه، بحسب الصحيفة.

وحددت جلسة الاحتجاز في 23 سبتمبر، كما حددت جلسة توجيه الاتهام في الـ 30 من الشهر ذاته.

ومن المتوقع أن توجه إلى روث تهم أخرى خلال جلسة استماع إضافية تعقد في وقت لاحق. وبدا في الجلسة الأولى المقتضبة، هادئا وأجاب بـ"نعم" بنبرة خافتة، على أسئلة عدة وجّهها إليه القاضي، رايون ماكيب، من المقاطعة الجنوبية في ولاية فلوريدا الأميركية، بحسب وكالة "فرانس برس".

 

لحظة المواجهة

ونجا ترامب مما بدا أنها محاولة اغتيال ثانية أحبطها مكتب التحقيقات الاتحادي الأحد قرب ملعبه للغولف في ويست بالم بيتش بولاية فلوريدا.

وقال ريك برادشو، قائد شرطة مقاطعة بالم بيتش في مؤتمر صحفي، إنه وبعد رصد ماسورة البندقية على مسافة تتراوح بين 375 و457 مترا عن مكان ترامب أثناء تطهير المكان من التهديدات المحتملة قبل مباراته، اشتبك العملاء مع المسلح وأطلقوا ما لا يقل عن أربع خزائن من الذخيرة في حوالي الساعة 1:30 ظهرا بالتوقيت المحلي.

على الفور ألقى المسلح بندقيته الهجومية من طراز إيه.كيه-47 (كلاشنيكوف) وحقيبتي ظهر وأشياء أخرى وفر في سيارة نيسان سوداء. وقال قائد الشرطة إن أحد الشهود رأى المسلح ونجح في التقاط صور لسيارته ولوحة القيادة.

وتابع برادشو "فعل جهاز الخدمة السرية بالضبط ما كان ينبغي القيام به".

فبعد فرار المشتبه به، أرسل مسؤولو إنفاذ القانون إنذارا للأجهزة في أنحاء الولاية مع بيانات السيارة، وهو ما أدى لنجاح مساعدي قائد الشرطة في مقاطعة مارتن المجاورة في توقيف المشتبه به والقبض عليه على الطريق آي-95.

من هو روث؟

أوردت شبكتا "سي أن أن" و"سي بي أس" أن روث كان يعمل لحسابه الخاص في بناء مساكن ميسورة الكلفة في هاواي، ولديه سجل إجرامي طويل وهو ينشر بانتظام مقالات عن السياسة والأحداث الجارية، وينتقد أحيانا ترامب.

روث يتحدث خلال مقابلة معه أثناء مظاهرة مؤيدة لأوكرانيا في 27 أبريل 2022

وهناك ثلاثة حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي باسم روث، لكن لم يتسن لرويترز تأكيدها، بحسب قول الوكالة، وامتنعت أجهزة إنفاذ القانون عن التعقيب، لكن إمكانية الوصول إلى الحساب المذكور على فيسبوك وأكس ألغيت بعد ساعات من إطلاق النار.

وتشير الحسابات الثلاثة التي تحمل اسم روث إلى أن صاحب الحسابات مؤيد قوي لأوكرانيا في حربها ضد روسيا. وفي عدد من المنشورات، بدا أنه يحاول المساعدة في تجنيد أشخاص لجهود الحرب في أوكرانيا.

وكان روث واحدا من بين مجموعة متطوعين أوروبيين وأميركيين وصلوا العاصمة الأوكرانية كييف، للمساعدة كل بطريقته، والتعبير عن تضامنهم مع الأوكرانيين بعد أكثر من شهر بقليل على بدء الغزو الروسي لبلادهم.

وبحسب مقابلة أجرتها معه صحيفة "الغارديان" البريطانية في أبريل 2022، قال روث إنه "سيتقدم بطلب للانضمام إلى "اللواء الدولي الأوكراني للمقاتلين الأجانب"، موضحاً أنه اشترى خوذة وسترة واقية ضد الرصاص لكنه بلا خبرة عسكرية.

وفي إجابته عن سؤال الصحيفة ما إذا كان مستعدا للقتل، أكد روث "سأفعل ذلك طيلة اليوم"، مستدركا "لكن قتلي لشخصين أو ثلاثة لن يغير مسار الحرب، إنما وجود الآلاف سيقوم بذلك".

واستغرقت رحلة روث من هاواي إلى أوكرانيا أربعة أيام. وقد قال لـ"الغارديان" إنه اشترى تذكرة ذهاب فقط من دون عودة، قائلا: "سأموت هنا" في إشارة إلى أوكرانيا.

