"عندما استيقظتُ على الأخبار ورأيت ما يحدث، علمت أن حياتي لن تكون كما كانت"، تصف الطالبة الأميركية دانييلا كولومبي ذات العشرين عاما في حديثها مع موقع "الحرة" يوم السابع من أكتوبر وبدء الحرب في غزة.
تقول إن السابع من أكتوبر كان نقطة تحول في حياتها وحياة الكثيرين من أبناء جيلها.
ورغم أنها كانت حديثة العهد بالجامعة، إلا أن دانييلا سرعان ما أصبحت من بين القيادات البارزة في حركة "طلاب من أجل العدالة في فلسطين (SJP)"، وهي منظمة ناشطة للطلاب الجامعيين المؤيدين للفلسطينيين في الولايات المتحدة.
تُعد الحركة أحد أبرز الأوجه التي تمثل الحراك الطلابي المناهض للسياسات الإسرائيلية داخل الحرم الجامعي، والذي ازداد زخمه بشكل ملحوظ خلال العام الدراسي الأخير.
لكن الطالبة التي كانت تشارك في مظاهرة مؤيدة للفلسطينيين في العاصمة الأميركية واشنطن خارج جامعتها منذ أيام قليلة وتستعد مع آخرين لتنظيم أخرى في ذكرى مرور عام على بدء الحرب، تقول إن ما أصبحت عليه من مناضلة من أجل حقوق الفلسطينيين وهي غير مسلمة، كان أمرا يمكن التنبؤ به منذ أن كانت طفلة.
ولدت دانييلا في الولايات المتحدة، لكنها نشأت في بيت لعائلة إيطالية، حيث كان الحديث عن فلسطين حاضرًا. تقول: "لقد تأثرت بشكل كبير بحكايات عائلتي عن الظلم الذي تعرض له الشعب الفلسطيني. جدي وجدتي كانا يشاركان في المظاهرات عندما يحدث هجوم على الأراضي الفلسطينية، وأبي كان من القيادات الطلابية أيضا وكان يساند حقوق الفلسطينيين".
آدم، قائد طلابي آخر من أصول سورية في جامعة ميريلاند، يعبر في حديثه مع موقع "الحرة" عن شعوره تجاه التحديات التي تواجهها الحركة الطلابية. ورغم أنه وُلِد في الولايات المتحدة ولا يتحدث اللغة العربية، إلا أن ارتباطه بالقضية الفلسطينية ينبع من إحساسه بالعدالة، بحسب قوله.
بدأ آدم، الذي رفض ذكر اسمه كاملا خوفا من استهدافه، ورفاقه في تنظيم المظاهرات في جامعتهم بعد وقوع عدد كبير من الضحايا في غزة، وبعد أن ألهمتهم وشجعتهم المظاهرات الحاشدة للطلاب في جامعة كولومبيا المرموقة في نيويورك.
حراك وسط الشباب
كانت جامعة كولومبيا التي تعد من بين أعرق الجامعات الأميركية من أولى المؤسسات التعليمية التي خرجت فيها مظاهرات تضامن مع غزة، لتتسع رقعة الاحتجاجات في أنحاء الولايات المتحدة مع توقيف الشرطة أكثر من ألفي شخص على مستوى البلاد.
وقال آدم: "هذا أجبرنا نحن فئة الشباب في الكثير من الجامعات للقيام بشيء ما"، مشيرا إلى أن معظم من كانوا يتظاهرون في الجامعة لم يكونوا من الطلاب المسلمين أو العرب.
"بل كان هناك 12 طالبا يهوديا ينشطون معنا في قيادة التظاهرات والتخطيط"، بحسب آدم الذي أكد أنه "ليس معنى كوننا ضد إسرائيل أن يُنظر إلينا كمعادين للسامية".
وأدّى هجوم حركة حماس المصنفة "إرهابية" في الولايات المتحدة في السابع من أكتوبر على تجمعات سكنية إسرائيلية على الحدود مع غزة إلى مقتل 1205 أشخاص، معظمهم من المدنيين، وفق تعداد لوكالة فرانس برس يستند الى أرقام إسرائيلية رسمية.
وبين الضحايا رهائن قتلوا خلال احتجازهم في قطاع غزة، وهم من بين 251 رهينة خُطفوا في ذلك اليوم من جنوب إسرائيل.
وتعهّدت إسرائيل ردّا على الهجوم بـ"القضاء" على حماس. وتسبّبت الحرب الإسرائيلية والقصف العنيف المتواصل على قطاع غزة بمقتل أكثر من 41 ألف شخص، معظمهم من المدنيين بحسب الأمم المتحدة.
