حملة صينية استمرت شهورا للتجسس على اتصالات الهواتف المحمولة لأهداف استخباراتية . أرشيفية
حملة صينية استمرت شهورا للتجسس على اتصالات الهواتف المحمولة لأهداف استخباراتية . أرشيفية

اقترحت وزارة العدل الأميركية، الاثنين، قواعد جديدة لحماية بيانات الحكومة الفيدرالية والبيانات الشخصية الضخمة للأميركيين من الوقوع في أيدي دول مثل الصين وإيران وروسيا، من خلال فرض قيود جديدة على معاملات تجارية معينة.

والمقترح كانت الوزارة استعرضته في مارس، بموجب أمر تنفيذي صدر في فبراير عن الرئيس، جو بايدن.

ويهدف المقترح إلى منع الخصوم الأجانب من استخدام البيانات المالية والوراثية الأميركية المتاحة في تنفيذ هجمات عبر الإنترنت، وفي التجسس، والابتزاز.

وقالت وزارة العدل إن الأميركيين لديهم "بصمة رقمية هائلة، وفي غياب التدابير الوقائية، يمكن لدول أن تستغلها لتهديد أمننا القومي من خلال الوصول إلى البيانات الشخصية الحساسة للأميركيين والبيانات المتعلقة بالحكومة الأميركية، من خلال معاملات وعلاقات تجارية مختلفة".

وهذه الدول تستخدم البيانات البيومترية والوراثية والمالية والصحية، وبيانات تحديد الموقع الجغرافي، إلى جانب المعرفة الشخصية "لتحليل أنماط حياة الأميركيين وعادات الإنفاق والقضايا المالية والتفضيلات والزيارات الشخصية لمواقع حساسة مثل أماكن العبادة والمرافق الحكومية والعيادات".

ثم تُستخدم هذه البيانات "في الهجمات الإلكترونية والابتزاز والتجسس وترهيب الناشطين والأكاديميين والشخصيات السياسية والصحفيين وغيرها من الأنشطة الخبيثة".

ورغم الجهود المبذولة لتقييد الوصول إلى البيانات، فإن القوانين الحالية تسمح لدول بالوصول إلى البيانات الشخصية والحكومية، من خلال الوسائل التجارية، ولا تعالج سلطات الأمن القومي القائمة هذه المخاطر إلا على أساس كل حالة على حدة.

ولمعالجة هذا الخطر، صدر الأمر التنفيذي رقم 14117، الذي يحمل عنوان "منع الوصول إلى البيانات الشخصية الحساسة بكميات كبيرة للأميركيين والبيانات المتعلقة بحكومة الولايات المتحدة من قبل الدول المثيرة للقلق".

وكلف الرئيس وزارة العدل بمسؤولية إنشاء وتنفيذ برنامج تنظيمي جديد للأمن القومي لمعالجة هذه المخاطر.

وفي الخامس من مارس، نشرت الوزارة القواعد التنظيمية المقترحة على موقع السجل الفيدرالي للتعليق عليها،  واستنادا إلى التعليقات العامة، اقترحت الوزارة قواعد لمعاملات بيانات معينة تشكل خطرا.

ويطلب قسم الأمن القومي التابع لوزارة العدل التعليق العام على القواعد الجديدة المقترحة في غضون 30 يوما من نشرها في موقع السجل الفيدرالي الحكومي.

وتم تصميم القواعد المقترحة "لمعالجة المخاطر الأمنية الوطنية المحددة الناجمة عن وصول بلدان معنية وأشخاص إلى البيانات الشخصية الحساسة للأميركيين، وبعض البيانات الحساسة المتعلقة بالحكومة الأميركية".

وتضع القواعد أسماء البلدان "المثيرة للقلق" التي تشملها القواعد، وأنواع الأشخاص الذين يجب منعهم من الوصول إلى البيانات المتعلقة بالحكومة أو البيانات الشخصية الحساسة.

وستسمح هذه القواعد لوزارة العدل بإنفاذ الامتثال، عن طريق العقوبات الجنائية والمدنية.

والدول المشمولة هي الصين (بما في ذلك هونغ كونغ وماكاو) وكوبا وإيران وكوريا الشمالية وروسيا وفنزويلا وهي دول"انخرطت في سلوك أضر بالأمن القومي للولايات المتحدة، أو أمن وسلامة الأشخاص الأميركيين".