وتابعت "الغارديان" أن المسؤولين الأوكرانيين "تبرأوا من ويسلي إلى حد كبير". وقال أحدهم لشبكة "سي أن أن" الأميركية، إنه "اتصل بالقوات المسلحة الأوكرانية وكان يحمل أفكارا وهمية"، نافية تعاونها معه.

وقالت نيويورك تايمز إنها أجرت مقابلة مع روث عام 2023، قال فيها إنه سافر إلى أوكرانيا في عام 2022 للمساعدة في المجهود الحربي لمواجهة الغزو الروسي، وأشار إلى أنه زار العاصمة الأميركية واشنطن مرة واحدة فقط، للقاء سياسيين لتعزيز الدعم لأوكرانيا.

وتأتي واقعة بالم بيتش، بعد نحو شهرين من تعرض ترامب لمحاولة اغتيال بالرصاص خلال تجمع انتخابي في ولاية بنسلفانيا، إدت إلى إصابته بجرح طفيف في أذنه اليمنى، وقتل أحد الحضور. وقتلت الخدمة السرية مطلق النار بالرصاص، وهو شاب في العشرين من عمره يدعى، توماس كروس.

محاولة اغتيال ترامب الأولى كانت في يوليو 2024

وكان هذا أول إطلاق نار على رئيس أميركي أو مرشح رئاسي من حزب رئيسي منذ أكثر من أربعة عقود، ويمثل ثغرة أمنية صارخة أجبرت، كيمبرلي شيتل، على الاستقالة من منصب مديرة جهاز الخدمة السرية تحت ضغط من أعضاء الكونغرس من الحزبين.

وتسلط الواقعتان الضوء على صعوبات تأمين المرشحين الرئاسيين في حملة انتخابية تحتدم فيها المنافسة ويتزايد فيها الاستقطاب قبل نحو سبعة أسابيع من التصويت الذي يجرى في الخامس من نوفمبر.

وقال ترامب على منصات للتواصل الاجتماعي في وقت متأخر من مساء الأحد "أود أن أشكر الجميع على اهتمامهم وكل من تمنوا لي السلامة. كان بكل تأكيد يوما مثيرا!"، وشكر جهاز الخدمة السرية والشرطة على حمايته.

 

ترامب آمن بعد "محاولة اغتيال على ما يبدو"
"لا مكان للعنف السياسي في أميركا".. ردود فعل واسعة بعد محاولة اغتيال ترامب الجديدة
توالت ردود الفعل بشأن إطلاق نار قرب المرشح الجمهوري لانتخابات الرئاسة، الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب الأحد، بعدما رجح مكتب التحقيقات الفدرالي إنها محاولة اغتيال ثانية على ما يبدو لترامب أثناء وجوده في ملعب الغولف الخاص به في ويست بالم بيتش في ولاية فلوريدا.

الجامعات الأميركية

قبل عقود، كانت جامعة ميشيغان، شأن العديد من الجامعات الأميركية المرموقة، توفر تعليما عالي الجودة لشريحة طلابية معظمها من المولودين في الولايات المتحدة. قلّة فقط كانوا يأتون من أماكن بعيدة للعيش في بلدة آن آربر الجامعية—فمعظم الزوّار كانوا يقودون سياراتهم من المناطق القريبة لحضور مباريات كرة القدم الجامعية. وحتى أولئك الذين جاؤوا من أماكن أبعد، كانوا غالبا طلابا أميركيين من ولايات أخرى.

اليوم، أصبحت هذه البلدة الجامعية، التي كانت يوما ما ريفية، كأنها حاضنة اجتماع للأمم المتحدة. فالتجول في الحرم الجامعي يكشف أن قسماً كبيراً من الطلاب لم يأتوا من مناطق مجاورة، بل من بلدان تقع على الجانب الآخر من الكرة الأرضية. وأثناء تجوالك، يمكنك سماع لغات متعددة، من الصينية، والإسبانية، والكورية، والعربية، وبالطبع الإنكليزية، التي غالبا ما تُنطق بلكنة تشي بأن المتحدثين لم يولدوا في أميركا.

هذا هو الوجه الجديد للأكاديمية الأميركية—عقول شابة طموحة وعلماء مخضرمون من جميع أنحاء العالم، يوحدهم شغف مشترك بالبحث العلمي.

مع ذلك، يخشى البعض، اليوم، من أن الغموض وعدم اليقين باتا يلقيان ظلالا على مستقبل الطلاب الدوليين والبحث العلمي عموما. ومع ورود تقارير عن "قمع" لاحتجاجات في الحرم الجامعي، وخفض للمنح الخاصة بالمعاهد البحثية، والتغيرات في سياسات الهجرة، يبرز سؤال ملح: هل ستظل أميركا رائدة في مجال التعليم العالي على المستوى العالمي؟

لكن هناك من يعتقد أن لا ضرورة للمبالغة في التشاؤم. 