السر في الإعلام الجديد
تشير أستاذة الإعلام والاتصال بجامعة ميريلاند، سحر خميس في حديثها مع موقع "الحرة" إلى أن السبب في التحول من جانب الشباب وتزايد الحديث عن القضية الفلسطينية بينهم، هو لجوء العديد من الناشطين الشباب إلى منصات مثل فيسبوك وإنستغرام وتيك توك لنقل صورة ما يحدث في غزة "لأن وسائل الإعلام التقليدية تجاهلت بشكل كبير الانتهاكات التي تحدث في القطاع".
وتقول خميس إن "هناك نقصا كبيرا في التغطية الإعلامية لما يحدث في غزة... الشخص العادي في الولايات المتحدة لا يملك الدراية الكافية حول ما يحدث هناك".
تشير خميس إلى أن "هذا النقص" في التغطية الإعلامية التقليدية فتح الباب أمام وسائل التواصل الاجتماعي لتلعب دورا محوريا في نقل الأحداث.
ويرى كل من كولومبي وآدم أن وسائل الإعلام التقليدية لم تعد المصدر الموثوق للأخبار، وأن معظم الشباب الآن يعتمدون على وسائل الإعلام البديلة.
يوضح آدم أن "الإعلام التقليدي لم يعد يُصدَق. الشباب اليوم يتابعون وسائل التواصل الاجتماعي، يقرأون المقالات أو يشاهدون قنوات بديلة على الإنترنت. وهذا هو السبب في أننا نرى هذا التحول في وعي الجيل الجديد".
وتشير خميس إلى أن استخدام الصور والفيديوهات على المنصات الحديثة، مثل تيك توك وإنستغرام خاصة، ساعد في جعل القضية الفلسطينية محور اهتمام الشباب الأميركي، خصوصا من خلال الاعتماد على المحتوى المرئي.
وتعتبر خميس أنه "في حالة غزة، الصورة الواحدة تساوي مليون كلمة... وسائل التواصل الاجتماعي كانت وراء تنظيم مسيرات حاشدة في الولايات المتحدة لدعم غزة."
وسائل التواصل الاجتماعي لم تكتفِ بنقل الصور فقط، بل أصبحت أيضًا منصة للنقاشات السياسية. الشباب الأميركي، وخصوصًا الطلاب في الجامعات، بدأوا في استخدام هذه المنصات لتنظيم فعاليات واحتجاجات.
وتلاحظ كولومبي أن "عدد الأشخاص الذين يشاركون في الاحتجاجات الآن أكبر بكثير مما كان عليه في الماضي. الناس يدركون أكثر من أي وقت مضى الظلم الذي يتعرض له الفلسطينيون".
التحول في الرأي العام الأميركي نحو تأييد الفلسطينيين سببه الوضوح الذي أتاحته وسائل التواصل والاتصال، بحسب الناشط السياسي الفلسطيني الأميركي من ولاية ميشيغان، خالد الترعاني في حديثه مع موقع "الحرة".
ويرى الترعاني أن "بث العديد من مشاهد العنف والانتهاكات الإسرائيلية على الهواء مباشرة على وسائل التواصل الاجتماعي، جعل من الصعب على الإعلام الغربي التقليدي الدفاع عنها".
و أظهر استطلاع رأي في أبريل أن 75 في المئة من منتسبي الحزب الديمقراطي كانوا غير راضين عن تعامل إدارة الرئيس جو بايدن مع الحرب في غزة.
تداعيات الحرب على الحراك السياسي الأميركي
تؤثر القضية الفلسطينية على مواقف الناخبين الأميركيين، خاصة العرب والمسلمين. توضح خميس.
وتوضح أن "هناك من يقول إنه سيصوت للمرشحة الديمقراطية كامالا هاريس على حساب المرشح الجمهوري دونالد ترامب على اعتبار أنها أقل ضررا، لكن هناك رأي يتصاعد بشأن التصويت لمرشحة حزب الخضر جيل ستاين "التي تحدثت بشكل جيد عن الحرب في غزة".
وأظهر استطلاع للرأي أن الناخبين الأميركيين العرب والمسلمين الغاضبين من الدعم الأميركي للحرب في غزة يتحولون من تأييد نائبة الرئيس والمرشحة الديمقراطية لانتخابات الرئاسة، كامالا هاريس، إلى دعم ستاين، بأعداد قد تحرم المرشحة الديمقراطية من الفوز في ولايات حاسمة ستحدد مصير انتخابات الرئاسة في الخامس من نوفمبر، وفق ما نقلته رويترز.
وأظهر الاستطلاع الذي أجراه مجلس العلاقات الأميركية الإسلامية "كير"، في أواخر أغسطس الماضي ونشر في سبتمبر الحالي، أن 40 في المئة من الناخبين المسلمين في ولاية ميشيغان، وهي موطن جالية كبيرة من الأميركيين العرب، أيدوا ستاين.