وحددت القواعد فئات الأشخاص المشمولين، بما في ذلك الكيانات الأجنبية التي تمتلك دولة مثيرة للقلق نسبة 50 في المئة أو أكثر منها، أو يتم تنظيم عملها بموجب قوانين دولة مثيرة للقلق، أو يكون مقر عملها الرئيسي في واحدة من هذه الدول.

وذكر المقترح، لأول مرة، مزيدا من التفاصيل عن أنواع البيانات التي لا يمكن نقلها وكمياتها. 

ويشير مصطلح "الكمية" إلى كمية البيانات الشخصية الحساسة، التي لا يجب أن تتجاوز حدودا معينة. وتشمل هذه البيانات الجينوم البشري الخاصة بأكثر من 100 أميركي، أو المعلومات الصحية أو البيانات المالية لأكثر من 10 آلاف شخص.

وهذه الحدود الكمية لن تنطبق على المعاملات المتعلقة بالحكومة، ويشمل ذلك بيانات تحديد الموقع الجغرافي الدقيقة للأماكن، وأي بيانات شخصية حساسة مرتبطة بموظفي الحكومة الحاليين أو السابقين أو المتعاقدين.

وتقول الوزارة إنه يمكن للدول المعنية "استخدام وصولها إلى هذه الأنواع من البيانات للانخراط في أنشطة خبيثة، وتعزيز قدراتها العسكرية، وتتبع وبناء ملفات تعريف للأفراد الأميركيين (بما في ذلك أفراد الجيش وغيرهم من الموظفين والمتعاقدين الفيدراليين) لأغراض غير مشروعة مثل الابتزاز والتجسس".

ويمكن للدول المعنية أيضا استغلال هذه البيانات لجمع المعلومات عن الناشطين والأكاديميين والصحفيين والمعارضين السياسيين وأعضاء المنظمات غير الحكومية أو المجتمعات المهمشة لترهيبهم، وكبح المعارضة السياسية، وتقييد حريات التعبير، والتجمع السلمي، أو تكوين الجمعيات.

وتعفي القواعد المقترحة بعض الأمور مثل بعض الاتصالات الشخصية، والخدمات المالية، والمعاملات المسموح بها بموجب القانون الفيدرالي والاتفاقيات الدولية.

الذئاب المنفردة

فجر أول أيام يناير، 2025، وثقت كاميرا مثبتة على جسم أحد أفراد الشرطة الأميركية لحظات محاصرة شمس الدين جبّار، منفّذ عملية الدهس في مدينة نيو أورلينز الأميركية، أثناء محاولته الهروب بينما تناثرت أجساد ضحاياه على الأرض من حوله.

تحوّلَ جبّار من رقيب سابق في الجيش الأميركي، إلى إرهابي قاتل لـ 14 ضحية، ساقتهم الأقدار  إلى شارع بوربون الشهير للاحتفال بليلة رأس السنة.

يروي عباس الداهوك، وهو عقيد سابق في الجيش الأميركي، في مقابلة مع الحرة، أن حياة جبار كانت مليئة بالمشكلات، وكانت لديه خطة لجمع عائلته في مكان واحد لارتكاب العنف ضد أفرادها. لكنه في اللحظة الأخيرة قرر العدول عن تنفيذ الخطة، وسلك طريقا مختلفا. 

قاد شاحنته، وعليها علم داعش، ليفتك بأبرياء عزّل في مدينة نيو أورلينز. لم يُستبعد ارتباطه بالتنظيم الإرهابي، لكن على الأرجح كان يتصرف كذئب منفرد.

صباح اليوم نفسه، على بُعد 1700 ميل إلى الغرب، أطل الإرهاب بوجهه البشع مرة أخرى.

أمام فندق يعود للرئيس دونالد ترامب، في مدينة لاس فيغاس، انفجرت شاحنة كهربائية، بعد انتحار مستأجرها ماثيو ليفلسبيرغر، الرقيب الأول في القوات الخاصة الأميركية. 

يقول كولن كلارك، الخبير في قضايا الإرهاب، إن هذا كان أشبه بعرض لجذب الانتباه إلى ما كان للأسف نوعا من التشتّت الذهني لشخص ربما كان يعاني بشدة من اضطراب ما بعد الصدمة.

ويضيف أنه بعد 20 عاما من تركيز ضيّق للغاية على نوع واحد من الإرهاب، وهو الإرهاب الجهادي، "أدركنا الآن أن الأمور أكثر تعقيدا".