يقول الاقتصادي، دون غرايمز، في حديث مع قناة "الحرة" إن "الحكايات عن أفراد من الطلاب يواجهون صعوبات هي حقيقية، لكنها تمثل جزءاً ضئيلاً جداً من بين أكثر من مليون طالب أجنبي في البلاد. كثيرا ما لا تتطابق التصورات مع الواقع الأوسع".


خلفية

قبل تصاعد الجدل الحالي بشأن الجامعات، كانت المؤسسات الأميركية التعليمية تعاني بالفعل—ليس بسبب تغيّرات سياسية أو اقتصادية بشكل رئيسي، بل بسبب العامل الديموغرافي، حيث انخفض عدد السكان في سنّ الدراسة الجامعية في الولايات المتحدة.

ومنذ عودة دونالد ترامب إلى السلطة، أصبحت الجامعات في دائرة الضوء: من النقاشات حول مبادرات التنوع والعدالة والشمول (DEI)، واتهامات لأعضاء هيئة التدريس بالتحيز "الليبرالي"، إلى ادعاءات بمعاداة السامية بين المتظاهرين من الطلاب.

في المقابل، اتخذ ترامب خطوات للضغط على المؤسسات التي يعتبرها نخبوية—وخاصة جامعات الـ Ivy League—من خلال التهديد بقطع ما مجموعه 5.2 مليار دولار من التمويل الفيدرالي. وفي الوقت ذاته، واجهت وكالات رئيسية مرتبطة بالبحث العلمي، مثل المؤسسة الوطنية للعلوم (NSF) والمعاهد الوطنية للصحة (NIH) ووزارة الصحة والخدمات الإنسانية، تخفيضات في الميزانية تحت إشراف وزارة كفاءة الحكومة (DOGE)، مع اقتطاعات قد تؤثر حتى على الدرجات العلمية المصنفة "آمنة" مثل تخصصات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات (STEM).

وبالإضافة إلى هذه التوترات، تم إلغاء منح التأشيرات لبعض الطلاب الدوليين، ووجّه بعض المسؤولين في الجامعات طلابهم بعدم السفر خارج الولايات المتحدة خلال عطلة الصيف.


في المقابل، تؤكد إدارة ترامب أن إجراءات إلغاء التأشيرات تستهدف الدوليين الذين "ينتهكون قوانيننا" والطلاب الدوليين الذين "يسيئون استخدام ضيافتنا".

ويشير مراقبون إلى أن هذه الإجراءات جاءت إلى حدّ كبير كردّ فعل على مشاركة العديد من الطلاب الدوليين في احتجاجات عنيفة مؤيدة للفلسطينيينو وانتماءاتهم المزعومة لجماعات متطرفة.

وبينما تراجعت إدارة ترامب عن إلغاء العديد من تأشيرات الطلاب، أثارت حالة عدم اليقين هذه قلقاً في الأوساط الجامعية من احتمال انخفاض أعداد الطلاب الدوليين. 

وأظهر استطلاع أجرته منظمة IDP Education، المتخصصة في توجيه الطلاب الدوليين، أن عددا ضئيلا فقط من الطلاب الدوليين ما زالوا يحتفظون برؤية إيجابية تجاه الولايات المتحدة.

"كنت أتمنى لو أستطيع أن أكون أكثر تفاؤلاً بشأن المستقبل،" قال ويليام بروستين، نائب الرئيس السابق للاستراتيجية العالمية والشؤون الدولية في جامعة وست فرجينيا، "الحقيقة هي، يبدو أن هناك مزيدا من الغيوم الداكنة في الأفق أمام الطلاب الدوليين".


ما مدى أهمية الطلاب الدوليين لقطاع التعليم الأميركي؟

يلعب الطلاب الدوليون دوراً رئيسياً في دعم قطاع التعليم العالي الأميركي. ففي عام 2023، استقبلت الولايات المتحدة 1.1 مليون طالب الدوليين، وهو ما يمثل نحو سدس جميع الطلاب الدوليين حول العالم. بالمقابل، في عام 2024، التحق 19.1 مليون طالب أميركي بجامعات محلية، في حين اختار 280,716 طالباً فقط الدراسة في الخارج ـ أي ما يعادل 1% فقط من مجموع الطلاب الأميركيين.