الاستطلاع الذي أجري عبر الرسائل النصية قبل أسبوعين من مناظرة هاريس وترامب، التي تمت في العاشر من سبتمبر، أظهر أن هاريس متقدمة على ترامب بحصدها 29.4 في المئة مقابل 11.2 في المئة للمرشح الجمهوري، ويفضل 34 في المئة مرشحي طرفا ثالثا خاصة ستاين التي حصدت 29.1 في المئة.
وبين استطلاع "كير" الذي شمل 1155 ناخبا مسلما في أنحاء الولايات المتحدة أن هاريس تمثل الاختيار الأول للناخبين المسلمين في جورجيا وبنسلفانيا، بينما تقدم ترامب في نيفادا بحصوله على 27 في المئة، متفوقا بواحد في المئة فقط على هاريس. وجميعها ولايات متأرجحة لم تحسم إلا بهامش ضئيل في الانتخابات الأخيرة.
وحزب الخضر متواجد على قوائم التصويت في أغلب الولايات، بما في ذلك جميع الولايات التنافسية التي قد تحسم نتيجة الانتخابات، ما عدا ولايتي جورجيا ونيفادا حيث يخوض الحزب معركة قضائية من أجل إدراجه على قوائم التصويت.
كما تتقدم ستاين على هاريس بين المسلمين في أريزونا وويسكونسن، وهما ولايتان متأرجحتان تضمان عددا كبيرا من السكان المسلمين حيث هزم بايدن ترامب، في 2020، بهامش ضئيل.
ولا يتوقع منظمو استطلاعات الرأي أي فرصة لفوز ستاين، في عام 2024.
لكن دعمها لوقف دائم لإطلاق النار في غزة وفرض حظر فوري على الأسلحة الأميركية لإسرائيل ولحركات الطلاب الهادفة لإجبار الجامعات على سحب استثماراتها في الأسلحة جعلها محط الأنظار في الدوائر المؤيدة للفلسطينيين. أما زميلها على بطاقة الترشح، بوتش وير، وهو أستاذ في جامعة كاليفورنيا في سانتا باربرا، فهو مسلم.
غير ملتزم
القضية الفلسطينية لم تعد مجرد قضية إنسانية على هامش السياسة الأميركية، بل قد تكون عاملاً حاسمًا في الانتخابات المقبلة.
ويشرح الترعاني، الذي كان أحد قادة حملة "التخلي عن بايدن"، كيف استطاعت الحملة أن تؤثر في الولايات المتأرجحة مثل ميشيغان وبنسلفانيا وجورجيا.
وقال إن "القضية الفلسطينية أصبحت مهمة بعد أن نظمنا أنفسنا خصوصا في الولايات المتأرجحة مثل ميشيغان وبنسلفانيا وويسكونسن وأريزونا ونيفادا ونورث كارولاينا وجورجيا، وروجنا للحملة، وهذا أدى إلى أن حوالي 750 ألف ناخب في الولايات المتأرجحة بشكل خاص صوتوا بـ"غير ملتزم".
وحشدت حركة "غير ملتزم" أكثر من 750 ألف ناخب للتصويت لخيار غير ملتزم خلال منافسات الترشح عن الحزب الديمقراطي للرئاسة في وقت سابق هذا العام للاحتجاج على سياسة بايدن الداعمة لحرب إسرائيل على غزة. وانسحب بايدن من السباق، في يوليو، وأيد ترشيح هاريس التي دشنت حملتها بعد ذلك.
وقطعت هاريس شوطا أكبر من مسؤولين آخرين في إدارة بايدن إذ عبرت عن تعاطفها مع الفلسطينيين وهي تنتقد بشدة سلوك إسرائيل في الوقت نفسه الذي تلتزم فيه بسياسة إدارة بايدن، وهو ما أحبط الناخبين الأميركيين من العرب والمسلمين.
وأفاد نحو 3.5 مليون أميركي بأنهم من أصول تعود لمنطقة الشرق الأوسط في تعداد الولايات المتحدة لعام 2020، وهو العام الأول الذي تسجل فيه مثل هذه البيانات. ورغم أنهم لا يشكلون سوى واحد في المئة تقريبا من إجمالي سكان الولايات المتحدة البالغ عددهم 335 مليون نسمة، فإن ناخبيهم قد يثبتون أنهم حاسمون في سباق تظهر استطلاعات الرأي أنه متقارب بين هاريس وترامب.
التعراني أشار إلى أن التصويت غير الملتزم كان رسالة واضحة إلى إدارة بايدن تعبر عن غضب الشارع من التعامل الأميركي مع الأوضاع في غزة.