يشير كلارك إلى مفهوم الذئب المنفرد، أي كيف يمكن لشخص ما، من دون مقدمات، أن يتحوّل في أي بقعة من العالم، إلى ذئب منفرد يتبربص بضحاياه الغافلين، ليفتك بهم وينشر الرعب.

الذئب المنفرد، بحسب وزارة العدل الأميركية، هو شخص ينفّذ بمفرده هجوما إرهابيا ضد مجتمع يكون هو جزءا منه، بدوافع سياسية أو دينية، ولغرض التأثير على الرأي العام، أو عملية صنع القرار السياسي. وقد يستلهم أفكاره من مجموعة أو شبكة معينة، ولكنه لا يكون خاضعا لقيادتها.

برنامج "الحرة تتحرى" يعود بملف الذئاب المنفردة إلى بدايات هذا النوع من الإرهاب، وكيف تنامى، ويعرض أبرز الهجمات، ودوافع منفذيها، والأيديولوجيات التي تبنوها، إضافة إلى شرح الكوامن النفسية التي تدفع شخصا ما عن سابق إصرار وترصّد، إلى قتل آخرين، يراهم غالبا للمرة الأولى، وهو يدرك أنه سيدفع حياته ثمنا لذلك.

بحسب أحمد سلطان، الباحث في الأمن الإقليمي والإرهاب، يصعب في الغالب الكشف أو التنبؤ بهجمات الإرهابي الوحيد أو الذئب المنفرد، لأنك لا يمكن أن تراقب المجتمع بالكامل، كما أن الذئب المنفرد لا تظهر عليه أي علامات سابقة على تنفيذه الهجوم. 

في المقابل، يرى رامون سباي، وهو عالم اجتماع متخصص بظاهرة الذئاب المنفردة في ملبورن، أستراليا، أنه بمرور الوقت، أصبح إرهاب الذئاب المنفردة يشكّل نسبة أكبر بكثير من إجمالي الهجمات الإرهابية، وأن سياق هذه الهجمات، ورغم أن منفذيها أفراد، غالبا ما تكون نسخة متطرفة، أو تعبيرا عن الصراعات المجتمعية الأوسع الجارية في ذلك الوقت.

أما وائل سلامة، طبيب نفسي عمل على حالات لإرهابيين في السجون اللبنانية، فيؤكد أن هذه الحالات هي بلا شك نوع من البحث عن هوية.

"بالنسبة له (الذئب المنفرد) حتى عندما يتم قتله يصل إلى الغاية المنشودة، فالغاية الأساسية من الجريمة، أن يثبت قدراته".

قد يكون مصطلح "الذئاب المنفردة" حديث العهد، لكن فعل الهجوم الأحادي، ظهر قبل قرنين من الزمان.

يعود تاريخ الهجمات الأحادية، بحسب رامون سباي مؤلف كتابين عن إرهاب الذئاب المنفردة، إلى القرن التاسع عشر، لما يُعرف بإرهاب "الأناركية"، وهي تستند إلى فلسفة سياسية، وكان لديها استراتيجية تسمى "المقاومة القانونية"، و"الدعاية بالفعل".

وتتضمن استراتيجيتها ارتكاب أعمال عنف جماعي بشكل متفرق، وليس كجزء من مجموعة منظمة، من خلال قيام أفراد بشن هجمات عنيفة على مسؤولين حكوميين، رؤساء دول، وعائلات ملكية.

يشتق مصطلح الأناركية من الكلمة اليونانية "أنارخيا"، التي تعني بدون حاكم.

اكتسف فلسفة الأناركية شهرة في القرن التاسع عشر، ودعت إلى مجتمع بلا حكومة، أو هياكل هرمية.

في حديث مع "الحرة"، يقول ستيف كيليليا، مؤسس ومدير معهد الاقتصاد والسلام، الذي ينشر تقارير سنوية عن مؤشرات الإرهاب في العالم، إن مفهوم الذئب المنفرد، بدأ بالظهور فعليا في الفترة بين عامي 1870 و1930، مع حركة الأناركية في أوروبا والولايات المتحدة.وقد تكون إحدى أبرز هجمات هذه الحركة اغتيال الرئيس الأميركي، وليام ماكينلي، عام 1901.