"عادة ما يدفع الطلاب الدوليون أعلى معدلات الرسوم الدراسية ولا يتلقون مساعدات مالية من الولاية أو الحكومة الفيدرالية، ما يجعلهم جذابين من الناحية المالية للجامعات،" قال دونالد غرايمز، "كما يساهمون بشكل كبير في الاقتصادات المحلية، لا سيما في البلدات الجامعية التي تميل إلى أن تكون أكثر ازدهارا بسبب ارتفاع نسبة الخريجين فيها".

ويضيف: "في آن آربر، يشكل الطلاب الدوليون نحو 20% من إجمالي المسجلين. إنهم عنصر حيوي في مجتمعنا الأكاديمي".

وبعد التخرج، يبقى العديد من الطلاب الدوليين في الولايات المتحدة للعمل في مجالات متخصصة تستفيد من مهاراتهم. ووفقا لغرايمز  "توفر الجامعات ما نسميه ‘وظائف جيدة’، ذات رواتب مجزية، ومزايا، وتساهم في إنشاء صناعات فرعية. سواء كانت شركات ناشئة في مجال التكنولوجيا الحيوية أو مقاهٍ محلية تعتمد على حركة الطلاب، فإن الجامعة تُعد محركا اقتصاديا".

وحذّر من أن تخفيض تمويل المؤسسات البحثية لن يضر المختبرات الأكاديمية فحسب. "الأمر لا يقتصر على العلماء. سترى التأثير في التصنيع، والخدمات، وحتى في قطاع العقارات. فقدان جامعة يشبه فقدان مصنع في القرن العشرين—إنه يضرب الاقتصاد المحلي في الصميم".

علاوة على ذلك، فإن الاستثمار في الطلاب الدوليين يعود بفوائد كبيرة أخرى، وفقا لغرايمز. 

"أولا، يدفع الطلاب الدوليون عادة رسوم الدراسة بالكامل، ما يسهم في تحمل تكلفة تعليم الطلاب المحليين. وثانيا، لأن اطلاب الدوليين تلقوا تعليمهم الأساسي خارج أميركا، فإن ذلك يعني أن تكلفة تعليمهم حتى هذه المرحلة قد تحملها نظام تعليمي في بلد آخر".

هذه الفرصة الاقتصادية أصبحت مربحة جدا لدرجة أن مؤسسات مثل جامعة إلينوي في أوربانا-شامبين حصلت على بوليصة تأمين تغطي خسارة محتملة تصل إلى 60 مليون دولار من إيرادات الرسوم الدراسية، في حال حصول انخفاض كبير في عدد الطلاب الصينيين.


هل القلق مبرر؟

يحذر محللون من احتمال انهيار نظام التعليم العالي الأميركي، وحصول نزيف أدمغة وشيك، بينما يعتقد آخرون أن العائلات حول العالم ما زالت حريصة على إرسال أبنائها إلى الولايات المتحدة للدراسة في جامعاتها.

وأطلقت دول مثل فرنسا، وبلجيكا، وهولندا مبادرات تهدف إلى جذب الباحثين الأميركيين. وقال يان دانكيرت، وهو بروفيسور في جامعة (Vrije Universiteit Brussel) عزمه اجتذاب المواهب الأميركية للعمل في جامعة بروكسل.

في الوقت ذاته، لاحظ خبراء جامعات في الولايات المتحدة توجها بين العائلات القلقة نحو إرسال أبنائها للدراسة في الخارج.

وقال حفيظ لكهاني، مؤسس ورئيس شركة Lakhani Coaching في نيويورك إن "هناك الكثير من عدم اليقين، وعدم اليقين لا يناسب التخطيط طويل المدى".

بالإضافة إلى ذلك، ورغم أن الولايات المتحدة لا تزال الوجهة الأكثر تفضيلا في العالم للطلاب الدوليين، بدأت دول أخرى  تقترب من منافستها في هذا المجال. فمنذ سنوات، أصبحت كندا، والمملكة المتحدة، وأستراليا، وألمانيا وجهات جاذبة للطلاب الدوليين.

على سبيل المثال، في 2010، استقبلت الولايات المتحدة 723,277 طالباً دولياً مقارنة بـ 225,260 في كندا. أما في 2023، فقد استقبلت الولايات المتحدة 1.1 مليون طالب، مقابل مليون طالب في كندا.

ومع ذلك، يرى كريستوفر ريم، الرئيس التنفيذي لشركة Command Education للاستشارات الجامعية، أن هناك، لا تزال، مساحة واسعة للتفاؤل.

"رغم التغيرات العالمية، لا تزال العائلات المتعلمة والثرية حريصة على إرسال أبنائها إلى الولايات المتحدة للحصول على تعليم جامعي. لا يزالون يرون أن أميركا موطن لأفضل الجامعات في العالم".