وأضاف أن "الناخبين من غير العرب والمسلمين، بمن فيهم التقدميون واليهود المناوئون للاحتلال الإسرائيلي، انضموا إلى هذه الحركة الاحتجاجية من خلال التصويت ضد بايدن أو اختيار عدم التصويت بشكل ملتزم". يشير التعراني إلى أن هذه التحركات ساهمت في تغيير مواقف الحزب الديمقراطي
على سبيل المثال، لم يتم اختيار جوش شابيرو، حاكم ولاية بنسلفانيا، كمرشح لمنصب نائب الرئيس بسبب الاحتجاجات والمظاهرات التي نظمت ضده بسبب موقفه من القضية الفلسطينية.
قيود وتراجع
لكن يبدو أن الاهتمام بالقضية الفلسطينية بدأ في التراجع مؤخرا بحسب الترعاني والعديد من الخبراء واستطلاعات الرأي، بل وحتى في الجامعات الأميركية التي اتخذت الكثير من الإجراءات خلال العطلة الصيفية، وبدأت في تنفيذ العديد من القيود على التظاهرات مع بدء العام الدراسي الجديد.
وفي استطلاع للرأي أجرته منظمة "ديموكراسي كوربس" في الفترة بين الأول والعاشر من أغسطس الماضي لـ2234 ناخبا مسجلا، لم تكن الحرب في غزة من بين القضايا الثلاث الأولى التي تقلق الأميركيين. بل إنها احتلت المرتبة الـ12 من بين 15 اختيارا. وأكد 10 في المئة فقط من الذين تم استطلاعهم أن قضية الحرب في غزة تمثل لهم أولوية.
وفي أوائل أغسطس، أجرت مؤسسة زغبي استطلاعا للرأي بين الناخبين الأميركيين، بتكليف من المعهد العربي الأميركي، وطلبت من الناس على وجه التحديد اختيار ثلاث قضايا هي الأكثر أهمية لتحديد تصويتهم. واحتلت "الأزمة في غزة" المرتبة الـ11 من بين 12 اختيارا.
وجاءت قضية غزة في المرتبة الأخيرة من بين القضايا التي تم تسميتها بنسبة سبعة في المئة، رغم أن 15 في المئة قالوا إنها كانت مهمة للغاية عندما سئلوا بشكل منفصل عن هذه القضية.
وفي الاستطلاعين، بدا أن الأميركيين يهتمون في المرتبة الأولى بقضايا تكاليف المعيشة والوظائف والهجرة.
ومنذ بدء الحرب في غزة في السابع من أكتوبر الماضي، تنحى رؤساء خمس جامعات أميركية من مناصبهم، في ظل اضطرابات عصيبة تخللتها جلسات استماع في الكونغرس وكثير من الضغط من مختلف الجهات.
وبينما عينت أربع من هذه الجامعات رؤساء مؤقتين، قضى قادة جامعات أخرى وقت الإجازة الصيفية في الإعداد للعام الدراسي الجديد من خلال سن قواعد أكثر صرامة لتجنب تكرار مشاهد الاحتجاجات والمخيمات والاعتقالات.
وشهدت الاحتجاجات احتلال المتظاهرين لمباني جامعية وفي بعض الاحيان حدوث مواجهات بينهم وبين الشرطة.
"في جامعة ميريلاند، قاموا بتوسيع القيود المفروضة على وضع الملصقات والمنشورات، بل وحتى على استخدام الطباشير. هذا يظهر إلى أي مدى يحاولون منعنا من إيصال رسالتنا"، بحسب كولومبي لموقع "الحرة".
رغم هذه القيود، استمرت الحركة الطلابية في تصعيد أنشطتها وتنظيم مظاهرات داخل الجامعة وخارجها.
ويشير آدم إلى أن "الكثير من الطلاب يشعرون بالخوف من الانتقام، ويخشون أن يتهمهم البعض بالإرهاب أو فقدان وظائفهم إذا شاركوا في الاحتجاجات. لكن بالنسبة لنا، فإن القضية هي قضية عدالة، والناس الذين يشاركون في هذا الحراك، سواء كانوا عربًا أو غير عرب، يفعلون ذلك لأنهم يهتمون بالعدالة."
من بين التحديات الكبرى التي تواجهها الحركات الطلابية المؤيدة لفلسطين هي الاتهامات بمعاداة السامية. يشير آدم إلى أن الطلاب اليهود الذين يرفضون دعم إسرائيل غالبًا ما يتعرضون للتهميش من مجتمعهم.
يقول آدم: "نحن لا نعارض اليهودية، بل نعارض الاحتلال. لكنهم يحاولون دائما إسكاتنا عن طريق اتهامنا بمعاداة السامية. يحاولون نشر أسمائنا على الإنترنت وتصويرنا كأعداء".
ويؤكد آدم أننا "كطلاب لن نستسلم أبدا. هذا الجيل من الشباب مختلف وتغير ولن يكون كما كان من قبل".