أُعدم قاتل الرئيس، الأناركي ليون تشولغوش، بالكرسي الكهربائي، لكن هجمات الحركة استمرت على مدى عقود. وفي نهاية السبعينيات، شغل إرهابي مجهول الهوية السلطات الأميركية لسبعة عشر عاما كاملا.

وفق تقرير مكتب التحقيقات الفيدرالي أرسل هذا الشخص، أو سلّم باليد، سلسلة من القنابل التي كانت تزداد تطوراً، وأسفرت عن مقتل ثلاثة أميركيين، وإصابة أكثر من عشرين آخرين. 

يخبر سباي فريق "الحرة تتحرى" أنه منذ التسعينيات، ومع صعود اليمين المتطرف، بدأت فعلياً استراتيجية الذئب المنفرد أو الفاعل المنفرد، واستُخدم المصطلح بشكل أكثر تحديدا وانتشارا بواسطة نشطاء اليمين خاصة المتطرفين منهم.

وظهر كثير من "الذئات المنفردة" يضيف سباي، في صفوف اليمين المتطرّف، وذلك نتيجة استراتيجية تسمى "المقاومة بلا قائد"، وهي طريقة لمنع اختراق أو تفكيك جماعة أو منظمة من قبل وكالات إنفاذ القانون، وهي أيضا وسيلة لحماية القيادة، من خلال جعل الأشخاص يتصرفون بشكل فردي، فإذا تم القبض عليهم، فلن يكون لديهم تفاصيل عن الشبكة أو المخطط الأكبر.

لا يقتصر وجود الإرهاب على طريقة الذئاب المنفردة على الولايات المتحدة، بل يمتد عبر الأطلنطي إلى القارة العجوز.

بحسب ستيف كيليليا مؤسس ومدير معهد الاقتصاد والسلام في أستراليا، فإن عددا من الدول التي لم تتعرض لهجمات في السنوات الخمس الأخيرة، شهد عام 2024 ثماني هجمات ذئاب منفردة في السويد. وفي كل من فنلندا وهولندا والدنمارك وقع هجومان، وتصاعدت الهجمات من هذا النوع في دول أخرى مثل النرويج.

أما ألمانيا، فمن أكثر الدول الغربية تعرضا للإرهاب، ومنها هجمات ذئاب منفردة. 

قبيل عيد الميلاد عام 2024، نفّذ طالب العبد المحسن، طبيب نفسي من أصول سعودية، عملية دهس في سوق مزدحم، في مدينة ماغديبورغ الألمانية، أدت إلى مقتل خمسة أشخاص، وإصابة مئات آخرين.

طبقا لتقارير متخصصة، 93 في المئة من الهجمات الإرهابية المميتة في الغرب خلال السنوات الخمس الماضية نفذت بواسطة "ذئاب منفردة". فما الذي يجذبهم إلى هذا الأسلوب دون سواه؟ 

يجيب أحمد سلطان، الباحث في الأمن الإقليمي والإرهاب، بأن الأسهل هي هجمات الذئاب المنفردة لأنها طبعا أصعب في الكشف والتوقع. ويعني أنها يمكن أن تحدث في أي وقت وأي مكان، "أما الهجمات المنسقة فتحتاج للموارد، وتأخذ وقتا طويلا في التجهيز والتخطيط والتنفيذ".

قد يبدو الفعل بعدائيته نابعا من قوة، إلا أن علم النفس له رأي آخر.

في الجزء الأكبر منه هو ناتج عن عقدة نقص "دائما ما تدفع بالشخص ليبالغ بردة الفعل"، ، يقول وائل سلامة، الطبيب النفسي، فمن ناحية المجرم أو الإرهابي فهو "يريد أن يضخم بجريمته لتضخيم ردة الفعل وبالتالي يغذي عقدة النقص الموجودة لديه".

يخبر رامون سباي "الحرة" أن ما لاحظه في كثير من حالات الذئاب المنفردة التي درسها هو أنه "بمرور الوقت يحدث تحوّل حقيقي في هويتهم"، فيرون ارتكاب العنف عملا ثوريا يمنحهم شعورا بالوجود والأهمية،  ... والإحساس القوي بالاستقامة الأخلاقية والتصرّف باسم الحق والخير"، رغم أن ما يقومون به هو فعل إجرامي ضحاياه في الغالب أناس أبرياء يُستهدفون بينما هم منشغلون بشؤونهم اليومية.